الحمد لله الذي حرّم الظّلم على نفسه ، و جعله بين عباده محرّما و قال : « فلا تظالموا » . و صلّى الله و سلّم على نبيّنا محمد ï·؛ القائل : « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه » . و على آله و صحابته الكرام الطّيّبين ، و التّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين .
و بعد :
... إنّ المرء منذ أن يَطِرّ شاربه ، و يشبّ عن الطّوق ، و هو يضرب في الأرض طولا عرضا ، يبتغي من فضل الله ، ما يؤسّس به بيتا و يُقيم به أسرة . فيتزوّج ما شاء الله له أن يتزوّج ، و يصيران زوجا يُقيمان بنيانا ، و كلّهما شوق و أملٌ أن يرزقهما الله ـــ من فضله ـــ نسماتٍ طيّبة من صُلبهما ، و يدعوان الله و يتضرّعان إليه . و يسكن الرّجل إلى امرأته ابتغاء الحرث و النّسل ، و هو يقول ـــ كما علّمه نبيّه ï·؛ ـــ :« اللّهمّ جنّبنا الشّيطان و جنّب الشّيطان ما رزقتنا » . فيستجيبُ الله لهما ، فيهبُهما غُلَيِّمًا أو غُليِّمةً ، تستنير به ـــ أو بها ـــ حياتهما ، و تقِرُّ به ـــ أو بها ـــ أعينُهما . و تتلّخص كلُّ الملذّات في سماع ضحكاته أو مشاهدة دبيبه أو سقطاته . و لو بُذلَ لهم فيه من العِوَض أمثال الجبال الشّم و الشّواهق الصُّم ـــ لا قيمة النّظير أو المثل فحسب ـــ لبادروا الجواب بالنّفي ، و أتبعوه بالتّهمة و النّهي ، و رموا باذله بالخبل و اللّمم . كيف لا و هو جَنَّتهم في الدّنيا ، و بهجتهم السّامية العُليا . ألا ترى أنّ الغنيّ الذي يفتقد الولد ، يودُّ لو يستبدل مُلكَه كلَّه بولدٍ واحدٍ ، حتّى و لو لم يكن من صُلبه . و قد تجد الوالدَ عادم المال ضيّق الحال ، قصير اليد ، لكنّه قرير العين ، رضيّ البال ، حاضر البِشر و افر السّعادة به ، لا يُبدله بوِقْرِ الأودية ذهبا ، لو بُذل له فيه .
فقبلُ ، يرجُونَ أن يهَبهم الله جنينا ، ثمّ يرجونه رضيعا ، ثمّ يرجونه صبيّا ، ثمّ غلاما ... و ذاك ديدنهم في الرّجاء دائما ، لا يرونه على حال ، إلّا تمنّوا له أن يكون في أرفع منها . فإذا بلغ مبلغ الغلمان ، و صار من روّاد المدرسة ، و جُلّاب الحاجات . فتوقظه أمّه حين الفجر ـــ و قد كانت قبلُ نؤوم الضّحى من غير خادم ـــ و تُطعمه و تسقيه ، و تُلبِسه و تُدفيه ، و تُقبِّله عند الباب و تُدنيه ، ثمّ تُسلمه إلى غيابات الشّارع ، و هي كما قال الشّاعر :
و ما عن رضى كانت سُليمى بَدِيلة **** و لكـــــــــنّها للضّــــــــــرورات أحــــــكام
و تعمَد إلى أقرب نافذة إلى الشّارع ، ترفع سترها ، و تتبع ببصرِها وَلدَها ، إلى أن يُغيِّبَه عن ناظرها ، ركنٌ من الأركان أو زاوية من الزّوايا . و ليت شعري إن غاب عن ناظرها فما غاب عن فكرها . و دعواتها له بالحفظ و الصّون تلاحقه و تطارده .
