بدئنا في حلقتنا السابقة في عرض الثمرات التي يورثها الايمان الصحيح، وهي بالنسبة لشجرتنا المباركة شجرة الايمان ثمارها اليانعة التي تؤتيها كل حين، و في حلقتنا هذه نعرض لذكر شيئ مما تبقى، و يبقى الحديث بعدها متصلا عن هذه الخيرات التي تتأتى بفضل الله لصاحب الايمان الصحيح المبني على أصوله الثابتة و النامي عن جذوره الراسخة، فإلى المقصود أيها الموفقون.
الثمرات:
6-ومنها : أن جميع الأعمال والأقوال إنما تصح وتكمل بحسب ما يقوم بقلب صاحبها : من الإيمان والإخلاص.
ولهذا يذكر الله هذا الشرط الذي هو أساس كل عمل ؛ مثل قوله: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ) ( 21/94) ؛ أي لا يجحد سعيه ولا يضيع عمله ؛ بل يضاعف بحسب قوة إيمانه .
وقال : (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ) ( 17/19) .
والسعي للآخرة : هو العمل بكل ما يقرب إليها ، ويدني منها ؛ من الأعمال التي شرعها الله على لسان نبيه محمد صلى الله عليه و سلم .
فإذا تأسست على الإيمان ، وإنبَنت عليه -: كان السعي مشكوراً مقبولاً مضاعفاً ، لا يضيع منه مثقال ذرة .
وأما إذا فقد العمل الإيمان ، فلو استغرق العامل ليله ونهاره" فإنه غير مقبول . قال تعالى : (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) ( 25/23) .
وذلك : لأنها أسست على غير الإيمان بالله ورسوله ، الذي روحه: الإخلاص للمعبود ، والمتابعة للرسول .
وقال تعالى : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ( 103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ( 104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ) ( 18/103-105) فهم لما فقدوا الإيمان ، وحل محله الكفر بالله وآياته : -حبطت أعمالهم.
وقال تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) ( 39/65) ، (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ( 6/88) .
ولهذا كانت الردة عن الإيمان تحبط جميع الأعمال الصالحة ، كما أن الدخول في الإسلام والإيمان يَجُب ما قبله : من السيئات وإن عظمت؛ والتوبة من الذنوب المنافية للإيمان ، والقادحة فيه ، والمنقصة له –تَجُب ما قبلها .
7-ومنها : أن صاحب الإيمان يهديه الله إلى الصراط المستقيم ، ويهديه في الصراط المستقيم ، يهديه إلى علم الحق ، وإلى العمل به، وإلى تلقي المحاب والمسار( [1]) بالشكر ، وتلقي المكاره والمصائب بالرضا والصبر .
قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ) ( 10/9) .
وقال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)
( 64/11) ، قال بعض السلف( [2]) ( هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله ، فيرضى ويسلم) .
ولو لم يكن من ثمرات الإيمان ، إلا أنه يسلي صاحبه عن المصائب والمكاره : التي كل أحد عرضة لها في كل وقت ، ومصاحبة الإيمان واليقين أعظم مُسَلٍ عنها ، ومُهَوِن لها( [3]) وذلك : لقوة إيمانه ، وقوة توكله ، ولقوة رجائه بثواب ربه ، وطمعه في فضله . فحلاوة الأجر تخفف مرارة الصبر قال تعالى : (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ ) ( 4/104) .
ولهذا تجد اثنين : تصيبهم مصيبة واحدة أو متقاربة- وأحدهما عنده إيمانه ، والآخر فاقد له – تجد الفرق العظيم بين حاليهما ، وتأثيرها في ظاهرهما وباطنهما وهذا الفرق راجع إلى الإيمان والعمل بمقتضاه .
وكما أنه يسلي عند ورود المصائب والمكاره ، فإنه يسلي عند فقد المحاب . فإذا فقد المؤمن حبيبه الذي تمكن حبه من قلبه- : من أهل وولد ، ومال ، وصديق ، وشبهها -: تسلى بحلاوة إيمانه ، والإيمان خير عوض للمؤمن عن كل مفقود ، كما هو مشاهد مجرب .
وفقد المحبوب –في الحقيقة- معدود من المصائب . ولولا أن يعقوب-عليه الصلاة والسلام –عنده من الإيمان ما يهون عليه مصيبته في فقد يوسف مع شدة حبه العظيم : بحيث قال لإخوته- لما طلبوا منه بعض يوم ، أن يذهب معهم ليرتع ويلعب ( إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) ( [4]) فأخبر أن المانع له من إرساله : أنه لا يصبر على فراقه ولا ساعة من نهار . ولكنهم عالجوه ، وذكروا له الأسباب التي توجب له أن يرسله معهم ، فأرسله ( لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا) ( [5])فمن هذه حاله ، وهذا حبه البليغ الذي لا يمكن المعبر أن يعبر عنه-هل يدخل في الذهن أنه يبقى هذه المدة الطويلة على الوجود؟! بل يغلب على الظن أن الحب يفتت كبده بأسرع وقت . ولكن : قوة الإيمان ، وقوة الرجاء بالله –أوجب له أن يتمسك كل هذه المدة ، حتى جاء الله بالفرج الذي وعد به المؤمنين .
وكذلك : أم موسى –حين ذهب اليَمُ بموسى ، وأصبح فؤادها فارغاً من كل شيء إلا من الحزن على موسى- ولولا أن الله ربط على قلبها بالإيمان ، وعلمت أن وعد الله حق-: لكادت تبدي بما في قلبها ، وتصرح بمصيبتها( [6]) . ولكن هو الإيمان : المثبت عند الشدائد ، المسلي عند المصائب ، المقوي إذا وهنت القوى ، المعزي إذا فقد العزا.
وقال النبي (عليه الصلاة و السلام) ، في وصيته العظيمة- في حديث ابن عباس، الصحيح الذي في السنن-: ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) ( [7]) ، أي تعرف إلى الله بالإيمان وأعمال الإيمان- وأنت صحيح غني –يعرفك الله في الشدة ، ويقويك الله على مباشرتها ويعنيك على معالجتها ، وأعظم شدة- تنزل بالمؤمن –شدة الموت وسكراته .
فهذا الحديث بشرى لكل مؤمن – قد تعرف إلى ربه في رخائه-: أن يعينه في ذلك المقام الحرج ، والشدة المزعجة ، وضعف القوى ، وتكاثف الشياطين الذين يريدون أن يحولوا بين العبد وبين ختم حياته بالخير، فإن الله يعينه بتأييده ، وروحه ورحمته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
8-ومن ثمرات الإيمان ولوازمه- من الأعمال الصالحة- ما ذكره الله بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)
( 19/96) أي بسبب إيمانهم وأعمال الإيمان ، يحبهم الله ويجعل لهم المحبة في قلوب المؤمنين، ومن أحبه الله وأحبه المؤمنون من عباده- : حصلت له السعادة والفلاح والفوائد الكثيرة من محبة المؤمنين : من الثناء والدعاء له حياً وميتاً ، والاقتداء به ، وحصول الإمامة في الدين .
وهذه أيضاً من أجل ثمرات الإيمان : أن يجعل الله للمؤمنين –الذين كملوا إيمانهم بالعلم والعمل –لسان صدق- ويجعلهم أئمة يهدون بأمره كما قال تعالى : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ) ( 32/24) فبالصبر واليقين-اللذين هما رأس مال الإيمان وكماله-نالوا الإمامة في الدين .
( [1]) جمع ( مسرة) ما يسر به الإنسان ، كما في المصباح : ( 2/418) وعبارة الأصل : ( والسرور بالشكر) وأصلها ما ذكرناه ، أو ( بالسرور والشكر) على ما يظهر .
( [2]) هو : علقمة بن قيس النخمي ، كما في تفسير الطبري : ( 28/79-80 بولاق) ، وروي نحوه عن مقاتل بن حيان ، في تفسير الشوكاني : ( 5/231) .
( [3]) لم يرد في الأصل ذكر لجواب ( لو) والظاهر أنه حذف للعمل به ، أي : لكان ذلك أكبر داع للتمسك به والحرص عليه . وكثيراً ما يحذف لذلك ، ولتذهب النفس فيه كل مذهب كما في سورة الأنعام : ( 6/27 و30) ، والأنفال :
( 8/50) ، والسجدة : ( 32/12) ، وسبأ: ( 34/31، 35) .
( [4]) اقتباس من سورة يوسف ( 12/13) وجواب "لولا" قد حذف هنا أيضاً للعلم به ، أي لهلك أسفاً وحزناً ، كما حذف في آية القصص: ( 28/10) .
( [5]) اقتباس من سورة الأنفال : ( 8/42، 44) .
( [6]) راجع سورة طه ( 20/38-40) ، والقصص : ( 28/7-13) .
( [7]) قد أخرج أحمد في المسند ، والترمذي والحاكم والبغوي وغيرهم ، هذه الوصية بدون هذا القول وأخرجها أحمد- في كتاب الزهد على ما يظهر-متضمنة له . وقد رواه من طريق أبي هريرة-أبو القاسم بن بشران في أماليه ، والقضاعي في الشهاب ، وغيرهما. راجع نور الإقتباس ( شرح الوصية) لابن رجب ( ص5-9 و36 : ط. مصر) ، وسنن الترمذي ( 9/319-320) ، والمصابيح ( 2/130) . والجامع الصغير ( 1/130) ، والفتح الكبير ( 2/31، 3/400) ، وفيض القدير ( 3/51).
الثمرات:
6-ومنها : أن جميع الأعمال والأقوال إنما تصح وتكمل بحسب ما يقوم بقلب صاحبها : من الإيمان والإخلاص.
ولهذا يذكر الله هذا الشرط الذي هو أساس كل عمل ؛ مثل قوله: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ) ( 21/94) ؛ أي لا يجحد سعيه ولا يضيع عمله ؛ بل يضاعف بحسب قوة إيمانه .
وقال : (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ) ( 17/19) .
والسعي للآخرة : هو العمل بكل ما يقرب إليها ، ويدني منها ؛ من الأعمال التي شرعها الله على لسان نبيه محمد صلى الله عليه و سلم .
فإذا تأسست على الإيمان ، وإنبَنت عليه -: كان السعي مشكوراً مقبولاً مضاعفاً ، لا يضيع منه مثقال ذرة .
وأما إذا فقد العمل الإيمان ، فلو استغرق العامل ليله ونهاره" فإنه غير مقبول . قال تعالى : (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) ( 25/23) .
وذلك : لأنها أسست على غير الإيمان بالله ورسوله ، الذي روحه: الإخلاص للمعبود ، والمتابعة للرسول .
وقال تعالى : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ( 103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ( 104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ) ( 18/103-105) فهم لما فقدوا الإيمان ، وحل محله الكفر بالله وآياته : -حبطت أعمالهم.
وقال تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) ( 39/65) ، (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ( 6/88) .
ولهذا كانت الردة عن الإيمان تحبط جميع الأعمال الصالحة ، كما أن الدخول في الإسلام والإيمان يَجُب ما قبله : من السيئات وإن عظمت؛ والتوبة من الذنوب المنافية للإيمان ، والقادحة فيه ، والمنقصة له –تَجُب ما قبلها .
7-ومنها : أن صاحب الإيمان يهديه الله إلى الصراط المستقيم ، ويهديه في الصراط المستقيم ، يهديه إلى علم الحق ، وإلى العمل به، وإلى تلقي المحاب والمسار( [1]) بالشكر ، وتلقي المكاره والمصائب بالرضا والصبر .
قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ) ( 10/9) .
وقال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)
( 64/11) ، قال بعض السلف( [2]) ( هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله ، فيرضى ويسلم) .
ولو لم يكن من ثمرات الإيمان ، إلا أنه يسلي صاحبه عن المصائب والمكاره : التي كل أحد عرضة لها في كل وقت ، ومصاحبة الإيمان واليقين أعظم مُسَلٍ عنها ، ومُهَوِن لها( [3]) وذلك : لقوة إيمانه ، وقوة توكله ، ولقوة رجائه بثواب ربه ، وطمعه في فضله . فحلاوة الأجر تخفف مرارة الصبر قال تعالى : (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ ) ( 4/104) .
ولهذا تجد اثنين : تصيبهم مصيبة واحدة أو متقاربة- وأحدهما عنده إيمانه ، والآخر فاقد له – تجد الفرق العظيم بين حاليهما ، وتأثيرها في ظاهرهما وباطنهما وهذا الفرق راجع إلى الإيمان والعمل بمقتضاه .
وكما أنه يسلي عند ورود المصائب والمكاره ، فإنه يسلي عند فقد المحاب . فإذا فقد المؤمن حبيبه الذي تمكن حبه من قلبه- : من أهل وولد ، ومال ، وصديق ، وشبهها -: تسلى بحلاوة إيمانه ، والإيمان خير عوض للمؤمن عن كل مفقود ، كما هو مشاهد مجرب .
وفقد المحبوب –في الحقيقة- معدود من المصائب . ولولا أن يعقوب-عليه الصلاة والسلام –عنده من الإيمان ما يهون عليه مصيبته في فقد يوسف مع شدة حبه العظيم : بحيث قال لإخوته- لما طلبوا منه بعض يوم ، أن يذهب معهم ليرتع ويلعب ( إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) ( [4]) فأخبر أن المانع له من إرساله : أنه لا يصبر على فراقه ولا ساعة من نهار . ولكنهم عالجوه ، وذكروا له الأسباب التي توجب له أن يرسله معهم ، فأرسله ( لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا) ( [5])فمن هذه حاله ، وهذا حبه البليغ الذي لا يمكن المعبر أن يعبر عنه-هل يدخل في الذهن أنه يبقى هذه المدة الطويلة على الوجود؟! بل يغلب على الظن أن الحب يفتت كبده بأسرع وقت . ولكن : قوة الإيمان ، وقوة الرجاء بالله –أوجب له أن يتمسك كل هذه المدة ، حتى جاء الله بالفرج الذي وعد به المؤمنين .
