فصل
إذا ثبت بدلالة الكتاب والسنة معنى الإيمان ، وأنه اسم جامع لشرائع الإيمان ، وحقائق الإحسان ؛ وتوابع ذلك من أمور الدين-بل هو اسم للدين كله-: علم أنه يزيد وينقص ، ويقوى ويضعف .
وهذه المسألة لا تقبل الاشتباه بوجه من الوجوه : لا شرعاً ولا حساً ، ولا واقعاً .
وذلك : أن نصوص الكتاب والسنة صريحة في زيادته ونقصانه ؛ مثل قوله تعالى( [1]) : ( لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ) ( 48/4) ، ( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا ) ( 74/31) ، ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ( 3/173) ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) ( 9/124).وغيرها من الآيات .
وكذلك الحس والواقع يشهد بذلك من جميع وجوه الإيمان ؛ فإذا الناس في علوم الإيمان ، وفي معارفه ، وفي أخلاقه وأعماله الظاهرة والباطنة- متفاوتون تفاوتاً عظيماً : في القوة والكثرة ، ووجود الآثار ، ووجود الموانع ، وغير ذلك .
فالمؤمنون الكمل عندهم من تفاصيل علوم الإيمان ومعارفه وأعماله ، ما لا نسبة إليه من علوم كثير من المؤمنين ، وأعمالهم ، وأخلاقهم . فعند كثير منهم علوم ضعيفة مجملة، وأعمال قليلة ضعيفة ، وعند كثير منهم ، من المعارضات والشبهات والشهوات ، ما يضعف الإيمان ، وينقصه درجات كثيرة ، بل تجد المؤمنين يتفاوتون تفاوتاً كثيراً في نفس العلم الذي عرفوه من علوم القرآن ؛
أحدهما : علمه فيه قوي صحيح لا ريب فيه ولا شبهة
والآخر علمه فيه ضعيف ، وعنده معاوضات كثيرة تضعفه أيضاً .
كذلك أخلاق الإيمان يتفاوتون فيها تفاوتاً كثيراً : صفات الحلم والصبر والخلق وغيرها . وكذلك في العبادات الظاهرة : كالصلاة ،" يصلي اثنان صلاة واحدة ، وأحدهما يؤدي حقوقها الظاهرة والباطنة، ويعبد الله كأنه يراه ، فإن لم يكن يراه فإنه يراه( [2]) . والآخر يصليها بظاهره : وباطنه مشغول( [3]) بغيرها . وكذلك بقية العبادات .
ولهذا كان المؤمنون ثلاث مراتب :
مرتبة السابقين ،
ومرتبة المقتصدين ،
ومرتبة الظالمين .
وكل واحدة من هذه المراتب أيضاً ، أهلها متفاوتون تفاوتاً كثيراً .
والعبد المؤمن –في نفسه- له أحوال وأوقات تكون أعماله كثيرة قوية ، وأحياناً بالعكس .
وكل هذا من زيادة الإيمان ونقصه ، ومن قوته وضعفه . وكان خيار الأمة ، والمعتنون بالإيمان منهم – يتعاهدون إيمانهم كل وقت يجتهدون في زيادته وتقويته ، وفي دفع المعارضات المنقصة له ، ويجتهدون في ذلك، ويسألون الله : أن يثبت إيمانهم ، ويزيدهم منه : من علومه وأعماله وأحواله . فنسأل الله : أن يزيدنا علماً ويقيناً ، وطمأنينة به وبذكره ، وإيماناً صادقاً .
وخيار الخلق –أيضاً- يطلبون ويتنافسون في الوصول إلى عين اليقين ، بعد علم اليقين ، وإلى حق اليقين . كما قال الله عن إبراهيم عليه السلام : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( 2/260) وقال تعالى : (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) ( 6/75) .
والحواريون خواص أتباع المسيح بن مريم –حين طلبوا نزول المائدة ووعظهم عيسى على هذا المطلب -( قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ) ( [4]) فذكروا حاجتهم الدنيوية ، وحاجتهم العلمية والإيمانية ، إلى ذلك .
* * * *
( [1]) بالأصل : "ليزداد" ، وهو سبق قلم من الناسخ .
( [2]) هذا مأخوذ من بعض ما ورد في حديث جبريل الذي تقدم بعضه .
( [3]) هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : ( مشغولاً) ، وهو تحريف.
( [4]) اقتباس من سورة المائدة : ( 5/113) .
إذا ثبت بدلالة الكتاب والسنة معنى الإيمان ، وأنه اسم جامع لشرائع الإيمان ، وحقائق الإحسان ؛ وتوابع ذلك من أمور الدين-بل هو اسم للدين كله-: علم أنه يزيد وينقص ، ويقوى ويضعف .
وهذه المسألة لا تقبل الاشتباه بوجه من الوجوه : لا شرعاً ولا حساً ، ولا واقعاً .
وذلك : أن نصوص الكتاب والسنة صريحة في زيادته ونقصانه ؛ مثل قوله تعالى( [1]) : ( لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ) ( 48/4) ، ( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا ) ( 74/31) ، ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ( 3/173) ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) ( 9/124).وغيرها من الآيات .
وكذلك الحس والواقع يشهد بذلك من جميع وجوه الإيمان ؛ فإذا الناس في علوم الإيمان ، وفي معارفه ، وفي أخلاقه وأعماله الظاهرة والباطنة- متفاوتون تفاوتاً عظيماً : في القوة والكثرة ، ووجود الآثار ، ووجود الموانع ، وغير ذلك .
فالمؤمنون الكمل عندهم من تفاصيل علوم الإيمان ومعارفه وأعماله ، ما لا نسبة إليه من علوم كثير من المؤمنين ، وأعمالهم ، وأخلاقهم . فعند كثير منهم علوم ضعيفة مجملة، وأعمال قليلة ضعيفة ، وعند كثير منهم ، من المعارضات والشبهات والشهوات ، ما يضعف الإيمان ، وينقصه درجات كثيرة ، بل تجد المؤمنين يتفاوتون تفاوتاً كثيراً في نفس العلم الذي عرفوه من علوم القرآن ؛
أحدهما : علمه فيه قوي صحيح لا ريب فيه ولا شبهة
والآخر علمه فيه ضعيف ، وعنده معاوضات كثيرة تضعفه أيضاً .
كذلك أخلاق الإيمان يتفاوتون فيها تفاوتاً كثيراً : صفات الحلم والصبر والخلق وغيرها . وكذلك في العبادات الظاهرة : كالصلاة ،" يصلي اثنان صلاة واحدة ، وأحدهما يؤدي حقوقها الظاهرة والباطنة، ويعبد الله كأنه يراه ، فإن لم يكن يراه فإنه يراه( [2]) . والآخر يصليها بظاهره : وباطنه مشغول( [3]) بغيرها . وكذلك بقية العبادات .
ولهذا كان المؤمنون ثلاث مراتب :
مرتبة السابقين ،
ومرتبة المقتصدين ،
ومرتبة الظالمين .
وكل واحدة من هذه المراتب أيضاً ، أهلها متفاوتون تفاوتاً كثيراً .
والعبد المؤمن –في نفسه- له أحوال وأوقات تكون أعماله كثيرة قوية ، وأحياناً بالعكس .
وكل هذا من زيادة الإيمان ونقصه ، ومن قوته وضعفه . وكان خيار الأمة ، والمعتنون بالإيمان منهم – يتعاهدون إيمانهم كل وقت يجتهدون في زيادته وتقويته ، وفي دفع المعارضات المنقصة له ، ويجتهدون في ذلك، ويسألون الله : أن يثبت إيمانهم ، ويزيدهم منه : من علومه وأعماله وأحواله . فنسأل الله : أن يزيدنا علماً ويقيناً ، وطمأنينة به وبذكره ، وإيماناً صادقاً .
وخيار الخلق –أيضاً- يطلبون ويتنافسون في الوصول إلى عين اليقين ، بعد علم اليقين ، وإلى حق اليقين . كما قال الله عن إبراهيم عليه السلام : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( 2/260) وقال تعالى : (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) ( 6/75) .
والحواريون خواص أتباع المسيح بن مريم –حين طلبوا نزول المائدة ووعظهم عيسى على هذا المطلب -( قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ) ( [4]) فذكروا حاجتهم الدنيوية ، وحاجتهم العلمية والإيمانية ، إلى ذلك .
* * * *
( [1]) بالأصل : "ليزداد" ، وهو سبق قلم من الناسخ .
( [2]) هذا مأخوذ من بعض ما ورد في حديث جبريل الذي تقدم بعضه .
( [3]) هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : ( مشغولاً) ، وهو تحريف.
( [4]) اقتباس من سورة المائدة : ( 5/113) .
آخر تعديل: