سلسلة الحج وتهذيب النفوس 7 ( الحجُّ ومكانة العلماء )

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,286
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
7 - الحجُّ ومكانة العلماء



إنَّ من الدروس الرائعة التي تظهر لكلِّ متبصِّر في الحج مكانةَ العلماء ورفعةَ مقامهم وعلوَّ قدرهم وسُموَّ منزلتهم، فترى الحجيج يسألون عنهم ويَبحثون عن أماكنهم، ويحرصون على التفقُّه عليهم ويطرحون عليهم سؤالاتهم في أمور الحجِّ وغيره، ويغتبطون بسماع أجوبتهم وتوجيهاتهم ونصائحهم.

ولا ريب في رفعة مكانة العلماء؛ إذ هم في الخير قادة، تُقتصُّ آثارُهم، ويُقتدى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، تضع الملائكةُ أجنحتها لهم رضاً بصنيعهم، ويستغفر لهم كلُّ رطب ويابس، حتى الحيتانُ في الماء، بلغ بهم علمُهم منازلَ الأخيار ودرجات المتَّقين الأبرار، فسَمَت به منزلتهم وعلت مكانتهم وعظُمَ شأنهم وقدرهم، كما قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}(1)، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(2).

وبجميل نصحهم وحسن توجيههم وتمام بيانهم يعرفُ الناسُ الحلالَ من الحرام، والهدى من الضلال، والحقَّ من الباطل، قال العلاَّمة الإمام أبو بكر الآجري ـ رحمه الله ـ وهو يتحدَّث عن مكانة العلماء: (( فضَّلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كلِّ زمان وأوان، رفعهم الله بالعلم وزيَّنهم بالحلم، بهم يُعرف الحلالُ من الحرام، والحقُّ من الباطل، والضارُّ من النافع، والحَسَنُ من القبيح، فضلُهم عظيم، وخطرهم جزيل، ورثةُ الأنبياء وقرَّةُ عين الأولياء، الحيتانُ في البحار لهم تستغفر، والملائكةُ بأجنحتها لهم تخضع، والعلماء في القيامة بعد الأنبياء تشفع، مجالسهم تفيد الحكمة، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة، هم أفضلُ من العُبَّاد وأعلى درجة من الزُّهَّاد، حياتُهم غنيمة وموتهم مصيبة، يذكِّرون الغافلَ ويُعلِّمون الجاهل، لا يتوقع لهم بائقة، ولا يخاف منهم غائلة ... )) إلى أن قال رحمه الله: (( فهم سراجُ العباد ومنار البلاد وقوام الأمَّة وينابيع الحكمة، هم غيظ الشيطان، بهم تحيا قلوب أهل الحقِّ، وتموت قلوب أهل الزيغ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء، يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وإذا انطمست النجوم تحيَّروا، وإذا أسفر عنها الظلامُ أبصروا )) (3). اهـ.

وإذا كان أهل العلم بهذه المنزلة الرفيعة والدرجة العالية المنيفة، فإنََّّ الواجبَ على مَن سواهم أن يحفظَ لهم قدرَهم ويعرف لهم مكانتهم وينزلهم منازلهم، قال صلى الله عليه وسلم : (( ليس من أمَّتي مَن لم يُجلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقَّه ))(4)، وقال صلى الله عليه وسلم : (( أنزلوا الناسَ منازلهم ))(5).

فلا بدََّّ من معرفة منزلة العلماء وحفظ حقوقهم؛ حيِّهم وميِّتهم شاهدهم وغائبهم، بالقلوب حبًّا واحتراماً، وباللسان مدحاً وثناءً، مع الحرص على التزوُّد من علومهم والإفادة من معارفهم، والتأدُّب بآدابهم وأخلاقهم، والبعد عن النَّيل منهم، أو اللَّمز لهم، أو الوقيعة فيهم، فإنَّ ذلك من أعظم الإثم وأشدِّ اللُّؤم.

إنَّ العلماءَ هم القادةُ لسفينة النجاة، والروادُ لساحل الأمان والهداةُ في دياجر الظلام {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }(6).

وهم حجَّة الله في الأرض، وهم أعلمُ بما يُصلحُ المسلمين في دنياهم وأخراهم؛ لِمَا آتاهم الله من العلم، ولِمَا حباهم به من الفقه والفهم، فهم عن علم ثاقب يُفتون، وببصر نافذ يقرِّرون، وعن نظر بصير يحكمون، لا يُلقون الأحكام جُزافاً، ولا يصدعون صفوف المسلمين فتاً وإرجافاً، ولا يبتدرون إلى الفتاوى دون تحقيق وتدقيق تهاوناً وإسرافاً، ولا يكتمون الحقَّ عن الناس غمطاً لهم أو تكبُّراً واستنكافاً.

ولهذا أمر الله بالردِّ إليهم دون سواهم وسؤالهم دون غيرهم، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(7)، وقال سبحانه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(8)، وهذا فيه تأديبٌ للمؤمنين بأنَّه ينبغي لهم إذا جاءهم أمرٌ من الأمور المهمَّة والمصالح العامة مِمَّا يتعلَّق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبَّتوا ولا يستعجلوا، وأن يردُّوا ذلك إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهلِ العلم والنُّصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور، ويعرفون المصالح وضدَّها، فمَن صدر عن رأيهم سلم، ومن افتات عليهم تضرَّر وأثِم.

وإنَّ من علامات الضياع البعدَ عن العلماء الراسخين، وتركَ التعويل على فتاوى الأئمَّة المحقِّقين، ونزعَ الثقة بالفقهاء المدقِّقين.

وحين تفقد الأمَّةُ الثقة بالعلماء يُصبح شأنُها كأناس في صحراء قاحلة بلا قائد ناصح يقودهم ولا هادٍ خرِّيت يدلُّهم، فيؤول أمرُهم إلى العَطَب، وتكون نهايتُهم إلى التَّلَف.

فالعلماء هم الذين لهم الصدارةُ في دعوة الأمََّّة وتوجيه مسارها وإرشاد يقظتها، وإن لم يكن الأمر كذلك اتَّخذ الناسُ رؤساءَ جُهَّالاً فأفتوهم بغير علم ودلُّوهم بغير فهم، وحينئذ يحلُّ الوهَن ويعظم الخَلَل وتغرق السفينة.

قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (( عليكم بالعلم قبل أن يُقبض، وقبضُه بذهاب أهله، عليكم بالعلم فإنَّ أحدَكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده، وستجدون أقواماً يزعمون أنَّهم يدعون إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورهم، وإيَّاكم والتبدُّع والتنطُّع والتعمُّق، وعليكم بالعتيق )) (9).

فلعلَّك أيُّها الحاجُّ الموفَّق وأنت ترى حرصَ الناس على الإفادة من العلماء في أحكام الحجِّ، وحرصهم على سؤالهم والإفادة من علومهم تُدرك فضيلةَ العلماء وحاجةَ الأمَّة إليهم وإلى علومهم وأهميَّة سؤالهم والاستفادة منهم في جميع أمور الدِّين، وكما أنَّك تستفيد من العلماء في أحكام الحجِّ وتستفتيهم عمَّا يُشكل عليك منها فلتستفد منهم ولتستفتهم في صلاتك وصيامك وزكاتك، وجميع أمور الدِّين؛ لتعبدَ الله على نور وبصيرة.

ونسأل الله الكريم أن يُبارك في علمائنا، وأن يُوفِّقنا لحسن الاستفادة منهم، وأن يجزيهم عنَّا وعن المسلمين خير الجزاء، إنَّه سميعٌ مجيب.

* * *

-------------------
(1) سورة المجادلة، الآية: 11.
(2) سورة الزمر، الآية: 9.
(3) أخلاق العلماء (ص:13 ـ 14).
(4) المسند (22755)، وحسَّنه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع (5444).
(5) سنن أبي داود (4842).
(6) سورة السجدة، الآية: 24.
(7) سورة النحل، الآية: 43.
(8) سورة النساء، الآية: 83.
(9) سنن الدارمي (143).
 
آخر تعديل:
لما رحت للعمرة و انا في المدينة
كانت صلاة الظهر دخلت المسجد بدأت أبحث عن مكان في الصفوف الأولى
فرأيت مكان في الصف الأول
فذهبت إليه فلما اكملت ركعتي تحية المسجد و سلمت
رأيت أن المصلين ينظرون إلي فاستغربت من الأمر
لكن بقيت في مكاني و لم اغيره و بعد فترة قليلة دخل المسجد رجل قوي البنية و كانه جبل يمشي
فاقترب مني و وضع يده علاى كتفي و ابتسم فابتسمت و لم ارعف ما الامر
فنهض الذي كان بجابني و حلف عليه ان يصلي مكانه
و كان الكل ينظر إلي
فصلى ذالك الرجل قربي ركعتين و كان إذا سجد سمعت له أنين من شدة البكاء
فصلى ركعتين بحوالي 12 دقيقة و ابتلت لحيته و الارض من دموعه
فأذن المؤذن و مباشرة بعد انتهاء الآذان قام و زاد ركعتين و انتهى منها مع الاقامة
و كان أنينه في الصلاة متواصل ألى أن انتهينا من صلاة الظهر
و بعد الذكر إلتفت إلي فعانقني و ابتسم و قال كيف الحال بني
و كيف حال أهل الجزاير و أخرج مسكا من جيبه و ناولني إياه و مد يده إلى مجموعة من الكتب
و قال هته هدية مني إليك مع ابتسامة عريضة
فالتفت خلفي فوجدت أن حلقة من المصلين عملت دائرة حوله
و إذا به عالم جليل من علماء المسجد النبوي و المكان الذطي صليت فيه مكان مخصص له
حتى انه توجد لافتة لم انتبه لها
فجلت و اعتذرت منه و قلت لم أعتذر لم أكن أعلم فقال لي لا عليك
لكن يسعدنا لو تبقى معانا


هكذا هو خلق و اخلاق العلماء الرحمة و التسامح مع العوام
فبارك الله لنا فيهم و جزاهم الله عنا كل خير
 
آخر تعديل:
لما رحت للعمرة و انا في المدينة
كانت صلاة الظهر دخلت المسجد بدأت أبحث عن مكان في الصفوف الأولى
فرأيت مكان في الصف الأول
فذهبت إليه فلما اكملت ركعتي تحية المسجد و سلمت
رأيت أن المصلين ينظرون إلي فاستغربت من الأمر
لكن بقيت في مكاني و لم اغيره و بعد فترة قليلة دخل المسجد رجل قوي البنية و كانه جبل يمشي
فاقترب مني و وضع يده علاى كتفي و ابتسم فابتسمت و لم ارعف ما الامر
فنهض الذي كان بجابني و حلف عليه ان يصلي مكانه
و كان الكل ينظر إلي
فصلى ذالك الرجل قربي ركعتين و كان إذا سجد سمعت له أنين من شدة البكاء
فصلى ركعتين بحوالي 12 دقيقة و ابتلت لحيته و الارض من دموعه
فأذن المؤذن و مباشرة بعد انتهاء الآذان قام و زاد ركعتين و انتهى منها مع الاقامة
و كان أنينه في ال
اين بقية القصة و ما حكاية الرجل
 
ما معنى التنطع والتعمق و لماذا اوصانا بالعتيق و ما المقصو د به
جزاك الله خيرا
 
لما رحت للعمرة و انا في المدينة
كانت صلاة الظهر دخلت المسجد بدأت أبحث عن مكان في الصفوف الأولى
فرأيت مكان في الصف الأول
فذهبت إليه فلما اكملت ركعتي تحية المسجد و سلمت
رأيت أن المصلين ينظرون إلي فاستغربت من الأمر
لكن بقيت في مكاني و لم اغيره و بعد فترة قليلة دخل المسجد رجل قوي البنية و كانه جبل يمشي
فاقترب مني و وضع يده علاى كتفي و ابتسم فابتسمت و لم ارعف ما الامر
فنهض الذي كان بجابني و حلف عليه ان يصلي مكانه
و كان الكل ينظر إلي
فصلى ذالك الرجل قربي ركعتين و كان إذا سجد سمعت له أنين من شدة البكاء
فصلى ركعتين بحوالي 12 دقيقة و ابتلت لحيته و الارض من دموعه
فأذن المؤذن و مباشرة بعد انتهاء الآذان قام و زاد ركعتين و انتهى منها مع الاقامة
و كان أنينه في الصلاة متواصل ألى أن انتهينا من صلاة الظهر
و بعد الذكر إلتفت إلي فعانقني و ابتسم و قال كيف الحال بني
و كيف حال أهل الجزاير و أخرج مسكا من جيبه و ناولني إياه و مد يده إلى مجموعة من الكتب
و قال هته هدية مني إليك مع ابتسامة عريضة
فالتفت خلفي فوجدت أن حلقة من المصلين عملت دائرة حوله
و إذا به عالم جليل من علماء المسجد النبوي و المكان الذطي صليت فيه مكان مخصص له
حتى انه توجد لافتة لم انتبه لها
فجلت و اعتذرت منه و قلت لم أعتذر لم أكن أعلم فقال لي لا عليك
لكن يسعدنا لو تبقى معانا


