الأمر السابع في هذا الباب - باب تزكية النفس - : تذكر الموت ، ولقاء الله سبحانه وتعالى ، ومفارقة هذه الحياة ، فإن هذا من أعظم الأمور المعِينة . قد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر:18] ، ولا يزال العبد بخير إذا كان هذا النظر يعمل عنده ؛ ينظر ما قدّم لغد ، أما الإنسان الذي لا يفكر في الغد الذي هو يوم لقاء الله سبحانه وتعالى كل اهتمامه في الأشياء التي أمام ناظريه وعنده في هذا الحياة الدنيا فهذا يعيش في ضياع (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ )، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) [التحريم:6] ، ومن أواخر ما نزل على نبينا عليه الصلاة والسلام بل قيل هو أخر ما نزل قول الله سبحانه وتعالى : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) [البقرة/281] .
فلا يزال العبد بخير ما دام متذكراً لهذا اليوم ، وكلما أرادت النفس أن تفعل شيئاً من الأشياء التي تدسِّيها وتحقِّرها يزجرها بذلك اليوم ، بالوقوف بين يد الله سبحانه وتعالى وبالجزاء والحساب ، كلما أرادت النفس أن تفرّط وتقصِّر في شيء من الأعمال التي فيها نمائها وفضيلتها ورفعتها وزكاءها أيضاً يذكِّرها بلقاء الله سبحانه وتعالى وبالجزاء والحساب ( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [المؤمنون:102]، ( وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ) [الأعراف:9] ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [الزلزلة: 7 - 8 ]
وفي الحديث وفي سنده مقال ولكن معناه صحيح لا ريب في صحة معناه : ((الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني )) . الكيّس : أي اللّبيب الفطِن الذي يحاسب نفسه ويُعِـدّها لما بعد الموت ، يُعدُّها للقاء الله سبحانه وتعالى ، والعاجز من أتْبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .