فهذه الحلقة على سنن سالفَاتِها، تعرض لذكر ثمرات الايمان، فمنها انهلوا إخواني الخير الكثير و العلم الوفير، فإنه (من يريد الله به خيرا يفقهه في الدين).
قال العلامة ناصر السعدي رحمه الله:
13-ومنها : أن الإيمان يحمل صاحبه على الشكر في حالة السراء، والصبر في حالة الضراء ، وكسب الخير في كل أوقاته .
كما ثبت في الصحيح عن النبي (صلى الله عليه و سلم) ، أنه قال : ( عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله خير : إن أصابته سراء شكر ، فكان( [1]) خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيراً له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) والشكر والصبر هما جماع كل خير ، فالمؤمن مغتنم للخيرات في كل أوقاته ، رابح في كل حالاته.
وفي الصحيح عنه (عليه الصلاة و السلام) ( لا يصيب المؤمن من هم ، ولا غم ولا أذى – إلا كفَّر الله عنه بها من خطاياه) ( [2]) .
فيجتمع للمؤمن عند النعم والسراء ، نعمتان : نعمة حصول ذلك المحبوب ، ونعمة التوفيق للشكر الذي هو أعلى من ذلك وبذلك تتم عليه النعمة .
ويجتمع له عند الضراء ، ثلاث نعم : نعمة تكفير السيئات ، ونعمة حصول مرتبة الصبر التي [هي] أعلى من ذلك ، ونعمة سهولة الضراء التي عليه لأنه متى عرف حصول الأجر والثواب والتمرن على الصبر-هانت عليه وطأة المصيبة ، وخف عليه حملها .
14-ومنها أن الإيمان يقطع الشكوك التي تعرض لكثير من الناس فتضر بدينهم .
قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا)
( 49/15) ، أي : دفع الإيمان الصحيح الذي معهم الريب والشك الموجود ، وأزاله بالكلية ، وقاوم الشكوك التي تلقيها شياطين الإنس والجن ، والنفوس الأمارة بالسوء فليس لهذه العلل المهلكة دواء إلا تحقيق الإيمان .
ولهذا ثبت في الصحيحين – من حديث أبي هريرة –أن النبي (عليه الصلاة و السلام) قال : ( لا يزال الناس يتساءلون [حتى يقال] هذا : الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ فمن وجد ذلك ، فليقل : آمنت بالله ، ولينته ، وليتعوذ بالله من الشيطان) .
فذكر (عليه الصلاة و السلام) ، هذا الدواء النافع لهذا الداء المهلك . وهو ثلاثة أشياء: الانتهاء عن هذه الوساوس الشيطانية ، والإستعاذة من شر من ألقاها وشبَّه بها : ليضل بها العباد ، والإعتصام بعصمة الإيمان الصحيح الذي من اعتصم به : كان من الآمنين .
وذلك : لأن الباطل يتضح بطلانه بأمور كثيرة ، أعظمها : العلم أنه منافٍ للحق ، وكل ما ناقض الحق فهو باطل (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) سورة يونس ( 10/32) .
15-ومنها : أن الإيمان ملجأ المؤمنين في كل ما يلم بهم : من سرور وحزن وخوف وأمن ، وطاعة ومعصية ، وغير ذلك من الأمور التي لابد لكل أحد منها .
فعند المحاب والسرور ، يلجؤون إلى الإيمان : فيحمدون الله ، ويثنون عليه ، ويستعملون النعم فيما يحب المنعم .
وعند المكاره والأحزان : يلجؤون إلى الإيمان من جهات عديدة: يتسلون بإيمانهم وحلاوته ، ويتسلون بما يترتب على ذلك : من الثواب ، ويقابلون الأحزان والقلق : براحة القلب . والرجو ع إلى الحياة الطيبة المقاومة للأحزان والأتراح( [3]) .
ويلجؤون إلى الإيمان عند الخوف فيطمئنون إليه ، ويزيدهم إيماناً وثباتاً ، وقوة وشجاعة ، ويضمحل الخوف الذي أصابهم كما قال تعالى عن خيار الخلق : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ( 173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ )
( 3/173-174) . لقد اضمحل الخوف من قلوب هؤلاء الأخيار ، وخلفه قوة الإيمان وحلاوته وقوة التوكل على الله ، والثقة بوعده.
ويلجؤون إلى الإيمان عند الأمن : فلا يبطرهم ، ولا يحدث لهم الكبرياء ، بل يتواضعون . ويعلمون أنه من الله ، و من فضله وتيسيره فيشكرون الذي أنعم بالسبب والمسبب : الأمن وأسبابه . ويعلمون أنه إذا حصل لهم ظفر بالأعداء وعِزْ ، أنه بحول الله وقوته وفضله ، لا بحولهم وقوتهم .
ويلجؤون إلى الإيمان عند الطاعة والتوفيق للأعمال الصالحة : فيعترفون بنعمة الله عليهم بها ، وأن نعمته عليهم فيها أعظم من نعم العافية والرزق ، وكذلك يحرصون على تكميلها ، وعمل كل سبب لقبولها وعدم ردها أو نقصها ، ويسألون الذي تفضل عليهم بالتوفيق لها : أن يتم عليهم نعمته بقبولها ، والذي تفضل عليهم بحصول أصلها : أن يتمم لهم منها ما انتقصوه منها .
ويلجؤون إلى الإيمان إذا ابتلوا بشيء من المعاصي –بالمبادرة إلى التوبة منها ، وعمل ما يقدرون عليه-: من الحسنات –لجبر نقصها.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) ( 7/201) .
وقال (عليه الصلاة و السلام) : ( مثل المؤمن [ومثل الإيمان] ( [4]) كالفرس المربوط في آخيته : يجول ما يجول ، ثم يعود إلى آخيته) .
كذلك المؤمن : يجول ما يجول في الغفلة والتجرىء على بعض الآثام ، ثم يعود سريعاً إلى الإيمان الذي بنى عليه أموره كلها .
فالمؤمنون في جميع تقلباتهم وتصرفاتهم- ملجؤهم إلى الإيمان- ومفزعهم إلى تحقيقه ، ودفع ما ينافيه ويضاده ، وذلك من فضل الله عليهم ومنه .
( [1]) بالأصل –في الموضعين- : ( كان) ، وهو تحريف والتصحيح من صحيح مسلم ( 8/272) ، والمصابيح ( 2/129-130) . وقد أخرجاه بزيادة من طريق صهيب . وأخرجه أحمد أيضاً ، كما في الجامع الصغير ( 2/57) ، والفتح الكبير ( 2/222) ،/ انظر فيض القدير ( 4/302).
( [2]) رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة .
( [3]) الترح ضد الفرح ، والهمَّ والفقر .
( [4]) هذه الزيادة عن المصابيح وقد أخرج هذا الحديث فيه ( 2/82-83)- من طريق أبي سعيد الخدري- بزيادة أخرى مفيدة ، هي : ( فإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الإيمان ، فأطعموا طعامكم الأتقياء وأولو معروفكم المؤمنين) وأخرج مختصراً : في النهاية ( 1/2) . ولسان العرب ( 18/24) . وأخرج القسم الثاني منه : ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان، وأبو يعلى في المسند ، والدليمي وابن المبارك في البر والصلة . انظر : الجامع الصغير ( 1/43) ، والفتح الكبير ( 1/192) وفيض القدير ( 1/538) و( الأجبة) : العروة تشد بها الدابة مثنية في الأرض.
قال العلامة ناصر السعدي رحمه الله:
13-ومنها : أن الإيمان يحمل صاحبه على الشكر في حالة السراء، والصبر في حالة الضراء ، وكسب الخير في كل أوقاته .
كما ثبت في الصحيح عن النبي (صلى الله عليه و سلم) ، أنه قال : ( عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله خير : إن أصابته سراء شكر ، فكان( [1]) خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيراً له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) والشكر والصبر هما جماع كل خير ، فالمؤمن مغتنم للخيرات في كل أوقاته ، رابح في كل حالاته.
وفي الصحيح عنه (عليه الصلاة و السلام) ( لا يصيب المؤمن من هم ، ولا غم ولا أذى – إلا كفَّر الله عنه بها من خطاياه) ( [2]) .
فيجتمع للمؤمن عند النعم والسراء ، نعمتان : نعمة حصول ذلك المحبوب ، ونعمة التوفيق للشكر الذي هو أعلى من ذلك وبذلك تتم عليه النعمة .
ويجتمع له عند الضراء ، ثلاث نعم : نعمة تكفير السيئات ، ونعمة حصول مرتبة الصبر التي [هي] أعلى من ذلك ، ونعمة سهولة الضراء التي عليه لأنه متى عرف حصول الأجر والثواب والتمرن على الصبر-هانت عليه وطأة المصيبة ، وخف عليه حملها .
14-ومنها أن الإيمان يقطع الشكوك التي تعرض لكثير من الناس فتضر بدينهم .
قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا)
( 49/15) ، أي : دفع الإيمان الصحيح الذي معهم الريب والشك الموجود ، وأزاله بالكلية ، وقاوم الشكوك التي تلقيها شياطين الإنس والجن ، والنفوس الأمارة بالسوء فليس لهذه العلل المهلكة دواء إلا تحقيق الإيمان .
ولهذا ثبت في الصحيحين – من حديث أبي هريرة –أن النبي (عليه الصلاة و السلام) قال : ( لا يزال الناس يتساءلون [حتى يقال] هذا : الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ فمن وجد ذلك ، فليقل : آمنت بالله ، ولينته ، وليتعوذ بالله من الشيطان) .
فذكر (عليه الصلاة و السلام) ، هذا الدواء النافع لهذا الداء المهلك . وهو ثلاثة أشياء: الانتهاء عن هذه الوساوس الشيطانية ، والإستعاذة من شر من ألقاها وشبَّه بها : ليضل بها العباد ، والإعتصام بعصمة الإيمان الصحيح الذي من اعتصم به : كان من الآمنين .
وذلك : لأن الباطل يتضح بطلانه بأمور كثيرة ، أعظمها : العلم أنه منافٍ للحق ، وكل ما ناقض الحق فهو باطل (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) سورة يونس ( 10/32) .
15-ومنها : أن الإيمان ملجأ المؤمنين في كل ما يلم بهم : من سرور وحزن وخوف وأمن ، وطاعة ومعصية ، وغير ذلك من الأمور التي لابد لكل أحد منها .
فعند المحاب والسرور ، يلجؤون إلى الإيمان : فيحمدون الله ، ويثنون عليه ، ويستعملون النعم فيما يحب المنعم .
وعند المكاره والأحزان : يلجؤون إلى الإيمان من جهات عديدة: يتسلون بإيمانهم وحلاوته ، ويتسلون بما يترتب على ذلك : من الثواب ، ويقابلون الأحزان والقلق : براحة القلب . والرجو ع إلى الحياة الطيبة المقاومة للأحزان والأتراح( [3]) .
ويلجؤون إلى الإيمان عند الخوف فيطمئنون إليه ، ويزيدهم إيماناً وثباتاً ، وقوة وشجاعة ، ويضمحل الخوف الذي أصابهم كما قال تعالى عن خيار الخلق : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ( 173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ )
( 3/173-174) . لقد اضمحل الخوف من قلوب هؤلاء الأخيار ، وخلفه قوة الإيمان وحلاوته وقوة التوكل على الله ، والثقة بوعده.
ويلجؤون إلى الإيمان عند الأمن : فلا يبطرهم ، ولا يحدث لهم الكبرياء ، بل يتواضعون . ويعلمون أنه من الله ، و من فضله وتيسيره فيشكرون الذي أنعم بالسبب والمسبب : الأمن وأسبابه . ويعلمون أنه إذا حصل لهم ظفر بالأعداء وعِزْ ، أنه بحول الله وقوته وفضله ، لا بحولهم وقوتهم .
ويلجؤون إلى الإيمان عند الطاعة والتوفيق للأعمال الصالحة : فيعترفون بنعمة الله عليهم بها ، وأن نعمته عليهم فيها أعظم من نعم العافية والرزق ، وكذلك يحرصون على تكميلها ، وعمل كل سبب لقبولها وعدم ردها أو نقصها ، ويسألون الذي تفضل عليهم بالتوفيق لها : أن يتم عليهم نعمته بقبولها ، والذي تفضل عليهم بحصول أصلها : أن يتمم لهم منها ما انتقصوه منها .
ويلجؤون إلى الإيمان إذا ابتلوا بشيء من المعاصي –بالمبادرة إلى التوبة منها ، وعمل ما يقدرون عليه-: من الحسنات –لجبر نقصها.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) ( 7/201) .
وقال (عليه الصلاة و السلام) : ( مثل المؤمن [ومثل الإيمان] ( [4]) كالفرس المربوط في آخيته : يجول ما يجول ، ثم يعود إلى آخيته) .
كذلك المؤمن : يجول ما يجول في الغفلة والتجرىء على بعض الآثام ، ثم يعود سريعاً إلى الإيمان الذي بنى عليه أموره كلها .
فالمؤمنون في جميع تقلباتهم وتصرفاتهم- ملجؤهم إلى الإيمان- ومفزعهم إلى تحقيقه ، ودفع ما ينافيه ويضاده ، وذلك من فضل الله عليهم ومنه .
( [1]) بالأصل –في الموضعين- : ( كان) ، وهو تحريف والتصحيح من صحيح مسلم ( 8/272) ، والمصابيح ( 2/129-130) . وقد أخرجاه بزيادة من طريق صهيب . وأخرجه أحمد أيضاً ، كما في الجامع الصغير ( 2/57) ، والفتح الكبير ( 2/222) ،/ انظر فيض القدير ( 4/302).
( [2]) رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة .
( [3]) الترح ضد الفرح ، والهمَّ والفقر .
( [4]) هذه الزيادة عن المصابيح وقد أخرج هذا الحديث فيه ( 2/82-83)- من طريق أبي سعيد الخدري- بزيادة أخرى مفيدة ، هي : ( فإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الإيمان ، فأطعموا طعامكم الأتقياء وأولو معروفكم المؤمنين) وأخرج مختصراً : في النهاية ( 1/2) . ولسان العرب ( 18/24) . وأخرج القسم الثاني منه : ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان، وأبو يعلى في المسند ، والدليمي وابن المبارك في البر والصلة . انظر : الجامع الصغير ( 1/43) ، والفتح الكبير ( 1/192) وفيض القدير ( 1/538) و( الأجبة) : العروة تشد بها الدابة مثنية في الأرض.