ثمّ تدخل سجنها ، ذاك الذي لا تخرج منه إلا إذا سمعت خربشات قدميه ، بعتبة الباب . و تبدأ في عدّ الدّقائق و الثّواني ، لكّنها تمرُّ السّاعات و العشِيّات ، و يؤوب الغلمان إلى أحضان الحَظِيّات ، و لا أثر لخياله في الجنبات . فتطيش الأحلام و تستأسد الأوهام ، و يكثر القيل و القال ، و الأخذ و الرّد في المقال . ... كان مع فلان و رؤي مع فلان . و المسكينة تجري من دار إلى دار ، بلا جلباب و لا خمار . و تعود إلى بيتها ، و تُقبّل حذاءه و نعليه و تشمُّ ثوبه و جوربيه . و تبيت بشرّ ليلة بات بها بشر . و لا يبقى من رسمه في حيّه و مدرسته ، غير صورته مذيلة برقم أو رقمين للهاتف موشّحة بكلمة((مفقود)) بخط عريض ، على متون الجدران و الأعمدة و المساجد و المحطّات .
فإذا سمعَتْ بعدُ خشخشةً عند الباب ، ظنّت أنّ أحدَ قارِظَيْ عنزة قد آب* . و إذا رأت امرأة تُقبّل ابنها ، فكأنّ فكّ ضبُعٍ يلوكُ قلبها . و الله عزّ و جلّ يكونُ لهُ و لها .
هذا حال كثيرٍ من الأمهّات ، شاع في هذه السُّنَيَّات ، في كثير من البلدات . ألا فليتّق الله امرؤ اجترحت يداه هذا الفعل الشنيع ، و الجرم الفظيع . كَوْيُ أكباد المسلمات ، و قتلُهنّ من غير مَوات ، و سُقياهنّ السّكراتِ في الحياة .
فهذا اختفى في مستشفى ، و الآخر ذهب إلى مدرسة و لم يرجع ، و ثالث خرج إلى الزّقاق و لم يعد . و هذه سُرق منها رضيعا ، و تلك فتى ، و أخرى غلاما . يُتَخطّفون من كلّ مكان و بكلّ سبيل . و لا تشفع لهم أعمارهم و لا براءاتُهم . و الله المستعان .
أليس في قلب هذا البهيم الآدمي و الإنسان الحيواني ، رحمة ؟!! أليس فيه إيمان ؟!! أليس هذا أبا لأحد ؟!! ألم يكن يوما ابنا لأحد؟!! أيرضى أن يفعل ذلك به ، أو أنّه كان قد فُعل بأمّه ؟!! ألا يخشى الله عزّ وجلّ ؟!! ألا يعلم أنّ أمامه وفاة و رمسا ؟!! و لكنّ أمامه يوما يرجع فيه إلى الله ، يوم توفّى كلّ نفس ما كسبت و هم لا يُظلمون ؟!!
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنَّا مع رسول الله ï·؛ في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حُمّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمّرةُ فجعلت تفرِش، فجاء النَّبي صلى ï·؛ فقال: « من فجع هذه بولدها ؟ ردُّوا ولدها إليها »رواه أبو داود (2675) و النّووي في الرياض (455) و صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود
فإذا كان هذا في الحيوان البهيم ، طيرٌ من أضعف خلق الله عزّ وجلّ ، تفرش : ترفرف بجناحيها و تقترب من الأرض ، كأنما تستعطف و تستدرّ الرّحمة من القلوب على فرخيها .
و ها هي النّوق تذرف الدّمع إذا ضُرب بينها و بين ولدها ، و لربّما جَيَّفت إذا نُحرَ أمام ناظرها ، و لربّما مرّت بالمحلِّ الذي قضى فيه ، فتدور عليه و تشمّه و تبكي عليه .
