- إنضم
- 21 سبتمبر 2015
- المشاركات
- 1,186
- نقاط التفاعل
- 2,906
- النقاط
- 71
- العمر
- 23
- محل الإقامة
- مستغانم
- الجنس
- أنثى
السلام عليكم ورحمة االله
قصة امرأة زكريا 16/11/1429هـ
الحمدُ للهِ الذي أنزلَ آياتٍ بيناتٍ، وفصلها سورًا وآياتٍ، وصلى اللهُ وسلمَ على نبيِّ الْمَكْرُمَاتِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن تبعهم حتى المماتِ. أمّا بعدُ: أيّها النَّاسُ! اتقوا ربَّكم واشكروه، واعملوا بالقرآنِ وتدبروه، فقد جعلَهُ اللهُ سدًّا منيعًا لمواجهةِ فتنِ الشبهاتِ والشهواتِ. عبادَ اللهِ: مواصلة لسلسلة (قصص النساءِ في القرآنِ)،وكنا قد بدأنا الحديث بقصة أم البشر حواء عليها السلام، ثم أتبعناها بقصة امرأة نوح وامرأة لوط، ثم قصة امرأة عزيز مصر، ثم قصة ملكة سبأ بلقيس، وها نحن اليوم نتحدث عن امرأة أخرى ذكرت في القرآن، امرأة صالحة نص القرآن على صلاحها، هي امرأة عاقر، وزوجها كبير في السن، ومع ذلك لم ييأسا بل عَلما أن الله على كل شيء قدير، وأنه سبحانه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، فألحت وزوجها بالدعاء لله، هي امرأة مباركة وأي بركة، فهي زوجة نبي، وأم نبي، بل قيل: وبنت نبي، وخالة نبي، إنها أم يحي نبي الله u، وزوجة نبي الله زكريا u، وقال القتبي:امرأة زكريا هي إيشاع بنت عمران، وقيل: أشياع،وعلى هذا القول يكون يحيى ابن خالة عيسى عليهما السلام على الحقيقة. فتكون أيضاً خالة نبي، وقيل: خالة مريم أم عيسى عليهما السلام، وقد ورد الحديث عنها في أربعة مواضع من القرآن الكريم، في سورة آل عمران بعد ذكر قصة ولادة مريم وكفالة زكريا لها ورزق الله لها بغير حساب: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء*فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ*قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء}، وفي سورة مريم في قوله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا} وفي قوله: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} وفي سورة الأنبياء في قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} فنقول وبالله التوفيق: لقد كان نبي الله زكريا فرداً لم يولد له ولد، وكان كفيلاً لمريم عليها السلام، وذلك بعد أن ولدتها أمها وقد نذرت ما في بطنها لله عز وجل: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} فلما رأى زكريا u صلاح مريم وعبادتها وانقطاعها في محرابها وهي الفتاة الصغيرة التي لم تتجاوز الستة عشر سنة، تاقت نفسه للذرية الصالحة، فصلاح الأولاد أعظم كنز للإنسان في حياته، وبعد مماته، أليسوا عمراً ثان لأبيهم، كما روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)) فأخذ زكريا u يدعو ربه{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء}مع أنه u كان كبيرًا في السن، وكانت امرأته عاقرًا، ولكنهما أيقنا يقينًا تامًّا وهما يريان أصناف الأرزاق عند مريم حتى أن فاكهة الصيف تأتيها بالشتاء، وفاكهة الشتاء بالصيف، يرى زكريا u ذلك وهو الذي تكفل بإطعامها، فمن الذي يأتي لها بهذا؟! فأيقن أن الله على كل شي قدير، وأنه لا يرد دعوة الداع إذا دعاه، وأن الله تعالى إذا قال للشيء كن فيكون، وفعلاً جاءه الفرج من الله القريب سبحانه كما في قوله:{فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} وكما في قوله:{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} ومع ذلك تعجب زكريا u فزوجته كانت عاقراً كما قال الله عنه:{قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء*قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ}، وكما في قوله:{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا*قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا*قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} فكانت امرأته عاقرًا، فأنعم الله عليها بالحمل، استجابة لدعائهما كما في قوله: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَه}، أيها المؤمنون: أتدرون لماذا استجاب الله دعاءهما، أتعلمون لماذا أصلح الله هذه المرأة وجعلها مباركة، ورزقها الذرية رغم عقمها، وكبر سن زوجها؟، لقد أُجيب على هذا في آخر الآية:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} ثلاثة أسباب للصلاح وللعطاء ولعلاج العقم: المسارعة بالخيرات، والدعاء رغبة ورهبة، وخشوع قلوبهم لله، فحملتإيشاع بنت عمران زوجة زكريا فيا من ابتلى بعدم الإنجاب، لا تكن في هم وضيق، فإن الله تعالى عليم خبير، فثق بعلمه وسلم الأمر له، وخذوا بالأسباب من مراجعات واستشارات، ولكن قبل طرق أبواب الأطباء، عليكم بقرع أبواب السماء، افعلوا كما فعل زكريا وزوجه، علما أن الله وحده هو المعطي والمانع، فانطَرَحَا يصليان بين يديه،وسارعا بفعل الخيرات إليه، وسألاه بذل وخشوع وانكسار،{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} فقل كما قال زكريا:{رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} وسلي أيتها المؤمنة ربك كما سأل زكريا {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}، فهيا أيها الزوجان احذرا اليأس وألحا على الله بالدعاء، وأعلنا الرضا واليقين، وأنتما ترددان: يا عالماً بكل نجوى، ويا سامعاً لكل شكوى، وثقا بقوله: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب}، فألحا فهو لدعوة المضطر مجيب، فإن لم يحصل لك بعد ذلك ما تريد، فثق يقيناً أنه أخره أو صرفه لخير أراده لك، فهو علام الغيوب، وأنتم للمستقبل تجهلون ولا تعلمون، فأحسنوا التوكل عليه، وثقوا بأنه لا يقضي للعبد قضاءاً إلا وله فيه خير، ولكنكم قوم تستعجلون، هذه حقيقة التوحيد ومعناه، بأن الأمر له وحده سبحانه،{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ*أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} فتأمل! جعل الناس أربعة أقسام، منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا، ومنهم من يمنعه هذا وهذا، فيجعله عقيما لا نسل له ولا يولد له. وقيل: هذا أيضاً في الأنبياء عليهم السلام {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} يعني: لوطا u لم يولد له ذكر، إنما ولد له ابنتان،{وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} يعني: إبراهيم u لم يولد له أنثى،{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا}يعني: محمدًا e ولد له بنون وبنات،{وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا}يحيى وعيسى عليهما السلام لم يولد لهما، وهذا على وجه التمثيل، وإلا فالآية عامة في حق كافة الناس،{إِنَّهُ عَلِيمٌ} أي: بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام، {قَدِيرٌ} أي: على من يشاء، من تفاوت الناس في ذلك.وكل شيء بيد الله تعالى فهو مغير الأحوال، وما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، فلا تحزن أخي، ولا تحزني أنتِ إن حصل تأخر في الذريـة، فهذا ابتلاء، و دفعه يكون بالتوبة وكثرة الاستغفار والمسارعة في الخيرات والعمل الصالح، مع خشوع القلب وتسليمه لله وقضائه، والصبر على ذلـك. قال الآلوسي: الله تعالى يقسم النعمة والبلاء كما شاء بحكمته تعالى البالغة لا كما شاء الإنسان بهواه، وفيه إشارة إلى أن إذاقة الرحمة ليست للفرح والبطر بل للشكر لموليها، وإصابة المحنة ليست للكفران والجزع بل للرجوع إلى مبليها؛ فالله تعالى له التصرّف فيهما بما يريد، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع، لذلك نقول بعد كل صلاة: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، فهل نعقل ما نردد ونقول؟. وفي قوله: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} قيل: من يُمنِ المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر، لأن الله تعالى بدأ هنا بالإناث، وعن بعض العرب: أن امرأته وضعت أنثى، فهجر البيت الذي فيه المرأة، فقالت:
مَا لأَبِي حَمْزَةَ لاَ يَأْتِينَا ... يَظَلُّ فِي الْبَيْتِ الَّذِي يَلِينَا
غَضْبَانُ أَنْ لاَ نَلِدَ الْبَنِينَا ... تـالله ما ذلك في أيدينا
لَيْسَ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا مَاشِينَا ... وَإِنَّمَا نَأْخُذُ مَا أُعْطِينَا
و نحن كالأرض للزارعينا ... ننبت ما قد زرعوه فينا