- إنضم
- 24 ديسمبر 2011
- المشاركات
- 24,346
- نقاط التفاعل
- 27,655
- النقاط
- 976
- محل الإقامة
- فار إلى الله
- الجنس
- ذكر
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالتربية الإسلامية تقوم على تحقيق التوازن بين الجانب الروحي والمادي، لكونها مبنية على الواقعين للإنسان، وتنظيم حياته على أساسهما، فليس الإنسان ماديًّا إلى درجة الخلود في الأرض، والانغماس في الحياة السافلة، والركون إلى الملذَّات، بل له عالمه الروحي الواسع المتعمِّق في كيانه، ومن هذا الجانب تميَّزت التربية الإسلامية عن النُّظُم التربوية الأخرى في إعْدَادِها للإنسان لا للحياة الدنيا فحسب، بل للحياة الأبدية في الآخرة أيضًا. • الولد محور العملية التربوية:
ولَمَّا كان الوَلَدُ هو مِحْوَرُ العملية التربوية كان لِزَامًا أن تَتَشَكَّلَ حياتُه وذهنُه بالقالب الذي وُضِعَ له، وبمختلف المعارف والمفاهيم التي يُلَقَّنُها ويُزَوَّدُ بها، بحيث يُسيطر على ذهنه وأفكاره، فلا يجد في الحياة تصويرًا نظريًّا غير التصوير الذي أريد له استعماله في ملاحظاته وتجاربه، بناءً على ما يلقَّنه أو يمرَّن عليه أو يُلْقَى إليه.
ومعالِم شخصية الوَلَدِ تتكوَّن أصولُها وهو في دور الصِّغَر، أي من بلوغه سِنَّ التمييز، لذلك كان واجبُ التربية تأهيلَه وتكييفَه وإعدادَه لمواجهة الحياة، وتَتِمُّ تَنْشِئَتُه ماديًّا بتغذيته ورعايته جسميًّا، وتنشئتُه روحيًّا بتزويده بما يزكِّي نفسَه ويَسْمُو بها، وتنشئتُه عقليًّا بتزويده بمختلف ضروب العلوم وأنواع المعارف، إذ لا يسلم العقل إلاَّ بسلامة التنشئة، وتعويد الولد على الخير ونهيه عن الشرِّ وَفْقَ منهج الله وتربيته، فاستقامة الولد مَنُوطَةٌ بسلامة عقله، وانحرافه مَنوطٌ بفساد عقله، وصِحَّة العقل وفساده يرتبطان بصفة توجيهه، وخاصَّة في حال الصغر ومرحلة الإعداد. أسس تربية الولد
لذلك يرتكز إعداد الولد تربويًّا على أُسُسٍ يأتي في طليعتها تربيته عَقَدِيًّا، وتدريبه على معرفة خالقه، والإيمان به، فإنَّ هذا الإيمان هو الدافع له للخير والصارف له عن الشرِّ، فهو الموجِّهُ للسلوك والضابطُ له، وارتباطه وثيق الصلة بالأعمال؛ ذلك لأنَّ الله تعالى جعل العمل مِعْيَارًا حقيقيًّا لصِدق الإيمان، وذمَّ الذين يُجرِّدون العمل عن الإيمان، فقال تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٣]، فالإيمان الحقُّ هو الذي يصدر عنه السلوك، وينبع منه العمل الصالح، ويخرج منه الخُلُق الكريم، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تقرن الإيمان بالعمل الصالح، فكان من مهمة التربية الربط بين العقيدة والعمل بالنظر إلى كون العمل يعكس الإيمان ويُظهره، فأولى الأولويات في إعداد الولد -إذن- تعليمه معاني العقيدة الصحيحة، ومقاصدها السامية، وإفهامه لحقائقها، وما تحمله من السعادة الأبدية له، إفهام علمٍ وإدراكٍ، تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: ٦]، ويدخل الولد في الآية لأنه بِضْعٌ من والدَيْه، فيعلِّمه الحلال والحرام ويجنِّبه المعاصي والآثام، وغير ذلك من الأحكام، قال بعض أهل العلم: «فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدِّين والخير وما لا يُستغنى عنه من الأدب»(١).
ومن أُسُس تربية الولد وتأهيله: تعليمه ما في الحياة المعاشة من معاني الخير والشر، وما يلزمه من استعدادٍ فيها بالعمل بما يُسْعِدُ النفس، وترك ما تَشْقَى به، وذلك بتوجيه استعداده الفطري بالالتجاء إلى الله، ومعرفته، والركون إليه، والاطمئنان عند ذِكره، فلا يذلّ إلاَّ لله، ولا يخاف إلاَّ منه، ولا يتعلَّق قلبُه إلاَّ به؛ فإنَّ في ذلك شعورًا بعزَّة المسلم؛ لأنَّه مَوْصُولٌ بالقويِّ العزيز، وتتميَّز شخصيتُه بهذه العِزَّة الدينية المطلوبة، لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨]، وتتمرَّد عن أضدادها من ذلٍّ أو خُنُوعٍ، أو خوف، أو تَمَلُّقٍ لأيِّ مخلوق، ومن ثَمَّ وجب المحافظة على الفطرة السليمة التي عاهد الله تعالى عليها بني آدم فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وتكفَّل لهم بالأرزاق، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٢-١٧٣]، ويقول الله عزَّ وجلَّ في حديث قدسي: «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا»(٢)، كما ينبغي دفع الطاقات الطبيعية التي أودعها الله في الولد من غرائزَ ومُيُولٍ إلى الخير وإلى وجهتها التي خُلقت من أجلها لِيَسْمُو بها ويعتزَّ، ويتجنَّب بها الخلود في الأرض، والركون إلى الشهوات، والاستجابة للشيطان، قال صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ: فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ: فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة: ٢٦٨]»(٣)، والتربية وسيلةُ إرجاع المنحرف إلى فطرته السليمة وتوجيهه إليها، وعلى مهمَّة التربية والقيام بواجبها يترتَّب الجزاء الأخروي، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: ٤٠-٤١]. من واجبات تأهيل الولد وأساليب تكوين شخصيته
ومن واجبات تأهيل الولد وأساليب تكوين شخصيته: القدوة الحسنة، والأسوة الصالحة، التي يقتدي بها في مراحله الأولى من نموه العقلي والنفسي والأخلاقي، حيث تصقل معارفه، ويتلقى علمه عن طريق التقليد والاتباع، ويأتي في الدرجة الأولى أقرب الناس إليه أبواه، فهما عنصرَا قدوته ومُثُلِه، فللأبوين تأثير عظيم على ولدهما في أمور العقيدة والدين، حتى يصل تأثيرهما فيه إلى تحويله عن الفطرة التي خلقه الله عليها، وما يستلزمه من معرفة الإسلام ومحبته، فهما سبب صلاحه أو فساده، واستقامته أو اعوجاجه؛ لأنَّ الولد يعتقد عادة بوالديه في سلوكه وتصرفاته، فإن كان سلوكهما معه على الطريق الشرعي تأثَّر الولد بهما، وقلَّدهما فيما هما عليه، وكان ذلك من عوامل تكوين معاني شخصيته الإسلامية.
قال الشاعر:
ويَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ مِنَّا * عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ(٤)
إذ الخير في المولود أصيل، والشرُّ فيه عارض، واستعداده للخير كامل، قال صلّى الله عليه وسلّم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ». ثمَّ يقول أبو هريرة: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ﴾ الآيَةَ [الروم:٣٠](٥)، وفي الحديث بيان أنَّ الناس يولدون على الفطرة وعلى الاستعداد الكامل للخير والصلاح، فكان تقريرًا لخلق الله الكامل، وأنَّ النقص إنَّما يأتي من فعل الإنسان، فالواجب إبعاد ما يفسد نفسية الطفل، ويخرب عقليته وفطرته؛ لئلاَّ يكون ضحيَّة تأثُّر بانحراف وضلال وسوء أخلاق، ومن هذا المرمى يتجلّى عظم مسئولية الأبوين إذا أخلاَّ في تعليم ولدهما معاني الإسلام وأحكامه، وقَصَّرَا في تربيتِه عقليًّا وروحيًّا، وتركاه تحت وطأة الأفكار المنحرفة، أو فريسةً لمجتمعٍ تشيع فيه العقائد اليهوديةِ أو النصرانية أو المجوسيةِ وغيرها من عقائد الكفر والضلال فينحرف نتيجة تخلِّي الأبوين عن تربية ولدهما وانشغالهما عن توجيهه وإصلاحه، وهو بلا شكٍّ من أكبر العوامل المؤدِّية إلى ضياع الولد وفساد خُلُقه وانحلال شخصيته، فينشأ الولد نشأةَ اليتيم، ويعيش عيشةَ المشرَّد، الأمر الذي يفضي به إلى خطر الفساد والإجرام.
ورحم الله من قال:
لَيْسَ اليَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِنْ * هَمِّ الحَيَاةِ وَخَلَّفَاهُ ذَلِيلاً
إِنَّ اليَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَلْقَى لَهُ * أُمَّا تَخَلَّتْ أَوْ أَبًا مَشْغُولاً(٦)
ويزداد الولد سوءًا، وعاقبته مهدَّدة بالانحراف عن الجادَّة إذا كان والداه يعيشان حياة الإثم والإباحة، ويسلكان سبيل الغواية والانحلال، فهما يفتقران في ذاتهما إلى استعدادٍ لتربيته وإصلاحه لحاجتهما إلى إصلاح سلوكهما وسيرتهما، وينمو بذلك انحراف ولدهما ويتدرَّج بالتبع في الحرام والإجرام، وكما قيل: «ومتى يستقيم الظل والعود أعوج ؟!».
ولله دَرُّ من قال:
ولَيْسَ النَّبْتُ يَنْبُتُ فِي جِنَانٍ * كَمِثْلِ النَّبْتِ يَنْبُتُ فِي الفَلاَةِ
فَكَيْفَ نَظُنُّ بِالأَبْنَاءِ خَيْرًا * إِذَا نَشَئُوا بِحِضْنِ الجَاهِلاَتِ
وَهَلْ يُرْجَى لِأَطْفَالٍ كَمَالٌ * إِذَا ارْتَضَعُوا ثُدَيَّ النَّاقِصَاتِ(٧)
الأمر الذي يجعلهما مسؤولَيْن أمام الله تعالى؛ لأنَّهما أسهما في تحويل ولدهما من مقتضى فطرته إلى دين الانحراف والضلال، وتتأكَّد مسؤوليتهما بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ...»(٨) الحديث.
ومن منطلق مسئولية الأبوين فإنَّها تتطلَّب تدريب الولد علميًّا، بتعليمه القرآن الكريم: قراءةً وحفظًا، لكونه أصلَ الإسلام ومرجعَ الدِّين، كما يُربَّى الولد على حفظ بعض الأحاديث، والأدعية المأثورة التي تقال في مناسبات متعدَّدة عند النوم، والاستيقاظ منه، وعند سماع الأذان، وعند البدء بتناول الطعام، وعند الفراغ منه، وعند الخروج من البيت، وعند دخوله(٩)، وعند العطاس، ونحو ذلك، كما يستحسن توثيق صِلة الولد بالألفاظ الإسلامية ذات المعاني الشرعية ككلمة الإخلاص، والأسماء الحسنى، وبعض شعائر الإسلام ليتدرب عليها، ويعلِّق قلبَه بمعانيها، ويُعلَّمَ فرائض الإسلام بقدر ما يناسب عقله، وعادة يمكن البدء -بعد بلوغ الولد سن سبع سنوات- بغرس بذور الشخصية الإسلامية فيه وترويضه -بحسب اتساع مدارك الولد- على معاني هذه الشخصية بما يلائمه.
فمن ذلك زرع الأبوين الأصول الخُلُقية في نفس ولدهما كالتقوى والصدق والأخوة، والرحمة والصبر والإيثار والعفو، وإعداده على احترام الناس ومراعاة حقوقهم: كحقِّ الوالدين والأرحام والإمام والجار والمعلِّم والكبير والصاحب، مع بيانٍ للآداب العامة التي يلتزم بها الولد، مثل أدب المجلس والحديث، والتهنئة والتعزية، والعطاس والتثاؤب، واللباس والتنعُّل، والسلام والاستئذان، والطعام والشراب، وعيادة المريض، ونحو ذلك.
وبالمقابل ينبغي تحذيره من ظاهرة الكذب والسِّباب، والشتائم والسرقة، والتخنُّث والتشبه بالكفار، والميوعة والانحلال، والاختلاط الآثم، واللواط والزنى، والأضرار الناجمة عنها جميعًا، وتحذيره -أيضًا- من ظاهرة التدخين والمسكرات والمخدرات، وغيرها من أنواع الفساد المتفشِّية في المجتمع، وتخويفه من عواقب اقتراف المحارم وركوبها.
واختيار الرفقة الصالحة له ليكتسب منها الخُلُق الحسن، والأدب الرفيع، والعادة الفاضلة مع مراقبته -خاصة في سِنِّ التمييز والمراهقة- من الخلطة الفاسدة ورفاق السوء، ومصاحبة الأشرار لئلاَّ يكتسب منهم أقبح الأخلاق وأحطِّ العادات.
ومن واجبات تربية الولد: الرِّفق به، وملاطفته، ومعاملته باللِّين من غير شِدَّة، لا سِيَّما من الوالدين أو من يقوم مقامهما كالجَدِّ والعمِّ؛ لأنَّ الشِّدة في التربية لا تولِّد إلاَّ شِدَّةً في السلوك، وقد صَحَّ عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنَّه قال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَالحَسَنُ عَلَى عَاتِقِهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ»(١٠).
قال النووي: «وفيه ملاطفة الصبيان ورحمتهم، ومماستهم»(١١)، والولد يحتاج من والديه أمرًا محسوسًا حتى يشعر بما يجول في قلبيهما من محبَّةٍ وعَطْفٍ ورحمةٍ، وقد يتجسَّد ذلك الإحساس في تقبيله، وحمله، ومداعبته، أو المسح على رأسه، أو وجهه، أو وضعه على أحضانهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّه صلّى الله عليه وسلّم قَبَّلَ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ -وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ ابْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا- فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ»(١٢)، وقد صَحَّ -أيضًا- أَنَّه جاء أعرابي إلى النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم: «أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ(١٣)»(١٤)، وتقريرًا لهذا المعنى فقد روى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا»» (١٥).
ومن مظاهر الإحساس للولد بما في قلبي والديه من عناية وشفقةٍ ومحبَّةٍ: مدحه والثناء عليه إذا أحسن وقام بالمطلوب، وبالمقابل تنبيهه إذا أساء أو أخطأ في أداء المطلوب، ثمَّ يعلمه العادة الصالحة والصفة الحسنة التي يفتقدها، وقد بيَّن النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا الأسلوب التربوي في حديث عمرو ابن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «يَا غُلاَمُ سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»(١٦)، ومن جهة أخرى، فإنَّ معاملة الوالدين لأولادهما بمحبةٍ ورحمةٍ تقتضي وجوبَ العدل بينهم، وعدمَ إيثار الأبناء على البنات، وبخس الأنثى حقِّها في الرعاية والاهتمام والبِرِّ، فمثل هذا التفضيل معدودٌ من عادات الجاهلية، إذ المطلوب عدم التفريق بين الذكور والإناث، ولا بين الذكور أنفسهم، أو تخصيص بعضهم، ولا بين الإناث، سواء في العطف أو المعاملة أو المحبة أو العطية أو غيرها، لقوله صلّى الله عليه وسلّم للبشير ابن سعد رضي الله عنه في شأن تخصيصه للعطية لأحد أبنائه: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ»(١٧).
ومن جهة ثالثة، فإنَّه قد يصدر عن الصغير عمل يغضب والديه، أو يزعجهما فلا يجوز التشديد عليه، ولا تعنيفه ومجافاته لصغره ولعدم اكتمال قدرته العقلية، بل يعامل بالرِّفق، فقد صحَّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قال: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ»(١٨)، وفي رواية: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الخَيْرَ كُلَّهُ»(١٩)، فالأخذ بأسلوب الرِّفق والمسامحة يجعل علاقةَ الولد بوالديه علاقةَ محبٍة، يشعر بها ويميل إليهما بسببها، ويسمع النصح والتوجيه، أمَّا العنف في الصغر فمدعاة للعنف في الكِبَر، والقسوة على الولد في الصغر تحمله على جفاء والديه في الكبر، وليس معنى هذا ترك التشديد عليه مطلقًا، وإنَّما يجوز أخذه بالشِّدة إذا لم ينفع الرِّفق والملاطفة والنصح والتوجيه، ويكون بإظهار الغضب، والعبوسِ في وجهه، وعدم الرِّضا على تصرُّفاته، ورفعِ الصوت عليه، والصدودِ عنه، وهجرهِ، تلك هي مظاهر التشديد، وقد تصل إلى ضربه ضربًا غير مُبَرِّحٍ إذا بلغ عشر سنين، وقد جاء في الحديث: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ -وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ- وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا -وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ- وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ»(٢٠)، ومعاملة الولد بهذه الصفة لتحسيسه بسوء أفعاله، أو لتقصيره في القيام بما هو مطلوب منه.
هذا التدرج في التأديب مع الصغير في سِنِّ الطفولة، أمَّا الكبير فيختلف طريق إصلاحه وتأديبه، فإن كان أسلوب الإقناع والوعظ والإرشاد لا يجدي معه نفعًا لجأ الوالدان معه إلى الهجر ما دام بقي مُصِرًّا على غَيِّهِ وانحرافه وفجوره، فقد هجر ابن عمر رضي الله عنهما ابنًا له إلى أن مات لعدم انقياده لحديث ذكره له عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، نهى فيه الرجال أن يمنعوا النساءَ من الذهاب إلى المساجد(٢١).