كيف لا ؟!! و النبيّ ï·؛ يقول :« جعل الله الرّحمة مائة جزء ، فأمسَك عنده تسعة وتسعين ، وأنزل في الأرض جزءا واحدا ، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق ، حتى ترفع الدّابة حافرها عن ولدها ، خشية أن تصيبه » رواه مسلم عن أبي هريرة (2752) .
أفليس في قلب هذا المجرم الفاجر ، بعضٌ ممّا في قلبِ الدّابة من الرّحمة . فإذا كان الأمر قد ورد بردّ الفرخين ، فما بالك لو كانت الحُمّرة امرأة أُخذ ولدها ، كيف كان سيكون ردّ النبيّ ï·؛ .
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قُدِم رسول الله ï·؛ بسبيٍ، فإذا امرأة من السّبي تسعى، إذْ وَجدت صبيًّا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله ï·؛ :« أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟ » قلنا : لا و الله ، فقال: « الله أرحم بعباده من هذه بولدها » متفق عليه .
فانظر إلى هذه الرّحمة و تذكّر حديث النبيّ ï·؛ المسلسل بالأوّلية ، قال : « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا مَن فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَن فِي السَّمَاءِ » صحّحه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2 / 630 ) . و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ï·؛ :« قال بينا رجلٌ يمشِي ، فاشتدَّ عليه العطش ، فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج ، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي ، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي ، فسقى الكلبَ ، فشكر الله له فغفر له . قالوا يا رسول الله : وإنّ لنا في البهائم أجرا قال في كل كبد رطبة أجر »(البخاري 2234)
فيا سبحان الله بغيٌّ من بني تأخذها الرأفة على كلب !! فتُغيثه ، فتجازى عليه مغفرة و إحسانا . و المسلم يُفجع أكباد القوارير ، و قد رقّ النّبي لهن من حقحقة السير على ظهور الإبل ، فقال ï·؛ : « يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير » عند حداءه ، و تسارع الإبل لذلك (مسلم 2323). فإذا رُحموا لمثل هذا ، فما يفوقه من باب الأولى .
و قد قال الله عز وجل : ï´؟ (( لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ))ï´¾ [البقرة 233]. قال السّعدي في تفسيره : [ أي: لا يحل أن تضار الوالدة بسبب ولدها، إما أن تمنع من إرضاعه، أو لا تعطى ما يجب لها من النفقة، والكسوة أو الأجرة، ولا مولود له بولده بأن تمتنع من إرضاعه على وجه المضارة له، أو تطلب زيادة عن الواجب، ونحو ذلك من أنواع الضرر. ] (ص 88)
و جاء في تفسير ابن كثير : [ وقوله : ( لا تضار والدة بولدها ) أي : لا تدفعه عنها لتضر أباه بتربيته ، ولكن ليس لها دفعه إذا ولدته حتى تسقيه اللبأ الذي لا يعيش بدون تناوله غالبا ، ثم بعد هذا لها رفعه عنها إذا شاءت ، ولكن إن كانت مضارة لأبيه فلا يحل لها ذلك ، كما لا يحل له انتزاعه منها لمجرد الضرار لها . ولهذا قال : ( ولا مولود له بولده ) أي : بأن يريد أن ينتزع الولد منها إضرارا بها ، قاله مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والزهري ، والسدي ، والثوري ، وابن زيد ، وغيرهم .](ص 419) .
فإذا كان منعُها أو امتناعها عن أرضاع ولدها مضارّة لا يحلّ و هو عندها و تحت ناظريها . أو أن ينتزعه منها أبوه إضرارا بها . لا يَحِلّ ، و هو عند أبيه ، و أبوه حافظه و حاميه . فما بالك بأن يختطف مُهجته فحلٌ شرود ، و فاتك حقود . فلا تعلمُ أمّه أو أبوه أتُكنِّه دار ، أو يُجِنّه غار . أهو موثق في الحبس ، أم رهين الظّلمة و الرّمس . فإن كان عند أمّه و أبيه ، لا يَحِلُّ ، و سمّاه الله إضرارًا . فماذا يُسمّى هذا ؟!! و ما حكم مُجتنيه ؟!!
بل إنّ الشّريعة أمَرت بالولدِ للأمِّ عند الفراق و الطّلاق ، و ذاك هو عين الحكمة و الفطرة ، و لعدم صبر أمه عليه ، و لأنها أشفق عليه و أقرب إليه ، و لأنّ فؤادها يذوب كمدا بالبعدِ عنه . و لهذا قضى أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعاصم بن عمر ابن الخطاب لأمه أم عاصم وقال لعمر :ريحها و شمّها و لطفها خير له منك . ضّعفه الألباني في إرواء الغليل(2188) ثم ساق له طريقين آخرين ، ثمّ قال : وقد قال ابن البر كما في ( زاد المعاد ) : ( هذا حديث مشهور من وجوه منقطعة ومتصلة تلقاه أهل العلم بالقبول والعمل ) .
و عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه: أنَّ امرَأةً قالت: يا رَسولَ الله، إنَّ ابْنِي هذا كان بَطْنِي له وِعاءً، وثَدْيِي له سِقاءً، وحِجْرِي له حِواءً، وإنَّ أباهُ طَلَّقَنِي وأرادَ أَنْ يَنْتَزِعَه منِّي، فقال لها رسولُ اللهِ ï·؛ :« أنْتِ أحَقُّ به ما لم تَنْكِحِي » رواه أبو داود و حسّنه الألباني في الإرواء (2187)
و ذكر القرطبي في تفسيره الإجماع على ذلك فقال : [ قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد أن الأم أحق به ما لم تنكح . وكذا قال أبو عمر : لا أعلم خلافا بين السلف من العلماء في المرأة المطلقة إذا لم تتزوج أنها أحق بولدها من أبيه ما دام طفلا صغيرا لا يميز شيئا إذا كان عندها في حرز وكفاية ولم يثبت فيها فسق ولا تبرج ](3/164)
و كذلك منع من التّفرقة بين الأمة و ولدها في السّبي و قسمة المغانم و في البيع ، و عُدّ من بيوع الضّرار . فعن أبي عبدالرحمن الْحُبُلِيُّ قال: "كنَّا في البَحْرِ وعَلَيْنا عبدُاللهِ بن قَيْسٍ الفزاري، ومعنا أبو أيُّوبَ الأنصاريُّ، فمَرَّ بصاحبِ المَقاسِمِ وقد أقامَ السبي، فإذا امْرَأَةٌ تَبكي، فقال: ما شَأْنُ هذه؟ قالوا: فرَّقُوا بيْنها وبيْن ولَدِها، قال: فأَخَذَ بِيَدِ ولدِها حتى وضَعَه في يدِها، فانْطَلَقَ صاحِبُ المَقاسِمِ إلى عبدِاللهِ بن قيْسٍ فأخْبَرَه، فأَرْسَلَ إلى أبي أَيُّوبَ، فقال: ما حمَلَكَ على ما صَنَعْتَ؟ قال: سمعتُ رَسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: « مَن فَرَّقَ بيْن والِدَةٍ وولدِها فَرَّقَ اللهُ بيْنَه وبيْنَ الأحِبَّةِ يومَ القيامَة » رواه الترمذي و حسنه الألباني في " مشكاة المصابيح"(3361) . و قال الترمذي : " و العَمَلُ على هذا عندَ أهْلِ العِلْم مِن أصْحابِ النبيِّ ï·؛ وغيْرِهِم ، كَرِهوا التَّفْريقَ بين السَّبْي بين الوالِدَةِ ووَلدِها "
وقال ابنُ قُدامةَ : " أجْمَع أهلُ العِلم على أنَّ التفريقَ بين الأم وولدِها الطفلِ غيرُ جائز " المغني (ج 21 / ص 55) .
