عجل بالتوبة قبل سكرة الموت وحسرة الفوت

إلياس

:: أستاذ ::
أحباب اللمة
إنضم
24 ديسمبر 2011
المشاركات
24,497
نقاط التفاعل
27,859
النقاط
976
محل الإقامة
فار إلى الله
الجنس
ذكر
بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:


فهذه مقتطفات من كتاب لطائف المعرف -بتصرف- في ذكر التوبة والحث عليها قبل الموت أُذكّر بها نفسي وإخواني في زمن كثرت فيه الغفلة وطول الأمل والله المستعان وعليه التكلان.

لا شك أن من أهم شروط التوبة أن تكون قبل حضور الموت لقوله تعالى:( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)
[ النساء: 17، 18].
فمن تاب قبل أن يغرغر فقد تاب من قريب فتقبل توبته وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: {يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء: 17] قال: قبل المرض والموت، وهذا إشارة إلى أفضل أوقات التوبة وهو أن يبادر الإنسان بالتوبة في صحته قبل نزول المرض به حتى يتمكن حينئذ من العمل الصالح ولذلك قرن الله تعالى التوبة بالعمل الصالح في مواضع كثيرة من القرآن وأيضا فالتوبة في الصحة ورجاء الحياة تشبه الصدقة بالمال في الصحة ورجاء البقاء.

والتوبة في المرض عند حضور إمارات الموت يشبه الصدقة بالمال عند الموت فكأن من لا يتوب إلا في مرضه قد استفرغ صحته وقوته في شهوات نفسه وهواه ولذة دنياه فإذا أيس من الدنيا والحياة فيها تاب حينئذ وترك ما كان عليه فأين توبة هذا من توبة من يتوب من قريب وهو صحيح قوي قادر على عمل المعاصي فيتركها خوفا من الله عز وجل ورجاء لثوابه وإيثارا لطاعته على معصيته.

التائب في صحته بمنزلة من هو راكب على متن جواده وبيده سيف مشهور فهو يقدر على الكر والفر والقتال وعلى الهرب من الملك وعصيانه فإذا جاء على هذه الحال إلى بين يدي الملك ذليلا له طالبا لأمانه صار بذلك من خواص الملك وأحبابه وأما من هو في أسر الملك وفي رجله قيد وفي رقبته غل فإنه إذا طلب الأمان من الملك فإنما طلبه خوفا على نفسه من الهلاك وقد لا يكون محبا للملك ولا مؤثرا لرضاه فهذا مثل من لا يتوب إلا في مرضه عند موته والأول بمنزلة من يتوب في صحته وقوته وشبيبته لكن ملك الملوك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين وكل خلقه أسير في قبضته لا يعجزه هارب ولا يفوته ذاهب ومع هذا فكل من طلب الأمان من عذابه من عباده أمنه على حال كان إذا علم منه الصدق في طلبه.

واعلم أن الإنسان ما دام يأمل الحياة فإنه لا يقطع أمله في الدنيا وقد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذاتها وشهواتها من المعاصي وغيرها ويرجيه الشيطان بالتوبة في آخر عمره فإذا تيقن الموت وأيس من الحياة أفاق من سكرته بشهوات الدنيا فندم حينئذ على تفريطه ندامة يكاد يقتل نفسه وقد حذر الله في كتابه عباده من ذلك ليستعدوا للموت قبل نزوله بالتوبة والعمل الصالح قال الله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ، أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 54, 56]

و الناس في التوبة على أقسام:

1/ فمنهم: من لا يوفق لتوبة نصوح بل ييسر له عمل السيئات من أول عمره إلى آخره حتى يموت مصرا علها وهذه حالة الأشقياء.
وأقبح من ذلك: من يسر له في أول عمره عمل الطاعات ثم ختم له بعمل سيء حتى مات عليه كما في الحديث الصحيح: "إن أحدكم ليعمل عمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها"

2/ وقسم يفني عمره في الغفلة والبطالة ثم يوفق لعمل صالح فيموت عليه وهذه حالة من عمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.
الأعمال بالخواتيم: "إذا أراد الله بعبد غسله" قالوا: وما غسله"؟ قال: " يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه"

3/ وبقى ههنا قسم آخر وهو أشرف الأقسام وأرفعها: وهو من يفني عمره في الطاعة ثم ينبه على قرب الأجل ليجد في التزود ويتهيأ للرحيل بعمل يصلح للقاء يكون خاتمه للعمل.
وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يعتكف في كل عام في رمضان عشرا ويعرض القرآن على جبريل مرة فاعتكف في ذلك العام عشرين يوما وعرض القرآن مرتين وكان يقول: ما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي ثم حج حجة الوداع.

قال بعض السلف: أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين يشير إلى أن المؤمن لا ينبغي أن يصبح ويمسي إلا على توبة فإنه لا يدري متى يفاجئه الموت صباحا أو مساء فمن أصبح أو أمسى على غير توبة فهو على خطر لأنه يخشى أن يلقى الله غير تائب فيحشر في زمرة الظالمين قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11] تأخير التوبة في حال الشباب قبيح وفي حال المشيب أقبح وأقبح.

فالتوبة التوبة قبل أن يصل إليكم من الموت التوبة فيحصل المفرط على الندم والخيبة،
والإنابة الإنابة قبل غلق باب الإجابة،
الإفاقة الإفاقة فقد قرب وقت الفاقة.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتقبل توبتنا إنك أنت الغفور الرحيم، و اختم اللهم بالباقيات الصالحات أعمالنا ، وتوفَّنا وأنت راض عنّا إنك سميع الدعاء.​
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top