الحمد لله الصلاة و السلام على رسول الله و بعد
فهذه تتمة لما سبق من ذكر ثمرات الإيمان و الذي به حياة القلوب و سعادتها في الدنيا و الأخرة، و نعرض اليوم أربع ثمرات منها في حين نتم ما تبقى فيما يأتي من الحلقات و التي بقي على خاتمتها حلقتين، فإلى المقصود حفظكم ربي من كل سوء.
قال الشيخ السعدي رحمه الله رحمة واسعة في كتابه شجرة الايمان:
9-ومنها قوله تعالى : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) ( 58/11) .
فهم أعلى الخلق درجة عند الله وعند عباده في الدنيا والآخرة .
وإنما نالوا هذه الرفعة : بإيمانهم الصحيح وعملهم ويقينهم ، والعلم واليقين من أصول الإيمان .
10-ومن ثمرات الإيمان : حصول البشارة بكرامة الله ، والأمن التام من جميع الوجوه .
كما قال تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) ( [1]) فأطلقها ليعم الخير العاجل والآجل ، وقيدها في مثل قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار ) .( 2/25) فلهم البشارة المطلقة والمقيدة .
ولهم الأمن المطلق في مثل قوله تعالى : ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) ( 6/82) .
ولهم الأمن المقيد في مثل قوله تعالى : ( فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( 6/48) .
فنفى عنهم الخوف لما يستقبلونه ، والحزن مما مضى عليهم ، وبذلك يتم لهم الأمن .
فالمؤمن له الأمن التام في الدنيا والآخرة : أمن من سخط الله وعقابه ، وأمن من جميع المكاره والشرور ، وله البشارة الكاملة بكل خير ، كما قال تعالى : ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ) ( 10/64).
ويوضح هذه البشارة قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ( 30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ( 31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) ( 41/30-32) .
وقال تعالى : (يأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( 57/28) .
فرتب على الإيمان حصول الثواب المضاعف ، وكمال النور الذي يمشي به العبد في حياته ، ويمشي به يوم القيامة : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) ( [2]) ، فالمؤمن من يمشي في الدنيا بنور علمه وإيمانه ، وإذا أطفئت الأنوار يوم القيامة : مشى بنوره على الصراط حتى يجوز به إلى دار الكرامة والنعيم .
وكذلك رتب المغفرة على الإيمان ، ومن غفرت سيئاته : سلم من العقاب ، ونال أعظم الثواب .
11-ومن ثمرات الإيمان : حصول الفلاح –الذي هو : إدارك غاية الغايات ، فيه إدراك كل مطلوب ، والسلامة من كل مرهوب-والهدى الذي هو أشرف الوسائل .
كما قال تعالى –بعد ذكر المؤمنين بما أنزل على محمد (عليه الصلاة و السلام) وما أُنزل على من قبله ، والإيمان بالغيب . وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة : اللتين هما من أعظم آثار الإيمان –قال تعالى: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ( [3]) .
فهذا هو الهدى التام والفلاح الكامل .
فلا سبيل إلى الهدى والفلاح- اللذين لا صلاح ولا سعادة إلا بهما- إلا بالإيمان التام بكل كتاب أنزله الله ، وبكل رسول أرسله الله . فالهدى أجل الوسائل ، والفلاح أكمل الغايات .
12-ومن ثمرات الإيمان : الانتفاع بالمواعظ والتذكير بالآيات .
قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) ( 51/55) ، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( [4]) ومثل هذا قوله عليه الصلاة و السلام ( [5]) : ( المؤمن الذي يخالط الناس ، ويصبر على أذاهم- خير من المؤمن : الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) ومفهوم هذه النصوص الصحيحة المحكمة : أن فاقد الإيمان لا خير فيه ، لأنه إذا عدم الإيمان : فإما أن يكون الشخص أحواله كلها شر وضرر على نفسه ، وعلى المجتمع من جميع الوجوه ، وإما أن يكون فيه بعض الخير الذي قد انغمز بالشر ، وغلب شره خيره . والمصالح إذا انغمرت واضمحلت في المفاسد . صارت شراً ، لأن الخير الذي معه ،" يقابله شر نظيره : فيتساقطان، ويبقى الشر- الذي لا مقابل له من الخير –يعمل عمله .
وهذا : لأن الإيمان يحمل صاحبه على التزام الحق واتباعه ، علماً وعملاً ، وكذلك مع الآلة العظيمة والاستعداد لتلقي المواعظ النافعة والآيات الدالة على الحق ، وليس عنده مانع يمنعه من قبول الحق ، ولا من العمل به .
وأيضاً : فالإيمان يوجب سلامة الفطرة ، وحسن القصد ، ومن كان كذلك : انتفع بالآيات .
ومن لم يكن كذلك : فلا يستغرب عدم قبوله للحق ، واتباعه له. ولهذا يذكر الله- في سياق تمنع الكافرين من تصديق الرسول (صلى الله عليه و سلم) ، وقبول الحق الذي جاء به- السبب الذي أوجب لهم ذلك وهو: الكفر الذي في قلوبهم . يعني : لأن الحق واضح وآياته بينة واضحة ، والكفر أعظم مانع يمنع من اتباعه ، أي فلا تستغربوا هذه الحالة ، فإنها لم تزل دأب كل كافر .
( [1]) المراد : آية البقرة ( 2/223) ، والتوبة ( 9/112) ، ويونس ( 10/87)، والصف ( 61/13) . وآية الأحزاب ( 33/47) .
( [2]) اقتباس من سورة الحديد ( 57/12) .
( [3]) كما في سورة البقرة ( 2/5) ، ولقمان ( 31/5) .
( [4]) كما في سورة الحجر ( 15/77) ، والعنكبوت ( 29/44) . وبالأصل : "لآيات" وهو خطأ ناشيء عن الاشتباه بآية الحجر ( 75) والمؤمنون ( 23/30) .
( [5])كما في سنن الترمذي ( 9/312-313) ، والمصابيح ( 2/120-121) ومسند أحمد ، وسنن ابن ماجه ، والأدب المفرد للبخاري –كما في الفتح الكبير ( 3/251) والجامع الصغير ( 2/184) –من طريق ابن عمر : باختلاف يسير وانظر فيض القدير ( 6/255-256) .
فهذه تتمة لما سبق من ذكر ثمرات الإيمان و الذي به حياة القلوب و سعادتها في الدنيا و الأخرة، و نعرض اليوم أربع ثمرات منها في حين نتم ما تبقى فيما يأتي من الحلقات و التي بقي على خاتمتها حلقتين، فإلى المقصود حفظكم ربي من كل سوء.
قال الشيخ السعدي رحمه الله رحمة واسعة في كتابه شجرة الايمان:
9-ومنها قوله تعالى : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) ( 58/11) .
فهم أعلى الخلق درجة عند الله وعند عباده في الدنيا والآخرة .
وإنما نالوا هذه الرفعة : بإيمانهم الصحيح وعملهم ويقينهم ، والعلم واليقين من أصول الإيمان .
10-ومن ثمرات الإيمان : حصول البشارة بكرامة الله ، والأمن التام من جميع الوجوه .
كما قال تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) ( [1]) فأطلقها ليعم الخير العاجل والآجل ، وقيدها في مثل قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار ) .( 2/25) فلهم البشارة المطلقة والمقيدة .
ولهم الأمن المطلق في مثل قوله تعالى : ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) ( 6/82) .
ولهم الأمن المقيد في مثل قوله تعالى : ( فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( 6/48) .
فنفى عنهم الخوف لما يستقبلونه ، والحزن مما مضى عليهم ، وبذلك يتم لهم الأمن .
فالمؤمن له الأمن التام في الدنيا والآخرة : أمن من سخط الله وعقابه ، وأمن من جميع المكاره والشرور ، وله البشارة الكاملة بكل خير ، كما قال تعالى : ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ) ( 10/64).
ويوضح هذه البشارة قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ( 30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ( 31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) ( 41/30-32) .
وقال تعالى : (يأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( 57/28) .
فرتب على الإيمان حصول الثواب المضاعف ، وكمال النور الذي يمشي به العبد في حياته ، ويمشي به يوم القيامة : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) ( [2]) ، فالمؤمن من يمشي في الدنيا بنور علمه وإيمانه ، وإذا أطفئت الأنوار يوم القيامة : مشى بنوره على الصراط حتى يجوز به إلى دار الكرامة والنعيم .
وكذلك رتب المغفرة على الإيمان ، ومن غفرت سيئاته : سلم من العقاب ، ونال أعظم الثواب .
11-ومن ثمرات الإيمان : حصول الفلاح –الذي هو : إدارك غاية الغايات ، فيه إدراك كل مطلوب ، والسلامة من كل مرهوب-والهدى الذي هو أشرف الوسائل .
كما قال تعالى –بعد ذكر المؤمنين بما أنزل على محمد (عليه الصلاة و السلام) وما أُنزل على من قبله ، والإيمان بالغيب . وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة : اللتين هما من أعظم آثار الإيمان –قال تعالى: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ( [3]) .
فهذا هو الهدى التام والفلاح الكامل .
فلا سبيل إلى الهدى والفلاح- اللذين لا صلاح ولا سعادة إلا بهما- إلا بالإيمان التام بكل كتاب أنزله الله ، وبكل رسول أرسله الله . فالهدى أجل الوسائل ، والفلاح أكمل الغايات .
12-ومن ثمرات الإيمان : الانتفاع بالمواعظ والتذكير بالآيات .
قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) ( 51/55) ، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( [4]) ومثل هذا قوله عليه الصلاة و السلام ( [5]) : ( المؤمن الذي يخالط الناس ، ويصبر على أذاهم- خير من المؤمن : الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) ومفهوم هذه النصوص الصحيحة المحكمة : أن فاقد الإيمان لا خير فيه ، لأنه إذا عدم الإيمان : فإما أن يكون الشخص أحواله كلها شر وضرر على نفسه ، وعلى المجتمع من جميع الوجوه ، وإما أن يكون فيه بعض الخير الذي قد انغمز بالشر ، وغلب شره خيره . والمصالح إذا انغمرت واضمحلت في المفاسد . صارت شراً ، لأن الخير الذي معه ،" يقابله شر نظيره : فيتساقطان، ويبقى الشر- الذي لا مقابل له من الخير –يعمل عمله .
وهذا : لأن الإيمان يحمل صاحبه على التزام الحق واتباعه ، علماً وعملاً ، وكذلك مع الآلة العظيمة والاستعداد لتلقي المواعظ النافعة والآيات الدالة على الحق ، وليس عنده مانع يمنعه من قبول الحق ، ولا من العمل به .
وأيضاً : فالإيمان يوجب سلامة الفطرة ، وحسن القصد ، ومن كان كذلك : انتفع بالآيات .
ومن لم يكن كذلك : فلا يستغرب عدم قبوله للحق ، واتباعه له. ولهذا يذكر الله- في سياق تمنع الكافرين من تصديق الرسول (صلى الله عليه و سلم) ، وقبول الحق الذي جاء به- السبب الذي أوجب لهم ذلك وهو: الكفر الذي في قلوبهم . يعني : لأن الحق واضح وآياته بينة واضحة ، والكفر أعظم مانع يمنع من اتباعه ، أي فلا تستغربوا هذه الحالة ، فإنها لم تزل دأب كل كافر .
( [1]) المراد : آية البقرة ( 2/223) ، والتوبة ( 9/112) ، ويونس ( 10/87)، والصف ( 61/13) . وآية الأحزاب ( 33/47) .
( [2]) اقتباس من سورة الحديد ( 57/12) .
( [3]) كما في سورة البقرة ( 2/5) ، ولقمان ( 31/5) .
( [4]) كما في سورة الحجر ( 15/77) ، والعنكبوت ( 29/44) . وبالأصل : "لآيات" وهو خطأ ناشيء عن الاشتباه بآية الحجر ( 75) والمؤمنون ( 23/30) .
( [5])كما في سنن الترمذي ( 9/312-313) ، والمصابيح ( 2/120-121) ومسند أحمد ، وسنن ابن ماجه ، والأدب المفرد للبخاري –كما في الفتح الكبير ( 3/251) والجامع الصغير ( 2/184) –من طريق ابن عمر : باختلاف يسير وانظر فيض القدير ( 6/255-256) .