أيها الناس، اتقوا الله تعالى وتَفَكَّروا في سرعة مرور الأيام والليال، وتذكَّروا بذلك قربَ انتقالِكم من هذه الدنيا، فتزوَّدوا بصالح الأعمالِ، حَلَّ بكم شهرُ رمضان المبارك بخيراتهِ وبركاتهِ، وعشتُم جميع أوقاته، ثم انتهى وارتحَلَ سريعاً شاهداً عنه ربه لِمَنْ عَرَف قدره واستفادَ من خيرِهِ بالطاعة، وشاهداً على مَنْ تجاهل فضله،وأساء فيه بالإضاعة؛ فليحاسب كلٌّ منَّا نفسَه ماذا قدَّم في هذا الشهر، فَمَنْ قدَّم فيه خيراً فليحمَدِ الله على ذلك، وليسألْهُ القبولَ والاستمرارَ على الطاعة في مستقبلِ حياته، ومَنْ كان مفرطاً فيه فليتُب إلى الله، وليبدأ حياة جديدة يستغلُّها بالطاعة، بدلَ الحياة التي أضاعَها في الغفلة والإساءة، لعلَّ الله يُكَفِّرُ عنه ما مضى ويُوفِّقَهُ فيما يقي من عمره، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)، [هود: 114]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وأتبع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها)، وقال تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)، [الفرقان: 70].
عباد الله، إنَّ شهرَ رمضان كما وصفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "شهرٌ أولهُ رحمةٌ، وأوسطُه مغفرةٌ، وآخرُه عتقٌ من النار"، وذلك لأنَّ الناس مع هذا الشهر لهم حالاتٌ مختلفة، فمنهم مَنْ وافاه هذا الشهر وهو مستقيمٌ على الطاعة، محافظٌ على صلاة الجمع والجماعة، مبتعدٌ عن المعاصي، ثم اجتهد في هذا الشهر بفعل الطاعات، فكان زيادة خير له؛ فهذا تناله رحمة الله؛ لأنَّه محسنٌ في عمله، وقد قال تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، [الأعراف: 56]، ومنهم مَنْ وافاه هذا الشهر، فصام نهاره، وقام ما تَيسَّرَ من ليله، وهو قبل ذلك محافظٌ على أداء الفرائض وكثيرٍ من الطاعات، لكن عنده ذنوبٌ دون الكبائر؛ فهذا تناله مغفرة الله، قال تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا)، [النساء: 31]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصلوات الخمسُ، والجمعة إلى الجمعة، ورمضانُ إلى رمضان كفارة لما بينَهُنَّ إذا ما اجُتنبت الكبائر"، ومنهم مَنْ وافاه شهر رمضان وعنده ذنوبٌ كبائر، لكنها دونَ الشركِ، وقد استوجبَ بها دخول النار، ثم تاب منها، وصام هذا الشهر، وقام ما تيسر منه، فهذا يناله الإعتاق من النار بعد ما استوجب دخولها، ومنهم مَنْ وافاه الشهر وهو مقيمٌ على المعاصي من فعل المحرمات، وترك الواجبات، وإضاعة الصلاة، فلم يتغيَّر حاله، ولم يَتُبْ إلى الله من سيئاته. أو تاب منها توبةً مُؤقَّتة في رمضان، ولمَّا انتهى عاد إليها، فهذا هو الخاسر الذي خسِرَ حياته. وضيَّع أوقاته، ولم يستفِدْ من هذا الشهر إلا الذنوب والآثام، وقد قال جبريل للنبي -عليهما الصلاة والسلام-: "ومَنْ أدركه شهرٌ رمضان، فلم يُغْفَر له فأبْعَده الله قُل آمين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: آمين"، والمحروم مَنْ حرمَهُ الله، والشقيُّ من أبعدَه الله.