سلسلة خطب ومواعظ من حجة الوداع 10 ( إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم )

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,286
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
10 - إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم

إن من المعاني العظيمة التي أكّد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرّرها في حجة الوداع لزومَ تقوى الله عز وجل، والحرصَ على نيل رفيع الرتب، وعالي الدرجات بتحقيقها لا بالفخر بالأنساب والأحساب، فالكلُّ بنو آدم، وآدم من تراب، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي إلاّ بتقوى الله عز وجل.
روى الإمام أحمد في مسنده(1) عن أبي نضرةَ قال: حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال: ((يا أيها الناس ألا إنَّ ربكم واحد، وإنَّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلاّ بالتقوى، أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فقرّر صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة العظيمة والبيان البليغ أن التفاضل ونيلَ الفضل إنما هو بتقوى الله عز وجل لا بأيِّ أمر آخر، كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]، فأكرم الناس عند الله أتقاهم له، أي: أكثرهم محافظة على طاعته، وانكفافاً عن معصيته، إذ التقوى هي العمل بطاعة الله على نور من الله رجاءَ ثواب الله، والبعدُ عن معصية الله على نور من الله خيفةَ عقاب الله. وعلى قدر منازل الناس من التقوى تكون منازلهم عند الله، والله جلَّ وعلا عليم خبير، يعلم من يقوم بتقواه ظاهراً وباطناً ممن لا يقوم، ويجازي كلاًّ بما يستحق.
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أكرم؟ قال: ((أكرمهم عند الله أتقاهم، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فأكرم الناس يوسفُ نبيُّ اللهِ ابنُ نبيِّ الله ابنِ نبي الله ابن خليل الله، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألون؟ قالوا: نعم، قال: فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا))
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))، وفي المسند للإمام أحمد عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((انظر، فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلاّ أن تفضله بتقوى)).
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فالناس إنما يتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب والأنساب، والصور والأموال، والله عز وجل رتب الجزاء والثواب على تحقيق التقوى، والقيام بطاعته سبحانه، فبذلك تثقل الموازين وترتفع الدرجات.
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[المؤمنون:101-103].
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: ((ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه))، ومعناه: أن العمل هو الذي يَبْلغ بالعبد درجات الآخرة كما قال تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام:132]، فمن بطّأ به عمله أن يبلغ به المنازل العالية عند الله تعالى لم يسرع به نسبه فيبلغ به تلك الدرجات، فإن الله رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب، وقد أمر الله تعالى بالمسارعة إلى مغفرته ورحمته بالأعمال كما قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:133]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون:57-61] (2).
فهذه الآيات ونظائرها كثيرٌ في القرآن تدل أن الفوز برضى الله، والسبق إلى المنازل العالية إنما هو بالأعمال الصالحات، والطاعات الزاكيات، والتقرب إلى الله بما يرضيه، وفعل طاعته وطاعةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، لا أن يعول الإنسان على حسب أو نسب، أو مال أو جاه أو غير ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ((إذ الفضل الحقيقي هو اتباع ما بَعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الإيمان والعلم باطناً وظاهراً، فكل من كان فيه أمكن كان أفضل، والفضل إنما هو بالأسماء المحمودة في الكتاب والسنة مثل: الإسلام والإيمان والبر والتقوى، والعلم والعمل الصالح، والإحسان ونحو ذلك، لا بمجرد كون الإنسان عربياً أو عجمياً أو أسود أو أبيض ولا بكونه قروياً أو بدوياً)) (3)اهـ.
وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
لعمــرك ما الإنسان إلاّ بدينــه

فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس
وقد وضـع الشرك النسيب أبا لهـب


ويشهد لهذا كله ما في الصحيحين عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء، وإنما وليي الله وصالحو المؤمنين)) فأخبر صلى الله عليه وسلم عن بطن قريب النسب أنهم ليسوا بمجرد النسب أولياء، إنما وليه الله وصالحو المؤمنين من جميع الأصناف، وأن الولاية لا تنال بالنسب وإن قرب، وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، فمن كان أكمل إيماناً وعملاً فهو أعظم ولاية له.
ونسأل الله الكريم أن يزيننا بزينة الإيمان، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يوفقنا لطاعته، وأن يجعلنا من عباده المتقين.

* * *

-------------
(1) المسند (رقم:23489)، قال ابن تيمية في الاقتضاء (1/412): بإسناد صحيح.
(2) ينظر جامع العلوم والحكم لابن رجب (1/308).
(3) اقتضاء الصراط المستقيم (ص:415).
 
آخر تعديل:
%D8%AA%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%B1_%D9%88%D8%AC%D8%B9%D9%84%D9%86%D8%A7%D9%83%D9%85_%D8%B4%D8%B9%D9%88%D8%A8%D8%A7_%D9%88%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%84_%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%81%D9%88%D8%A7.jpg




القول في تأويل قوله تعالى : ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ( 13 ) )

يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الناس إنا أنشأنا خلقكم من ماء ذكر من الرجال ، وماء أنثى من النساء .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو هشام قال : ثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد قال : خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة ، وقد قال تبارك وتعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران قال : ثنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد قوله ( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) قال : ما خلق الله الولد إلا من نطفة الرجل والمرأة جميعا ، لأن الله يقول ( خلقناكم من ذكر وأنثى ) .

وقوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) يقول : وجعلناكم متناسبين ، فبعضكم يناسب بعضا نسبا بعيدا ، وبعضكم يناسب بعضا نسبا قريبا ، فالمناسب [ ص:310 ] النسب البعيد من لم ينسبه أهل الشعوب ، وذلك إذا قيل للرجل من العرب : من أي شعب أنت؟ قال : أنا من مضر ، أو من ربيعة . وأما أهل المناسبة القريبة أهل القبائل ، وهم كتميم من مضر ، وبكر من ربيعة ، وأقرب القبائل الأفخاذ وهما كشيبان من بكر ودارم من تميم ، ونحو ذلك ، ومن الشعب قول ابن أحمر الباهلي :



من شعب همدان أو سعد العشيرة أو خولان أو مذحج هاجوا له طربا



وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب قال : ثنا أبو بكر بن عياش قال : ثنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجماع والقبائل : البطون .

حدثنا خلاد بن أسلم قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجماع . قال خلاد قال أبو بكر : القبائل العظام ، مثل بني تميم ، والقبائل : الأفخاذ .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن عطية قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجمهور ، والقبائل : الأفخاذ . [ ص: 311 ]

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهدقوله ( شعوبا ) قال : النسب البعيد . ( وقبائل ) دون ذلك .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : النسب البعيد ، والقبائل كقوله : فلان من بني فلان ، وفلان من بني فلان .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة . ( وجعلناكم شعوبا ) قال : هو النسب البعيد . قال : والقبائل : كما تسمعه يقال : فلان من بني فلان .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وجعلناكم شعوبا ) قال : أما الشعوب : فالنسب البعيد .

وقال بعضهم : الشعوب : الأفخاذ .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الأفخاذ ، والقبائل : القبائل .

وقال آخرون : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يحيى بن طلحة قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ الكبار .

وقال آخرون : الشعوب : الأنساب . [ ص: 312 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الأنساب .

وقوله ( لتعارفوا ) يقول : ليعرف بعضكم بعضا في النسب ، يقول - تعالى ذكره - : إنما جعلنا هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس ، ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده ، لا لفضيلة لكم في ذلك ، وقربة تقربكم إلى الله ، بل أكرمكم عند الله أتقاكم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد( وقبائل لتعارفوا ) قال : جعلنا هذا لتعارفوا ، فلان بن فلان من كذا وكذا .

وقوله ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) يقول - تعالى ذكره - : إن أكرمكم أيها الناس عند ربكم ، أشدكم اتقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، لا أعظمكم بيتا ولا أكثركم عشيرة .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الناس لآدم وحواء كطف الصاع لم يملأوه ، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني ابن لهيعة ، عن [ ص: 313 ] الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أنسابكم هذه ليست بمساب على أحد ، وإنما أنتم ولد آدم طف الصاع لم تملأوه ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا " .

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن علية ، عن ابن جريج قال : سمعت عطاء يقول : قال ابن عباس : " ثلاث آيات جحدهن الناس : الإذن كله ، وقال : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وقال الناس أكرمكم : أعظمكم بيتا; وقال عطاء : نسيت الثالثة " .

وقوله ( إن الله عليم خبير ) يقول - تعالى ذكره - : إن الله أيها الناس ذو علم بأتقاكم عند الله وأكرمكم عنده ، ذو خبرة بكم وبمصالحكم ، وغير ذلك من أموركم ، لا تخفى عليه خافية .
 
%D8%AA%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%B1_%D9%88%D8%AC%D8%B9%D9%84%D9%86%D8%A7%D9%83%D9%85_%D8%B4%D8%B9%D9%88%D8%A8%D8%A7_%D9%88%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%84_%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%81%D9%88%D8%A7.jpg




القول في تأويل قوله تعالى : ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ( 13 ) )

يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الناس إنا أنشأنا خلقكم من ماء ذكر من الرجال ، وماء أنثى من النساء .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو هشام قال : ثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد قال : خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة ، وقد قال تبارك وتعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران قال : ثنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد قوله ( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) قال : ما خلق الله الولد إلا من نطفة الرجل والمرأة جميعا ، لأن الله يقول ( خلقناكم من ذكر وأنثى ) .

وقوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) يقول : وجعلناكم متناسبين ، فبعضكم يناسب بعضا نسبا بعيدا ، وبعضكم يناسب بعضا نسبا قريبا ، فالمناسب [ ص:310 ] النسب البعيد من لم ينسبه أهل الشعوب ، وذلك إذا قيل للرجل من العرب : من أي شعب أنت؟ قال : أنا من مضر ، أو من ربيعة . وأما أهل المناسبة القريبة أهل القبائل ، وهم كتميم من مضر ، وبكر من ربيعة ، وأقرب القبائل الأفخاذ وهما كشيبان من بكر ودارم من تميم ، ونحو ذلك ، ومن الشعب قول ابن أحمر الباهلي :



من شعب همدان أو سعد العشيرة أو خولان أو مذحج هاجوا له طربا



وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب قال : ثنا أبو بكر بن عياش قال : ثنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجماع والقبائل : البطون .

حدثنا خلاد بن أسلم قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجماع . قال خلاد قال أبو بكر : القبائل العظام ، مثل بني تميم ، والقبائل : الأفخاذ .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن عطية قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجمهور ، والقبائل : الأفخاذ . [ ص: 311 ]

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهدقوله ( شعوبا ) قال : النسب البعيد . ( وقبائل ) دون ذلك .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : النسب البعيد ، والقبائل كقوله : فلان من بني فلان ، وفلان من بني فلان .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة . ( وجعلناكم شعوبا ) قال : هو النسب البعيد . قال : والقبائل : كما تسمعه يقال : فلان من بني فلان .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وجعلناكم شعوبا ) قال : أما الشعوب : فالنسب البعيد .

وقال بعضهم : الشعوب : الأفخاذ .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الأفخاذ ، والقبائل : القبائل .

وقال آخرون : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يحيى بن طلحة قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ الكبار .

وقال آخرون : الشعوب : الأنساب . [ ص: 312 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الأنساب .

وقوله ( لتعارفوا ) يقول : ليعرف بعضكم بعضا في النسب ، يقول - تعالى ذكره - : إنما جعلنا هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس ، ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده ، لا لفضيلة لكم في ذلك ، وقربة تقربكم إلى الله ، بل أكرمكم عند الله أتقاكم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد( وقبائل لتعارفوا ) قال : جعلنا هذا لتعارفوا ، فلان بن فلان من كذا وكذا .

وقوله ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) يقول - تعالى ذكره - : إن أكرمكم أيها الناس عند ربكم ، أشدكم اتقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، لا أعظمكم بيتا ولا أكثركم عشيرة .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الناس لآدم وحواء كطف الصاع لم يملأوه ، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني ابن لهيعة ، عن [ ص: 313 ] الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أنسابكم هذه ليست بمساب على أحد ، وإنما أنتم ولد آدم طف الصاع لم تملأوه ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا " .

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن علية ، عن ابن جريج قال : سمعت عطاء يقول : قال ابن عباس : " ثلاث آيات جحدهن الناس : الإذن كله ، وقال : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وقال الناس أكرمكم : أعظمكم بيتا; وقال عطاء : نسيت الثالثة " .

وقوله ( إن الله عليم خبير ) يقول - تعالى ذكره - : إن الله أيها الناس ذو علم بأتقاكم عند الله وأكرمكم عنده ، ذو خبرة بكم وبمصالحكم ، وغير ذلك من أموركم ، لا تخفى عليه خافية .
جزاك الله خيرا على اثرائك للموضوع
 
ما هي منازل الناس في التقوى و كيف تقسم
احيانا ترهقني اعمال البيت و تجعلني اتهاون في بعض امور العبادة من شدة التعب مثلما ضيعت دروس عديدة لكم و ساعود لها باذن الله ،و عند خلودي للنوم اندم على ما ضيعت فاقول ربي اني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي انه لا يغفر الذنوب الا انت ثم.احمده بق لي اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك و نيتي صادقة فهل هذا يغفر تهاوني في امور العبادة مع اني اشعر انه غير كذلك
 
%D8%AA%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%B1_%D9%88%D8%AC%D8%B9%D9%84%D9%86%D8%A7%D9%83%D9%85_%D8%B4%D8%B9%D9%88%D8%A8%D8%A7_%D9%88%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%84_%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%81%D9%88%D8%A7.jpg




القول في تأويل قوله تعالى : ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ( 13 ) )

يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الناس إنا أنشأنا خلقكم من ماء ذكر من الرجال ، وماء أنثى من النساء .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو هشام قال : ثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد قال : خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة ، وقد قال تبارك وتعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران قال : ثنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد قوله ( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) قال : ما خلق الله الولد إلا من نطفة الرجل والمرأة جميعا ، لأن الله يقول ( خلقناكم من ذكر وأنثى ) .

وقوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) يقول : وجعلناكم متناسبين ، فبعضكم يناسب بعضا نسبا بعيدا ، وبعضكم يناسب بعضا نسبا قريبا ، فالمناسب [ ص:310 ] النسب البعيد من لم ينسبه أهل الشعوب ، وذلك إذا قيل للرجل من العرب : من أي شعب أنت؟ قال : أنا من مضر ، أو من ربيعة . وأما أهل المناسبة القريبة أهل القبائل ، وهم كتميم من مضر ، وبكر من ربيعة ، وأقرب القبائل الأفخاذ وهما كشيبان من بكر ودارم من تميم ، ونحو ذلك ، ومن الشعب قول ابن أحمر الباهلي :



من شعب همدان أو سعد العشيرة أو خولان أو مذحج هاجوا له طربا



وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب قال : ثنا أبو بكر بن عياش قال : ثنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجماع والقبائل : البطون .

حدثنا خلاد بن أسلم قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجماع . قال خلاد قال أبو بكر : القبائل العظام ، مثل بني تميم ، والقبائل : الأفخاذ .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن عطية قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الجمهور ، والقبائل : الأفخاذ . [ ص: 311 ]

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهدقوله ( شعوبا ) قال : النسب البعيد . ( وقبائل ) دون ذلك .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : النسب البعيد ، والقبائل كقوله : فلان من بني فلان ، وفلان من بني فلان .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة . ( وجعلناكم شعوبا ) قال : هو النسب البعيد . قال : والقبائل : كما تسمعه يقال : فلان من بني فلان .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وجعلناكم شعوبا ) قال : أما الشعوب : فالنسب البعيد .

وقال بعضهم : الشعوب : الأفخاذ .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الأفخاذ ، والقبائل : القبائل .

وقال آخرون : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يحيى بن طلحة قال : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ الكبار .

وقال آخرون : الشعوب : الأنساب . [ ص: 312 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) قال : الشعوب : الأنساب .

وقوله ( لتعارفوا ) يقول : ليعرف بعضكم بعضا في النسب ، يقول - تعالى ذكره - : إنما جعلنا هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس ، ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده ، لا لفضيلة لكم في ذلك ، وقربة تقربكم إلى الله ، بل أكرمكم عند الله أتقاكم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد( وقبائل لتعارفوا ) قال : جعلنا هذا لتعارفوا ، فلان بن فلان من كذا وكذا .

وقوله ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) يقول - تعالى ذكره - : إن أكرمكم أيها الناس عند ربكم ، أشدكم اتقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، لا أعظمكم بيتا ولا أكثركم عشيرة .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الناس لآدم وحواء كطف الصاع لم يملأوه ، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ثني ابن لهيعة ، عن [ ص: 313 ] الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أنسابكم هذه ليست بمساب على أحد ، وإنما أنتم ولد آدم طف الصاع لم تملأوه ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا " .

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن علية ، عن ابن جريج قال : سمعت عطاء يقول : قال ابن عباس : " ثلاث آيات جحدهن الناس : الإذن كله ، وقال : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وقال الناس أكرمكم : أعظمكم بيتا; وقال عطاء : نسيت الثالثة " .

وقوله ( إن الله عليم خبير ) يقول - تعالى ذكره - : إن الله أيها الناس ذو علم بأتقاكم عند الله وأكرمكم عنده ، ذو خبرة بكم وبمصالحكم ، وغير ذلك من أموركم ، لا تخفى عليه خافية .
أحسن الله إليك إلياس.
لعل نقلك هذا من تفسير الطبري.
 
ما هي منازل الناس في التقوى و كيف تقسم
منازل الناس في التقوى هي التي تترتب عيلها منازلهم عند الله و كرامتهم وولايتهم و نصر الله لهم و تمكينه، فأكرمهم عنده من خلقه أكثرهم خوفا منه و طاعة له و إنقيادا لأمره و بعدا عن نهيه، يحمله على ذلك معرفته به، فهو يعرف ربه بربوبيته (يعني بأفعاله العظيمة و الحكيمة)، يعرفه بأسمائه و صفاته اللائقة بجلاله و عظمته، و يعرفه بألوهيته التي تقتضي منه مطلق العبودية له و بذل الوسع في الإحسان في طاعته مع إخلاص الوجه له سبحانه، فلا يستوي العالم به و طالب العلم و الجاهل الذي ألهته الدنيا فهو في هواها يسعى، كما لا يستوي الخائف منه الوجل و الذي يجترئ على معاصيه و محارمه و إنتهاك حدوده، كذلك لا يستوي المأمل الأمل الصادق الواثق به مع إتباعه الأمل بالعمل مع حسن التوكل، و الذي يمني الأماني الكاذبة تركا الأمر جانبا مجترأ على النهي قُدَّامََا، و لذا جعل الله منازل العباد من المؤمنين سابق بالخيرات، و مقتصد، و ظالم لنفسه، و تحت كل مرتبة من الناس و الخلق و بينهم من التفاوت مالله به عليم، نهيك عن التفاوت بين أصحاب المراتب من السابقين و المقتصدين و الظالمين لأنفسم فهذا أعظم و أكبر.
الله أسأل أن يجعلنا من السابقين بالخيرات السابقين للخيرات المقربون الذي هم ثلة من الأولين و قليل من الأخرين.
 
احيانا ترهقني اعمال البيت و تجعلني اتهاون في بعض امور العبادة من شدة التعب مثلما ضيعت دروس عديدة لكم و ساعود لها باذن الله ،و عند خلودي للنوم اندم على ما ضيعت فاقول ربي اني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي انه لا يغفر الذنوب الا انت ثم.احمده بق لي اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك و نيتي صادقة فهل هذا يغفر تهاوني في امور العبادة مع اني اشعر انه غير كذلك
أعمال البيت واجب عليك و داخلة في تقواك لله و تنالين بذلك الأجر الوافر تلقاء ما تجدين من التعب إذا خلصت النية لله و إحتسبت الأجر عنده و هي داخلة في طاعة زوجك و خدمته و رعاية أبنائك و القيام على مصالحهم و شؤونهم، علما أن طاعة زوجك في طاعة الله سبيل لتحصيل جنة عرضها السموات و الأرض، و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية عبد الرحمان بن عوف أنه قال : إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت. ورواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث صححه الألباني في الجامع الصغير.


ومعناه أن المرأة المسلمة إذا حافظت على صيام رمضان، وأداء الصلوات الخمس المفروضات، وأطاعت زوجها فيما ليس فيه معصية، وحصنت فرجها من الحرام دخلت الجنة

قال المناوي في فيض القدير وهو يشرح هذا الحديث: (إذا صلت المرأة خمسها) المكتوبات الخمس (وصامت شهرها) رمضان غير أيام الحيض إن كان (وحفظت) وفي رواية أحصنت (فرجها) عن الجماع المحرم والسحاق (وأطاعت زوجها) في غير معصية (دخلت) لم يقل تدخل إشارة إلى تحقق الدخول (الجنة) إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت توبة نصوحاً أو عفي عنها، والمراد مع السابقين الأولين وإلا فكل مسلم لا بد أن يدخل الجنة وإن دخل النار.أهـ
أما حضور الدروس فهذا تخصصين له وقت بعد أداء ما أوجب الله عليك، و ليس في ذلك عليك ذنب مادمت مجتهدة ما أمكنك في الفقه في دين الله عز و جل.
وفقك الله إلى ما فيه رضاه.
 
ما شاااء الله كم استمتعت و انا بين هته الردود
و كأنها حقول من الريحان و الياسمين
بارك الله فيكم جميعا
 
منازل الناس في التقوى هي التي تترتب عيلها منازلهم عند الله و كرامتهم وولايتهم و نصر الله لهم و تمكينه، فأكرمهم عنده من خلقه أكثرهم خوفا منه و طاعة له و إنقيادا لأمره و بعدا عن نهيه، يحمله على ذلك معرفته به، فهو يعرف ربه بربوبيته (يعني بأفعاله العظيمة و الحكيمة)، يعرفه بأسمائه و صفاته اللائقة بجلاله و عظمته، و يعرفه بألوهيته التي تقتضي منه مطلق العبودية له و بذل الوسع في الإحسان في طاعته مع إخلاص الوجه له سبحانه، فلا يستوي العالم به و طالب العلم و الجاهل الذي ألهته الدنيا فهو في هواها يسعى، كما لا يستوي الخائف منه الوجل و الذي يجترئ على معاصيه و محارمه و إنتهاك حدوده، كذلك لا يستوي المأمل الأمل الصادق الواثق به مع إتباعه الأمل بالعمل مع حسن التوكل، و الذي يمني الأماني الكاذبة تركا الأمر جانبا مجترأ على النهي قُدَّامََا، و لذا جعل الله منازل العباد من المؤمنين سابق بالخيرات، و مقتصد، و ظالم لنفسه، و تحت كل مرتبة من الناس و الخلق و بينهم من التفاوت مالله به عليم، نهيك عن التفاوت بين أصحاب المراتب من السابقين و المقتصدين و الظالمين لأنفسم فهذا أعظم و أكبر.
الله أسأل أن يجعلنا من السابقين بالخيرات السابقين للخيرات المقربون الذي هم ثلة من الأولين و قليل من الأخرين.
اللهم امين
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ((إذ الفضل الحقيقي هو اتباع ما بَعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الإيمان والعلم باطناً وظاهراً، فكل من كان فيه أمكن كان أفضل، والفضل إنما هو بالأسماء المحمودة في الكتاب والسنة مثل: الإسلام والإيمان والبر والتقوى، والعلم والعمل الصالح، والإحسان ونحو ذلك، لا بمجرد كون الإنسان عربياً أو عجمياً أو أسود أو أبيض ولا بكونه قروياً أو بدوياً)) (3)اهـ.
وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
لعمــرك ما الإنسان إلاّ بدينــه
فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس
وقد وضـع الشرك النسيب أبا لهـب
 
بارك الله فيك على الموضوع القيم جعله الله في ميزان حسناتك يارب العالمين اجمعين
 
آميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top