المثل الثاني للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى أورده في كتابه– مدارج السالكين –فقال رحمه الله :
( النّفس جبلٌ عظيم شاق في طريق السّير إلى الله تعالى وكل سائر لا طريق له إلاّ على ذلك الجبل فلا بُد أن ينتهى إليه...
ولكن منهم( أي من النّاس )من هو شاق عليه ومنهم من هو سهل عليه وإنَّه ليسير على من يسره الله عليه ....
قال : و في ذلك الجبل أودية و شُعوب و عَقبات ووهُـود وشوك وعوسَج وعُـلَّيْـق وشِبرق ولصوص يقطعون الطريق على السائرين ، ولا سيما أهل الّليل المُدلجين ...
فإذا لم يكن معهم عُـدَدُ الإيمان ومصابيح اليقين تَتَّـقِد بزيت الإخبات ، وإلا تعلقت بهم تلك الموانع وتشبثت بهم تلك القواطع وحالت بينهم وبين السّير فإنَّ أكثر السّائرين فيه رجعوا على أعقابهم لمّا عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته ...
والشّيطان على قُـلَّـة ذلك الجبل( أي على أعلاه )يُحذرُ النّاس من صعوده و ارتفاعه و يُخوفهم منه ...
فيتـفِق مشقة الصعود و قُعود ذلك المُخَوَف على قُـلّـتِه ، وضَعف عزيمة السّائر ونيته ، فيتولد من ذلك الانقطاع والرّجوع ...
والمعصوم من عصمَه الله ، وكلما رقَى السّائر في ذلك الجبل اشتد به صياح القاطع وتحذيره وتخويفه ...
فإذا قطعه وبلغ قُـلَّـته انقلبت تلك المخاوف كلهنَّ أمنًا وحينئذ يسهل السّير وتزول عنه عوارض الطريق ومشقتة ومشقة عقباتها ويَرى طريقا واسعا آمنا يُفضي به إلى المنازل والمناهِل و عليه الأعلام وفيه الإقاماتُ قد أُعدت لركب الرحمن ...
فبين العبد و بين السّعادة و الفلاح قوة عزيمةٍ وصبر ساعةٍ وشجاعة نفسٍ و ثبات قلب و الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم ) .
هذا أيُّها الإخوة المثل و كذلك المثل الذي قبله يُبين لنا حال النّفس ، و أن النّفس البشرية تحتاج من صاحبها إلى تعاهد و الى مُتابعة و الى مُعالجة و الى مُداومة و الى رعاية ، فإنْ لم يتابعها ، إنْ لم يُراقبها ، إنْ لم يجاهدها تنفلت مَنه و تضيع ، و مِن الخير للإنسان أن يُحاسب نفسه ما دام في دار المُهلة و دار العمل ، قبل أنْ يُحاسبه ربّ العالمين في دار الجزاء يوم القيامة .
و لهذا جاء عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه قال : ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، و زنُوها قبل أن توزنُوا ، فإنّه أهْون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينُـوا للعرض الأكبر، يومئذ تُعرضون لا تخفى منكم خافية ) .