هذا حكم الشّريعة في الطّلاق و بيع الرّقيق . و بينه و بين التّرويع و الاختطاف ، أو الظّلم و الاعتساف ، كما بين المشرق و المغرب ، بل جاء في شريعتنا النّهي عمّا هو أهون من هذا و أحقر
فعن عَبْد اللهِ بْنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ï·؛ :« لا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ [و في رواية :عَصَا] أَخِيهِ لاعِبًا أَوْ جَادًّا ، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ ، فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ » .رواه أبو داود (5003) و الترمذي (2160) و حسّنه الألباني في صحيح الجامع (7578) . . ألا فمن أخذ فلذة كبدِ امرئ مسلم بغير وجه حقّ فليرُدّه . و لا يُروّع عنه أباه و أمّه .
و عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نـبْلٍ مَعَهُ ، فَأَخَذَهَا ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ ، فَقَالَ : مَا يُضْحِكُكُمْ ؟ ، فَقَالُوا : لا ، إلا أَنَّا أَخَذْنَا نـبْلَ هَذَا فَفَزِعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا » . رواه أحمد و اللّفظ له (5/362) و أبو داود (4351) و صحّحه الألباني في صحيح الجامع (7658)
فإذا كان هذا هو الشّأن مع آخِذ العصا أو النّبل مازحا ، و أنّه لا يحلّ جِدّا و لا هزلا . فما هو الشأن في فاجعِ الأكباد و ظالمِ الأسياد ، خاطف البنين و البنات ، و سارقِ السّرور و الملذّات .
... هذا و قد أصبح الحال مخوفا ، لا يأمن المرء على نفسه و ولده ، من أيادي الشّر و أجنحة المكر ، فهذا اختطف للفدية و المال ، و هذا للاغتصاب و النّكال ، و ذاك لداء الحسد الأكّال ، و الرابع للشعوذة و السّحر و الأهوال ، و آخَر نكاية في أمّه و أبيه و الآل ، و سادسهم بقروا بطنه في الحال ، و أخذوا كلّ شيء إلا الطّحال . و الله المستعان و هو شديد المِحال . فروّعوا الآمنين و أقلقوا المؤمنين ، و ركبت النّاس الوساوس و الظنّون . و لسان الحال ينطق و يقول : فإذا خرج بؤبؤ العين و شغف الفؤاد و فلذة الكبد ... هل سيعود ؟!!و ربّما أضرّ الفقد و الافتقاد ، ضررًا لا يُرجى البرء منه ، بل ربّما لحق الفاقد بالمفقود ، و إن كان الثّكلُ أليما ، فإن عَدَم معرفة المفقود ، أحيٌّ فيرتجى ، أم مَيتٌ فيُيأس منه ، آلمُ وأشدُّ . و لا يُعرف له جدثٌ فيُزار ، و لا جسدٌ في وِجار .
