الرد على شبهة القائلين: إنّ الخروج لا يكونُ إلا بالسيف!!
وبيان مراد العلماء بقولهم: (الخروج بالسيف)
الحمد لله على نعمة الثبات على الإسلام والسُّنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه.
أمَّا بَعْدُ:
إنّ صاحبَ هذا القول -الخروجُ لا يكون إلا بالسيف- إما أنه جاهلٌ بمذهب السلف أو كاذبٌ عليهم، فليختر لنفسه ما شاء، وأحلاهما مُرُّ؛ لأنّ أولَ خروجٍ في الإسلام كان بـ (الكلمة)!!
فإنْ كنتَ لا تدري فتلكَ مصيبةٌ ... وإنْ كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظمُ.
فذُو الخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ الذي قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «اتقِ اللهَ يا محمد». [البخاري (3344)، ومسلم (1064)]، وفي رواية: «اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ». [سنن ابن منصور (2902)، وابن ماجه (172)].
بماذا خرج؟! أم أنه ليس بخارجيّ؟!!
لقد عدَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- خارجيًا، بل إمامًا للخوارج الذين يأتون من بعده، فقال عنه: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ». [متفق عليه، واللفظ لمسلم (1064)].
مع أن ذا الخويصرة هذا لم يُشْهِر سيفًا، ولم يُقاتِل النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وإنما قال (كلمة)!!: «اعدلْ».
وقد تتابع علماءُ الحديث في ذِكر هذا الحديث في أول أبواب ذم الخوارج وصفاتهم، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
• الإمام البخاري -رحمه الله-: ذكرَ هذا الحديث في أول باب (مَن تَرَكَ قتال الخوارج للتَّأَلُّف، وأن لا ينفرَ الناسُ عنه).
• النووي -رحمه الله-: ذكره في أول باب (ذِكر الخوارج وصفاتِهم).
• البغوي -رحمه الله-: ذكره كأول حديث في باب (قتال الخوارج والمُلحدين).
• أبو نعيم الأصبهاني -رحمه الله-: ذكره في أول باب (أصل الخوارج وصفاتهم).
ولذلك قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين: «بل العجب أنه -يعني ذا الخويصرة- وجَّه الطعن إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقال له: «اعدل، هذه قسمة ما أُريدَ بها وجه الله»، وهذا أكبرُ دليل على أن الخروج على الإمام يكون بالسيف، ويكون بالقول والكلام، يعني: هذا ما أخذ السيفَ على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لكنه أنكر عليه». [من تعليقه على رسالة الإمام الشوكاني -رحمهما الله-: «رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين ( الشريط : ٢/أ )]
وقد سُئل العلامة صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-: هل الخروج على الأئمة يكون بالسيف فقط، أم يدخل في ذلك الطعن فيهم، وتحريض الناس على منابذتهم والتظاهر ضدهم؟
فأجاب -حفظه الله-: «ذكرنا هذا لكم، قلنا: الخروج على الأئمة يكون بالخروج عليهم بالسيف، وهذا أشد الخروج، ويكون بالكلام: بسبِّهم، وشتمهم، والكلام فيهم في المجالس، وعلى المنابر، هذا يهيِّج الناس ويحثهم على الخروج على ولي الأمر، ويُنَقِّص قدر الولاة عندهم، هذا خروج، فالكلام خروج، نعم». [محاضرة ألقاها الشيخ بمسجد الملك فهد بالطائف بتاريخ 3-3-1415 هـ، والمادة موجودة على الموقع الرسمي للشيخ، بعنوان: (صور الخروج على الأئمة)] .
وسُئلَ العلامة عبدالعزيز الراجحي -حفظه الله-: هل الخروج على الحكام يكون بالسيف فقط, أم يكون باللسان أيضًا؟ كمَن ينتقد الظلم مثلاً, أو مَن يطالب بتغيير المنكرات علانيةً عن طريق الإعلام والقنوات الفضائية؟
فأجاب -حفظه الله-: «نعم , الخروج على الولاة يكون بالقتال وبالسيف, ويكون أيضًا بذكر المعايب ونشرها في الصحف، أو فوق المنابر، أو في الإنترنت؛ في الشبكة أوغيرها؛ لأن ذكر المعايب هذه تبغِّض الناس في الحُكّام, ثم تكون سببًا في الخروج عليهم.
أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه- لما خرج عليه (الثوار) نشروا معايبه أولاً بين الناس, وقالوا: إنه خالف الشيخين الذين قبله أبو بكرٍ وعمر, وخالفهما في التكبير, وأخذ الزكاة على الخيل, وأتمَّ الصلاة في السفر, وقرّب أولياءه, وأعطاهم الولايات.. فجعلوا ينشرونها، فاجتمع (الثوار)، ثم أحاطوا ببيته وقتلوه.
فلا يجوز للإنسان أن ينشرَ المعايب, هذا نوعٌ من الخروج، فإذا نُشرت المعايب -معايب الحُكام والولاة- على المنابر، وفي الصحف، والمجلات، وفي الشبكة المعلوماتية, أبغضَ الناس الولاة وألَّبوهم عليهم, فخرج الناس عليهم». اهـ [«شرح المختار في أصول السنة» للراجحي (صـ 289)] .
وقال العلامة أحمد النجمي -رحمه الله-: «والخروجُ عليهم ينقسم إلى قسمين:
1- خروجٌ فعلي بالسيف وما في معناه.
2- خروجٌ قولي: أن يتكلمَ الإنسانُ في ولاة الأمر، ويقدحَ فيهم، ويذمهم، دعوةً إلى الخروج عليهم». اهـ [«فتح الرب الغني بتوضيح شرح السنة» للمزني (صـ 51) ] .
* بل إنّ الخروج بالسيف والسنان لابد أن يسبقه خروجٌ بالكلام واللسان، فمن المعلوم أنّ الفعلَ يسبقه الكلامُ، وأن الفتنَ العظام والحروبَ الكبيرة تبدأ -أولاً- بالكلام والتشهير، وكما قيلَ:
فإِنَّ النَّارَ بالعُودَيْنِ تُذْكَى ... وإِنَّ الحَرْبَ أَوَّلُها كَلامُ
قال العلامة المحقق ابن عثيمين -رحمه الله-: «ونحن نعلم علم اليقين بمقتضى طبيعة الحال: أنه لا يمكن خروج بالسيف إلا وقد سبقه خروج باللسان والقول.
الناس لا يمكن أن يأخذوا سيوفهم يحاربون الإمام بدون شيء يثيرهم، لابد أن يكون هناك شيء يثيرهم، وهو الكلام، فيكون الخروج على الأئمة بالكلام خروجًا حقيقة، دلَّت عليه السنة، ودلّ عليه الواقع.
أما السنة فعرفتموها، وأما الواقع: فإنا نعلم علم اليقين: أن الخروج بالسيف فرعٌ عن الخروج باللسان والقول، لأن الناس لم يخرجوا على الإمام (بمجرد أخذِ السيف)، لابد أن يكون توطئة وتمهيد: قدح في الأئمة، وستر لمحاسنهم، ثم تمتلئ القلوب غيظًا وحقدًا، وحينئِذٍ يحصل البلاء». [من تعليقه على رسالة الإمام الشوكاني: «رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين»، ( الشريط : ٢/أ )].
وقد سُئل العلامة صالح الفوزان -حفظه الله-: هل الخروج على الحاكم بالقول كالخروج بالسيف سواء بسواء؟ وما الحكم بالخروج على الحاكم؟
فأجابَ: الخروج على الحاكم بالقول قد يكون أشد من الخروج بالسيف، بل الخروج بالسيف مترتب على الخروج بالقول ، الخروج بالقول خطيرٌ جدًا، ولا يجوز للإنسان أن يحث الناس على الخروج على ولاة الأمور، ويبغَّض ولاة أمور المسلمين إلى الناس، فإنّ هذا سبب في حمل السلاح فيما بعد والقتال، فهو أشد من الخروج بالسيف؛ لأنه يُفسِد العقيدة، ويُحرِّش بين الناس، ويُلقي العداوة بينهم، وربما يسبب حمل السلاح ، نعم. [الموقع الرسمي للشيخ، مادة بعنوان: (الخروج على الحاكم بالقول أخطر من الخروج عليه بالسيف)].
وسُئلَ الشيخ العلامة المجاهد ربيع بن هادي عمير المدخلي -حفظه الله-: هل يكون الخروج على ولاة الأمر بالكلام أو لابدّ من الخروج عليهم بالسيف؟
فأجاب: «بدايةُ الخروج بالكلام؛ الكلام في تهييج الناس وتثويرهم وشحنهم وإلقاء البغضاء بين الناس؛ هذه فتنة قد تكون أشدّ من السيف, ما يكون السيف إلاّ تعبيرًا عمّا في النفوس, ولهذا عبد الله بن إباض -رئيس الإباضية من القَعَدَة- يُعَدّ من الخوارج, يعني يحرِّك الناس بالكلام, وفِرقة سموها: ( القَعَدِيَّة )، وهم من الخوارج، يعني يحرِّكون الناس بالكلام. [الموقع الرسمي للشيخ - قسم الفتاوى]
فلا يُعقل من جهة النظر سيفٌ بلا لسان!!، والتاريخُ والواقع يشهدان على ذلك.
فالخروجَ على سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بدأ بالكلام: بالطعنِ فيه والتشهيرِ به -زَورًا وبهتانًا-، حتى انتهى بقتله شهيدًا صابرًا -رضي الله عنه وأرضاه-.
فها هو عبدالله بن سبإ اليهودي كان يقول لأتباعه: «إن عُثْمَان أخذها بغير حق، وهذا وَصِىّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانهضوا في هذا الأمر فحرِّكوه، وابدءوا بالطعن عَلَى أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، تستميلوا الناس، وادعوهم إِلَى هَذَا الأمر». [تاريخ الطبري (4/ 340-341)].
فهل أفعالُ المتظاهرين والمعتصمين -(الثوار)- اليوم إلا سنة أسلافهم من الخوارج المفسدين الذين ثاروا على عثمان -رضي الله عنه- يطالبونه بالتنحي؟!!
وقد تحقق ما أراده ابن سبإ؛ فَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «كَانَ أَوَّلَ مَنِ اجْتَرَأَ عَلَى عُثْمَانَ بِالمَنْطِقِ السَّيِّئِ جبلة ابن عَمْرٍو السَّاعِدِيَّ، مَرَّ بِهِ عُثْمَانُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَدِيِّ قَوْمِهِ، وَفِي يَدِ جَبَلَةَ بْنِ عَمْرٍو جَامِعَةٌ، فَلَمَّا مَرَّ عُثْمَانُ سَلَّمَ، فَرَدَّ القَوْمُ، فَقَالَ جَبَلَةُ: لِمَ تَرُدُّونَ عَلَى رَجُلٍ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا! قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لأَطْرَحَنَّ هَذِهِ الجَامِعَةَ فِي عُنُقِكَ أَوْ لَتَتْرُكَنَّ بِطَانَتَكَ هَذِهِ.
قَالَ عُثْمَانُ: أى بطانة! فو الله إِنِّي لأَتَخَيَّرُ النَّاسَ، فَقَالَ: مَرْوَانُ تَخَيَّرْتَهُ! وَمُعَاوِيَةُ تَخَيَّرْتَهُ! وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ تَخَيَّرْتَهُ! وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ تَخَيَّرْتَهُ! مِنْهُمْ مَن نزل القرآن بدمه، وأباح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دَمَهُ.
قَالَ: فَانْصَرَفَ عُثْمَانُ، فَمَا زَالَ النَّاسُ مُجْتَرِئِينَ عَلَيْهِ إِلَى هَذَا اليَوْمِ». [تاريخ الطبري (4/366)] .
وقد قالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ: «لا أُعِينُ عَلَى دَمِ خَلِيفَةٍ أَبَدًا بَعْدَ عُثْمَانَ». قَالَ فَيُقَالُ لَهُ: يَا أَبَا مَعْبَدٍ أَوَ أَعَنْتَ عَلَى دَمِهِ؟ فَقَالَ: «إِنِّي لأَعُدُّ ذِكْرَ مَسَاوِيهِ عَوْنًا عَلَى دَمِهِ». [رواه ابن سعد في الطبقات (6/115)، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/362)، وغيرهما].
فعبد الله بن عُكَيْم لم يزد على أن ذكرَ مساوئ عثمان -رضي الله عنه-, ولكنه اعتبر ذلك من الإعانة على دمه.
قال العلامة ابن باز -رحمه الله-: «ولما فتح الخوارج الجهال بابَ الشر في زمان عثمان -رضي الله عنه- وأنكروا على عثمان علنًا؛ عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقُتل عثمان وعلي -رضي الله عنهما- بأسباب ذلك، وقتل جمعٌ كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنًا، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه». [مجموع فتاوى ابن باز (8/211)].
وبيان مراد العلماء بقولهم: (الخروج بالسيف)
الحمد لله على نعمة الثبات على الإسلام والسُّنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه.
أمَّا بَعْدُ:
إنّ صاحبَ هذا القول -الخروجُ لا يكون إلا بالسيف- إما أنه جاهلٌ بمذهب السلف أو كاذبٌ عليهم، فليختر لنفسه ما شاء، وأحلاهما مُرُّ؛ لأنّ أولَ خروجٍ في الإسلام كان بـ (الكلمة)!!
فإنْ كنتَ لا تدري فتلكَ مصيبةٌ ... وإنْ كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظمُ.
فذُو الخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ الذي قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «اتقِ اللهَ يا محمد». [البخاري (3344)، ومسلم (1064)]، وفي رواية: «اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ». [سنن ابن منصور (2902)، وابن ماجه (172)].
بماذا خرج؟! أم أنه ليس بخارجيّ؟!!
لقد عدَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- خارجيًا، بل إمامًا للخوارج الذين يأتون من بعده، فقال عنه: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ». [متفق عليه، واللفظ لمسلم (1064)].
مع أن ذا الخويصرة هذا لم يُشْهِر سيفًا، ولم يُقاتِل النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وإنما قال (كلمة)!!: «اعدلْ».
وقد تتابع علماءُ الحديث في ذِكر هذا الحديث في أول أبواب ذم الخوارج وصفاتهم، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
• الإمام البخاري -رحمه الله-: ذكرَ هذا الحديث في أول باب (مَن تَرَكَ قتال الخوارج للتَّأَلُّف، وأن لا ينفرَ الناسُ عنه).
• النووي -رحمه الله-: ذكره في أول باب (ذِكر الخوارج وصفاتِهم).
• البغوي -رحمه الله-: ذكره كأول حديث في باب (قتال الخوارج والمُلحدين).
• أبو نعيم الأصبهاني -رحمه الله-: ذكره في أول باب (أصل الخوارج وصفاتهم).
ولذلك قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين: «بل العجب أنه -يعني ذا الخويصرة- وجَّه الطعن إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقال له: «اعدل، هذه قسمة ما أُريدَ بها وجه الله»، وهذا أكبرُ دليل على أن الخروج على الإمام يكون بالسيف، ويكون بالقول والكلام، يعني: هذا ما أخذ السيفَ على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لكنه أنكر عليه». [من تعليقه على رسالة الإمام الشوكاني -رحمهما الله-: «رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين ( الشريط : ٢/أ )]
وقد سُئل العلامة صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-: هل الخروج على الأئمة يكون بالسيف فقط، أم يدخل في ذلك الطعن فيهم، وتحريض الناس على منابذتهم والتظاهر ضدهم؟
فأجاب -حفظه الله-: «ذكرنا هذا لكم، قلنا: الخروج على الأئمة يكون بالخروج عليهم بالسيف، وهذا أشد الخروج، ويكون بالكلام: بسبِّهم، وشتمهم، والكلام فيهم في المجالس، وعلى المنابر، هذا يهيِّج الناس ويحثهم على الخروج على ولي الأمر، ويُنَقِّص قدر الولاة عندهم، هذا خروج، فالكلام خروج، نعم». [محاضرة ألقاها الشيخ بمسجد الملك فهد بالطائف بتاريخ 3-3-1415 هـ، والمادة موجودة على الموقع الرسمي للشيخ، بعنوان: (صور الخروج على الأئمة)] .
وسُئلَ العلامة عبدالعزيز الراجحي -حفظه الله-: هل الخروج على الحكام يكون بالسيف فقط, أم يكون باللسان أيضًا؟ كمَن ينتقد الظلم مثلاً, أو مَن يطالب بتغيير المنكرات علانيةً عن طريق الإعلام والقنوات الفضائية؟
فأجاب -حفظه الله-: «نعم , الخروج على الولاة يكون بالقتال وبالسيف, ويكون أيضًا بذكر المعايب ونشرها في الصحف، أو فوق المنابر، أو في الإنترنت؛ في الشبكة أوغيرها؛ لأن ذكر المعايب هذه تبغِّض الناس في الحُكّام, ثم تكون سببًا في الخروج عليهم.
أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه- لما خرج عليه (الثوار) نشروا معايبه أولاً بين الناس, وقالوا: إنه خالف الشيخين الذين قبله أبو بكرٍ وعمر, وخالفهما في التكبير, وأخذ الزكاة على الخيل, وأتمَّ الصلاة في السفر, وقرّب أولياءه, وأعطاهم الولايات.. فجعلوا ينشرونها، فاجتمع (الثوار)، ثم أحاطوا ببيته وقتلوه.
فلا يجوز للإنسان أن ينشرَ المعايب, هذا نوعٌ من الخروج، فإذا نُشرت المعايب -معايب الحُكام والولاة- على المنابر، وفي الصحف، والمجلات، وفي الشبكة المعلوماتية, أبغضَ الناس الولاة وألَّبوهم عليهم, فخرج الناس عليهم». اهـ [«شرح المختار في أصول السنة» للراجحي (صـ 289)] .
وقال العلامة أحمد النجمي -رحمه الله-: «والخروجُ عليهم ينقسم إلى قسمين:
1- خروجٌ فعلي بالسيف وما في معناه.
2- خروجٌ قولي: أن يتكلمَ الإنسانُ في ولاة الأمر، ويقدحَ فيهم، ويذمهم، دعوةً إلى الخروج عليهم». اهـ [«فتح الرب الغني بتوضيح شرح السنة» للمزني (صـ 51) ] .
* بل إنّ الخروج بالسيف والسنان لابد أن يسبقه خروجٌ بالكلام واللسان، فمن المعلوم أنّ الفعلَ يسبقه الكلامُ، وأن الفتنَ العظام والحروبَ الكبيرة تبدأ -أولاً- بالكلام والتشهير، وكما قيلَ:
فإِنَّ النَّارَ بالعُودَيْنِ تُذْكَى ... وإِنَّ الحَرْبَ أَوَّلُها كَلامُ
قال العلامة المحقق ابن عثيمين -رحمه الله-: «ونحن نعلم علم اليقين بمقتضى طبيعة الحال: أنه لا يمكن خروج بالسيف إلا وقد سبقه خروج باللسان والقول.
الناس لا يمكن أن يأخذوا سيوفهم يحاربون الإمام بدون شيء يثيرهم، لابد أن يكون هناك شيء يثيرهم، وهو الكلام، فيكون الخروج على الأئمة بالكلام خروجًا حقيقة، دلَّت عليه السنة، ودلّ عليه الواقع.
أما السنة فعرفتموها، وأما الواقع: فإنا نعلم علم اليقين: أن الخروج بالسيف فرعٌ عن الخروج باللسان والقول، لأن الناس لم يخرجوا على الإمام (بمجرد أخذِ السيف)، لابد أن يكون توطئة وتمهيد: قدح في الأئمة، وستر لمحاسنهم، ثم تمتلئ القلوب غيظًا وحقدًا، وحينئِذٍ يحصل البلاء». [من تعليقه على رسالة الإمام الشوكاني: «رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين»، ( الشريط : ٢/أ )].
وقد سُئل العلامة صالح الفوزان -حفظه الله-: هل الخروج على الحاكم بالقول كالخروج بالسيف سواء بسواء؟ وما الحكم بالخروج على الحاكم؟
فأجابَ: الخروج على الحاكم بالقول قد يكون أشد من الخروج بالسيف، بل الخروج بالسيف مترتب على الخروج بالقول ، الخروج بالقول خطيرٌ جدًا، ولا يجوز للإنسان أن يحث الناس على الخروج على ولاة الأمور، ويبغَّض ولاة أمور المسلمين إلى الناس، فإنّ هذا سبب في حمل السلاح فيما بعد والقتال، فهو أشد من الخروج بالسيف؛ لأنه يُفسِد العقيدة، ويُحرِّش بين الناس، ويُلقي العداوة بينهم، وربما يسبب حمل السلاح ، نعم. [الموقع الرسمي للشيخ، مادة بعنوان: (الخروج على الحاكم بالقول أخطر من الخروج عليه بالسيف)].
وسُئلَ الشيخ العلامة المجاهد ربيع بن هادي عمير المدخلي -حفظه الله-: هل يكون الخروج على ولاة الأمر بالكلام أو لابدّ من الخروج عليهم بالسيف؟
فأجاب: «بدايةُ الخروج بالكلام؛ الكلام في تهييج الناس وتثويرهم وشحنهم وإلقاء البغضاء بين الناس؛ هذه فتنة قد تكون أشدّ من السيف, ما يكون السيف إلاّ تعبيرًا عمّا في النفوس, ولهذا عبد الله بن إباض -رئيس الإباضية من القَعَدَة- يُعَدّ من الخوارج, يعني يحرِّك الناس بالكلام, وفِرقة سموها: ( القَعَدِيَّة )، وهم من الخوارج، يعني يحرِّكون الناس بالكلام. [الموقع الرسمي للشيخ - قسم الفتاوى]
فلا يُعقل من جهة النظر سيفٌ بلا لسان!!، والتاريخُ والواقع يشهدان على ذلك.
فالخروجَ على سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بدأ بالكلام: بالطعنِ فيه والتشهيرِ به -زَورًا وبهتانًا-، حتى انتهى بقتله شهيدًا صابرًا -رضي الله عنه وأرضاه-.
فها هو عبدالله بن سبإ اليهودي كان يقول لأتباعه: «إن عُثْمَان أخذها بغير حق، وهذا وَصِىّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانهضوا في هذا الأمر فحرِّكوه، وابدءوا بالطعن عَلَى أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، تستميلوا الناس، وادعوهم إِلَى هَذَا الأمر». [تاريخ الطبري (4/ 340-341)].
فهل أفعالُ المتظاهرين والمعتصمين -(الثوار)- اليوم إلا سنة أسلافهم من الخوارج المفسدين الذين ثاروا على عثمان -رضي الله عنه- يطالبونه بالتنحي؟!!
وقد تحقق ما أراده ابن سبإ؛ فَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «كَانَ أَوَّلَ مَنِ اجْتَرَأَ عَلَى عُثْمَانَ بِالمَنْطِقِ السَّيِّئِ جبلة ابن عَمْرٍو السَّاعِدِيَّ، مَرَّ بِهِ عُثْمَانُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَدِيِّ قَوْمِهِ، وَفِي يَدِ جَبَلَةَ بْنِ عَمْرٍو جَامِعَةٌ، فَلَمَّا مَرَّ عُثْمَانُ سَلَّمَ، فَرَدَّ القَوْمُ، فَقَالَ جَبَلَةُ: لِمَ تَرُدُّونَ عَلَى رَجُلٍ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا! قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لأَطْرَحَنَّ هَذِهِ الجَامِعَةَ فِي عُنُقِكَ أَوْ لَتَتْرُكَنَّ بِطَانَتَكَ هَذِهِ.
قَالَ عُثْمَانُ: أى بطانة! فو الله إِنِّي لأَتَخَيَّرُ النَّاسَ، فَقَالَ: مَرْوَانُ تَخَيَّرْتَهُ! وَمُعَاوِيَةُ تَخَيَّرْتَهُ! وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ تَخَيَّرْتَهُ! وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ تَخَيَّرْتَهُ! مِنْهُمْ مَن نزل القرآن بدمه، وأباح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دَمَهُ.
قَالَ: فَانْصَرَفَ عُثْمَانُ، فَمَا زَالَ النَّاسُ مُجْتَرِئِينَ عَلَيْهِ إِلَى هَذَا اليَوْمِ». [تاريخ الطبري (4/366)] .
وقد قالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ: «لا أُعِينُ عَلَى دَمِ خَلِيفَةٍ أَبَدًا بَعْدَ عُثْمَانَ». قَالَ فَيُقَالُ لَهُ: يَا أَبَا مَعْبَدٍ أَوَ أَعَنْتَ عَلَى دَمِهِ؟ فَقَالَ: «إِنِّي لأَعُدُّ ذِكْرَ مَسَاوِيهِ عَوْنًا عَلَى دَمِهِ». [رواه ابن سعد في الطبقات (6/115)، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/362)، وغيرهما].
فعبد الله بن عُكَيْم لم يزد على أن ذكرَ مساوئ عثمان -رضي الله عنه-, ولكنه اعتبر ذلك من الإعانة على دمه.
قال العلامة ابن باز -رحمه الله-: «ولما فتح الخوارج الجهال بابَ الشر في زمان عثمان -رضي الله عنه- وأنكروا على عثمان علنًا؛ عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقُتل عثمان وعلي -رضي الله عنهما- بأسباب ذلك، وقتل جمعٌ كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنًا، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه». [مجموع فتاوى ابن باز (8/211)].