حوت السلسلة مباحث الإيمان التي هي أهم مباحث الدين وأعظم أصول الحق واليقين ؛ مستمدتاً ذلك من كتاب الله الكريم –الكفيل بتحقيق هذه الأصول تحقيقاً لا مزيد عليه- ومن سنة نبيه محمد (صلى الله عليه و سلم) : التي توافق الكتاب وتفسره ، وتعبر عن كثير من مجملاته ، وتفصل كثيراً من مطلقاته . مبتدئتاً بتفسيره، مثنيتاً بذكر أصوله ومقوماته ، ومن أي شيء يستمد ؟ مثلثتاً بذكر فوائده وثمراته، وما يتبع هذه الأصول
أما حد الإيمان وتفسيره ، فهو : التصديق الجازم ، والاعتراف التام بجميع ما أمر الله ورسوله بالإيمان به ؛ والانقياد ظاهراً وباطناً . فهو تصديق القلب واعتقاده المتضمن لأعمال القلوب وأعمال البدن . وذلك شامل للقيام بالدين كله .
ولهذا كان الأئمة والسلف يقولون : الإيمان قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح .
وهو : قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية . فهو يشمل عقائد الإيمان ، وأخلاقه ، وأعماله .
الإيمان يشمل عقائد الدين ، وأخلاقه ، وأعماله الظاهرة والباطنة ، ويترتب على ذلك : أنه يزيد بزيادة هذه الأوصاف والتحقق بها ، وينقص بنقصها ، وأن الناس في الإيمان درجات متفاوتة بحسب تفاوت هذه الأوصاف . ولهذا كانوا ثلاث درجات : سابقون مقربون ، وهم : الذين قاموا بالواجبات والمستحبات ، وتركوا المحرمات والمكروهات ، وفضول المباحات ، ومقتصدون ، وهم : الذين قاموا بالواجبات ، وتركوا المحرمات ، وظالمون لأنفسهم ، وهم : الذين تركوا بعض واجبات الإيمان ، وفعلوا بعض المحرمات ، كما ذكرهم الله بقوله: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)
في سنن أبي داود( [8]) ، عن أبي أمامة ، قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم) : ( من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله : فقد استكمل الإيمان). فالحب والبغض : في القلب والباطن ؛ والعطاء والمنع : في الظاهر . واشترط فيها كلها : الإخلاص الذي هو روح الإيمان ولبه وسره . فالحب في الله فهو أن يحب الله ، ويحب ما يحبه : من الأعمال والأوقات والأزمان والأحوال ؛ ويحب من يحبه : من أنبيائه وأتباعهم. والبغض في الله : أن يبغض كل ما أبغضه [الله] : من كفر وفسوق وعصيان ويبغض من يتصف بها ، أو يدعو إليها . والعطاء يشمل عطاء العبد من نفسه كل ما أمر به ؛ مثل قوله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ( 5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ( 6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) ( 92/5-7) وهذا يشمل جميع ما أمر به العبد : لا يختص بالعطاء المالي ؛ بل هو جزء من العطاء . وكذلك مقابلة المنع . وبهذه الأمور الأربعة ، يتم للعبد إيمانه ودينه .
نصوص الكتاب والسنة صريحة في زيادة الايمان ونقصانه ؛ مثل قوله تعالى( [1]) : ( لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ)( 48/4) ، ( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا)( 74/31) ، ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ( 3/173) ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) ( 9/124).وغيرها من الآيات . وكذلك الحس والواقع يشهد بذلك من جميع وجوه الإيمان ؛ فإذا الناس في علوم الإيمان ، وفي معارفه ، وفي أخلاقه وأعماله الظاهرة والباطنة- متفاوتون تفاوتاً عظيماً : في القوة والكثرة ، ووجود الآثار ، ووجود الموانع ، وغير ذلك . ولهذا كان المؤمنون ثلاث مراتب : مرتبة السابقين ، ومرتبة المقتصدين ، ومرتبة الظالمين . وكل واحدة من هذه المراتب أيضاً ، أهلها متفاوتون تفاوتاً كثيراً . والعبد المؤمن –في نفسه- له أحوال وأوقات تكون أعماله كثيرة قوية ، وأحياناً بالعكس
الله تعالى قد جعل لكل مطلوب سبباً وطريقاً يوصل إليه ، والإيمان أعظم المطالب وأهمها وأعمها ؛ وقد جعل الله له مواد كبيرة تجلبه وتقويه ، كما كان له أسباب تضعفه وتوهيه .
ومواده التي تجلبه وتقويه أمران : مجمل ومفصل .
أما المجمل فهو : التدبر لآيات الله المتلوة : من الكتاب والسنة ؛ والتأمل لآياته الكونية على اختلاف أنواعها ؛ والحرص على معرفة الحق الذي خلق له العبد ؛ والعمل بالحق ؛ فجميع الأسباب مرجعها إلى هذا الأصل العظيم . وأما التفصيل : فالإيمان يحصل ويقوى بأمور كثيرة : 1-منها –بل أعظمها- : معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة ، والحرص على فهم معانيها ، والتعبد لله فيها . 2-ومنها : تدبر القرآن على وجه العموم . فإن المتدبر لا يزال يستفيد من علوم القرآن ومعارفه ؛ ما يزداد به إيماناً . كما قال الله تعالى: ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ( 8/2) .
3-وكذلك معرفة أحاديث النبي (عليه الصلاة و السلام) ، وما تدعو إليه من علوم الإيمان وأعماله –كلها من محصلات الإيمان ومقوياته . فكلما ازداد العبد معرفة بكتاب الله وسنة رسوله ، ازداد إيمانه ويقينه . وقد يصل في علمه وإيمانه إلى مرتبة اليقين .
4-ومن طرق موجبات الإيمان وأسبابه –معرفة النبي ( عليه الصلاة و السلام) ، ومعرفة ما هو عليه من الأخلاق العالية ، والأوصاف الكاملة .
فإن من عرفه حق المعرفة لم يَرتب في صدقه ، وصدق ما جاء به : من الكتاب والسنة ، والدين الحق ، كما قال تعالى : ( أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ) ( 23/69) أي: فمعرفته - صلى الله عليه و سلم- توجب للعبد المبادرة إلى الإيمان ممن لم يؤمن ، وزيادة الإيمان ممن آمن به .
5-ومن أسباب الإيمان ودواعيه : التفكر في الكون ، في خلق السموات والأرض وما فيهن : من المخلوقات المتنوعة ، والنظر في نفس الإنسان ، وما هو عليه : من الصفات .
فإن ذلك داع قوي للإيمان ، لما في هذه الموجودات : من عظمة الخلق الدَّال على قدرة خالقها وعظمته ؛ وما فيها : من الحسن والانتظام ، والإحكام الذي يحير الألباب ؛ الدال على سعة علم الله ، وشمول حكمته ؛ وما فيها : من أصناف المنافع والنعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى ، الدالة على سعة رحمة الله ، وجوده وبره . وذلك كله يدعو إلى تعظيم مبدعها وبارئها وشكره ، واللهج بذكره ؛ وإخلاص الدين له . وهذا هو روح الإيمان ويسره( [1]) .
6-ومن أسباب دواعي الإيمان : الإكثار من ذكر الله كل وقت ، ومن الدعاء الذي هو مخ العبادة .
فإن الذكر لله يغرس شجرة الإيمان في القلب ، ويغذيها وينميها . وكلما ازداد العبد ذكراً لله ، قوي إيمانه ؟ كما أن الإيمان يدعوا إلى كثرة الذكر . فمن أحب الله أكثر من ذكره ؛ ومحبة الله هي : الإيمان ، بل هي روحه .
7-ومن الأسباب الجالبة للإيمان : معرفة محاسن الدين .
فإن الدين الإسلامي كله محاسن : عقائده أصح العقائد وأصدقها وأنفعها ؛ وأخلاقه أحمد الأخلاق وأجملها ؛ وأعماله وأحكامه أحسن الأحكام وأعدلها . وبهذا النظر الجليل يزين الله الإيمان في قلب العبد ، ويحببه إليه .
فهذه الصفات الثمان ، كل واحدة منها تثمر الإيمان وتنميه ؛ كما أنها من صفات الإيمان وداخلة في تفسيره كما تقدم .
10-ومن دواعي الإيمان وأسبابه : الدعوة إلى الله وإلى دينه ، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، والدعوة إلى أصل الدين ، والدعوة إلى التزام شرائعه : بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبذلك يكمل العبد نفسه ، ويُكمِّلُ غيره كما أقسم تعالى بالعصر: أن جنس الإنسان لفي خسر ، إلا من اتصف بصفات أربع : الإيمان والعمل الصالح اللذين بهما تكميل النفس ، والتواصي بالحق –الذي هو العلم النافع والعمل الصالح والدين الحق- وبالصبر على ذلك كله ؛ وبه يكمل غيره .
11-ومن أهم مواد الإيمان ومقوياته : توطين النفس على مقاومات ما ينافي الإيمان : من شعب الكفر والنفاق ، والفسوق والعصيان .
فإنه كما أنه لابد في الإيمان من فعل جميع الأسباب المقوية المنمية له ، فلابد مع ذلك –من دفع الموانع والعوائق ؛ وهي : الإقلاع عن المعاصي ، والتوبة مما يقع منها ، وحفظ الجوارح كلها عن المحرمات ، ومقاومة فتن الشبهات القادحة في علوم الإيمان ، المضعفة له ، والشهوات المضعفة لإرادات الإيمان . فإن الإرادات التي أصلها : الرغبة في الخير ومحبته والسعي فيه- لا تتم إلا بترك إرادات ما ينافيها: من رغبة النفس في الشر ؛ ومقاومة النفس الأمارة بالسوء .
كم للإيمان الصحيح من الفوائد والثمرات العاجلة والآجلة في القلب والبدن ، والراحة والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة ، وكم لهذه الشجرة الإيمانية من الثمار اليانعة ، والجنى اللذيذ ، والأُكل الدائم ، والخير المستمر ؛ أمور لا تحصى وفوائد لا تستقصى، ومجملها : أن خيرات الدنيا والآخرة ، ودفع الشرور كلها من ثمرات هذه الشجرة .
وذلك : أن هذه الشجرة إذا ثبتت وقويت أصولها ، وتفرعت فروعها ، وزهت أغصانها ، وأينعت أفنانها عادت على صاحبها وعلى غيره ، بكل خير عاجل وآجل .
3-ومنها : أن الإيمان الكامل يمنع من دخول النار ؛ والإيمان –ولو كان قليلاً- يمنع من الخلود فيها .
4-ومن ثمرات الإيمان : أن الله يدفع عن المؤمنين جميع المكاره ، وينجيهم من الشدائد .
كما قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ) ( 22/38) أي : يدفع عنهم كل مكروه ؛ يدفع عنهم شر شياطين الإنس وشياطين الجن ، ويدفع عنهم الأعداء ، ويدفع عنهم المكاره قبل نزولها ، ويرفعها أو يخففها بعد نزولها .
5-ومنها : أن الإيمان والعمل الصالح – الذي هو فرعه- يثمر الحياة الطيبة في هذه الدار ، وفي دار القرار . قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( 16/97) .
6-ومنها : أن جميع الأعمال والأقوال إنما تصح وتكمل بحسب ما يقوم بقلب صاحبها : من الإيمان والإخلاص.
ولهذا يذكر الله هذا الشرط الذي هو أساس كل عمل ؛ مثل قوله: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ) ( 21/94) ؛ أي لا يجحد سعيه ولا يضيع عمله ؛ بل يضاعف بحسب قوة إيمانه .
7-ومنها : أن صاحب الإيمان يهديه الله إلى الصراط المستقيم ، ويهديه في الصراط المستقيم ، يهديه إلى علم الحق ، وإلى العمل به، وإلى تلقي المحاب والمسار( [1]) بالشكر ، وتلقي المكاره والمصائب بالرضا والصبر .
قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ) ( 10/9) . وقال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)
( 64/11) ، قال بعض السلف( [2]) ( هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله ، فيرضى ويسلم) .
8-ومن ثمرات الإيمان ولوازمه- من الأعمال الصالحة- ما ذكره الله بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)
( 19/96) أي بسبب إيمانهم وأعمال الإيمان ، يحبهم الله ويجعل لهم المحبة في قلوب المؤمنين، ومن أحبه الله وأحبه المؤمنون من عباده- : حصلت له السعادة والفلاح والفوائد الكثيرة من محبة المؤمنين : من الثناء والدعاء له حياً وميتاً ، والاقتداء به ، وحصول الإمامة في الدين .
9-ومنها قوله تعالى : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) ( 58/11) فهم أعلى الخلق درجة عند الله وعند عباده في الدنيا والآخرة . وإنما نالوا هذه الرفعة : بإيمانهم الصحيح وعملهم ويقينهم ، والعلم واليقين من أصول الإيمان.
10-ومن ثمرات الإيمان : حصول البشارة بكرامة الله ، والأمن التام من جميع الوجوه . كما قال تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )( [1]) فأطلقها ليعم الخير العاجل والآجل ، وقيدها في مثل قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار) .( 2/25) فلهم البشارة المطلقة والمقيدة . فالمؤمن له الأمن التام في الدنيا والآخرة : أمن من سخط الله وعقابه ، وأمن من جميع المكاره والشرور ، وله البشارة الكاملة بكل خير ، كما قال تعالى : ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ) ( 10/64).
11-ومن ثمرات الإيمان : حصول الفلاح –الذي هو : إدارك غاية الغايات ، فيه إدراك كل مطلوب ، والسلامة من كل مرهوب-والهدى الذي هو أشرف الوسائل . كما قال تعالى –بعد ذكر المؤمنين بما أنزل على محمد (عليه الصلاة و السلام) وما أُنزل على من قبله ، والإيمان بالغيب . وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة : اللتين هما من أعظم آثار الإيمان –قال تعالى: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)( [3]) . فهذا هو الهدى التام والفلاح الكامل .
13-ومنها : أن الإيمان يحمل صاحبه على الشكر في حالة السراء، والصبر في حالة الضراء ، وكسب الخير في كل أوقاته . كما ثبت في الصحيح عن النبي (صلى الله عليه و سلم) ، أنه قال : ( عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله خير : إن أصابته سراء شكر ، فكان( [1]) خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيراً له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) والشكر والصبر هما جماع كل خير ، فالمؤمن مغتنم للخيرات في كل أوقاته ، رابح في كل حالاته.
14-ومنها أن الإيمان يقطع الشكوك التي تعرض لكثير من الناس فتضر بدينهم . قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا)
( 49/15) ، أي : دفع الإيمان الصحيح الذي معهم الريب والشك الموجود ، وأزاله بالكلية ، وقاوم الشكوك التي تلقيها شياطين الإنس والجن ، والنفوس الأمارة بالسوء فليس لهذه العلل المهلكة دواء إلا تحقيق الإيمان .
15-ومنها : أن الإيمان ملجأ المؤمنين في كل ما يلم بهم : من سرور وحزن وخوف وأمن ، وطاعة ومعصية ، وغير ذلك من الأمور التي لابد لكل أحد منها .
16-ومنها أن الإيمان الصحيح يمنع العبد من الوقوع في الموبقات المهلكة . كما ثبت في الصحيح( [1]) عن النبي (صلى الله عليه و سلم) أنه قال : ( لا يزني الزاني-حين يزني- وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق –حين يسرق- وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر- حين يشربها- وهو مؤمن) الحديث .
ومن وقعت منه : فإنه لضعف إيمانه ، وذهاب نوره ، وزوال الحياء ممن يراه حيث نهاه ، وهذا معروف مشاهد .
17-ومنها أنه ثبت عنه (صلى الله عليه و سلم) في الصحيحين –من حديث أبي موسى (رضي الله عنه) - أنه قال : ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ، كمثل الأترجة طعمها طيب ، وريحها طيب . و[مثل المؤمن] ( [2]) الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة : طعمها طيب ، ولا ريح لها) .
وهؤلاء القسمان هم خير الخليقة ، فإن الناس أربعة أقسام :
[الأول] : خير في نفسه ، متعد خيره إلى غيره . وهو خير الأقسام. فهذا : المؤمن الذي قرأ القرآن ،
وتعلم علوم الدين فهو نافع لنفسه ، متعد نفعه إلى غيره ، مبارك أينما كان كما قال الله تعالى عن عيسى [عليه السلام] : (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ) ( 19/31) .
و[الثاني] : طيب في نفسه . صاحب خير . وهو : المؤمن الذي ليس عنده من العلم . ما يعود به على غيره .
فهذان القسمان هما خير الخليقة ، والخير الذي فيهم عائد إلى ما معهم : من الإيمان القاصر والمتعدي نفعه إلى الغير بحسب أحوال المؤمنين .
و[القسم الثالث] : من هو عادم للخير ، ولكنه لا يتعدى ضرره على غيره .
و[الرابع] : من هو صاحب شر على نفسه ، وعلى غيره . فهذا شر الأقسام (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ)( [3]) .
تبين مما تقدم : أن هذه الشجرة المباركة –شجرة الإيمان- أبرك الأشجار وأنفعها وأدومها .
وأن عروقها وأصولها وقواعدها : الإيمان وعلومه ومعارفه ، وساقها وأفنانها : شرائع الإسلام ، والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة، المؤيدة والمقرونة بالإخلاص لله . والمتابعة لرسول الله (صلى الله عليه و سلم) .
وأن ثمارها وجناها الدائم المستمر : السمت الحسن ، والهدي الصالح ، والخلق الحسن ، واللهج بذكر الله وشكره ، والثناء عليه ، والنفع لعباد الله بحسب القدرة -: نفع العلم والنصح ، ونفع الجاه والبدن ، ونفع المال ، وجميع طرق النفع ، وحقيقة ذلك كله : القيام بحقوق الله ، وحقوق خلقه .
وأن هذه الشجرة- في قلوب المؤمنين- متفاوتة تفاوتاً عظيماً ، بحسب ما قام بهم ، واتصفوا به : من هذه الصفات .
وأن الفضل في ذلك كله لله وحده ، والمنَّة كلها [له سبحانــه] . (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [سورة الحجرات 49/17] . و في النهاية لا تفوتكم الهدية.https://www.4algeria.com/forum/t/469578/ هدية سلسلة شجرة الايمان
و الله دين متين عظيم يسير سهل ذو معالم ظاهرة لا خفاء فيها
ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى). قيل: يا رسول الله من يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) ".
يقول الشيخ ابن باز رحمة الله عليه : " الذي يعصي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا يتبع الشرع معناه أنه آبي ما يريد الجنة، ولو أرادها لأخذ بالأسباب، فالذي يتنكب الأسباب ويتركها ما أراد الجنة. أما الذي أراد الجنة هو الذي يطيع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويتبع الشرع، وينقاد للشرع، ويحافظ على دين الله، فيدع المحرمات، ويأخذ بالواجبات، ويجتهد في الخيرات ".
جزاك الله خيرا و نفع بك