وهذا إذا لم يبلغ في ظلمه وغَيِّه حدَّ الكفر والإلحاد، فإن تجاوز بانحرافه هذه الدرجة فإنَّ من مستلزمات العقيدة والإيمان هجرانه والإعراض عنه والتبرُّؤُ من عمله إلى أن يتوبَ ويرجع إلى الحقِّ، قال تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ. قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [هود: ٤٥-٤٦]، وقال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٢٤]، علمًا أنَّ هجر الوالدين لولدهما له تأثيرٌ بالغٌ على سلوكه وقوام سيرته لنفوذهما عليه. آثار الإخلال بتربية الولد
هذا، ويترتَّب على الوالدين، أو من في كفالته الولد، حالَ الإخلال بواجبهما اتجاه ولدهما، أو التقصير في تعليمه، نزع الولد من يدهما، ليتمَّ تسليمه إلى رعاية أُخرى مناسبةٍ لتعليمه، وضِمن هذا المنظور يقول ابن القيم رحمه الله: «قال شيخنا -أي شيخ الإسلام ابن تيمية- وإذا ترك أحد الأبوين تعليمَ الصبي، وأَمْرَه الذي أوجبه الله عليه، فهو عاصٍ، ولا ولايةَ له عليه، بل كُلُّ مَنْ لَمْ يقم بالواجب في ولايته، فلا ولاية له، بل إمَّا أن تُرفع يدُه عن الولاية، ويقام من يفعل الواجب، وإمَّا أن يضم إليه من يقوم معه بالواجب، إذ المقصود طاعة الله ورسوله بحَسَب الإمكان، قال شيخنا وليس هذا الحقُّ من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء، سواء كان الوارث فاسقًا أو صالحًا، بل هو من جنس الوِلاية التي لابدَّ فيها من القدرة على الواجب والعلم به، وفعله بحَسَب الإمكان»(٢٢). خاتمة: تكوين الأجيال منوطٌ بتربية الأولاد وحسن تأهيلهم
فهذه جوانبُ من تربية الولد وحُسن تأهيله قائمة على عقيدة الإسلام التي جاء بها أفضل الأنام صلّى الله عليه وسلّم لتتمَّ تربيته بناءً على استعداداته الفطرية، وقدراته الطبيعية والنفسية التي أودعها الله فيه، وَفْقَ منهج الله وتربيته التي جعلت القرآن الكريم خُلُق النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وعلى نظامه تتكوَّن أجيالٌ مهذَّبة عزيزة صادقة، تتحمَّل مسؤوليتها، وتؤدِّي واجبها، وتسعى إلى تسخير قوَّاتها في الخير والفضيلة، وتجنيب الشرِّ والرذيلة، وتراقب الله في السرِّ والعلانية، وتعمل على تحقيق الأمن والاستقرار، والظفر بالسعادتين: الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى. جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾ [طه: ٧٥-٧٦].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
الجزائر في: ٣ ربيع الثاني ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٣٠ أفريل ٢٠٠٦م
___________ من تطبيق آثار العلامة محمد علي #فركوس للتحميل على الأندرويدhttps://goo.gl/CnfonF ______________
(١) «تفسير القرطبي» (١٨/ ١٩٥-١٩٦).
(٢) () أخرجه مسلم في «الجنة وصفة نعيمها وأهلها» (٧٣٨٦)، وأحمد (١٧٩٤٧)، من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه.
(٣) أخرجه الترمذي في «تفسير القرآن» (٣٢٥٦)، من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «المشكاة» (٧٤) - التحقيق الثاني، وفي «هداية الرواة» (٧٠)، وفي «صحيح الموارد» (٣٨)، وفي «النصيحة» (٣٤).
(٤) من ديوان أبي العلاء المعري من قصيدته الموسومة بعنوان: «قد اختل بغير شكّ».
(٥) () أخرجه البخاري في «الجنائز» (١٣٥٨)، ومسلم في «القدر» (٦٩٢٦)، وأحمد (٧٩٢٨)، والبيهقي (١٢٤٩٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٦) بتصرُّفٍ من ديوان أحمد شوقي في قصيدته التي قالها في حفلٍ أُقيم بنادي مدرسة المعلمين العليا الموسومة بعنوان: «العلم والتعليم وواجب المعلم».
(٧) بتصرُّف من ديوان معروف الرصافي بعنوان: «التربية والأمهات».
(٨) () أخرجه البخاري في «الأحكام» (٧١٣٨)، ومسلم في «الإمارة» (٤٨٢٨)، وأبو داود في «الخراج» (٢٩٣٠)، والترمذي في «الجهاد» (١٨٠٦)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٩) () أمَّا حديث: «إذا ولج الرجل في بيته فليقل: اللهمَّ إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، باسم الله وَلَجْنَا، وباسم الله خرجنا، وعلى الله ربِّنا توكَّلنا، ثمَّ ليُسلم على أهله» فلا يصحُّ سَنَدًا، وقد حكم عليه ابن حجر في «نتائج الأفكار» (١/ ١٧٢) بالغرابة، وضَعَّفه الألباني في «الضعيفة» (٥٨٣٢)، وفي «الكلم الطيب» (٦٢). إلاَّ أنَّه ثبت من رواية مسلم برقم (٥٣٨١) في كتاب الأشربة من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ: الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ».
(١٠) () أخرجه البخاري في «فضائل الصحابة» (٣٧٤٩)، ومسلم في «فضائل الصحابة» (٢٤٢٢)، والترمذي في «المناقب» (٤١٥٢)، وأحمد (١٩٠٨٤)، والبيهقي (٢١٦٠٢)، من حديث البراء ابن عازب رضي الله عنه.
(١١) «شرح صحيح مسلم» للنووي (١٥/ ١٩٤).
(١٢) أخرجه البخاري في «الأدب» (٥٩٩٧)، ومسلم في «الفضائل» (٦١٧٠)، وأبو داود في «الأدب» (٥٢٢٠)، والترمذي في «البر والصلة» (٢٠٣٥)، وأحمد (٧٤٩١)، والحميدي في «مسنده» (١١٥٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٣) () معنى العبارة: «أي لا أملك»: أي لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه. «فتح الباري» لابن حجر (١٠/ ٤٣٠).
(١٤) أخرجه البخاري في «الأدب» (٥٩٩٨)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(١٥) () أخرجه البخاري في «الأدب» (٦٠٠٣)، وأحمد (٢٢٤٩١)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
(١٦) () أخرجه البخاري في «الأطعمة» (٥٣٧٦)، ومسلم في «الأشربة» (٥٣٨٨)، وأبو داود في «الأطعمة» (٣٧٧٩)، والترمذي في «الأطعمة» (١٩٧٦)، وابن ماجه في «الأطعمة» (٣٣٩١)، وأحمد (١٦٧٦٩)، من حديث عمرو بن أبي سلمة رضي الله عنه.
(١٧) () أخرجه البخاري في «الهبة» (٢٥٨٧)، والبيهقي في «الهبات» (٢١٣٥١)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
(١٨) أخرجه مسلم في «البر والصلة والآداب» (٦٧٦٦)، والبيهقي في «الشهادات» (٢١٣١٧)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(١٩) أخرجه مسلم في «البر والصلة والآداب» (٦٧٦٣)، وأبو داود في «الأدب» (٤٨١١)، وابن ماجه في «الأدب» (٣٨١٨)، وأحمد (١٩٧٧١)، من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
(٢٠) أخرجه أبو داود في «الصلاة» (٤٩٥، ٦٨٥٤)، والدارقطني (٨٩٩)، والبيهقي (٣٣٥٨)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وصحَّحه ابن الملقن في «البدر المنير» (٣/ ٢٨٣)، والألباني في «إرواء الغليل» (٢٤٧)، وحسَّنه في «صحيح الجامع» (٥٨٦٨).
(٢١) أخرجه أحمد في «مسنده» (٤٩٣٣)، من حديث مجاهد عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما، والحديث صحَّحه الألباني في «غاية المرام» (ص ٢٣٤).
