فضل حفظ القرآن الكريم، من كلام سيد المرسلين

نضال ابن فوزي

:: عضو منتسِب ::
إنضم
20 أكتوبر 2017
المشاركات
71
نقاط التفاعل
84
النقاط
3
العمر
27
محل الإقامة
الجزائر
الجنس
ذكر
بسم الله الرحمان الرحيم,
و الصلاة و السلام على سيد المرسلين




عن أنسٍ (رضي الله عنه) قال: قال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ للهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ».
قالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ! قالَ:
«أَهْلُ القُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وخَاصَّتُهُ»[صحيح التّرغيب (1432).].

وهذه كلماتٌ نُذكِّرُ فيها بجملٍ من حديثِ النّبيِّ الكريم (صلى الله عليه وسلّم) في فضلِ حفظِ القرآن والعنايةِ بهِ وإِعْمَارِ الأوقات بمُدارستِهِ:



الحديثُ الأوّل:

عن عثمان بن عفَّان (رضي الله عنه) عن النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) قالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»[صحيح التّرغيب (1415).].


ومَعْلُومٌ أنَّ «خَيْرَ الكلامِ كلامُ اللهِ تعالى، فكذلكَ: خَيْرُ النَّاسِ بعدَ الأنبياءِ مَن اشْتَغَلَ بِهِ»[ فيض القدير.].




الحديث الثَّاني:
عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قالَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): «المَاهِرُ بالقُرآن مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ...» الحديث[البخاريُّ ومسلم.].


والمَاهِرُ بالقرآن هُو: «الحَاذِقُ الكَامِلُ الحِفْظِ الَّذِي لاَ يَتَوَقَّفُ ولاَ تَشُقُّ عَلَيْهِ القِرَاءَةُ لجَوْدَةِ حِفْظِهِ وإِتْقَانِهِ»[شرح سنن أبي داود للبدر العينيّ.].
قولُهُ: «مَعَ السَّفرَةِ»، السَّفَرَةُ: الرُّسُلُ، «يعني: مَعَ الملائكة، أي: لهُ في الآخِرَةِ منازلُ يَكُونُ فِيهَا رَفِيقًا للمَلائكةِ السَّفَرَةِ»[شرح سنن أبي داود للبدر العينيّ.].




الحديث الثّالث:

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) قالَ:
«يَجِيءُ صاحِبُ القُرآنِ يومَ القِيامةِ فيقولُ القرآنُ: يا رَبِّ حَلِّهِ – أي: أَلْبِسْهُ حُلَّةً-، فيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَة، ثمّ يقُولُ: يا رَبِّ زِدْهُ، فيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةَ، ثمّ يقولُ: يا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فيَرْضَى عَنْهُ، فيُقالُ لهُ: اقْرَأْ وَارْقَ –أي: اصْعَدْ-، ويَزْدَادُ بكُلِّ آيةٍ حَسَنَةً»[صحيح التّرغيب (1425).].


وَ«صاحِبُ القرآنِ» في هذا الحديث ليسَ هو الّذي يُلازمُ قراءةَ القرآنِ مِن المصحف، وإنَّما هو الحافظُ الّذي وَعى القرآنَ في صدرِهِ، قالَ العُلماءُ: «يُؤخَذُ مِن الحَدِيثِ أنَّهُ لا يَنَالُ هَذَا الثَّوابَ الأَعْظَمَ إلاَّ مَن حَفِظَ القُرآنَ وأَتْقَنَ أَدَاءَهُ وقِرَاءَتَهُ»[نَقَلَهُ القاريُّ في مرقاة المفاتيح.].




الحديثُ الرَّابع:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: قال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم):
«يُقَالُ لصَاحِبِ القُرآن: اقْرَأْ وَارْقَ –أي: اصْعَدْ- ورَتِّلْ كَمَا كُنْتُ تُرَتِّلُ في الدُّنيا؛ فإنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا»[صحيح التّرغيب (1426).].


قولُهُ: «ارْقَ»«وارْتَقِ»، معناهُ: «اصْعَدْ إِلى منزِلِكِ دَرَجَةً دَرَجَةً، فإنَّ منزلَكَ بحَسَبِ قِرَاءَتِكِ مِن الآيَاتِ»[شرح سُنن أبي داود للعينيّ.].
«قالت عائشةُ: جُعِلَت دَرَجُ الجَنَّةِ على عَدَدِ آيِ القُرآن، فمَن قَرَأَ ثُلُثَ القُرآن كَانَ عَلَى الثُّلُثِ مِن دَرَجِ الجَنَّة، ومَن قَرَأَ نِصْفَهُ كَانَ عَلَى النِّصْفِ مِن دَرَجِ الجَنَّةِ، ومَن قَرَأَ القُرْآنَ كُلَّهُ كَانَ فِي عَالِيهِ لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ أَحَدٌ إلاَّ نَبِيٌّ أو صِدِّيقٌ أو شَهِيدٌ»[شرح صحيح البخاريّ لابن بطّال. والأثرُ ترويهِ أمُّ الدّرداء كما في الدّرّ المنثور (15/305)، ط. هجر.].
«وَعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، سَأَلْتُ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) عَمَّنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِمَّنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، مَا فَضْلُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْرَأْهُ؟، فَقَالَتْ: إِنَّ عَدَدَ دَرَجِ الْجَنَّةِ بِعَدَدِ آيِ الْقُرْآنِ، فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِمَّنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ»[قيام رمضان للمروزيّ باختصار المقريزيّ (ص171) ط. باكستان.].

وَقال الخطابيُّ: «جاء في الأَثَرِ أنَّ عَدَدَ آيِ القُرآن على قَدْرِ دَرَجِ الجَنَّةِ في الآخِرة، فيُقالُ للقارِي: ارْقَ في الدَّرَج على قَدْرِ ما كُنْتَ تَقرَأُ مِن آيِ القُرآن، فمَن اسْتَوْفَى قِرَاءَةَ جميعِ القُرآن اسْتَوْلَى عَلَى أَقْصَى دَرَجِ الجَنَّةِ في الآخِرَةِ، ومَن قَرَأَ جُزْءًا مِنْهُ كانَ رُقِيُّهُ في الدَّرَجِ على قَدْرِ ذَلِكَ فيَكُونُ مُنْتَهَى الثَّوَابِ عندَ مُنْتَهَى القِرَاءَةِ»[معالمُ السُّنن للخطَّابيّ.].
فمِن خصائصِ القُرآن أنّ حافظَه لا يزالُ يرتفعُ في درجاتِ الجنَّةِ، فإذا أتمَّ حفظَهُ لم يكُن فوقَهُ أحدٌ، فهُوَ في أعلى الدّرجات مع الأنبياءِ والملائكة[التَّيسير للمُناوي].




هذه أحاديثُ في فضلِ الحافظِ للقرآنِ، ما أعدَّ اللهُ لهُ، وفضلُهُ على مَن لم يحفظ، وليسَ هذا فحسبُ، بل كما يُكرَّمَ الحافظُ يُكرَّمَ والدَاهُ:

الحديث الخامسُ:

عن بُريدةَ (رضي الله عنه) قالَ: قال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ قَرَأَ القُرآنَ وتَعَلَّمَهُ وعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ يومَ القيامةِ تَاجًا مِن نُورٍ ضوؤُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، ويُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ – أي: ثوبينِ لكلِّ واحدٍ منهما، والحُلَّةُ لا تكونُ إلاَّ ثوبينِ- لاَ يَقُومُ لَهُمَا الدُّنْيَا، فيَقُولاَنِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا القُرْآنَ»[صحيح التّرغيب (1434).].


فهذا قارئُ القرآنِ الحافظِ لهُ المُتقنُ لأدائهِ وتلاوتِهِ، والمتفهِّمُ لهُ العاملُ بما فيهِ يكونُ لوالديهِ كلُّ هذا الثَّوابِ العظيم ويحظونَ بكلِّ هذا التَّكريم، فماذا سيكونُ لولدِهما وهو القارئُ نفسُهُ؟ وقد مضى في الحديثِ المتقدِّمِ شيءٌ مِن كرامتِهِ وثوابِهِ.
وقد سطَّر بعضُ العُلماء هذا المعنى في أبياتٍ له جميلة فقالَ:

فَيَا أَيُّهَا الْقَارِي بِهِ مُتَمَسِّكاً مُجِلاًّ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ مُبَجِّلاَ

هَنِيئًا مَرِيئًا وَالِدَاكَ عَلَيْهِما مَلاَبِسُ أَنْوَارٍ مِنَ التَّاجِ وَالحُلاَ

فَما ظَنُّكُمْ بالنَّجْلِ عِنْدَ جَزَائِهِ؟ أُولئِكَ أَهْلُ اللهِ والصَّفْوَةُ المَلاَ


[القائِلُ هو أبو القاسم الشّاطبيّ في منظومتِهِ: حِرْزُ الأَمَانِي.].

وَ«المَلاَ» وَ«المَلأُ»: هُم الرُّؤساءُ والأشرافُ، وأهلُ القرآن هُم وُجُوهُ النَّاسِ وأَشْرَافُهُم وأحقُّ من يكونُ رأسًا فيهِم.





ونختمُ بحديثٍ عظيمٍ وبشارةٍ كريمةٍ لحافظِ القرآنِ:

عن عُقبةَ بنِ عامرٍ (رضي الله عنه) قاَلَ: قالَ رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم): «لَوْ جُعِلَ القُرْآنُ فِي إِهَابٍ –أي: وِعاء أو ظَرفٍ مِن جِلْدٍ- ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ»[الصّحيحة (3562).].


معناهُ: «لَوْ جُعِلَ القُرآنُ في إِنسانٍ ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ مَا احْتَرَقَ»[تأويل مختلف الحديث لابن قُتيبةَ (ص201). ط. الجيل.].
وَمعناهُ: «أنَّ حَافِظَ القُرْآنِ مُمْتَنِعٌ من النَّارِ»[غريب الحديث لابن الجوزيّ (1/48). ط. العلمية.].
ففيه هذا الحديثِ بشارةٌ كريمةٌ: «أنَّ مَن عَلَّمَهُ اللهُ تَعالى القُرآنَ مِنَ المسلِمِين وحَفَّظَهُ إِيَّاهُ لَمْ تَحْرِقْهُ النَّارُ يومَ القِيامةِ إِنْ أُلْقِيَ فِيهَا بالذُّنُوبِ، كما قال أبو أُمامةَ (رضي الله عنه):«احْفَظُوا القُرآنَ –أو: اقْرَءُوا القُرآنَ- ولاَ تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ المصاحِفُ، فإنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُعَذِّبُ بالنَّارِ قَلْبًا وَعَى القُرْآنَ» »[تأويل مختلف الحديث لابن قُتيبةَ (ص201). ط. الجيل.].




وفي الختام نُوصِي بما أوصى بهِ النّبيُّ أُمَّتَهُ:

عن عُقبةَ بنِ عامرٍ (رضي الله عنه) قالَ: قال رسولُ الله (صلى الله عليه وسلّم):
«تَعَلَّمُوا كِتَابَ اللهِ وتَعَاهَدُوهُ واقْتَنُوهُ وتَغَنَّوْا بِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ [تَفَلُّتًا] مِنَ المَخَاضِ في العُقْلِ»[صفة الصّلاة للألباني (ص125).].


«تَعَلَّمُوا كِتَابَ اللهِ»؛ القرآن، أي: احْفَظُوهُ وتَفَهَّمُوهُ، «وتَعَاهَدُوهُ»، أي: تعاهَدُوا الحفظَ وتعاهَدُوا التَّفهُّم لهُ والتَّذكُّر والتَّذكيرَ بِهِ، «واقتنوه»، أي: الْزَمُوهُ، «وتَغَنَّوا بِهِ»، أي: اقرأُوهُ بتَحْزِينٍ وتَرْقِيقٍ، وليس المراد قراءته بالأَلْحَان والنَّغمات، «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا»، أي: ذَهَابًا، «مِن المَخَاضِ»، أي: النُّوق –جمع ناقة- الحوامِل المَحْبُوسَة، «في العُقْل»، العُقْلُ: جمعُ عِقَال، وهو الحَبل الّذي تُحْبَسُ بهِ النَّاقة، وضَربَ النَّبيُّ (صلّى الله عليه وسلّم) المَثَلَ بِهَا؛ لأنَّها إذا انْفَلَتَتْ لاَ تَكَادُ تُلْحَقُ[انظر: فيض القدير للمُناوي.].

فينبغِي العنايةُ بالقرآن وتعاهُدُ المحفوظ منه وتعلُّم التّلاوة والأداء وتعلُّم المعاني والأحكام، والاِشتغال بكلِّ ذلك، لا سيَّما في زمانِ الفِتنِ، كما في حديثِ حذيفةَ (رضي الله عنه) في ذِكرِ الفِتن، قالَ (صلّى الله عليهِ وسلَّم):

«يَا حُذَيْفَةُ! عَلَيْكَ بِكِتَابِ اللَّهِ فَتَعَلَّمْهُ، واتَّبِعْ ما فِيهِ خَيْرًا لَكَ»[لتّعليقات الحسان على صحيح ابن حبَّان (رقم: 117).]،


وبَوَّبَ عليْهِ ابنُ حبَّان بقولِهِ: «ذِكْرُ الإِخْبَارِ عَمَّا يَجِبُ عَلَى المَرْءِ مِنَ تَعَلُّمِ كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلاَ وَاتِّبَاعِ مَا فِيهِ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ خَاصَّةً».


جمعه سمير سمراد


منقول------

اللهم وفقنا لحفظ القرآن و فهمه و العمل به

 
attachment.php
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top