1 - مكانة خطبه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
إن أحسن الخطب وأوفاها بياناً وأتماها نصحاً خطبُ نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم فقد جمع الله له في خطبه المنيفة جمال البيان وحسن الإفهام وقلة ألفاظ الكلام، بل ما سمع قط كلامُ أحد من البشر أعمُّ نفعاً، ولا أفصح معنى، ولا أصدق لفظاً، ولا أحسن موقعاً ولا أسهل مخرجاً ولا أوفى نصحاً من كلامه الشريف صلى الله عليه وسلم ، وقد آتاه الله جوامع الكلم وخصه ببدائع الحكم، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بعثت بجوامع الكلم)).
قال الزهري رحمه الله: ((جوامع الكلم ـ فيما بلغنا ـ أن الله يجمع له الأمورَ الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك)).
ومن يتأمل خطبه صلوات الله وسلامه عليه يجدُ فيها الوفاء والنصح والبيان، وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجةُ المخاطبين ومصلحتُهم، إلاّ أنها في الجملة كان مدارُها على حمد الله والثناء عليه بآلائه وأوصاف كماله ومحامده وتعليمِ قواعد الإسلام وذكرِ الجنة والنار والمعاد والأمر بتقوى الله وتبيين موارد غضبه ومواقع رضاه.
والحج مناسبة كريمة وفرصة ثمينة للنصح والتوجيه والوعظ والتنبيه والتعليم والإرشاد، إذ القلوب فيه مقبلة والنفوس مطمئنة والرغبة في الخير شديدة، فحريٌ بالدعاة إلى الله تعالى أن تتضافر جهودهم وتتوافر هممهم في هذا الموسم المبارك نصحاً وتعليماً وإرشاداً وتوجيهاً مقتفين آثار نبيهم الكريم مهتدين بهديه القويم، وأن يكون مرتكزُ كلامهم ما دعا إليه ومحورُ نصحهم وبيانهم ما أرشد إليه، إذ هو عليه الصلاة والسلام أنصحُ الناس للناس، بل هو قدوة الناصحين وإمام المرشدين {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].
وقد كان لخطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على وجه الخصوص شأنٌ عظيم إذ هي وصية مودع والمودع يستقصي ما لا يستقصي غيرُهُ في القول والفعل، وقد عرّض في خطبته في حجة الوداع بذلك فقال: ((فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا))، وطفق يودّع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع. ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في شأن هذه الخطبة: ((فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته صلى الله عليه وسلم إلى أمته)) رواه البخاري.
ويدل لأهمية هذه الخطبة وعظيم شأنها أمورٌ عديدة منها:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم ودع الناس على إثرها فهي وصية مودع كما سبق إيضاح ذلك.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم استنصت الناس أي طلب منهم أن ينصتوا، ففي الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: ((استنصت الناس)). مما يدل على أهمية الأمر، حيث إن الخطبة لما كانت مشتملة على صلاح الناس وسعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة ناسب أن يأمرهم بالإنصات الذي يؤثر فيهم العلمَ والانتفاع ومن ثم العملَ والارتفاع. وقد نُقل عن سفيانَ الثوريِّ وغيرِه أنه قال: ((أولُ العلم الاستماع ثم الانصات ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر)).
ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في خطبته تلك يتطاول من أجل إسماع الناس. ففي المسند عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس في حجة الوداع وهو على الجدعاء واضع رجله في غَراز الرحل يتطاول يقول ألا تسمعون)).
رابعاً: أن الله عز وجل فتح أسماع الناس في ذلك اليوم فكانوا يسمعون كلامه صلى الله عليه وسلم وهم في منازلهم. ففي سنن النسائي عن عبد الرحمن بن معاذ رضي الله عنه قال: ((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ففتح الله أسماعنا، حتى إنْ كنّا لنسمعُ ما يقول ونحن في منازلنا)).
خامساً: أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ من يبلغ عنه، ففي سنن أبي داود عن رافع بن عمرو المزني قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعليٌّ رضي الله عنه يعبّر عنه، والناس بين قاعد وقائم)).
وقوله: ((وعليٌّ رضي الله عنه يعبر عنه)) من التعبير، أي: يبلّغ حديثه مَنْ هو بعيدٌ من النبي صلى الله عليه وسلم.
سادساً: قوله صلى الله عليه وسلم في الخطبة: ((ألا هل بلّغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد)) وتكراره لذلك.
سابعاً: أمرُهم بأن يبلغ الشاهدُ منهم الغائب، ففي حديث أبي بكرة رضي الله عنه في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: ((فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلَّغ أوعى من سامع)).
ثامناً: استعماله صلى الله عليه وسلم في خطبته أسلوب الحض والتنبيه وشدِّ الانتباه ((ألا هل بلغت))، ((ألا ليبلغ الشاهد الغائب))، ((ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))، وتَكرّر مثلُ هذا في مواضع من خطبته. وكذلك أساليبُ التوكيد كقوله: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا))، وفي هذا ما فيه من الاهتمامِ وتقويةِ الكلام وتثبيتهِ في أذهان سامعيه.
تاسعاً: التأمل في مضامين هذه الخطبة العظيمة ودلالاتها المباركة حيث قرر فيها صلوات الله وسلامه عليه قواعد الملة الحنيفية، وهدم فيها قواعد الشرك والجاهلية، وقرر فيها تحريم المحرمات التي اتفقت الملل على تحريمها إلى غير ذلك من المضامين العظيمة التي اشتملت عليها خطبته، مما سنقف على جملته من خلال هذه الرسالة بإذن الله عز وجل.
فكل ذلك يدل دلالة واضحة على أهمية شأن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهمية العناية بها، وأن الحاجة ماسة إلى معرفتها في حق كل مسلم صغير أو كبير ذكر أو أنثى. رزقنا الله البصيرة بسنته والاهتداء بهديه.
إن أحسن الخطب وأوفاها بياناً وأتماها نصحاً خطبُ نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم فقد جمع الله له في خطبه المنيفة جمال البيان وحسن الإفهام وقلة ألفاظ الكلام، بل ما سمع قط كلامُ أحد من البشر أعمُّ نفعاً، ولا أفصح معنى، ولا أصدق لفظاً، ولا أحسن موقعاً ولا أسهل مخرجاً ولا أوفى نصحاً من كلامه الشريف صلى الله عليه وسلم ، وقد آتاه الله جوامع الكلم وخصه ببدائع الحكم، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بعثت بجوامع الكلم)).
قال الزهري رحمه الله: ((جوامع الكلم ـ فيما بلغنا ـ أن الله يجمع له الأمورَ الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك)).
ومن يتأمل خطبه صلوات الله وسلامه عليه يجدُ فيها الوفاء والنصح والبيان، وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجةُ المخاطبين ومصلحتُهم، إلاّ أنها في الجملة كان مدارُها على حمد الله والثناء عليه بآلائه وأوصاف كماله ومحامده وتعليمِ قواعد الإسلام وذكرِ الجنة والنار والمعاد والأمر بتقوى الله وتبيين موارد غضبه ومواقع رضاه.
والحج مناسبة كريمة وفرصة ثمينة للنصح والتوجيه والوعظ والتنبيه والتعليم والإرشاد، إذ القلوب فيه مقبلة والنفوس مطمئنة والرغبة في الخير شديدة، فحريٌ بالدعاة إلى الله تعالى أن تتضافر جهودهم وتتوافر هممهم في هذا الموسم المبارك نصحاً وتعليماً وإرشاداً وتوجيهاً مقتفين آثار نبيهم الكريم مهتدين بهديه القويم، وأن يكون مرتكزُ كلامهم ما دعا إليه ومحورُ نصحهم وبيانهم ما أرشد إليه، إذ هو عليه الصلاة والسلام أنصحُ الناس للناس، بل هو قدوة الناصحين وإمام المرشدين {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].
وقد كان لخطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على وجه الخصوص شأنٌ عظيم إذ هي وصية مودع والمودع يستقصي ما لا يستقصي غيرُهُ في القول والفعل، وقد عرّض في خطبته في حجة الوداع بذلك فقال: ((فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا))، وطفق يودّع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع. ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في شأن هذه الخطبة: ((فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته صلى الله عليه وسلم إلى أمته)) رواه البخاري.
ويدل لأهمية هذه الخطبة وعظيم شأنها أمورٌ عديدة منها:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم ودع الناس على إثرها فهي وصية مودع كما سبق إيضاح ذلك.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم استنصت الناس أي طلب منهم أن ينصتوا، ففي الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: ((استنصت الناس)). مما يدل على أهمية الأمر، حيث إن الخطبة لما كانت مشتملة على صلاح الناس وسعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة ناسب أن يأمرهم بالإنصات الذي يؤثر فيهم العلمَ والانتفاع ومن ثم العملَ والارتفاع. وقد نُقل عن سفيانَ الثوريِّ وغيرِه أنه قال: ((أولُ العلم الاستماع ثم الانصات ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر)).
ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في خطبته تلك يتطاول من أجل إسماع الناس. ففي المسند عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس في حجة الوداع وهو على الجدعاء واضع رجله في غَراز الرحل يتطاول يقول ألا تسمعون)).
رابعاً: أن الله عز وجل فتح أسماع الناس في ذلك اليوم فكانوا يسمعون كلامه صلى الله عليه وسلم وهم في منازلهم. ففي سنن النسائي عن عبد الرحمن بن معاذ رضي الله عنه قال: ((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ففتح الله أسماعنا، حتى إنْ كنّا لنسمعُ ما يقول ونحن في منازلنا)).
خامساً: أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ من يبلغ عنه، ففي سنن أبي داود عن رافع بن عمرو المزني قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعليٌّ رضي الله عنه يعبّر عنه، والناس بين قاعد وقائم)).
وقوله: ((وعليٌّ رضي الله عنه يعبر عنه)) من التعبير، أي: يبلّغ حديثه مَنْ هو بعيدٌ من النبي صلى الله عليه وسلم.
سادساً: قوله صلى الله عليه وسلم في الخطبة: ((ألا هل بلّغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد)) وتكراره لذلك.
سابعاً: أمرُهم بأن يبلغ الشاهدُ منهم الغائب، ففي حديث أبي بكرة رضي الله عنه في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: ((فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلَّغ أوعى من سامع)).
ثامناً: استعماله صلى الله عليه وسلم في خطبته أسلوب الحض والتنبيه وشدِّ الانتباه ((ألا هل بلغت))، ((ألا ليبلغ الشاهد الغائب))، ((ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))، وتَكرّر مثلُ هذا في مواضع من خطبته. وكذلك أساليبُ التوكيد كقوله: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا))، وفي هذا ما فيه من الاهتمامِ وتقويةِ الكلام وتثبيتهِ في أذهان سامعيه.
تاسعاً: التأمل في مضامين هذه الخطبة العظيمة ودلالاتها المباركة حيث قرر فيها صلوات الله وسلامه عليه قواعد الملة الحنيفية، وهدم فيها قواعد الشرك والجاهلية، وقرر فيها تحريم المحرمات التي اتفقت الملل على تحريمها إلى غير ذلك من المضامين العظيمة التي اشتملت عليها خطبته، مما سنقف على جملته من خلال هذه الرسالة بإذن الله عز وجل.
فكل ذلك يدل دلالة واضحة على أهمية شأن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهمية العناية بها، وأن الحاجة ماسة إلى معرفتها في حق كل مسلم صغير أو كبير ذكر أو أنثى. رزقنا الله البصيرة بسنته والاهتداء بهديه.