الأمر السادس في هذا الباب العظيم - باب تزكية النفس - :
أهمية إغلاق المنافذ التي تخرج بالإنسان عن التزكية وتُبعده عن الفضيلة وتوقعه في الرذيلة ؛ قد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، عَلَى كَتِفَي الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ ، وَعَلَى الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسلكوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تَعُوجُوا ، وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى الصِّرَاطِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدكمْ فَتْحَ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ : وَيْلَك لَا تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ ، فَالصِّرَاطُ: الْإِسْلَامُ ، والسُّتُورُ : حُدُودُ اللَّهِ ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ : مَحَارِمُ اللَّهِ ، والدَّاعِي الَّذِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاط : كِتَابُ الله ، وَالدَّاعِي مِنْ فَوْق : وَاعِظُ اللَّهِ يذكر فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ )) .
ففي باب تزكية النفس يحتاج العبد حاجةً ماسة إلى إغلاق المنافذ التي تنقل الإنسان وتُخرجه من التزكية إلى التدسية وما أكثرها ولاسيما في زماننا هذا ، وقد انفتحت على الناس في هذا الزمان نوافذ كثيرة جداً تنقل الناس - بل قل تنقل الأخيار والمتدينين والصالحين والمستقيمين - من التزكية إلى التدسية ، من الهداية إلى الانحراف، كثيرة جداً !!
والعاقل يغلق المنافذ التي تُدخل عليه
الروائح الخبيثة ،
والأفكار الهابطة ،
والسموم القاتلة ،
والأدواء الفتاكة ،
يحذر منها أشد الحذر ، وإذا كان يريد أن يخاطر بشيء لا يخاطر بدينه ، فدينه أغلى ما يملك في هذه الحياة الدنيا وأشرف ما يملك في هذه الحياة الدنيا ، كل شيء إذا ضاع له عِوَض إلا الدِّين ، ولهذا جاء في الدعاء (( وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا وَلَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا )) .
وبعض الناس يخاطر بدينه ، لا يبالى بتلك المنافذ فيسرح فيها ناظراً ومشاهداً ورائياً وسامعاً ، ثم تسلَّل إلى قلبه وإلى نفسه شيئاً فشيئا الأفكار الهدامة والشهوات العارمة والعقائد المنحرفة والشبهات والشهوات ، ثم يشتكى من نفسه يقول "أنا عندي شبهات كثيرة " ، أو يقول " نفسي تهجم عليها شهوات عارمة" ، ويكون هو الذي طرَّق لهذه الشبهات وهذه الشهوات لتلِج إلى نفسه من خلال تلك المنافذ ، فينطبق عليه قول القائل :
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك .. إياك أن تبتل بالماء
هذا لا يمكن !!
لهذا ينبغي على الإنسان أن يحذر أشد الحذر من منافذ الشر وأبواب الفساد التي تستجلب للنفس الشهوات أو الشبهات أو كليهما ، وهذان هما منفذا الشيطان على القلوب ، فالشيطان له منفذان لا ثالث لهما : إما الشهوة أو الشبهة.
وهو يشام القلوب وينظر في ميولاتها ؛ إذا رأى ميل الإنسان إلى التدين والتمسك عمل على إدخال الشبهات عليه ، وإذا رأى ميله إلى التضييع والتفريط سعى في إدخال الشهوات عليه.
فإذا حرص العبد على إغلاق المنافذ بحيث لا يصل إلى نفسه ولا يصل إلى فؤاده إلا الفضائل والخيرات فإن هذا من أعظم ما يعينه على سلامة نفسه وزكاتها.