الفصل الثالث
في فوائد الإيمان وثمراته
كم للإيمان الصحيح من الفوائد والثمرات العاجلة والآجلة في القلب والبدن ، والراحة والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة ، وكم لهذه الشجرة الإيمانية من الثمار اليانعة ، والجنى اللذيذ ، والأُكل الدائم ، والخير المستمر ؛ أمور لا تحصى وفوائد لا تستقصى، ومجملها : أن خيرات الدنيا والآخرة ، ودفع الشرور كلها من ثمرات هذه الشجرة .
وذلك : أن هذه الشجرة إذا ثبتت وقويت أصولها ، وتفرعت فروعها ، وزهت أغصانها ، وأينعت أفنانها عادت على صاحبها وعلى غيره ، بكل خير عاجل وآجل .
1-فمن أعظم ثمارها الاغتباط بولاية الله الخاصة ، التي هي أعظم ما تنافس فيه المتنافسون ، وأجل ما حصله الموفقون .
قال تعالى : ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ؛ ثم وصفهم بقوله: ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) ( 10/62-63) .
فكل مؤمن تقي ، فهو لله ولي ولاية خاصة ، من ثمراتها ما قاله الله عنهم: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) ( 2/257) ، أي : يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم ، ومن ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة ، ومن ظلمات الغفلة إلى نور اليقظة والذكر . وحاصل ذلك : أنه يخرجهم من ظلمات الشرور المتنوعة ، إلى ما يرفعها( [1]) من أنوار الخير العاجل والآجل .
وإنما حازوا هذا العطاء الجزيل : بإيمانهم الصحيح ، وتحقيقهم هذا الإيمان بالتقوى فإن التقوى من تمام الإيمان ، كما تقدم تحقيقه .
2-ومن ثمرات الإيمان : الفوز برضا الله ، ودار كرامته .
قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ( 9/71-72) .
فنالوا رضا ربهم ورحمته ، والفوز بهذه المساكن الطيبة -: بإيمانهم الذي كمَّلوا به أنفسهم ، وكمَّلوا غيرهم بقيامهم بطاعة الله وطاعة رسوله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فاستولوا على أَجل الوسائل ، وأفضل الغايات . وذلك فضل الله .
3-ومنها : أن الإيمان الكامل يمنع من دخول النار ؛ والإيمان –ولو كان قليلاً- يمنع من الخلود فيها .
فإن من آمن إيماناً –أدى به الواجبات ، وترك المحرمات- : فإنه لا يدخل النار . كما تواترت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي عليه الصلاة و السلام - في هذا الأصل . كما تواتر عنه عليه الصلاة و السلام : أنه لا يخلد في النار من في قلبه شيء من الإيمان ولو يسيراً( [2]) .
4-ومن ثمرات الإيمان : أن الله يدفع عن المؤمنين جميع المكاره ، وينجيهم من الشدائد . كما قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ) ( 22/38) أي : يدفع عنهم كل مكروه ؛ يدفع عنهم شر شياطين الإنس وشياطين الجن ، ويدفع عنهم الأعداء ، ويدفع عنهم المكاره قبل نزولها ، ويرفعها أو يخففها بعد نزولها .
ولما ذكر تعالى ما وقع فيه يونس -عليه الصلاة والسلام- وأنــه (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) ، قال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) ( 21/87-88) : إذا وقعوا في الشدائد ؛ كما أنجينا يونس. قال النبي عليه الصلاة و السلام ( [3]) ( دعوة أخي يونس ما دعا بها مكروب إلا فرج الله عنه كربته ( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) .
وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ) أي:بالقيام بالإيمان ولوازمه ؛ ( يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) ( 65/2) أي : من كل ما ضاق على الناس ؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ) ( 65/4).
فالمؤمن المتقي : ييسر الله له أموره وييسره لليسرى ، ويجنبه العسرى : ويسهل عليه الصعاب ويجعل له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ؛ ويرزقه من حيث لا يحتسب . وشواهد هذا كثير . من الكتاب والسنة .
5-ومنها : أن الإيمان والعمل الصالح – الذي هو فرعه- يثمر الحياة الطيبة في هذه الدار ، وفي دار القرار .
قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( 16/97) .
وذلك أن من خصائص الإيمان ، أنه يثمر طمأنينة القلب وراحته، وقناعته بما رزق الله ، وعدم تعلقه بغيره ، وهذه هي الحياة الطيبة . فإن أصل الحياة الطيبة : راحة القلب وطمأنينته ، وعدم تشوشه مما يتشوش منه الفاقد للإيمان الصحيح .
( [1]) لعل العبارة [إلى ما يدفعها] .
( [2]) كما يفيده حديث أبي ذر المذكور : في صحيح البخاري ( 7/149) ، ومسلم ( 1/66) والترمذي ( 10/113) ، والمصابيح ( 1/5). وحديثا جابر وابن مسعود المذكوران : في صحيح مسلم ( 1/65-66).
( [3]) كما في مسند أحمد ، وسنن الترمذي والنسائي ، والمستدرك للحاكم ، والشعب للبيهقي والأحاديث المختارة للضياء المقدسي- من طريق سعد- : باختلاف وزيادة انظر : الجامع الصغير ( 2/14) والفتح الكبير ( 2/112) .