و هذا بكر بن حماد التّاهرتي المحدّث * (200 /296 هـ) قتل ابنه بكر أمامه و هو ينظر في عام 295 هـ ، فأكله الكمد عاما كاملا و مزّق أحشاءه ثم توفي ـــ رحمه الله ـــ و قد رثاه بقصيدة تُعدُّ من عيون الشّعر ، منها :
بكيت على الأحبة إذ تولوا ... و لو أني هلكت بكوا عليَّا
فيا نسلي بقاؤك كان ذخرا ... وفقدك قد كوى الأكباد كيَّا
كفى حزنا بأنني منك خلو ... و أنك ميت وبقيت حيَّا
دعوتك بابنيَّ فلم تجبـني ... فكانت دعوتي يأسًا عليَّا
ولم أكُ آيسًا فيئست لمَّـا ... رميت الترب فوقك من يديَّا
فليت الخلق إذ خلقوا أطالوا ... و ليتك لم تكُ يا بكر شيَّا
تسرُّ بأشـــهرٍ تمــــر سراعًـا ... و تطـــوي في لياليـــهنّ طـــيَّا
فلا تفرح بدنيا ليس تبقـى ... و لا تأسف عليها يا بنيَّا
فقد قطع البقاء غروب شمس ... و مطلعها عليَّ يا أخيَّا
وليـــس الهـــم يجلـــوه نهــــار ... تـــدور له الفـــراقـــد و الثـــريَّا
فإليك يا هذا الرّجل الغادر الجبان ، المختطف للفلذات و الصّبيان ، أقول ، تذكّر ضجعتك في قبرك ، و لا مؤنس إلّا عملك . تذكّر جوازك على الصّراط . تذكّر بأيّ يديك ستأخذ كتابك . تذكّر أنّ جريمتك ستكون في كتابك . تذكّر أن كلّ كبدٍ قد اكتوت بفعالك ستتعلقّ بك وتقول : ياربّ سل هذا فيما أحرق كبدي . تذكّر وقوفك بين يدي خالقك ، و بأي وجه ستقابله . الله الله في نفسك ، تداركها السّاعة و باب التّوبة مفتوح ، و موجبات العفو و المغفرة تبدو و تلوح .
و اللهَ تعالى أسأل أن يُفرّج كربَ كلّ كبدٍ حرّى شوقا لعَوْدِ المفقود ، و أن يُسلّيَ كلّ نفسٍ فُجعت بفعلةِ غادر لئيم ، و فَجْرَتِ سادرٍ سقيم .
الحمد لله الذي حرّم الظّلم على نفسه ، و جعله بين عباده محرّما و قال : « فلا تظالموا » . و صلّى الله و سلّم على نبيّنا محمد ï·؛ القائل : « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه » . و على آله و صحابته الكرام الطّيّبين ، و التّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين .
و بعد :
... إنّ المرء منذ أن يَطِرّ شاربه ، و يشبّ عن الطّوق ، و هو يضرب في الأرض طولا عرضا ، يبتغي من فضل الله ، ما يؤسّس به بيتا و يُقيم به أسرة . فيتزوّج ما شاء الله له أن يتزوّج ، و يصيران زوجا يُقيمان بنيانا ، و كلّهما شوق و أملٌ أن يرزقهما الله ـــ من فضله ـــ نسماتٍ طيّبة من صُلبهما ، و يدعوان الله و يتضرّعان إليه . و يسكن الرّجل إلى امرأته ابتغاء الحرث و النّسل ، و هو يقول ـــ كما علّمه نبيّه ï·؛ ـــ :« اللّهمّ جنّبنا الشّيطان و جنّب الشّيطان ما رزقتنا » . فيستجيبُ الله لهما ، فيهبُهما غُلَيِّمًا أو غُليِّمةً ، تستنير به ـــ أو بها ـــ حياتهما ، و تقِرُّ به ـــ أو بها ـــ أعينُهما . و تتلّخص كلُّ الملذّات في سماع ضحكاته أو مشاهدة دبيبه أو سقطاته . و لو بُذلَ لهم فيه من العِوَض أمثال الجبال الشّم و الشّواهق الصُّم ـــ لا قيمة النّظير أو المثل فحسب ـــ لبادروا الجواب بالنّفي ، و أتبعوه بالتّهمة و النّهي ، و رموا باذله بالخبل و اللّمم . كيف لا و هو جَنَّتهم في الدّنيا ، و بهجتهم السّامية العُليا . ألا ترى أنّ الغنيّ الذي يفتقد الولد ، يودُّ لو يستبدل مُلكَه كلَّه بولدٍ واحدٍ ، حتّى و لو لم يكن من صُلبه . و قد تجد الوالدَ عادم المال ضيّق الحال ، قصير اليد ، لكنّه قرير العين ، رضيّ البال ، حاضر البِشر و افر السّعادة به ، لا يُبدله بوِقْرِ الأودية ذهبا ، لو بُذل له فيه .