(٢٢) «زاد المعاد» لابن القيِّم (٥/ ٤٧٥).
http://play.google.com/store/apps/details?id=com.wahid.ferkous
فالتربية الإسلامية تقوم على تحقيق التوازن بين الجانب الروحي والمادي، لكونها مبنية على الواقعين للإنسان، وتنظيم حياته على أساسهما، فليس الإنسان ماديًّا إلى درجة الخلود في الأرض، والانغماس في الحياة السافلة، والركون إلى الملذَّات، بل له عالمه الروحي الواسع المتعمِّق في كيانه، ومن هذا الجانب تميَّزت التربية الإسلامية عن النُّظُم التربوية الأخرى في إعْدَادِها للإنسان لا للحياة الدنيا فحسب، بل للحياة الأبدية في الآخرة أيضًا. • الولد محور العملية التربوية:
ولَمَّا كان الوَلَدُ هو مِحْوَرُ العملية التربوية كان لِزَامًا أن تَتَشَكَّلَ حياتُه وذهنُه بالقالب الذي وُضِعَ له، وبمختلف المعارف والمفاهيم التي يُلَقَّنُها ويُزَوَّدُ بها، بحيث يُسيطر على ذهنه وأفكاره، فلا يجد في الحياة تصويرًا نظريًّا غير التصوير الذي أريد له استعماله في ملاحظاته وتجاربه، بناءً على ما يلقَّنه أو يمرَّن عليه أو يُلْقَى إليه.
ومعالِم شخصية الوَلَدِ تتكوَّن أصولُها وهو في دور الصِّغَر، أي من بلوغه سِنَّ التمييز، لذلك كان واجبُ التربية تأهيلَه وتكييفَه وإعدادَه لمواجهة الحياة، وتَتِمُّ تَنْشِئَتُه ماديًّا بتغذيته ورعايته جسميًّا، وتنشئتُه روحيًّا بتزويده بما يزكِّي نفسَه ويَسْمُو بها، وتنشئتُه عقليًّا بتزويده بمختلف ضروب العلوم وأنواع المعارف، إذ لا يسلم العقل إلاَّ بسلامة التنشئة، وتعويد الولد على الخير ونهيه عن الشرِّ وَفْقَ منهج الله وتربيته، فاستقامة الولد مَنُوطَةٌ بسلامة عقله، وانحرافه مَنوطٌ بفساد عقله، وصِحَّة العقل وفساده يرتبطان بصفة توجيهه، وخاصَّة في حال الصغر ومرحلة الإعداد. أسس تربية الولد
لذلك يرتكز إعداد الولد تربويًّا على أُسُسٍ يأتي في طليعتها تربيته عَقَدِيًّا، وتدريبه على معرفة خالقه، والإيمان به، فإنَّ هذا الإيمان هو الدافع له للخير والصارف له عن الشرِّ، فهو الموجِّهُ للسلوك والضابطُ له، وارتباطه وثيق الصلة بالأعمال؛ ذلك لأنَّ الله تعالى جعل العمل مِعْيَارًا حقيقيًّا لصِدق الإيمان، وذمَّ الذين يُجرِّدون العمل عن الإيمان، فقال تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٣]، فالإيمان الحقُّ هو الذي يصدر عنه السلوك، وينبع منه العمل الصالح، ويخرج منه الخُلُق الكريم، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تقرن الإيمان بالعمل الصالح، فكان من مهمة التربية الربط بين العقيدة والعمل بالنظر إلى كون العمل يعكس الإيمان ويُظهره، فأولى الأولويات في إعداد الولد -إذن- تعليمه معاني العقيدة الصحيحة، ومقاصدها السامية، وإفهامه لحقائقها، وما تحمله من السعادة الأبدية له، إفهام علمٍ وإدراكٍ، تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: ٦]، ويدخل الولد في الآية لأنه بِضْعٌ من والدَيْه، فيعلِّمه الحلال والحرام ويجنِّبه المعاصي والآثام، وغير ذلك من الأحكام، قال بعض أهل العلم: «فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدِّين والخير وما لا يُستغنى عنه من الأدب»(١).
ومن أُسُس تربية الولد وتأهيله: تعليمه ما في الحياة المعاشة من معاني الخير والشر، وما يلزمه من استعدادٍ فيها بالعمل بما يُسْعِدُ النفس، وترك ما تَشْقَى به، وذلك بتوجيه استعداده الفطري بالالتجاء إلى الله، ومعرفته، والركون إليه، والاطمئنان عند ذِكره، فلا يذلّ إلاَّ لله، ولا يخاف إلاَّ منه، ولا يتعلَّق قلبُه إلاَّ به؛ فإنَّ في ذلك شعورًا بعزَّة المسلم؛ لأنَّه مَوْصُولٌ بالقويِّ العزيز، وتتميَّز شخصيتُه بهذه العِزَّة الدينية المطلوبة، لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨]، وتتمرَّد عن أضدادها من ذلٍّ أو خُنُوعٍ، أو خوف، أو تَمَلُّقٍ لأيِّ مخلوق، ومن ثَمَّ وجب المحافظة على الفطرة السليمة التي عاهد الله تعالى عليها بني آدم فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وتكفَّل لهم بالأرزاق، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٢-١٧٣]، ويقول الله عزَّ وجلَّ في حديث قدسي: «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا»(٢)، كما ينبغي دفع الطاقات الطبيعية التي أودعها الله في الولد من غرائزَ ومُيُولٍ إلى الخير وإلى وجهتها التي خُلقت من أجلها لِيَسْمُو بها ويعتزَّ، ويتجنَّب بها الخلود في الأرض، والركون إلى الشهوات، والاستجابة للشيطان، قال صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ: فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ: فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة: ٢٦٨]»(٣)، والتربية وسيلةُ إرجاع المنحرف إلى فطرته السليمة وتوجيهه إليها، وعلى مهمَّة التربية والقيام بواجبها يترتَّب الجزاء الأخروي، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: ٤٠-٤١]. من واجبات تأهيل الولد وأساليب تكوين شخصيته
ومن واجبات تأهيل الولد وأساليب تكوين شخصيته: القدوة الحسنة، والأسوة الصالحة، التي يقتدي بها في مراحله الأولى من نموه العقلي والنفسي والأخلاقي، حيث تصقل معارفه، ويتلقى علمه عن طريق التقليد والاتباع، ويأتي في الدرجة الأولى أقرب الناس إليه أبواه، فهما عنصرَا قدوته ومُثُلِه، فللأبوين تأثير عظيم على ولدهما في أمور العقيدة والدين، حتى يصل تأثيرهما فيه إلى تحويله عن الفطرة التي خلقه الله عليها، وما يستلزمه من معرفة الإسلام ومحبته، فهما سبب صلاحه أو فساده، واستقامته أو اعوجاجه؛ لأنَّ الولد يعتقد عادة بوالديه في سلوكه وتصرفاته، فإن كان سلوكهما معه على الطريق الشرعي تأثَّر الولد بهما، وقلَّدهما فيما هما عليه، وكان ذلك من عوامل تكوين معاني شخصيته الإسلامية.
قال الشاعر:
ويَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ مِنَّا * عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ(٤)
إذ الخير في المولود أصيل، والشرُّ فيه عارض، واستعداده للخير كامل، قال صلّى الله عليه وسلّم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ». ثمَّ يقول أبو هريرة: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ﴾ الآيَةَ [الروم:٣٠](٥)، وفي الحديث بيان أنَّ الناس يولدون على الفطرة وعلى الاستعداد الكامل للخير والصلاح، فكان تقريرًا لخلق الله الكامل، وأنَّ النقص إنَّما يأتي من فعل الإنسان، فالواجب إبعاد ما يفسد نفسية الطفل، ويخرب عقليته وفطرته؛ لئلاَّ يكون ضحيَّة تأثُّر بانحراف وضلال وسوء أخلاق، ومن هذا المرمى يتجلّى عظم مسئولية الأبوين إذا أخلاَّ في تعليم ولدهما معاني الإسلام وأحكامه، وقَصَّرَا في تربيتِه عقليًّا وروحيًّا، وتركاه تحت وطأة الأفكار المنحرفة، أو فريسةً لمجتمعٍ تشيع فيه العقائد اليهوديةِ أو النصرانية أو المجوسيةِ وغيرها من عقائد الكفر والضلال فينحرف نتيجة تخلِّي الأبوين عن تربية ولدهما وانشغالهما عن توجيهه وإصلاحه، وهو بلا شكٍّ من أكبر العوامل المؤدِّية إلى ضياع الولد وفساد خُلُقه وانحلال شخصيته، فينشأ الولد نشأةَ اليتيم، ويعيش عيشةَ المشرَّد، الأمر الذي يفضي به إلى خطر الفساد والإجرام.
ورحم الله من قال:
لَيْسَ اليَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِنْ * هَمِّ الحَيَاةِ وَخَلَّفَاهُ ذَلِيلاً
إِنَّ اليَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَلْقَى لَهُ * أُمَّا تَخَلَّتْ أَوْ أَبًا مَشْغُولاً(٦)
ويزداد الولد سوءًا، وعاقبته مهدَّدة بالانحراف عن الجادَّة إذا كان والداه يعيشان حياة الإثم والإباحة، ويسلكان سبيل الغواية والانحلال، فهما يفتقران في ذاتهما إلى استعدادٍ لتربيته وإصلاحه لحاجتهما إلى إصلاح سلوكهما وسيرتهما، وينمو بذلك انحراف ولدهما ويتدرَّج بالتبع في الحرام والإجرام، وكما قيل: «ومتى يستقيم الظل والعود أعوج ؟!».
ولله دَرُّ من قال:
ولَيْسَ النَّبْتُ يَنْبُتُ فِي جِنَانٍ * كَمِثْلِ النَّبْتِ يَنْبُتُ فِي الفَلاَةِ
فَكَيْفَ نَظُنُّ بِالأَبْنَاءِ خَيْرًا * إِذَا نَشَئُوا بِحِضْنِ الجَاهِلاَتِ
وَهَلْ يُرْجَى لِأَطْفَالٍ كَمَالٌ * إِذَا ارْتَضَعُوا ثُدَيَّ النَّاقِصَاتِ(٧)
الأمر الذي يجعلهما مسؤولَيْن أمام الله تعالى؛ لأنَّهما أسهما في تحويل ولدهما من مقتضى فطرته إلى دين الانحراف والضلال، وتتأكَّد مسؤوليتهما بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ...»(٨) الحديث.
ومن منطلق مسئولية الأبوين فإنَّها تتطلَّب تدريب الولد علميًّا، بتعليمه القرآن الكريم: قراءةً وحفظًا، لكونه أصلَ الإسلام ومرجعَ الدِّين، كما يُربَّى الولد على حفظ بعض الأحاديث، والأدعية المأثورة التي تقال في مناسبات متعدَّدة عند النوم، والاستيقاظ منه، وعند سماع الأذان، وعند البدء بتناول الطعام، وعند الفراغ منه، وعند الخروج من البيت، وعند دخوله(٩)، وعند العطاس، ونحو ذلك، كما يستحسن توثيق صِلة الولد بالألفاظ الإسلامية ذات المعاني الشرعية ككلمة الإخلاص، والأسماء الحسنى، وبعض شعائر الإسلام ليتدرب عليها، ويعلِّق قلبَه بمعانيها، ويُعلَّمَ فرائض الإسلام بقدر ما يناسب عقله، وعادة يمكن البدء -بعد بلوغ الولد سن سبع سنوات- بغرس بذور الشخصية الإسلامية فيه وترويضه -بحسب اتساع مدارك الولد- على معاني هذه الشخصية بما يلائمه.
فمن ذلك زرع الأبوين الأصول الخُلُقية في نفس ولدهما كالتقوى والصدق والأخوة، والرحمة والصبر والإيثار والعفو، وإعداده على احترام الناس ومراعاة حقوقهم: كحقِّ الوالدين والأرحام والإمام والجار والمعلِّم والكبير والصاحب، مع بيانٍ للآداب العامة التي يلتزم بها الولد، مثل أدب المجلس والحديث، والتهنئة والتعزية، والعطاس والتثاؤب، واللباس والتنعُّل، والسلام والاستئذان، والطعام والشراب، وعيادة المريض، ونحو ذلك.
وبالمقابل ينبغي تحذيره من ظاهرة الكذب والسِّباب، والشتائم والسرقة، والتخنُّث والتشبه بالكفار، والميوعة والانحلال، والاختلاط الآثم، واللواط والزنى، والأضرار الناجمة عنها جميعًا، وتحذيره -أيضًا- من ظاهرة التدخين والمسكرات والمخدرات، وغيرها من أنواع الفساد المتفشِّية في المجتمع، وتخويفه من عواقب اقتراف المحارم وركوبها.
واختيار الرفقة الصالحة له ليكتسب منها الخُلُق الحسن، والأدب الرفيع، والعادة الفاضلة مع مراقبته -خاصة في سِنِّ التمييز والمراهقة- من الخلطة الفاسدة ورفاق السوء، ومصاحبة الأشرار لئلاَّ يكتسب منهم أقبح الأخلاق وأحطِّ العادات.
ومن واجبات تربية الولد: الرِّفق به، وملاطفته، ومعاملته باللِّين من غير شِدَّة، لا سِيَّما من الوالدين أو من يقوم مقامهما كالجَدِّ والعمِّ؛ لأنَّ الشِّدة في التربية لا تولِّد إلاَّ شِدَّةً في السلوك، وقد صَحَّ عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنَّه قال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَالحَسَنُ عَلَى عَاتِقِهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ»(١٠).
قال النووي: «وفيه ملاطفة الصبيان ورحمتهم، ومماستهم»(١١)، والولد يحتاج من والديه أمرًا محسوسًا حتى يشعر بما يجول في قلبيهما من محبَّةٍ وعَطْفٍ ورحمةٍ، وقد يتجسَّد ذلك الإحساس في تقبيله، وحمله، ومداعبته، أو المسح على رأسه، أو وجهه، أو وضعه على أحضانهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّه صلّى الله عليه وسلّم قَبَّلَ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ -وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ ابْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا- فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ»(١٢)، وقد صَحَّ -أيضًا- أَنَّه جاء أعرابي إلى النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم: «أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ(١٣)»(١٤)، وتقريرًا لهذا المعنى فقد روى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا»» (١٥).
ومن مظاهر الإحساس للولد بما في قلبي والديه من عناية وشفقةٍ ومحبَّةٍ: مدحه والثناء عليه إذا أحسن وقام بالمطلوب، وبالمقابل تنبيهه إذا أساء أو أخطأ في أداء المطلوب، ثمَّ يعلمه العادة الصالحة والصفة الحسنة التي يفتقدها، وقد بيَّن النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا الأسلوب التربوي في حديث عمرو ابن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «يَا غُلاَمُ سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»(١٦)، ومن جهة أخرى، فإنَّ معاملة الوالدين لأولادهما بمحبةٍ ورحمةٍ تقتضي وجوبَ العدل بينهم، وعدمَ إيثار الأبناء على البنات، وبخس الأنثى حقِّها في الرعاية والاهتمام والبِرِّ، فمثل هذا التفضيل معدودٌ من عادات الجاهلية، إذ المطلوب عدم التفريق بين الذكور والإناث، ولا بين الذكور أنفسهم، أو تخصيص بعضهم، ولا بين الإناث، سواء في العطف أو المعاملة أو المحبة أو العطية أو غيرها، لقوله صلّى الله عليه وسلّم للبشير ابن سعد رضي الله عنه في شأن تخصيصه للعطية لأحد أبنائه: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ»(١٧).
ومن جهة ثالثة، فإنَّه قد يصدر عن الصغير عمل يغضب والديه، أو يزعجهما فلا يجوز التشديد عليه، ولا تعنيفه ومجافاته لصغره ولعدم اكتمال قدرته العقلية، بل يعامل بالرِّفق، فقد صحَّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قال: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ»(١٨)، وفي رواية: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الخَيْرَ كُلَّهُ»(١٩)، فالأخذ بأسلوب الرِّفق والمسامحة يجعل علاقةَ الولد بوالديه علاقةَ محبٍة، يشعر بها ويميل إليهما بسببها، ويسمع النصح والتوجيه، أمَّا العنف في الصغر فمدعاة للعنف في الكِبَر، والقسوة على الولد في الصغر تحمله على جفاء والديه في الكبر، وليس معنى هذا ترك التشديد عليه مطلقًا، وإنَّما يجوز أخذه بالشِّدة إذا لم ينفع الرِّفق والملاطفة والنصح والتوجيه، ويكون بإظهار الغضب، والعبوسِ في وجهه، وعدم الرِّضا على تصرُّفاته، ورفعِ الصوت عليه، والصدودِ عنه، وهجرهِ، تلك هي مظاهر التشديد، وقد تصل إلى ضربه ضربًا غير مُبَرِّحٍ إذا بلغ عشر سنين، وقد جاء في الحديث: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ -وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ- وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا -وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ- وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ»(٢٠)، ومعاملة الولد بهذه الصفة لتحسيسه بسوء أفعاله، أو لتقصيره في القيام بما هو مطلوب منه.
هذا التدرج في التأديب مع الصغير في سِنِّ الطفولة، أمَّا الكبير فيختلف طريق إصلاحه وتأديبه، فإن كان أسلوب الإقناع والوعظ والإرشاد لا يجدي معه نفعًا لجأ الوالدان معه إلى الهجر ما دام بقي مُصِرًّا على غَيِّهِ وانحرافه وفجوره، فقد هجر ابن عمر رضي الله عنهما ابنًا له إلى أن مات لعدم انقياده لحديث ذكره له عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، نهى فيه الرجال أن يمنعوا النساءَ من الذهاب إلى المساجد(٢١).
وهذا إذا لم يبلغ في ظلمه وغَيِّه حدَّ الكفر والإلحاد، فإن تجاوز بانحرافه هذه الدرجة فإنَّ من مستلزمات العقيدة والإيمان هجرانه والإعراض عنه والتبرُّؤُ من عمله إلى أن يتوبَ ويرجع إلى الحقِّ، قال تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ. قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [هود: ٤٥-٤٦]، وقال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٢٤]، علمًا أنَّ هجر الوالدين لولدهما له تأثيرٌ بالغٌ على سلوكه وقوام سيرته لنفوذهما عليه. آثار الإخلال بتربية الولد
هذا، ويترتَّب على الوالدين، أو من في كفالته الولد، حالَ الإخلال بواجبهما اتجاه ولدهما، أو التقصير في تعليمه، نزع الولد من يدهما، ليتمَّ تسليمه إلى رعاية أُخرى مناسبةٍ لتعليمه، وضِمن هذا المنظور يقول ابن القيم رحمه الله: «قال شيخنا -أي شيخ الإسلام ابن تيمية- وإذا ترك أحد الأبوين تعليمَ الصبي، وأَمْرَه الذي أوجبه الله عليه، فهو عاصٍ، ولا ولايةَ له عليه، بل كُلُّ مَنْ لَمْ يقم بالواجب في ولايته، فلا ولاية له، بل إمَّا أن تُرفع يدُه عن الولاية، ويقام من يفعل الواجب، وإمَّا أن يضم إليه من يقوم معه بالواجب، إذ المقصود طاعة الله ورسوله بحَسَب الإمكان، قال شيخنا وليس هذا الحقُّ من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء، سواء كان الوارث فاسقًا أو صالحًا، بل هو من جنس الوِلاية التي لابدَّ فيها من القدرة على الواجب والعلم به، وفعله بحَسَب الإمكان»(٢٢). خاتمة: تكوين الأجيال منوطٌ بتربية الأولاد وحسن تأهيلهم
فهذه جوانبُ من تربية الولد وحُسن تأهيله قائمة على عقيدة الإسلام التي جاء بها أفضل الأنام صلّى الله عليه وسلّم لتتمَّ تربيته بناءً على استعداداته الفطرية، وقدراته الطبيعية والنفسية التي أودعها الله فيه، وَفْقَ منهج الله وتربيته التي جعلت القرآن الكريم خُلُق النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وعلى نظامه تتكوَّن أجيالٌ مهذَّبة عزيزة صادقة، تتحمَّل مسؤوليتها، وتؤدِّي واجبها، وتسعى إلى تسخير قوَّاتها في الخير والفضيلة، وتجنيب الشرِّ والرذيلة، وتراقب الله في السرِّ والعلانية، وتعمل على تحقيق الأمن والاستقرار، والظفر بالسعادتين: الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى. جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾ [طه: ٧٥-٧٦].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
الجزائر في: ٣ ربيع الثاني ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٣٠ أفريل ٢٠٠٦م
___________ من تطبيق آثار العلامة محمد علي #فركوس للتحميل على الأندرويدhttps://goo.gl/CnfonF ______________
(١) «تفسير القرطبي» (١٨/ ١٩٥-١٩٦).
