سلسلة شجرة الايمان 5 ( في ذكر الأمور التي يستمد منها الإيمان ج1)

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,286
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر

الفصل الثاني

في ذكر الأمور التي يستمد منها الإيمان


وهذا فصل عظيم النفع والحاجة ، بل الضرورة ماسة إلى معرفته، والعناية به ، معرفة واتصافاً- وذلك : أن الإيمان هو كمال العبد ، وبه ترتفع درجاته في الدنيا والآخرة ، وهو السبب والطريق لكل خير عاجل أو آجل . ولا يحصل ، ولا يقوى ، ولا يتم إلا بمعرفة ما منه يستمد و (بالوصول) إلى ينبوعه وأسبابه وطرقه .


والله تعالى قد جعل لكل مطلوب سبباً وطريقاً يوصل إليه ، والإيمان أعظم المطالب وأهمها وأعمها ؛ وقد جعل الله له مواد كبيرة تجلبه وتقويه ، كما كان له أسباب تضعفه وتوهيه .


ومواده التي تجلبه وتقويه أمران : مجمل ومفصل .


أما المجمل فهو : التدبر لآيات الله المتلوة : من الكتاب والسنة ؛ والتأمل لآياته الكونية على اختلاف أنواعها ؛ والحرص على معرفة الحق الذي خلق له العبد ؛ والعمل بالحق ؛ فجميع الأسباب مرجعها إلى هذا الأصل العظيم .


وأما التفصيل : فالإيمان يحصل ويقوى بأمور كثيرة :


1-منها –
بل أعظمها- : معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة ، والحرص على فهم معانيها ، والتعبد لله فيها .


فقد ثبت في الصحيحين عنه ( عليه الصلاة و السلام) أنه قال : ( إن لله تسعة( [1]) وتسعين اسماً –مائة إلا واحداً –من أحصاها ، دخل الجنة) أي من حفظها، وفهم معانيها ، واعتقدها ، وتعبَّد لله بها دخل الجنة . والجنة لا يدخلها إلا المؤمنون .


فعلم : أن ذلك أعظم ينبوع ومادة لحصول الإيمان وقوته وثباته ؛ ومعرفة الأسماء الحسنى هي أصل الإيمان ، والإيمان يرجع إليها.


ومعرفتها تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وهذه الأنواع هي رُوح الإيمان ورَوحه ، وأصله وغايته . فكلما (عرفها) ازداد إيمانه ، وقوي يقينه ، فينبغي للمؤمن : أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات ، وتكون معرفته سالمة من داء التعطيل ، ومن داء التمثيل ؛ اللذين ابتلي بهما كثير من أهل البدع المخالفة لما جاء به الرسول ؛ بل تكون المعرفة متلقاة من الكتاب والسنة ، وما روى عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، فهذه المعرفة النافعة التي لا يزال صاحبها في زيادة في إيمانه وقوة يقينه ، وطمأنينة في أحواله .


2-ومنها : تدبر القرآن على وجه العموم . فإن المتدبر لا يزال يستفيد من علوم القرآن ومعارفه ؛ ما يزداد به إيماناً . كما قال الله تعالى: ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ( 8/2) .


وكذلك : إذا نظر على انتظامه وإحكامه ؛ وأنه يصدق بعضه بعضاً ، ويوافق بعضه بعضاً ، ليس فيه تناقض ولا اختلاف- تيقن أنه: (تنزيل من حكيم حميد) ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) ( [2]) ،


وأنه لو كان من عند غير الله ، لوجد فيه –من التناقض والاختلاف- أمور كثيرة . قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) ( 4/82) . وهذا من أعظم مقويات الإيمان ، ويقويه من وجوه كثيرة : فالمؤمن بمجرد ما يتلو آيات الله ، ويعرف ما رُكِب عليه من الأخبار الصادقة ، والأحكام الحسنة – يحصل له من أمور الإيمان ، خيرٌ كبير فكيف إذا أحسن تأمله ، وفهم مقاصده وأسراره ؟! ولهذا كان المؤمنون الكمل يقولون: ( رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا ) الآية ( 3/193) .
يتبع بإذنه تعالى...



( [1]) الرواية : ( تسعاً) . وهذا الحديث أخرجه عن طريق أبي هريرة –باختلاف أو زيادة أو اختصار- الشيخان والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم ، والبيهقي في الشعب ، وأبو نعيم في الأسماء الحسنى ، وكل من أبي الشيخ وابن مردوية في التفسير . وأخرج من طريق علي في الحلية . ومن طريق عمر في تاريخ ابن عساكر ، وأخرجه النسائي كما في هداية الباري ( 1/200) والبغوي في المصابيح : ( 1/19) وراجع : صحيح البخاري ( 1/198، و8/97 و9/118) ومسلم ( 8/63) والجامع الصغير ( 1/93، 94) والفتح الكبير ( 1/406-408) .


( [2]) اقتباس بتقديم وتأخير ، من سورة فصلت ( 41/42) .
 
اللهم أاامين.
أتمنى متابعة الجميع ،فالسلسلة من الأهمية بمكان، و هي حصرية على منتدى اللمة، سيما و إني أتفانى في إخراجها على أحسن صورة و أيسرها هذا حتى يتيسر للقارئ الكريم إقتناص جميع فوائدها الجمَّة.
 
آخر تعديل:
سأدعو اذن بعض الاخوة و الاخوات لمتابعتها و الاطلاع على جميع أجزائها​
@ميلينا
@عآشقة الجنـة
@اكرام براءة
@صمت المشاعر
@لؤلؤة قسنطينة
@أم ياسمينdz
@Skor m@k
@habchisalaheddin
@يزيد 05
@*حزن النبلاء*
سلسلة قيمة مفيدة تعب فيها العم أبا ليث اطلعوا على جميع أجزائها وكل واحد يترك اشارة لأخاه من أجل افادته​
 
سأدعو اذن بعض الاخوة و الاخوات لمتابعتها و الاطلاع على جميع أجزائها​
@ميلينا
@عآشقة الجنـة
@اكرام براءة
@صمت المشاعر
@لؤلؤة قسنطينة
@أم ياسمينdz
@Skor m@k
@habchisalaheddin
@يزيد 05
@*حزن النبلاء*
سلسلة قيمة مفيدة تعب فيها العم أبا ليث اطلعوا على جميع أجزائها وكل واحد يترك اشارة لأخاه من أجل افادته​
أنا دائما هنا في قسمي المفضل و هو ما ينفعني في النهاية
أتمنى ان يستمر وجودك و كل الاعضاء هنا لتلقي العلوم الشرعية وهي الكنز الحقيقي
كل الشكر والتقدير للاستاذ الاخ أبو ليث
 
أنا دائما هنا في قسمي المفضل و هو ما ينفعني في النهاية
أتمنى ان يستمر وجودك و كل الاعضاء هنا لتلقي العلوم الشرعية وهي الكنز الحقيقي
كل الشكر والتقدير للاستاذ الاخ أبو ليث
أعلم أختي مليلينا ماشاء الله عليك نفعك الله و نفعنا من علمه الواسع
ان شاء الله يستمر وجودي على كل أنا ذائما موجودة سواء علقت أم لا أطالع معظم المواضيع لكن غالبا بصمت
جزى الله من ينفعنا خير الجزاء
 
أعلم أختي مليلينا ماشاء الله عليك نفعك الله و نفعنا من علمه الواسع
ان شاء الله يستمر وجودي على كل أنا ذائما موجودة سواء علقت أم لا أطالع معظم المواضيع لكن غالبا بصمت
جزى الله من ينفعنا خير الجزاء
اللهم امين مسرورة اوجودك معنا و انار الله طريقك بنوره
 
الله الله
ليتك تعلم ما احس به في هته اللحظة اخي اباليث
باختصار مستمتع فبارك الله فيك و نفع بك و رفع قدرك

ليتك تزيدنتي شرحا لهته العبارة اخي اباليث بارك الله فيك
وتوحيد الأسماء والصفات
 
الله الله
ليتك تعلم ما احس به في هته اللحظة اخي اباليث
باختصار مستمتع فبارك الله فيك و نفع بك و رفع قدرك

ليتك تزيدنتي شرحا لهته العبارة اخي اباليث بارك الله فيك
وتوحيد الأسماء والصفات
اللهم أاامين.
قال ابن القيم رحمه الله : ﻓﺴﺒﺤﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺷﻬﺪ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﺟﻨﺘﻪ ﻗﺒﻞ ﻟﻘﺎﺋﻪ، ﻭﻓﺘﺢ ﻟﻬﻢ ﺃﺑﻮاﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺩاﺭ اﻟﻌﻤﻞ، ﻓﺂﺗﺎﻫﻢ ﻣﻦ ﺭﻭﺣﻬﺎ ﻭﻧﺴﻴﻤﻬﺎ ﻭﻃﻴﺒﻬﺎ ﻣﺎ اﺳﺘﻔﺮﻍ ﻗﻮاﻫﻢ ﻟﻄﻠﺒﻬﺎ ﻭاﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ.
ﻭﻛﺎﻥ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺎﺭﻓﻴﻦ ﻳﻘﻮﻝ: ﻟﻮ ﻋﻠﻢ اﻟﻤﻠﻮﻙ ﻭﺃﺑﻨﺎء اﻟﻤﻠﻮﻙ ﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻪ ﻟﺠﺎﻟﺪﻭﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺴﻴﻮﻑ.
ﻭﻗﺎﻝ ﺁﺧﺮ: ﻣﺴﺎﻛﻴﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ، ﺧﺮﺟﻮا ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻣﺎ ﺫاﻗﻮا ﺃﻃﻴﺐ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ؟ ﻗﻴﻞ: ﻭﻣﺎ ﺃﻃﻴﺐ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ؟ ﻗﺎﻝ: ﻣﺤﺒﺔ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻭﺫﻛﺮﻩ.
ﺃﻭ ﻧﺤﻮ ﻫﺬا.
ﻭﻗﺎﻝ ﺁﺧﺮ: ﺇﻧﻪ ﻟﺘﻤﺮ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻳﺮﻗﺺ ﻓﻴﻬﺎ ﻃﺮﺑﺎ.
ﻭﻗﺎﻝ ﺁﺧﺮ: ﺇﻧﻪ ﻟﺘﻤﺮ ﺑﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﺃﻗﻮﻝ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ﺇﻧﻬﻢ ﻟﻔﻲ ﻋﻴﺶ ﻃﻴﺐ.
ﻓﻤﺤﺒﺔ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻭﺩﻭاﻡ ﺫﻛﺮﻩ ﻭاﻟﺴﻜﻮﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﻭاﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺇﻓﺮاﺩﻩ ﺑﺎﻟﺤﺐ ﻭاﻟﺨﻮﻑ ﻭاﻟﺮﺟﺎء ﻭاﻟﺘﻮﻛﻞ ﻭاﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻮ ﻭﺣﺪﻩ اﻟﻤﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﻤﻮﻡ اﻟﻌﺒﺪ ﻭﻋﺰﻣﺎﺗﻪ ﻭﺇﺭاﺩﺗﻪ، ﻫﻮ ﺟﻨﺔ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭاﻟﻨﻌﻴﻢ اﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺸﺒﻬﻪ ﻧﻌﻴﻢ، ﻭﻫﻮ ﻗُرَﺓُ ﻋﻴﻦ اﻟﻤﺤﺒﻴﻦ، ﻭﺣﻴﺎﺓ اﻟﻌﺎﺭﻓﻴﻦ.
ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﻘﺮ ﻋﻴﻮﻥ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﻗﺮﺓ ﺃﻋﻴﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ، ﻓﻤﻦ ﻗﺮﺕ ﻋﻴﻨﻪ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻗﺮﺕ ﺑﻪ ﻛﻞ ﻋﻴﻦ، ﻭﻣﻦ ﻟﻢ ﺗﻘﺮ ﻋﻴﻨﻪ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺗﻘﻄﻌﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺴﺮاﺕ.
..............................

أما فيما يخص توحيد الأسماء و الصفات فهو إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء الحسنى و الصفات العلى من غير تكييف و لا تمثيل، و لا تأويل و لا تعطيل، على نحو قوله تعالى (ليس كمثله شيئ و هو السميع البصير)، و لعلي أسرد هنا تفصيلا غير مطول ناقلا إياه عن أحد المقالات للعلامة إبن عثيمين رحمه الله (فارس هذا الباب كما نحسبه)، و إن شاء الله تأتينا سلسلة ماتعة نافعة في هذا الباب، و الله الموفق و الهداي إلى الحق و الصواب.

قال رحمه الله:
أسماء الله تعالى كل ما سمى به نفسه في كتابه، أو سماه به أعلم الخلق به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وموقف أهل السنة من هذه الأسماء أنهم يؤمنون بها على أنها أسماء لله يسمى بها الله عز وجل، وأنها أسماء حسنى ليس فيها نقص بوجه من الوجوه كما قال تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف: 180]. فهم يثبتون الأسماء على أنها أسماء لله، ويثبتون أيضاً ما تضمنته هذه الأسماء من الصفات، فمثلاً من أسماء الله ( العليم ) فيثبتون العليم اسماً لله - سبحانه وتعالى-، ويقولون: يا عليم. فيثبتون أنه يسمى بالعليم ويثبتون بأن العلم صفة له دل عليها اسم العليم، فالعليم اسم مشتق من العلم، وكل اسم مشتق من معنى فلابد أن يتضمن ذلك المعنى الذي أشتق منه، وهذا أمر معلوم في العربية واللغات جمعياً. ويثبتون كذلك ما دل عليه الاسم من الأثر إن كان الاسم مشتقاً من مصدر متعدي، فمثلاً ( الرحيم ) من أسماء الله يؤمنون بالرحيم على أنه اسم من أسمائه، ويؤمنون بما تضمنه من صفة الرحمة، وأن الرحمة صفة حقيقية ثابتة لله دل عليها اسم الرحيم، وليست إرادة الإحسان والإحسان نفسه، وإنما إرادة الإحسان والإحسان نفسه من آثار هذه الرحمة، كذلك يؤمنون بأثر هذه الرحمة من يستحقها كما قال تعالى: { يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } [العنكبوت: 21].
هذه قاعدة أهل السنة والجماعة بالنسبة للأسماء: يؤمنون بأنها أسماء يسمى الله بها فيدعون الله بها.

ثانياً: يؤمنون بما تضمنه الاسم من الصفة، لأن جميع أسماء الله مشتقة، والمشتق كما هو معروف يكون دالا على المعنى الذي اشتق منه. ثالثاً: يؤمنون بما تضمنه الاسم من الأثر إذا كان الاسم متعدياً كالعليم، والرحيم، والسميع، والبصير. أما إذا كان الاسم مشتقاً من مصدر لازم فإنه لا يتعدى مسماه مثل الحياة فالله تعالى من أسمائه ( الحي )، و( الحي ) دل على صفة الحياة، والحياة وصف للحي نفسه لايتعدي إلى غيره، ومثل ( العظيم ) فهذا الاسم والعظمة هي الوصف، والعظمة وصف للعظيم نفسه لا تتعدي إلى غيره.
فعلى هذا تكون الأسماء على قسمين: متعدي ولازم،
والمتعدي لايتم الإيمان به إلا بالأمور الثلاثة: الإيمان بالاسم ، ثم بالصفة ثم بالأثر.
وأما اللازم فإنه لايتم الإيمان إلا بإثبات أمرين:
أحدهما: الاسم.
والثاني: الصفة.
أما موقف أهل السنة والجماعة في الصفات فهو: إثبات كل صفة وصف الله بها نفسه، أو وصفه بها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، لكن إثباتاً بلا تكييف ولاتمثيل، ولاتحريف، ولاتعطيل، سواء كانت هذه الصفة من الصفات الذاتية أم من الصفات الفعلية.
فإذا قال قائل: فرقوا لنا بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية.
قلنا: الصفات الذاتية هي التي تكون ملازمة لذات الخالق أي أنه متصف بها أزلاً وأبداً.
والصفات الفعلية هي التي تتعلق بمشيئة فيفعلها الله تبعاً لحكمته - سبحانه وتعالى -.
مثال الأول: صفة الحياة صفة ذاتية، لأن الله لم يزل ولايزال حياً، كما قال الله تعالى: { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِر } [الحديد: من الآية3} وفسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: « أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء ». وقال تعالى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } [الفرقان: من الآية58]. كذلك السمع، والبصر، والقدرة كل هذه من الصفات الذاتية، ولاحاجة إلى التعداد لأننا عرفناها بالضابط: ( كل صفة لم يزل الله ولايزال متصفاً بها فإنها من الصفات الذاتية ) لملازمتها للذات، وكل صفة تتعلق بمشيئة يفعلها الله حيث اقتضتها حكمته فإنها من الصفات الفعلية مثل: استوائه على العرش، ونزوله إلى السماء الدنيا، فاستواء الله على العرش من الصفات الفعلية لأنه متعلق بمشيئته، كما قال تعالى: { إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } [الأعراف: 54]. فجعل الفعل معطوفاً على ماقبله ب( ثم ) الدالة على الترتيب، ثم النزول إلى السماء الدنيا وصفه به أعلم الخلق به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: « ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: (من يدعوني فأستجب له، من يسألنى فأعطيه، من يستغفرني فأغفرله ».
وهذا النزول من الصفات الفعلية لأنه متعلق بمشيئة الله تعالى، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك، ولكنهم في هذا الإيمان يتحاشون التمثيل، أو التكييف، أي أنهم لايمكن أن يقع في نفوسهم أن نزوله كنزول المخلوقين، أو استوائه على العرش كاستوائهم، أو إتيانه للفصل بين عباده كإتيانهم لأنهم يؤمنون بأن الله { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11] ويعلمون بمقتضى العقل ما بين الخالق والمخلوق من التباين العظيم في الذات، والصفات، والأفعال،
ولايمكن أن يقع في نفوسهم كيف ينزل؟
أو كيف استوى على العرش؟
أو كيف يأتي للفصل بين عباده يوم القيامة؟
أي أنهم لايكيفون صفاته مع إيمانهم بأن لها كيفية لكنها غير معلومة لنا، وحينئذٍ لايمكن أبداً أن يتصوروا الكيفية، ولايمكن أن ينطقوا بها بألسنتهم أو يعتقدوها في قلوبهم. يقول تعالى: { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [الاسراء: 36]. ويقول: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } [الأعراف: 33]. ولأن الله أجل وأعظم من أن تحيط به الأفكار قال تعالى: { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [طـه: 110].
وأنت متى تخيلت أي كيفية فعلى أي صورة تتخيلها؟! إن حاولت ذلك فإنك في الحقيقة ضال، ولا يمكن أن تصل إلى حقيقة لأن هذا أمر لا يمكن الإحاطة به، وليس من شأن العبد أن يتكلم فيه أو أن يسأل عنه.

ولهذا قال الإمام مالك - رحمه الله - فيما اشتهر عنه بين أهل العلم حين سأله رجل فقال: يا أبا عبد الله: " الرحمن على العرش استوى " كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء - يعني العرق وصار ينزف عرقاً - لأنه سؤال عظيم. ثم قال تلك الكلمة المشهورة الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان واجب، والسؤال عنه بدعة " وروى عنه أنه قال: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ". فإذاً نحن نعلم معاني صفات الله، ولكننا لا نعلم الكيفية، ولا يحل لنا أن نسأل عن الكيفية ولا يحل لنا أن نكيف، كما أنه لا يحل لنا أن نمثل أو نشبه لأن الله تعالى يقول في القرآن: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11]. من أثبت له مثيلاً في صفاته فقد كذب القرآن، وظن بربه ظن السوء وقد تنقص ربه حيث شبهه وهو الكامل من كل وجه بالناقص، وقد قيل: ألم تر أن السيـف ينقص قــدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا وأنا أقول: هذا على سبيل التوضيح للمعنى وإلا ففرق عظيم بين الخالق والمخلوق، فرق لا يوجد مثله بين المخلوقات بعضها مع بعض.
المهم أيها الأخوة أنه يجب علينا أن نؤمن بكل ما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، سواء كانت تلك الصفة ذاتية أم فعلية، ولكن بدون تكييف، وبدون تمثيل. التكييف ممتنع، لأنه قول على الله بغير علم، وقد قال الله تعالى: { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الاسراء: 36]. والتمثيل ممتنع، لأنه تكذيب لله في قوله: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11]. وقول بما لا يليق بالله تعالى من تشبيهه بالمخلوقين.


العنصر الثاني: في نصوص الأسماء والصفات: المعترك بين أهل السنة وأهل البدعة في هذه النصوص، معترك يتبين به الفرق الشاسع بين أهل السنة وأهل البدعة، فأهل السنة يثبتون النصوص على حقيقتها وظاهرها اللائق بالله من غير تحريف ولا تعطيل. هذه الطريق التي مشى عليها أهل السنة والجماعة، واخترنا كلمة ( تحريف ) على كلمة ( تأويل ) لأن التحريف معناه باطل بكل حال ذم الله تعالى من سلكه في قوله: { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَّوَاضِعِهِ } [النساء: 46]. أما التأويل ففيه ما هو صحيح مقبول، وفيه ما هو فاسد مردود، والفاسد المردود هو بمعنى التحريف، ولهذا اختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في العقيدة الواسطية وهي خلاصة عقيدة أهل السنة والجماعة اختار التحريف بدل التأويل وإن كان يوجد في كثير من كتب العقائد التعبير ( بالتأويل ). لكنهم يريدون بالتأويل ما هو بمعنى التحريف أي التأويل الذي لا دليل عليه، بل الدليل نَقِيضُه وهذا في الحقيقة تحريف. فأهل السنة والجماعة يقولون: نحن نؤمن بهذه الآيات، والأحاديث ولا نحرفها، لأن تحريفها قول على الله بغير علم من وجهين، يتبين ذلك في قوله تعالى: { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [الفجر:22]. قال أهل السنة والجماعة: جاء ربك أي هو نفسه يجيء - سبحانه وتعالى -، لكنه مجيء يليق بجلاله وعظمته لا يشبه مجيء المخلوقين، ولا يمكن أن نكيفه، وعلينا أن نضيف الفعل إلى الله كما أضافه الله إلى نفسه. فنقول: إن الله تعالى يجيء يوم القيامة مجيئاً حقيقياً يجيء هو نفسه، وقال أهل التحريف معناه: وجاء أمر ربك، وهذا جناية على النص من وجهين: الوجه الأول: نفي ظاهره فأين لهم العلم من أن الله تعالى لم يرد ظاهره هل عندهم علم من أن الله لم يرد ظاهر ما أضافه لنفسه؟! والله تعالى يقول عن القرآن إنه نزله بلسان عربي مبين فعلينا أن نأخذ بدلالة هذا اللفظ حسب مقتضى هذا اللسان العربي المبين.
فمن أين لنا أن يكون الله تعالى لم يرد ظاهر اللفظ؟! فالقول بنفي ظاهر النص قول على الله بغير علم. الوجه الثاني: إثبات معنى لم يدل إلى ظاهر اللفظ، فهل عنده علم أن الله تعالى أراد المعنى الذي صرف ظاهر اللفظ إليه؟! هل عنده علم أن الله أراد مجيء أمره؟! قد يكون المراد جاء شيء آخر ينسب إلى الله غير الأمر.
فإذا كل محرف أي كل من صرف الكلام عن ظاهره بدون دليل من الشرع فإنه قائل على الله بغير علم من وجهين:
الأول: نفيه ظاهر الكلام.
الثاني: إثباته خلاف ذلك الظاهر.
لهذا كان أهل السنة والجماعة يتبرأون من التحريف، ويرون أنه جناية على النصوص، وأنه لايمكن أن يخاطبنا الله تعالى بشيء ويريد خلاف ظاهره بدون أن يبين لنا، وقد أنزل الله الكتاب تبياناً لكل شيء والنبي صلى الله عليه و سلم بين للناس ما أنزل إليهم من ربهم بإذن ربهم.
أما التمثيل فمن الواضح أن القول به تكذيب للقرآن، لأن الله تعالى يقول: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11]. ولهذا كان عقيدة أهل السنة والجماعة، بل طريقة أهل السنة والجماعة في نصوص الصفات من الآيات والأحاديث، وهو إثباتها على حقيقتها وظاهرها اللائق بالله، بدون تحريف وبدون تعطيل، وقد حكى إجماع أهل السنة على ذلك ابن عبد البر في كتابه ( التمهيد ) ونقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وكذلك نقل عن القاضي أبي يعلى أنه قال: " أجمع أهل السنة على تحريم التشاغل بتأويل آيات النصوص وأحاديثها، وأن الواجب إبقاؤها على ظاهرها ".
العنصر الثالث: ( الدور من هذا الموقف - أعني موقف أهل السنة والجماعة - تطرف إما إفراط، وإما تفريط، لأن الناس انقسموا في هذا الباب إلى ثلاثة أقسام: طرفان، ووسط
طرف غلا في التنزيه حتى نفى ما أثبته الله لنفسه،
وطرف آخر غلا في الإثبات حتى أثبت ما نفاه الله عن نفسه.
فإن من أهل البدع من أثبت النصوص على ظاهرها، ولكنه جعل هذا الظاهر من جنس صفات المخلوقين والعياذ بالله.
فأثبت النقص لربه بإلحاقه بالمخلوق الناقص، وأخطأ في ظنه أن ظاهرها التمثيل. أثبت أن لله - تعالى - سمعاً، وأن لله تعالى وجهاً، وأن لله تعالى عيناً، وأن له يداً لكنه جعل ذلك كله من جنس صفات المخلوقين، غلا في الإثبات حتى بلغ به إلى التمثيل. وقد قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ولا شك أنه كافر وأن الله - سبحانه وتعالى - لم يرد بهذه النصوص هذا الظاهر الذي ادعاه هذا المُمَثل.
وقد يقول القائل: أين دليلك على أن الله ما أراده؟
فأقول: الدليل عندي نقلي، وعقلي:
أما النقلي فآيات متعددة تنفي المماثلة عن الله وأصرحها وأبينها قوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11].
وأما الدليل العقلي: فإنه لا يمكن أبداً أن يكون الخالق مماثلاً للمخلوق في أي صفة من صفاته لظهور الفرق العظيم بينهما في الذات، والصفات، والأفعال.
ومن أهل البدع من حرف النصوص عن ظاهرها، ونفى مدلولها اللائق بالله، وهؤلاء المحرفون انقسموا إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: قسم غلا في ذلك غلواً عظيماً حتى نفى النقيضين في حق الله، فقال: لا تقل إن الله موجود ولا تقل غير موجود. إن قلت موجود شبهته بالموجودات، وإن قلت غير موجود شبهته بالمعدومات.
ولا ريب أن هذا تنكره العقول كلها لأن رفع أحد النقيضين أمر مستحيل، والتقابل بين الوجود والعدم من تقابل النقيضين اللذين لا يمكن اجتماعهما ولا ارتفاعهما.
القسم الثاني: من قال نثبت السلب ولا نثبت الإيجاب فلا نصف الله بصفات ثبوتية، ولكن نصفه بالأسلوب والإضافات ونثبت الأسماء مجردة عن المعاني، وهذا ما عليه عامة الجهمية والمعتزلة.
القسم الثالث: من يقول: نثبت بعض الصفات لدلالة العقل عليها، وننكر بعض الصفات، لأن العقل لا يثبتها، وبعضهم يقول لأن العقل ينكرها. وكل هذه الأقسام الثلاثة - وإن كانت تختلف من حيث البعد عن الحق - كلها على غير صواب فهي متطرفة، فالقول الوسط ما عليه أهل السنة والجماعة: أن نثبت لله ما أثبته لنفسه من الصفات، ولكنه إثبات مجرد عن التكييف، وعن التمثيل، وبذلك نكون عملنا بالنصوص الشرعية من الجانبين، ولم ننظر بعين أعور، وبذلك نكون قد تأدبنا مع الله ورسوله فلم نقدم بين يدي الله ورسوله، وإنما التزمنا غاية الأدب سمعنا وآمنا، وأطعنا ما أثبته الله لنفسه أثبتناه، وما أثبته له رسوله أثبتناه، وما نفاه الله عن نفسه نفيناه، وما نفاه عنه رسوله نفيناه وما سكت عنه سكتنا عنه.

رابط المادة: http://iswy.co/e48kk
 
آخر تعديل:
ما شاء الله تبارك الله
اضافة رائعة و واضحة و كافية
بارك الله فيك اخي و حبيبي اباليث
اما هته فأجدها كلما صليت في المسجد
ﺇﻧﻪ ﻟﺘﻤﺮ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻳﺮﻗﺺ ﻓﻴﻬﺎ ﻃﺮﺑﺎ.
 
اللهم أاامين.
أتمنى متابعة الجميع ،فالسلسلة من الأهمية بمكان، و هي حصرية على منتدى اللمة، سيما و إني أتفانى في إخراجها على أحسن صورة و أيسرها هذا حتى يتيسر للقارئ الكريم إقتناص جميع فوائدها الجمَّة.
شكرا لك وبارك الله فيك متابعين ان شاء الله...
 
جعلها الله في ميزان حسناتك
اذا أردت أن تعرف مقامك فانظر أين اقامك
 
نسأل الله إخلاص النية و حسن الطوية، و أن يتقبل مني و يغفر لي ما لا تعلموه عني.
اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مم يظنون واغفر لي ما لا يعلمون
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top