6 - خمسُ خصال موجبةٌ لدخول الجنة
ومما ورد في ذكر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حديثُ أبي أمامة الباهلي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: ((اتقوا ربكم وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة مالكم، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم)). رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أحمد والحاكم بلفظ: ((اعبدوا ربكم)).
وهي وصية جامعة في ذكر موجبات دخول الجنة، وأسباب الظفر بنعيمها، والفوز بخيراتها وملذاتها، وهي الدار التي أعدها الله لعباده المطيعين وأوليائه الصالحين، وجعل فيها من النعيم الكريم والثواب العظيم، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17]، وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ((تدخلوا جنة ربكم)) إضافة الجنة إلى الرب سبحانه، وهذا فيه تشريفٌ لها، وتعليةٌ لشأنها، ورفعٌ لقدرها.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أسباب عظيمة لدخول الجنة ونيل ما فيها من ثواب ونعيم.
الأول: قوله (اتقوا ربكم) أي بفعل أوامره، والبعد عن نواهيه، فأصل التقوى أن يجعل العبدُ بينه وبين ما يخافه وقاية تقيه منه، وتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك، وهو فعلُ طاعته، واجتنابُ معاصيه، كما قال طلق بن حبيب ـ رحمه الله ـ: ((تقوى الله عمل بطاعة الله على نور من الله رجاءُ رحمة الله، وترك معصية الله على نور من الله خيفة عقاب الله)). فتقوى الله عز وجل جدٌّ واجتهاد، ونصح للنفس بطاعة الله والتقرب إليه بما يرضيه، ولا سيما فعلُ الفرائض والواجبات، والبعدُ عن المعاصي والمنكرات.
ويدخل في تقوى الله الإيمانُ بأصول هذا الدين وعقائده القويمة، والقيام بشرائع الإسلام وعبادته، فكل ذلك من خصال التقوى ومن أوصاف المتقين، كما قال الله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة:177].
الثاني: قوله: (وصلوا خمسكم) أي: حافظوا على الصلوات الخمس المفروضة، فإن المحافظة عليها من موجبات دخول الجنة، وإضاعتَها من موجبات دخول النار، وهي عماد الدين وآكد أركانه بعد الشهادتين، وهي صلة بين العبد وربه، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإذا صلحت صلح سائر عمله، وإذا فسدت فسد سائر عمله، وهي الفارقة بين المسلم والكافر، فإقامتها إيمان، وإضاعتها كفر، فلا دين لمن لا صلاة له، ولا حظَّ في الإسلام لمن ضيع الصلاة.
ففي المسند وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: ((من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبيِّ بن خلف)).
الثالث: قوله (وصوموا شهركم) أي: شهر رمضان المبارك بالامتناع في نهاره عن الطعام والشراب وسائر المفطرات، وهو شهر واحد يمر كلَّ عام كتب الله على العباد صيامه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183]، وهي قليلة وصيامها في غاية اليسر والسهولة، يجتمع فيه المسلمون كلُّهم على أداء هذه الطاعة، فيتركون فيه شهواتهم الأصليةَ من طعامٍ وشراب ونكاح، ويعوضهم الله عن ذلك من فضله وإحسانه تتميمَ دينهم، وزيادة كمالهم، ونيل أجره العظيم وبره العميم، وفي الجنة باب يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون.
الرابع: قوله (وأدوا زكاة مالكم) أي التي فرض الله عليكم، وجعلها حقاً في المال، وهي لا تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي، وإنما تجب على الأغنياء تتميماً لدينهم وإسلامهم، وتنمية لأموالهم وأخلاقهم، ودفعاً للآفات عنهم وعن أموالهم، وتطهيراً لهم من السيئات ومواساةً لمحاويجهم وفقرائهم، مما يدل على كمال هذه العبادة وعظم نفعها.
الخامس: قوله (وأطيعوا ذا أمركم) وفي هذا الأمر بالسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين في غير معصية الله والنصح لهم، وعدم الخروج عليهم، ونزعِ اليد من طاعتهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59]، ومن تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر في حجة الوداع ما رواه مسلم في صحيحه عن يحيى بن حصين قال: سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع وهو يقول: ((ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا))، فالواجب اتخاذ ذلك ديناً وقربة يُتقرب بها إلى الله عز وجل، فالذي أمر بطاعة ولاة الأمر هو الذي أمر بالصلاة والصيام والزكاة، وكلُّ ذلك من موجبات دخول الجنة ونيلِ رضا الله عز وجل.
وقد أضيفت هذه الخصالُ الخمس في الحديث إلى المؤمنين لأنها من خصوصيتهم وموجبات كمالهم.
قال الطيبي ـ رحمه الله ـ: ((حكمةُ إضافةِ هذا وما بعده إليهم إعلامُهُم بأن ذواتِ هذه الأعمالِ بكيفيتها المخصوصة من خصوصياتهم التي امتازوا بها عن سائر الأمم، وحثُّهُم على المبادرة للامتثال بتذكيرهم بما خوطبوا به، وتذكيرُهم بأن هذه الإضافةَ العمليةَ يقابلها إضافةٌ فضليةٌ هي أعلى منها وأتمُّ، وهي الجنةُ المضافةُ إلى وصف الربوبية المشعرِ بمزيد تربيتهم وتربيةِ نعيمهم بما فارقوا به سائر الأمم))(1). اهـ.
اللهم إنا نسألك التوفيق لدخول الجنة دار النعيم المقيم، والإعانة على القيام بموجبات دخولها إنك سميع مجيب.
* * *
--------------
(1) تحفة الأحوذي (3/238).
ومما ورد في ذكر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حديثُ أبي أمامة الباهلي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: ((اتقوا ربكم وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة مالكم، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم)). رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أحمد والحاكم بلفظ: ((اعبدوا ربكم)).
وهي وصية جامعة في ذكر موجبات دخول الجنة، وأسباب الظفر بنعيمها، والفوز بخيراتها وملذاتها، وهي الدار التي أعدها الله لعباده المطيعين وأوليائه الصالحين، وجعل فيها من النعيم الكريم والثواب العظيم، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17]، وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ((تدخلوا جنة ربكم)) إضافة الجنة إلى الرب سبحانه، وهذا فيه تشريفٌ لها، وتعليةٌ لشأنها، ورفعٌ لقدرها.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أسباب عظيمة لدخول الجنة ونيل ما فيها من ثواب ونعيم.
الأول: قوله (اتقوا ربكم) أي بفعل أوامره، والبعد عن نواهيه، فأصل التقوى أن يجعل العبدُ بينه وبين ما يخافه وقاية تقيه منه، وتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك، وهو فعلُ طاعته، واجتنابُ معاصيه، كما قال طلق بن حبيب ـ رحمه الله ـ: ((تقوى الله عمل بطاعة الله على نور من الله رجاءُ رحمة الله، وترك معصية الله على نور من الله خيفة عقاب الله)). فتقوى الله عز وجل جدٌّ واجتهاد، ونصح للنفس بطاعة الله والتقرب إليه بما يرضيه، ولا سيما فعلُ الفرائض والواجبات، والبعدُ عن المعاصي والمنكرات.
ويدخل في تقوى الله الإيمانُ بأصول هذا الدين وعقائده القويمة، والقيام بشرائع الإسلام وعبادته، فكل ذلك من خصال التقوى ومن أوصاف المتقين، كما قال الله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة:177].
الثاني: قوله: (وصلوا خمسكم) أي: حافظوا على الصلوات الخمس المفروضة، فإن المحافظة عليها من موجبات دخول الجنة، وإضاعتَها من موجبات دخول النار، وهي عماد الدين وآكد أركانه بعد الشهادتين، وهي صلة بين العبد وربه، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإذا صلحت صلح سائر عمله، وإذا فسدت فسد سائر عمله، وهي الفارقة بين المسلم والكافر، فإقامتها إيمان، وإضاعتها كفر، فلا دين لمن لا صلاة له، ولا حظَّ في الإسلام لمن ضيع الصلاة.
ففي المسند وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: ((من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبيِّ بن خلف)).
الثالث: قوله (وصوموا شهركم) أي: شهر رمضان المبارك بالامتناع في نهاره عن الطعام والشراب وسائر المفطرات، وهو شهر واحد يمر كلَّ عام كتب الله على العباد صيامه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183]، وهي قليلة وصيامها في غاية اليسر والسهولة، يجتمع فيه المسلمون كلُّهم على أداء هذه الطاعة، فيتركون فيه شهواتهم الأصليةَ من طعامٍ وشراب ونكاح، ويعوضهم الله عن ذلك من فضله وإحسانه تتميمَ دينهم، وزيادة كمالهم، ونيل أجره العظيم وبره العميم، وفي الجنة باب يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون.
الرابع: قوله (وأدوا زكاة مالكم) أي التي فرض الله عليكم، وجعلها حقاً في المال، وهي لا تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي، وإنما تجب على الأغنياء تتميماً لدينهم وإسلامهم، وتنمية لأموالهم وأخلاقهم، ودفعاً للآفات عنهم وعن أموالهم، وتطهيراً لهم من السيئات ومواساةً لمحاويجهم وفقرائهم، مما يدل على كمال هذه العبادة وعظم نفعها.
الخامس: قوله (وأطيعوا ذا أمركم) وفي هذا الأمر بالسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين في غير معصية الله والنصح لهم، وعدم الخروج عليهم، ونزعِ اليد من طاعتهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59]، ومن تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر في حجة الوداع ما رواه مسلم في صحيحه عن يحيى بن حصين قال: سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع وهو يقول: ((ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا))، فالواجب اتخاذ ذلك ديناً وقربة يُتقرب بها إلى الله عز وجل، فالذي أمر بطاعة ولاة الأمر هو الذي أمر بالصلاة والصيام والزكاة، وكلُّ ذلك من موجبات دخول الجنة ونيلِ رضا الله عز وجل.
وقد أضيفت هذه الخصالُ الخمس في الحديث إلى المؤمنين لأنها من خصوصيتهم وموجبات كمالهم.
قال الطيبي ـ رحمه الله ـ: ((حكمةُ إضافةِ هذا وما بعده إليهم إعلامُهُم بأن ذواتِ هذه الأعمالِ بكيفيتها المخصوصة من خصوصياتهم التي امتازوا بها عن سائر الأمم، وحثُّهُم على المبادرة للامتثال بتذكيرهم بما خوطبوا به، وتذكيرُهم بأن هذه الإضافةَ العمليةَ يقابلها إضافةٌ فضليةٌ هي أعلى منها وأتمُّ، وهي الجنةُ المضافةُ إلى وصف الربوبية المشعرِ بمزيد تربيتهم وتربيةِ نعيمهم بما فارقوا به سائر الأمم))(1). اهـ.
اللهم إنا نسألك التوفيق لدخول الجنة دار النعيم المقيم، والإعانة على القيام بموجبات دخولها إنك سميع مجيب.
* * *
--------------
(1) تحفة الأحوذي (3/238).