(٢) () أخرجه مسلم في «الجنة وصفة نعيمها وأهلها» (٧٣٨٦)، وأحمد (١٧٩٤٧)، من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه.
(٣) أخرجه الترمذي في «تفسير القرآن» (٣٢٥٦)، من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «المشكاة» (٧٤) - التحقيق الثاني، وفي «هداية الرواة» (٧٠)، وفي «صحيح الموارد» (٣٨)، وفي «النصيحة» (٣٤).
(٤) من ديوان أبي العلاء المعري من قصيدته الموسومة بعنوان: «قد اختل بغير شكّ».
(٥) () أخرجه البخاري في «الجنائز» (١٣٥٨)، ومسلم في «القدر» (٦٩٢٦)، وأحمد (٧٩٢٨)، والبيهقي (١٢٤٩٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٦) بتصرُّفٍ من ديوان أحمد شوقي في قصيدته التي قالها في حفلٍ أُقيم بنادي مدرسة المعلمين العليا الموسومة بعنوان: «العلم والتعليم وواجب المعلم».
(٧) بتصرُّف من ديوان معروف الرصافي بعنوان: «التربية والأمهات».
(٨) () أخرجه البخاري في «الأحكام» (٧١٣٨)، ومسلم في «الإمارة» (٤٨٢٨)، وأبو داود في «الخراج» (٢٩٣٠)، والترمذي في «الجهاد» (١٨٠٦)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٩) () أمَّا حديث: «إذا ولج الرجل في بيته فليقل: اللهمَّ إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، باسم الله وَلَجْنَا، وباسم الله خرجنا، وعلى الله ربِّنا توكَّلنا، ثمَّ ليُسلم على أهله» فلا يصحُّ سَنَدًا، وقد حكم عليه ابن حجر في «نتائج الأفكار» (١/ ١٧٢) بالغرابة، وضَعَّفه الألباني في «الضعيفة» (٥٨٣٢)، وفي «الكلم الطيب» (٦٢). إلاَّ أنَّه ثبت من رواية مسلم برقم (٥٣٨١) في كتاب الأشربة من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ: الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ».
(١٠) () أخرجه البخاري في «فضائل الصحابة» (٣٧٤٩)، ومسلم في «فضائل الصحابة» (٢٤٢٢)، والترمذي في «المناقب» (٤١٥٢)، وأحمد (١٩٠٨٤)، والبيهقي (٢١٦٠٢)، من حديث البراء ابن عازب رضي الله عنه.
(١١) «شرح صحيح مسلم» للنووي (١٥/ ١٩٤).
(١٢) أخرجه البخاري في «الأدب» (٥٩٩٧)، ومسلم في «الفضائل» (٦١٧٠)، وأبو داود في «الأدب» (٥٢٢٠)، والترمذي في «البر والصلة» (٢٠٣٥)، وأحمد (٧٤٩١)، والحميدي في «مسنده» (١١٥٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٣) () معنى العبارة: «أي لا أملك»: أي لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه. «فتح الباري» لابن حجر (١٠/ ٤٣٠).
(١٤) أخرجه البخاري في «الأدب» (٥٩٩٨)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(١٥) () أخرجه البخاري في «الأدب» (٦٠٠٣)، وأحمد (٢٢٤٩١)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
(١٦) () أخرجه البخاري في «الأطعمة» (٥٣٧٦)، ومسلم في «الأشربة» (٥٣٨٨)، وأبو داود في «الأطعمة» (٣٧٧٩)، والترمذي في «الأطعمة» (١٩٧٦)، وابن ماجه في «الأطعمة» (٣٣٩١)، وأحمد (١٦٧٦٩)، من حديث عمرو بن أبي سلمة رضي الله عنه.
(١٧) () أخرجه البخاري في «الهبة» (٢٥٨٧)، والبيهقي في «الهبات» (٢١٣٥١)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
(١٨) أخرجه مسلم في «البر والصلة والآداب» (٦٧٦٦)، والبيهقي في «الشهادات» (٢١٣١٧)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(١٩) أخرجه مسلم في «البر والصلة والآداب» (٦٧٦٣)، وأبو داود في «الأدب» (٤٨١١)، وابن ماجه في «الأدب» (٣٨١٨)، وأحمد (١٩٧٧١)، من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
(٢٠) أخرجه أبو داود في «الصلاة» (٤٩٥، ٦٨٥٤)، والدارقطني (٨٩٩)، والبيهقي (٣٣٥٨)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وصحَّحه ابن الملقن في «البدر المنير» (٣/ ٢٨٣)، والألباني في «إرواء الغليل» (٢٤٧)، وحسَّنه في «صحيح الجامع» (٥٨٦٨).
(٢١) أخرجه أحمد في «مسنده» (٤٩٣٣)، من حديث مجاهد عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما، والحديث صحَّحه الألباني في «غاية المرام» (ص ٢٣٤).
(٢٢) «زاد المعاد» لابن القيِّم (٥/ ٤٧٥).
http://play.google.com/store/apps/details?id=com.wahid.ferkous