في حلقتنا هذه، نعرض لكم لأحد مثلين عظيمين ضربهما عالمان جليلان لهما عناية دقيقة في هذا الباب باب تزكية النّفس :
المثل الأول :للإمام الآجري رحمه الله تعالى ذكره في كتابه - أدب النُّفوس -وكتابه أدب النُّفوس و إنّ كان صغير الحجم إلّا أنّه كبير الفائدة ، عظيم النفع، و هذا المثل نصيب حلقتنا.
و المثل الثاني :ضربه العلامة ابن القيمرحمه الله تعالى في كتابه _ مدارج السالكين _ و هو موضوع الحلقة الخامسة بإذنه تعالى.
نقف أولاً مع المثل الذي ضَربه الإمام الآجري رحمه الله و أُؤكد أيّها الإخوة على التأمُلِ في المثل و في مضامينه و دلالاته و أبعاده ، لأن الأمثال مِن شأنِها تقريب المعاني ، و جعلها بمثابة الإشياء الملموسة المحسوسة ، فيتضح الأمر تماماً .
يقول الآجري رحمه الله و أنا أُمثل لك مثالا لا يخفى عليك أمرها إن شاء الله ، يعـني إذا تأملت المثل ، قال :( اعلم أنّ النّفس مثلها كمثل المُهرِ الحسن من الخَيل إذا نظر إليه النّاظر أعجبهُ حسنه وبهاؤُه ، فيقول أهل البصيرة به( يقولون لصاحب هذا المُهر ) : لا يُنتفع بهذا حتى يُراض رياضة حسنةً ، ويؤدب أدباً حسناً ، فحينئذ يُنتفع به ، فيصلح للطلَب والهرب ، و يَحمَد راكبه عواقبَ تأديبه و رياضته ، فإن لم يُؤدب لم ينتفع بحسنه ولا ببهائه ، ولا يَحمَد راكبه عواقبَه عند الحاجة .
فإن قبِل صاحب هذا المُهر قول أهل النصيحة والبصيرة به، علم أنّ هذا قول صحيح فدفعه إلى رائضٍ فراضه .
- ثم لا يصلح أنْ يكون الرائض إلا عالما بالرياضة ، معه صبر على ما معه من علم الرياضة ، فإنْ كان معه علم بالرياضة و نصيحة انتفع به صاحبه .
- فإن كان الرائض لا معرفة معه بالرياضة ، ولا علم بأدب الخيل ، أفسد هذا المُهر وأتعب نفسه ، ولم يَحمَد راكبه عواقبه .
- وإنْ كان الرائض معه معرفة بالرياضة والأدب بالخيل إلّا أنّه مع معرفته لم يصبر على مشقة الرياضة ، وأحبَّ الترفيه لنفسه ، وتوانى عما وجب عليه من النّصيحة في الرياضة ، أفسد هذا المُهر ، وأساء إليه ، ولم يصلح للطلب ، ولا للهرب ، وكان له منْظر بلا مَخْبَر .
- فإن كان مالكه هو الرائض له ، ندم على توانيه يوم لا ينفع الندم ، وحين نظر إلى غيره في وقت الطلب ، قد طلب فأدرك ، وفي وقت الهرب قد هرب فسَلِم ، وطلب هو فلم يدرك ، وهرب فلم يسلم ، كل ذلك بتَوانيه ، وقلة صبره بعد معرفته منه ، ثم أقبل على نفسه يلُومها ويُوبخها ، فيقول : لمَ فرطتِ ؟ لمَ قصرتِ ؟ ، لقد عاد علي من قلة صبرى كل ما أكره . والله المستعان ) اعقلوا رحمكم الله هذا المثل و تفقهوا به تُفلحوا و تنجحوا .
ثم نقل رحمه الله عن وهب بن منبه و هو من علماء التابعين قال :( النّفس كنفوس الدّواب ، والإيمان قائد ، والعمل سائق ، والنّفس حَـرون ، فإن فتر قائدُها حرنَت على سائقها ، وإن فتر سائقها ضلت على الطريق ).
هذا المثل الأول و هو للإمام الآجري رحمه الله تعالى و يوضح أنّ النّفس البشرية تحتاج من صاحبها إلى رياضة و صبر عليها ، و أنْ يكون على علم بالأمور التي تُصلح النّفس و تزكِّيها في ضوء دلائل كتاب الله عـز و جل و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم و أنّ الإنسان إنْ فرّط في هذا الجانب سيندم في نهايه المطاف غاية الندم .