وكذلك : أم موسى –حين ذهب اليَمُ بموسى ، وأصبح فؤادها فارغاً من كل شيء إلا من الحزن على موسى- ولولا أن الله ربط على قلبها بالإيمان ، وعلمت أن وعد الله حق-: لكادت تبدي بما في قلبها ، وتصرح بمصيبتها( [6]) . ولكن هو الإيمان : المثبت عند الشدائد ، المسلي عند المصائب ، المقوي إذا وهنت القوى ، المعزي إذا فقد العزا.
وقال النبي (عليه الصلاة و السلام) ، في وصيته العظيمة- في حديث ابن عباس، الصحيح الذي في السنن-: ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) ( [7]) ، أي تعرف إلى الله بالإيمان وأعمال الإيمان- وأنت صحيح غني –يعرفك الله في الشدة ، ويقويك الله على مباشرتها ويعنيك على معالجتها ، وأعظم شدة- تنزل بالمؤمن –شدة الموت وسكراته .
فهذا الحديث بشرى لكل مؤمن – قد تعرف إلى ربه في رخائه-: أن يعينه في ذلك المقام الحرج ، والشدة المزعجة ، وضعف القوى ، وتكاثف الشياطين الذين يريدون أن يحولوا بين العبد وبين ختم حياته بالخير، فإن الله يعينه بتأييده ، وروحه ورحمته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
8-ومن ثمرات الإيمان ولوازمه- من الأعمال الصالحة- ما ذكره الله بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)
( 19/96) أي بسبب إيمانهم وأعمال الإيمان ، يحبهم الله ويجعل لهم المحبة في قلوب المؤمنين، ومن أحبه الله وأحبه المؤمنون من عباده- : حصلت له السعادة والفلاح والفوائد الكثيرة من محبة المؤمنين : من الثناء والدعاء له حياً وميتاً ، والاقتداء به ، وحصول الإمامة في الدين .
وهذه أيضاً من أجل ثمرات الإيمان : أن يجعل الله للمؤمنين –الذين كملوا إيمانهم بالعلم والعمل –لسان صدق- ويجعلهم أئمة يهدون بأمره كما قال تعالى : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ) ( 32/24) فبالصبر واليقين-اللذين هما رأس مال الإيمان وكماله-نالوا الإمامة في الدين .
( [1]) جمع ( مسرة) ما يسر به الإنسان ، كما في المصباح : ( 2/418) وعبارة الأصل : ( والسرور بالشكر) وأصلها ما ذكرناه ، أو ( بالسرور والشكر) على ما يظهر .
( [2]) هو : علقمة بن قيس النخمي ، كما في تفسير الطبري : ( 28/79-80 بولاق) ، وروي نحوه عن مقاتل بن حيان ، في تفسير الشوكاني : ( 5/231) .
( [3]) لم يرد في الأصل ذكر لجواب ( لو) والظاهر أنه حذف للعمل به ، أي : لكان ذلك أكبر داع للتمسك به والحرص عليه . وكثيراً ما يحذف لذلك ، ولتذهب النفس فيه كل مذهب كما في سورة الأنعام : ( 6/27 و30) ، والأنفال :
( 8/50) ، والسجدة : ( 32/12) ، وسبأ: ( 34/31، 35) .
( [4]) اقتباس من سورة يوسف ( 12/13) وجواب "لولا" قد حذف هنا أيضاً للعلم به ، أي لهلك أسفاً وحزناً ، كما حذف في آية القصص: ( 28/10) .
( [5]) اقتباس من سورة الأنفال : ( 8/42، 44) .
( [6]) راجع سورة طه ( 20/38-40) ، والقصص : ( 28/7-13) .
( [7]) قد أخرج أحمد في المسند ، والترمذي والحاكم والبغوي وغيرهم ، هذه الوصية بدون هذا القول وأخرجها أحمد- في كتاب الزهد على ما يظهر-متضمنة له . وقد رواه من طريق أبي هريرة-أبو القاسم بن بشران في أماليه ، والقضاعي في الشهاب ، وغيرهما. راجع نور الإقتباس ( شرح الوصية) لابن رجب ( ص5-9 و36 : ط. مصر) ، وسنن الترمذي ( 9/319-320) ، والمصابيح ( 2/130) . والجامع الصغير ( 1/130) ، والفتح الكبير ( 2/31، 3/400) ، وفيض القدير ( 3/51).