هكذا هو خلق و اخلاق العلماء الرحمة و التسامح مع العوام
فبارك الله لنا فيهم و جزاهم الله عنا كل خير
لان الله عز و جل هو من كتب لك الصلاة في ذلك المكان و الناس سواسية امام الله و الكل يحاسب على نيته
 
ما معنى التنطع والتعمق
جزاك الله خيرا
ما معنى التنطع في الإسلام ؟ وهل تغطية الوجه وإعفاء اللحى والالتزام بجميع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ورفض كل ما هو مستحدث فى الدين يعد تشددا ؟ وما معنى أنه صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ؟


تم النشر بتاريخ: 2007-09-11

الحمد لله
أولا :
الحديث الذي ورد في ذم التنطع جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ . قَالَهَا ثَلَاثًا ) رواه مسلم (2670)
وللعلماء في تفسير " التنطع " و " المتنطعين " عبارات كثيرة ، تتوافق ولا تتعارض ، وكلها تجتمع في معنى واحد ، يرجع إلى التكلف والتشدد فيما لا ينبغي وفي غير موضعه الصحيح. ومن هذه المعاني :
1- الغلو في العبادة والمعاملة ، بحيث يؤدي إلى المشقة الزائدة ، والشريعة لم تأمر إلا بما فيه يسر وسماحة ، ونهت عن التشدد في الدين ، وصور الغلو التي أحدثها الناس في الدين وعدها العلماء من التنطع لا تكاد تحصى بعدد .
يقول النووي في "شرح مسلم" (16/220) :
" أي : المتعمقون ، الغالون ، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى .
2- الابتداع في الدين ، بتحريم ما لم يحرمه الله ورسوله ، واستحداث صور من العبادات والإلزامات لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (10/620) - :
" الرهبانيات والعبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات ، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( هلك المتنطعون ) ، وقال : ( لو مد لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم ) مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم ، ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه ، وكذلك الاحتفاء والعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة ، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم ، وأن يقوم قائما ولا يجلس ، ولا يستظل ، ولا يتكلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مروه فليجلس ، وليستظل ، وليتكلم ، وليتم صومه ) رواه البخاري . وهذا باب واسع " انتهى .
3- التقعر في الكلام ، والتشدق باللسان ، بتكلف الكلمات التي تميل قلوب الناس إليه ، حيث لا معنى ولا مضمون ، ولا فائدة ترجى من تشدقه وتقعره .
فقد أورد ابن أبي الدنيا هذا الحديث في رسالة " الغيبة والنميمة " في باب " ما جاء في ذم التقعر في الكلام " (ص/15) وروى فيه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ )
رواه أيضا أحمد في "المسند" (1/22) وحسنه محققو المسند .
وروى فيه أيضا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إن شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان )
قال ابن الأثير في "النهاية" (5/164) :
" المُتَنَطِّعون : هم المُتعَمِّقون المُغالون في الكلام ، المتكلِّمون بأقْصَى حُلوقهم . مأخوذ من النِّطَع ، وهو الغارُ الأعْلى من الفَم ، ثم استُعْمِل في كل تَعَمُّق قولاً وفعلا " انتهى .
4- الخوض فيما لا يعني ، والسؤال عما لا ينبغي ، وتكلف البحث فيما لا يغني .
قال الخطابي :
" المتنطع : المتعمق في الشيء ، المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم ، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم " انتهى . نقلا عن " عون المعبود " (12/235)
ويقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص/285) :
" المتنطع : هو المتعمق ، البحاث عما لا يعنيه ؛ فإن كثرة البحث والسؤال عن حكم ما لم يذكر في الواجبات ولا في المحرمات ، قد يوجب اعتقاد تحريمه ، أو إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات أو المحرمات ، فقبول العافية فيه ، وترك البحث عنه والسؤال خير " انتهى بتصرف. ثم ذكر ابن رجب رحمه الله أمثلة لما ينبغي تجنب البحث فيه من تفاصيل أمور الغيب المجهولة والفروق الفقهية المتكلفة ، والتفريع على المسائل التي يندر وقوعها، ونحوها.
قال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (1/416-418) :
" كذلك أيضاً من التشديد في العبادة ، أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسره الله عليه ، فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله فهو هالك .
ومن ذلك ما يفعله بعض المرضى - ولا سيما في رمضان - حين يكون الله قد أباح له الفطر وهو مريض ، ويحتاج إلي الأكل والشرب ، ولكنه يشدد على نفسه فيبقى صائماً ، فهذا أيضاً نقول إنه ينطبق عليه الحديث : هلك المتنطعون .
ومن ذلك ما يفعله بعض الطلبة المجتهدين في باب التوحيد ؛ حيث تجدهم إذا مرت بهم الآيات والأحاديث في صفات الرب عز وجل جعلوا ينقبون عنها ، ويسألون أسئلة ما كلفوا بها ، ولا درج عليها سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم ، فتجد الواحد ينقب عن أشياء ليست من الأمور التي كلف بها تنطعاً وتشدقاً ، فنحن نقول لهؤلاء : إن كان يسعكم ما وسع الصحابة رضي الله عنهم فأمسكوا ، وإن لم يسعكم فلا وسع الله عليكم ، وثقوا بأنكم ستقعون في شدة وفي حرج وفي قلق ...
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض الطلبة من إدخال الاحتمالات العقلية في الدلائل اللفظية ؛ فتجده يقول : يحتمل كذا ويحتمل كذا ، حتى تضيع فائدة النص ، وحتى يبقى النص كله مرجوجاً لا يستفاد منه . هذا غلط . خذ بظاهر النصوص ودع عنك هذه الاحتمالات العقلية ، فإننا لو سلطنا الاحتمالات العقلية على الأدلة اللفظية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما بقى لنا حديث واحد أو آية واحدة يستدل بها الإنسان ، ولأورد عليها كل شيء ، وقد تكون هذه الأمور العقلية وهميات وخيالات من الشيطان ، يلقيها في قلب الإنسان حتى يزعزع عقيدته وإيمانه والعياذ بالله .
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض المتشددين في الوضوء ، حيث تجده مثلاً يتوضأ ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر ، وهو في عافية من ذلك . أيضاً في الاغتسال من الجنابة ، تجده يتعب تعباً عظيماً عند الاغتسال ، في إدخال الماء في أذنيه ، وفي إدخال الماء في منخريه .
وكل هذا داخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( هلك المتنطعون . هلك المتنطعون . هلك المتنطعون )
فكل من شدد على نفسه في أمر قد وسع الله له فيه فإنه يدخل في هذا الحديث " انتهى باختصار .
ثانيا :
أما الالتزام بشعائر الدين الظاهرة ، والمحافظة على حدود الله ، وامتثال أوامره ، فهذا من واجبات الدين ، وسبيل دخول جنة رب العالمين ، ولا يعدها مِن التنطع إلا مَن يريد التحلل من الشريعة ، والطعن في الأحكام الثابتة ؛ فإن التنطع المذموم هو خروج عن قانون الشريعة وآدابها ، فكيف يكون التزامها ، والتمسك بها ، والعض عليها بالنواجذ تنطعا ؟!!
والحَكَمُ الفصل في ذلك هو الأدلة من الكتاب والسنة ، فما جاءت به الأدلة الصحيحة الظاهرة بإيجاب شيء – كغطاء الوجه وإعفاء اللحية – ، أو تحريم شيء – كتحريم المعازف والاختلاط بالنساء ونحوه – فهذا لا يجوز وصفه بالتنطع والتشدد ، إذ يلزم منه اتهام النبي صلى الله عليه وسلم - الذي أمرنا بها - بأنه متنطع !! وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك.
أما ما لم تأت به النصوص ، وكان من أحد الأوجه الأربعة السابقة في تفسير التنطع ، فهذا هو ما ينبغي ذمه واجتنابه ، ولا يخلط بينه وبين أحكام الشريعة الظاهرة الثابتة .
ثالثا :
أما حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ) رواه البخاري (3367) ومسلم (2327)
فلا يعني بوجه من الوجوه التخلي عن الشريعة ، والتقصير في الواجبات ، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تحقيق العبودية لله بجميع لوازمها ، ولكن المراد بقوله ( بين أمرين ) أي من أمور الدنيا التي ليس للشرع فيها أمر أو نهي ، أو من الأمور التي يسع فيها الاختيار من السنن والمستحبات ، أما إذا جاء التكليف بالوجوب أو التحريم فيجب الوقوف عنده من غير تعد ولا تقصير .
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/575) :
" قوله : ( بين أمرين ) أي : من أمور الدنيا ، يدل عليه قوله : ( ما لم يكن إثما ) ؛ لأن أمور الدين لا إثم فيها ، وقوله : ( ما لم يكن إثما ) أي : ما لم يكن الأسهل مقتضيا للإثم ، فإنه حينئذ يختار الأشد . وفي حديث أنس عند الطبراني في الأوسط : ( إلا اختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط ) " انتهى .
والله أعلم .
 
و لماذا اوصانا بالعتيق و ما المقصو د به
جزاك الله خيرا
العتيق هو القديم الأصيل النفيس الكريم و هو وصف الاسلام و الدين، فهو دين عتيق، أصوله راسخة راسية أرسى من الجبال الشامخات، ترجع إلى زمن البعثة، من تمسك بها و عمل على ضوئها ووفقا للمنهج النبوي الذي كان عليه الصحب الكرام نجى و فاز، و من خالف الأصول في الفهم عن الله و الرسول ضل و هلك، لذا أوصى بالعتيق و هو الوصف الأصيل الذي كان عليه الاسلام أولا قبل أن تحدث البدع و تظهر الفرق الضالة، و هي وصية النبي الأمين لأمته ممن أراد النجاة من العذاب و الفوز بالرضوان،فعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْجَمَاعَةُ سنن ابن ماجة رقم 3982
و في رواية الطبرني في المعجم الصغير، و الترمذي
MEDIA-H1.GIF
قالوا: يا رسول الله، من الفرقة الناجية؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي
MEDIA-H2.GIF


و من ثم تبين أن المقصود بالجماعة هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العقيدة والعمل .

فمن الفرق التي تنتسب إلى الإسلام من ضلّ في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته فقالوا إنّ الوجود كله هو الله أو أنّ الله حلّ في خلقه - تعالى الله عن قولهم - بل هو سبحانه وتعالى فوق سماواته مستو على عرشه منفصل عن خلقه ، ومن الفرق من ضلّ في باب الإيمان فأخرجوا العمل من الإيمان وقالوا إنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص والصحيح أنّ الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان ، ومنهم من ضلّ بإخراج مرتكب الكبيرة من الإسلام والحكم عليه بالخلود في النّار مع أنّ الصحيح أنّ مرتكب الكبيرة - غير الشرك والكفر الأكبر - لا يخرج من الإسلام ، ومن الفرق من ضلّ في باب القضاء والقدر فقالوا إنّ الإنسان مجبور على أفعاله مع أنّ الصحيح أنّ الإنسان له إرادة ومشيئة بناء عليها يحاسب ويتحمّل تبعة فعله ، ومن الفرق من ضلّ في باب القرآن فقالوا هو مخلوق مع أنّ الصحيح أنّه كلام الله منزّل غير مخلوق ، ومن الفرق من ضلّ في باب الصحابة فكفّروهم وسبّوهم مع أنّهم أصحاب النبي الكريم الذين نزل الوحي بينهم وهم أعلم الأمّة وأعبد الأمّة وجاهدوا في الله حقّ جهاده ونصر الله بهم الدّين رضي الله عنهم . وهكذا سائر الفِرَق التي انحرفت عن الإسلام وابتدعت في دين الله كل فرقة بما لديهم فرحون قد سلكوا سبُل الشيطان مخالفين قول الله تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153) سورة الأنعام .


نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل السنّة الناجين من النار وأن يدخلنا الجنّة مع الأبرار وصلى الله على نبينا محمد .
 
العتيق هو القديم الأصيل النفيس الكريم و هو وصف الاسلام و الدين، فهو دين عتيق، أصوله راسخة راسية أرسى من الجبال الشامخات، ترجع إلى زمن البعثة، من تمسك بها و عمل على ضوئها ووفقا للمنهج النبوي الذي كان عليه الصحب الكرام نجى و فاز، و من خالف الأصول في الفهم عن الله و الرسول ضل و هلك، لذا أوصى بالعتيق و هو الوصف الأصيل الذي كان عليه الاسلام أولا قبل أن تحدث البدع و تظهر الفرق الضالة، و هي وصية النبي الأمين لأمته ممن أراد النجاة من العذاب و الفوز بالرضوان،فعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْجَمَاعَةُ سنن ابن ماجة رقم 3982
و في رواية الطبرني في المعجم الصغير، و الترمذي
MEDIA-H1.GIF
قالوا: يا رسول الله، من الفرقة الناجية؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي
MEDIA-H2.GIF


و من ثم تبين أن المقصود بالجماعة هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العقيدة والعمل .

فمن الفرق التي تنتسب إلى الإسلام من ضلّ في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته فقالوا إنّ الوجود كله هو الله أو أنّ الله حلّ في خلقه - تعالى الله عن قولهم - بل هو سبحانه وتعالى فوق سماواته مستو على عرشه منفصل عن خلقه ، ومن الفرق من ضلّ في باب الإيمان فأخرجوا العمل من الإيمان وقالوا إنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص والصحيح أنّ الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان ، ومنهم من ضلّ بإخراج مرتكب الكبيرة من الإسلام والحكم عليه بالخلود في النّار مع أنّ الصحيح أنّ مرتكب الكبيرة - غير الشرك والكفر الأكبر - لا يخرج من الإسلام ، ومن الفرق من ضلّ في باب القضاء والقدر فقالوا إنّ الإنسان مجبور على أفعاله مع أنّ الصحيح أنّ الإنسان له إرادة ومشيئة بناء عليها يحاسب ويتحمّل تبعة فعله ، ومن الفرق من ضلّ في باب القرآن فقالوا هو مخلوق مع أنّ الصحيح أنّه كلام الله منزّل غير مخلوق ، ومن الفرق من ضلّ في باب الصحابة فكفّروهم وسبّوهم مع أنّهم أصحاب النبي الكريم الذين نزل الوحي بينهم وهم أعلم الأمّة وأعبد الأمّة وجاهدوا في الله حقّ جهاده ونصر الله بهم الدّين رضي الله عنهم . وهكذا سائر الفِرَق التي انحرفت عن الإسلام وابتدعت في دين الله كل فرقة بما لديهم فرحون قد سلكوا سبُل الشيطان مخالفين قول الله تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153) سورة الأنعام .


نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل السنّة الناجين من النار وأن يدخلنا الجنّة مع الأبرار وصلى الله على نبينا محمد .
توضيح شااامل كااامل
بارك الله فيك أخي أباليث
 
ستفترق هذه الأمة

على ثلاث وسبعين فرقة

فتوى رقم ( 830 ):


س: قد اطلعت على حديث شريف أورده شيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب في كتابه [مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم]؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
MEDIA-H1.GIF
ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاَّ واحدة
MEDIA-H2.GIF
، والسائل هنا يريد بيان هذه المسألة التي قال فيها الإِمام محمد بن عبد الوهاب في كتابه آنف الذكر: (فهذه المسألة من أجل المسائل فمن فهمها فهو الفقيه ومن عمل بها فهو المسلم، فنسألالله الكريم المنان أن يتفضل علينا بفهمها والعمل بها) كما يود إجابته على الأسئلة التالية التي تدور حول الحديث المذكور وهي:


1 - من هي الفرقة الناجية المشار إليها في الحديث؟

2 - وهل تدخل الفرق الأخرى غير أهل الحديث؛ كالشيعة ، والشافعية ، والحنفية ، والتيجانية وغيرها في الاثنتين والسبعين فرقة التي نص الرسول الكريم على أنها في النار؟

3 - وإذا كانت هذه الفرق في النار إلاَّ واحدة فكيف تسمحون لهم بزيارة بيت الله الحرام ؟ هل كان الإِمام الكبير على خطأ أم قد حدتم عن الجادة المستقيمة؟

ج: أولاً: ما ذكره الإِمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في [مختصر السيرة] طرف من حديث صحيح مشهور رواه أصحاب السنن والمسانيد كأبي داود والنسائي والترمذي وغيرهم بألفاظ عدة منها:
MEDIA-H1.GIF
افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلاَّ واحدة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلاَّ واحدة، وستفترق هده الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاَّ واحدة
MEDIA-H2.GIF
،وفي رواية:
MEDIA-H1.GIF
على ثلاث وسبعين ملة
MEDIA-H2.GIF
، وفي رواية:
MEDIA-H1.GIF
قالوا: يا رسول الله، من الفرقة الناجية؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي
MEDIA-H2.GIF
، وفي رواية قال:
MEDIA-H1.GIF
هي الجماعة، يد الله على الجماعة
MEDIA-H2.GIF
.

ثانيًا: الفرقة الناجية قد بينها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في بعض روايات الحديث المتقدم بصفتها ومميزاتها في جوابه على سؤال أصحابه: من الفرق الناجية؟ حيث قال:
MEDIA-H1.GIF
من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي
MEDIA-H2.GIF
، وفي رواية أخرى قال:
MEDIA-H1.GIF
هي الجماعة يد الله على الجماعة
MEDIA-H2.GIF
، فوصفها بأنها هي التي تسير في عقيدتها وقولها وعملها وأخلاقها على ما كان عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، فتنهج نهج الكتاب والسنة في كل ما تأتي وما تذر، وتلزم طريق جماعة المسلمين وهم الصحابة رضي الله عنهم حيث لم يكن لهم متبوع إلاَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلاَّ وحي يوحى، فكل من اتبع الكتاب والسنة قولية أو عملية وما أجمعت عليه الأمة ولم تستهوه الظنون الكاذبة ولاالأهواء المضلة والتأويلات الباطلة التي تأباها اللغة العربية - التي هي لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها نزل القرآن الكريم - وتردها أصول الشريعة الإِسلامية، كل من كان كذلك فهو من الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة.

ثالثًا: أما من اتخذ إلهه هواه وعارض الكتاب والسنة الصحيحة برأيه أو رأي إمامه وقول متبوعه حمية له وعصبية، أو تأول نصوص الكتاب والسنة بما تأباه اللغة العربية وترده أصول الشريعة الإِسلامية فشذ بذلك عن الجماعة فهو من الفرق الثنتين والسبعين التي ذكر الرسول المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم بأنها جميعها في النار، وإذًا فأمارة هذه الفرق التي بها تعرف: مفارقة الكتاب والسنة والإِجماع بلا تأويل يتفق مع لغة القرآن وأصول الشريعة ويعذر به صاحبه فيما أخطأ فيه.

رابعًا: المسألة التي ذكرها إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وذكر أنها من أجل المسائل، وأن من فهمها فقد فهم الدين، ومن عمل بها فهو المسلم - هي ما تقدم بيانه في الفقرة الثانية من الإِجابة، من تميز الفرقة الناجية بما ميزها به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الفرق الأخرى على خلافها، فمن ميز بين الفرقة الناجية والفرقة الهالكة بما ميز به النبي صلى الله عليه وسلم، وفهم الفرق بين الفرق الناجية والهالكة على وفق بيانه فقد فهم الدين وميز بين من يجب أن يلزم جماعتهم ومن يجتنبهم ويفر منهم فراره من الأسد، ومن أخذ نفسه بالعمل بهـذا الفهم الصحيح فلزم جماعة الهدى والحق وإمامهم فهو المسلم؛ لأنه ينطبق عليه وصف الفرقة الناجية علمًا وعقيدةً وقولاً وعملاً.
 

ولا شك أن هذا من أجل المسائل وأعظمها نفعًا وأعمها فائدة، فرحم الله الإِمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، رجل البصيرة النافذة والفهم الدقيق لنصوص الدين ومقاصده، حيث نبه على ما يهم المسلمين في أمر دينهم بالإِشارة أحيانًا كما هنا، وبالعبارة والبيان أحيانًا أخرى كما في كثير من مؤلفاته.

خامسًا: لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الألقاب التي اشتهرت بها الطوائف المنتسبة للإِسلام سمات تعرف بها الفرق الثنتان والسبعون، ولا عنوانًا يتمايز به بعضها عن بعض، وإنما جعل أمارتها مفارقة الكتاب والسنة وإجماع الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، اتباعًا للظن وما تهوى الأنفس، وقولاً على الله بغير علم وعصبية لمتبوعهم سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعادون في ذلك ويوالون، كما جعل شعارًا للفرقة الناجية اتباع الكتاب والسنة ولزوم جماعة المسلمين، وإيثار ذلك على مداركهم وظنونهم وأهوائهم، فهواهم تبعًا لما جاءت به الشريعة الإِسلامية، يوالون في ذلك ويعادون، فمن يتخذ ميزانًا يزن
به الطوائف سوى بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرف به فرقها ليميز الفرقة الناجية من الفرق الهالكة فقد تكلم بغير علم وحكم في الفرق بغير بصيرة فظلم بذلك نفسه، وظلم الطوائف المنتسبة للإِسلام، ومن رجع في تمييز الفرقة الناجية من الفرق الهالكة إلى بيانه صلى الله عليه وسلم عدل في حكمه وعرف أن جماعات الأمة درجات متفاوتة، فمنهم من هو أحرص على اتباع الشريعة والاستسلام لها وأبعد الناس عن الابتداع في الدين والتحريف في نصوصه، والزيادة فيه أو النقص منه فهؤلاء أسعد الناس بأن يكونوا من الفرقة الناجية، فعلماء الحديث وأئمة الفقه في الكتاب والسنة منهم من هو أهل للاجتهاد يحرص على الشريعة ويسلم لها إلاَّ أنه قد يتأول بعض نصوصها تأويلاً يخطئ فيه فيعذر في خطئه لكونه في موارد الاجتهاد، ومنهم من ينكر بعض نصوص الشريعة، إما لكونه حديث عهد بالإِسلام، وإما لأنه نشأ في أطراف البلاد الإِسلامية فلم يبلغه ما أنكره، ومنهم من يرتكب معصية أو يبتدع بدعة لا يخرج بها عن حظيرة الإِسلام، فهو مؤمن مطيع لله بما فيه من طاعة، مسيء بما ارتكب من معصية وابتدع من البدع فكان في مشيئة الله إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، قال تعالى:
MEDIA-B2.GIF
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
MEDIA-B1.GIF
وقال:
MEDIA-B2.GIF
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
MEDIA-B1.GIF


فهؤلاء وهؤلاء ليسوا بكفار بتأويلهم الخاطئ أو جحدهم ما جحدوا بل يعذرون ويدخلون في عداد الفرقة الناجية وإن كانوا دون الأولى. ومنهم من جحد معلومًا من الدين بالضرورة بعد ما تبين له واتبع هواه بغير هدى من الله أو تأول بعض نصوص الشريعة تأويلاً بعيدًا مخالفًا في ذلك من سبقه من جماعة المسلمين، ولما بين لهم الحق وأقيمت عليهم الحجة بالمناظرات وغيرها لم يرجعوا فهؤلاء كفار مرتدون عن الإِسلام وإن زعموا أنهم مسلمون، وإن اجتهدوا في الدعوة إليه على عقيدتهم وطريقتهم؛ كجماعة القاديانية الأحمدية الذين أنكروا ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وزعموا أن غلام أحمد القادياني نبي الله ورسوله، أو أنه المسيح عيسى ابن مريم، أو تقمصت روح محمد أو عيسى بدنه فكان بمنزلته في النبوة والرسالة.

سادسًا: لأهل السنة والجماعة أصول ثابتة بالأدلة يبنون عليها الفروع، ويرجعون إليها في الاستدلال على المسائل الجزئية وفي تطبيق الأحكام على أنفسهم وعلى غيرهم.

ومنها: أن الإِيمان قول وعمل وعقيدة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فكلما زاد المسلم في الطاعة زاد إيمانه وكلما فرط فيها
أو ارتكب معصية بحيث لا ينتهي به ذلك إلى الكفر الصريح نقص إيمانه، فالإِيمان عندهم درجات والفرقة الناجية طبقات متفاوتة بعضها فوق بعض حسب الأدلة وما كسبوا من الأقوال والأفعال.

ومنها: أنهم لا يكفرون أحدًا معينًا أو طائفة معينة من أهل القبلة ويتحرجون من ذلك؛ لإِنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد بن حارثة قتله رجلاً من الكفار بعد أن قال: لا إله إلاَّ الله، ولم يقبل من أسامة اعتذاره عن قتله بأنه قالها متعوذًا ليحرز بها نفسه. بل قال له:
MEDIA-H1.GIF
أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا
MEDIA-H2.GIF
يعني: أقالها خالصًا من قلبه أم لا.

إلاَّ إذا أتى بما هو كفر واضح، كإنكاره لمعلوم من الدين بالضرورة أو مخالفة لإِجماع قاطع وتأويله لنصوص صريحة لا تقبل التأويل ثم لم يرجع عن ذلك بعد البيان.

وقد لزم إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله طريقة أهل السنة والجماعة وسار على أصولهم، فلم يكفر أحدًا معينًا ولا طائفة معينة من أهل القبلة بمعصية أو تأويل أو بدعة إلاَّ

إذا قام الدليل على الكفر بذلك، وثبت البلاغ والبيان، ولم تختلف الحكومة السعودية - رعاها الله وأيدها بتوفيقه - عن ذلك في معاملتها لرعيتها وحكمها فيهم، ولا في موقفها من المسلمين في الدول وخاصة من يفد إلى بيت الله الحرام لأداء نسك الحج أو العمرة فهي تحسن الظن بالمسلمين وتعتبرهم إخوانًا لها في الدين وتتعاون معهم على ما يشد أزرهم ويحفظ حقهم ويرد إليهم ما سلب منهم، وترحب بمن يفد إليها وتقوم بما يسهل عليهم أداء نسكهم أو مهمتهم خير قيام بعطف وحدب، يعرف ذلك من خبر أحوالها ووقف على شؤونها وما تبذله من جهود وأموال في سبيل الإِصلاح العام للمسلمين وتوفير الراحة لحجاج بيت الله الحرام .

ولهذا تسمح لطوائف المسلمين المختلفة بزيارة بيت الله الحرام دون التنقيب عما خفي من عقائدهم عملاً بالظاهر دون التنقيب عما في البواطن، والله يتولى السرائر، فإذا وضح لها كفر شخص أو طائفة معينة كالقاديانية مثلاً وثبت ذلك لدى العلماء المحققين من الدول الإِسلامية فلا يسعها إلاَّ أن تمنع من ثبت كفره وردته من أداء الحج والعمرة؛ حمايةً لبيت الله الحرام أن يقربه من في قلبه رجس، وعملاً بقوله تعالى:
MEDIA-B2.GIF
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا
MEDIA-B1.GIF



وقوله تعالى:
MEDIA-B2.GIF
وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
MEDIA-B1.GIF
.

ومما تقدم يتبين وجه أهمية المسألة العظيمة التي أشار إليها إمام الدعوة في عصره الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجاء طلب بيانه في السؤال، كما يتضح أنه رحمه الله سار على النهج السليم حيث لزم أصول أهل السنة والجماعة ، وإن الحكومة السعودية في معاملتها للمسلمين في العالم لم تحد عن الجادة، بل التزمت أصول أهل السنة والجماعة أيضًا كما لزمها إمام الدعوة، فأخذت المسلمين بظواهرهم ولم تنقب عن قلوبهم، فتسامحت مع من خفي أمره وقست على من كشف عن جريمته، وأصر على ردته بعد المناظرات المتتالية والبيان المتتابع.


وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء
عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن سليمان بن منيع عبد الرزاق عفيفي إبراهيم بن محمد آل الشيخ
 
آخر تعديل:
ما معنى التنطع في الإسلام ؟ وهل تغطية الوجه وإعفاء اللحى والالتزام بجميع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ورفض كل ما هو مستحدث فى الدين يعد تشددا ؟ وما معنى أنه صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ؟


تم النشر بتاريخ: 2007-09-11

الحمد لله
أولا :
الحديث الذي ورد في ذم التنطع جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ . قَالَهَا ثَلَاثًا ) رواه مسلم (2670)
وللعلماء في تفسير " التنطع " و " المتنطعين " عبارات كثيرة ، تتوافق ولا تتعارض ، وكلها تجتمع في معنى واحد ، يرجع إلى التكلف والتشدد فيما لا ينبغي وفي غير موضعه الصحيح. ومن هذه المعاني :
1- الغلو في العبادة والمعاملة ، بحيث يؤدي إلى المشقة الزائدة ، والشريعة لم تأمر إلا بما فيه يسر وسماحة ، ونهت عن التشدد في الدين ، وصور الغلو التي أحدثها الناس في الدين وعدها العلماء من التنطع لا تكاد تحصى بعدد .
يقول النووي في "شرح مسلم" (16/220) :
" أي : المتعمقون ، الغالون ، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى .
2- الابتداع في الدين ، بتحريم ما لم يحرمه الله ورسوله ، واستحداث صور من العبادات والإلزامات لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (10/620) - :
" الرهبانيات والعبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات ، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( هلك المتنطعون ) ، وقال : ( لو مد لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم ) مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم ، ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه ، وكذلك الاحتفاء والعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة ، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم ، وأن يقوم قائما ولا يجلس ، ولا يستظل ، ولا يتكلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مروه فليجلس ، وليستظل ، وليتكلم ، وليتم صومه ) رواه البخاري . وهذا باب واسع " انتهى .
3- التقعر في الكلام ، والتشدق باللسان ، بتكلف الكلمات التي تميل قلوب الناس إليه ، حيث لا معنى ولا مضمون ، ولا فائدة ترجى من تشدقه وتقعره .
فقد أورد ابن أبي الدنيا هذا الحديث في رسالة " الغيبة والنميمة " في باب " ما جاء في ذم التقعر في الكلام " (ص/15) وروى فيه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ )
رواه أيضا أحمد في "المسند" (1/22) وحسنه محققو المسند .
وروى فيه أيضا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إن شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان )
قال ابن الأثير في "النهاية" (5/164) :
" المُتَنَطِّعون : هم المُتعَمِّقون المُغالون في الكلام ، المتكلِّمون بأقْصَى حُلوقهم . مأخوذ من النِّطَع ، وهو الغارُ الأعْلى من الفَم ، ثم استُعْمِل في كل تَعَمُّق قولاً وفعلا " انتهى .
4- الخوض فيما لا يعني ، والسؤال عما لا ينبغي ، وتكلف البحث فيما لا يغني .
قال الخطابي :
" المتنطع : المتعمق في الشيء ، المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم ، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم " انتهى . نقلا عن " عون المعبود " (12/235)
ويقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص/285) :
" المتنطع : هو المتعمق ، البحاث عما لا يعنيه ؛ فإن كثرة البحث والسؤال عن حكم ما لم يذكر في الواجبات ولا في المحرمات ، قد يوجب اعتقاد تحريمه ، أو إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات أو المحرمات ، فقبول العافية فيه ، وترك البحث عنه والسؤال خير " انتهى بتصرف. ثم ذكر ابن رجب رحمه الله أمثلة لما ينبغي تجنب البحث فيه من تفاصيل أمور الغيب المجهولة والفروق الفقهية المتكلفة ، والتفريع على المسائل التي يندر وقوعها، ونحوها.
قال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (1/416-418) :
" كذلك أيضاً من التشديد في العبادة ، أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسره الله عليه ، فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله فهو هالك .
ومن ذلك ما يفعله بعض المرضى - ولا سيما في رمضان - حين يكون الله قد أباح له الفطر وهو مريض ، ويحتاج إلي الأكل والشرب ، ولكنه يشدد على نفسه فيبقى صائماً ، فهذا أيضاً نقول إنه ينطبق عليه الحديث : هلك المتنطعون .
ومن ذلك ما يفعله بعض الطلبة المجتهدين في باب التوحيد ؛ حيث تجدهم إذا مرت بهم الآيات والأحاديث في صفات الرب عز وجل جعلوا ينقبون عنها ، ويسألون أسئلة ما كلفوا بها ، ولا درج عليها سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم ، فتجد الواحد ينقب عن أشياء ليست من الأمور التي كلف بها تنطعاً وتشدقاً ، فنحن نقول لهؤلاء : إن كان يسعكم ما وسع الصحابة رضي الله عنهم فأمسكوا ، وإن لم يسعكم فلا وسع الله عليكم ، وثقوا بأنكم ستقعون في شدة وفي حرج وفي قلق ...
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض الطلبة من إدخال الاحتمالات العقلية في الدلائل اللفظية ؛ فتجده يقول : يحتمل كذا ويحتمل كذا ، حتى تضيع فائدة النص ، وحتى يبقى النص كله مرجوجاً لا يستفاد منه . هذا غلط . خذ بظاهر النصوص ودع عنك هذه الاحتمالات العقلية ، فإننا لو سلطنا الاحتمالات العقلية على الأدلة اللفظية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما بقى لنا حديث واحد أو آية واحدة يستدل بها الإنسان ، ولأورد عليها كل شيء ، وقد تكون هذه الأمور العقلية وهميات وخيالات من الشيطان ، يلقيها في قلب الإنسان حتى يزعزع عقيدته وإيمانه والعياذ بالله .
ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض المتشددين في الوضوء ، حيث تجده مثلاً يتوضأ ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر ، وهو في عافية من ذلك . أيضاً في الاغتسال من الجنابة ، تجده يتعب تعباً عظيماً عند الاغتسال ، في إدخال الماء في أذنيه ، وفي إدخال الماء في منخريه .
وكل هذا داخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( هلك المتنطعون . هلك المتنطعون . هلك المتنطعون )
فكل من شدد على نفسه في أمر قد وسع الله له فيه فإنه يدخل في هذا الحديث " انتهى باختصار .
ثانيا :
أما الالتزام بشعائر الدين الظاهرة ، والمحافظة على حدود الله ، وامتثال أوامره ، فهذا من واجبات الدين ، وسبيل دخول جنة رب العالمين ، ولا يعدها مِن التنطع إلا مَن يريد التحلل من الشريعة ، والطعن في الأحكام الثابتة ؛ فإن التنطع المذموم هو خروج عن قانون الشريعة وآدابها ، فكيف يكون التزامها ، والتمسك بها ، والعض عليها بالنواجذ تنطعا ؟!!
والحَكَمُ الفصل في ذلك هو الأدلة من الكتاب والسنة ، فما جاءت به الأدلة الصحيحة الظاهرة بإيجاب شيء – كغطاء الوجه وإعفاء اللحية – ، أو تحريم شيء – كتحريم المعازف والاختلاط بالنساء ونحوه – فهذا لا يجوز وصفه بالتنطع والتشدد ، إذ يلزم منه اتهام النبي صلى الله عليه وسلم - الذي أمرنا بها - بأنه متنطع !! وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك.
أما ما لم تأت به النصوص ، وكان من أحد الأوجه الأربعة السابقة في تفسير التنطع ، فهذا هو ما ينبغي ذمه واجتنابه ، ولا يخلط بينه وبين أحكام الشريعة الظاهرة الثابتة .
ثالثا :
أما حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ) رواه البخاري (3367) ومسلم (2327)
فلا يعني بوجه من الوجوه التخلي عن الشريعة ، والتقصير في الواجبات ، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تحقيق العبودية لله بجميع لوازمها ، ولكن المراد بقوله ( بين أمرين ) أي من أمور الدنيا التي ليس للشرع فيها أمر أو نهي ، أو من الأمور التي يسع فيها الاختيار من السنن والمستحبات ، أما إذا جاء التكليف بالوجوب أو التحريم فيجب الوقوف عنده من غير تعد ولا تقصير .
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/575) :
" قوله : ( بين أمرين ) أي : من أمور الدنيا ، يدل عليه قوله : ( ما لم يكن إثما ) ؛ لأن أمور الدين لا إثم فيها ، وقوله : ( ما لم يكن إثما ) أي : ما لم يكن الأسهل مقتضيا للإثم ، فإنه حينئذ يختار الأشد . وفي حديث أنس عند الطبراني في الأوسط : ( إلا اختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط ) " انتهى .
والله أعلم .
جزاك الله خيرا على التوضيح
 
قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (( عليكم بالعلم قبل أن يُقبض، وقبضُه بذهاب أهله، عليكم بالعلم فإنَّ أحدَكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده، وستجدون أقواماً يزعمون أنَّهم يدعون إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورهم، وإيَّاكم والتبدُّع والتنطُّع والتعمُّق، وعليكم بالعتيق ))
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top