فقبلُ ، يرجُونَ أن يهَبهم الله جنينا ، ثمّ يرجونه رضيعا ، ثمّ يرجونه صبيّا ، ثمّ غلاما ... و ذاك ديدنهم في الرّجاء دائما ، لا يرونه على حال ، إلّا تمنّوا له أن يكون في أرفع منها . فإذا بلغ مبلغ الغلمان ، و صار من روّاد المدرسة ، و جُلّاب الحاجات . فتوقظه أمّه حين الفجر ـــ و قد كانت قبلُ نؤوم الضّحى من غير خادم ـــ و تُطعمه و تسقيه ، و تُلبِسه و تُدفيه ، و تُقبِّله عند الباب و تُدنيه ، ثمّ تُسلمه إلى غيابات الشّارع ، و هي كما قال الشّاعر :
و ما عن رضى كانت سُليمى بَدِيلة **** و لكـــــــــنّها للضّــــــــــرورات أحــــــكام
و تعمَد إلى أقرب نافذة إلى الشّارع ، ترفع سترها ، و تتبع ببصرِها وَلدَها ، إلى أن يُغيِّبَه عن ناظرها ، ركنٌ من الأركان أو زاوية من الزّوايا . و ليت شعري إن غاب عن ناظرها فما غاب عن فكرها . و دعواتها له بالحفظ و الصّون تلاحقه و تطارده .
ثمّ تدخل سجنها ، ذاك الذي لا تخرج منه إلا إذا سمعت خربشات قدميه ، بعتبة الباب . و تبدأ في عدّ الدّقائق و الثّواني ، لكّنها تمرُّ السّاعات و العشِيّات ، و يؤوب الغلمان إلى أحضان الحَظِيّات ، و لا أثر لخياله في الجنبات . فتطيش الأحلام و تستأسد الأوهام ، و يكثر القيل و القال ، و الأخذ و الرّد في المقال . ... كان مع فلان و رؤي مع فلان . و المسكينة تجري من دار إلى دار ، بلا جلباب و لا خمار . و تعود إلى بيتها ، و تُقبّل حذاءه و نعليه و تشمُّ ثوبه و جوربيه . و تبيت بشرّ ليلة بات بها بشر . و لا يبقى من رسمه في حيّه و مدرسته ، غير صورته مذيلة برقم أو رقمين للهاتف موشّحة بكلمة((مفقود)) بخط عريض ، على متون الجدران و الأعمدة و المساجد و المحطّات .
فإذا سمعَتْ بعدُ خشخشةً عند الباب ، ظنّت أنّ أحدَ قارِظَيْ عنزة قد آب* . و إذا رأت امرأة تُقبّل ابنها ، فكأنّ فكّ ضبُعٍ يلوكُ قلبها . و الله عزّ و جلّ يكونُ لهُ و لها .
هذا حال كثيرٍ من الأمهّات ، شاع في هذه السُّنَيَّات ، في كثير من البلدات . ألا فليتّق الله امرؤ اجترحت يداه هذا الفعل الشنيع ، و الجرم الفظيع . كَوْيُ أكباد المسلمات ، و قتلُهنّ من غير مَوات ، و سُقياهنّ السّكراتِ في الحياة .
فهذا اختفى في مستشفى ، و الآخر ذهب إلى مدرسة و لم يرجع ، و ثالث خرج إلى الزّقاق و لم يعد . و هذه سُرق منها رضيعا ، و تلك فتى ، و أخرى غلاما . يُتَخطّفون من كلّ مكان و بكلّ سبيل . و لا تشفع لهم أعمارهم و لا براءاتُهم . و الله المستعان .
أليس في قلب هذا البهيم الآدمي و الإنسان الحيواني ، رحمة ؟!! أليس فيه إيمان ؟!! أليس هذا أبا لأحد ؟!! ألم يكن يوما ابنا لأحد؟!! أيرضى أن يفعل ذلك به ، أو أنّه كان قد فُعل بأمّه ؟!! ألا يخشى الله عزّ وجلّ ؟!! ألا يعلم أنّ أمامه وفاة و رمسا ؟!! و لكنّ أمامه يوما يرجع فيه إلى الله ، يوم توفّى كلّ نفس ما كسبت و هم لا يُظلمون ؟!!
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنَّا مع رسول الله ï·؛ في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حُمّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمّرةُ فجعلت تفرِش، فجاء النَّبي صلى ï·؛ فقال: « من فجع هذه بولدها ؟ ردُّوا ولدها إليها »رواه أبو داود (2675) و النّووي في الرياض (455) و صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود
فإذا كان هذا في الحيوان البهيم ، طيرٌ من أضعف خلق الله عزّ وجلّ ، تفرش : ترفرف بجناحيها و تقترب من الأرض ، كأنما تستعطف و تستدرّ الرّحمة من القلوب على فرخيها .
و ها هي النّوق تذرف الدّمع إذا ضُرب بينها و بين ولدها ، و لربّما جَيَّفت إذا نُحرَ أمام ناظرها ، و لربّما مرّت بالمحلِّ الذي قضى فيه ، فتدور عليه و تشمّه و تبكي عليه .
كيف لا ؟!! و النبيّ ï·؛ يقول :« جعل الله الرّحمة مائة جزء ، فأمسَك عنده تسعة وتسعين ، وأنزل في الأرض جزءا واحدا ، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق ، حتى ترفع الدّابة حافرها عن ولدها ، خشية أن تصيبه » رواه مسلم عن أبي هريرة (2752) .
أفليس في قلب هذا المجرم الفاجر ، بعضٌ ممّا في قلبِ الدّابة من الرّحمة . فإذا كان الأمر قد ورد بردّ الفرخين ، فما بالك لو كانت الحُمّرة امرأة أُخذ ولدها ، كيف كان سيكون ردّ النبيّ ï·؛ .
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قُدِم رسول الله ï·؛ بسبيٍ، فإذا امرأة من السّبي تسعى، إذْ وَجدت صبيًّا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله ï·؛ :« أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟ » قلنا : لا و الله ، فقال: « الله أرحم بعباده من هذه بولدها » متفق عليه .
فانظر إلى هذه الرّحمة و تذكّر حديث النبيّ ï·؛ المسلسل بالأوّلية ، قال : « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا مَن فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَن فِي السَّمَاءِ » صحّحه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2 / 630 ) . و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ï·؛ :« قال بينا رجلٌ يمشِي ، فاشتدَّ عليه العطش ، فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج ، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي ، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي ، فسقى الكلبَ ، فشكر الله له فغفر له . قالوا يا رسول الله : وإنّ لنا في البهائم أجرا قال في كل كبد رطبة أجر »(البخاري 2234)
فيا سبحان الله بغيٌّ من بني تأخذها الرأفة على كلب !! فتُغيثه ، فتجازى عليه مغفرة و إحسانا . و المسلم يُفجع أكباد القوارير ، و قد رقّ النّبي لهن من حقحقة السير على ظهور الإبل ، فقال ï·؛ : « يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير » عند حداءه ، و تسارع الإبل لذلك (مسلم 2323). فإذا رُحموا لمثل هذا ، فما يفوقه من باب الأولى .
و قد قال الله عز وجل : ï´؟ (( لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ))ï´¾ [البقرة 233]. قال السّعدي في تفسيره : [ أي: لا يحل أن تضار الوالدة بسبب ولدها، إما أن تمنع من إرضاعه، أو لا تعطى ما يجب لها من النفقة، والكسوة أو الأجرة، ولا مولود له بولده بأن تمتنع من إرضاعه على وجه المضارة له، أو تطلب زيادة عن الواجب، ونحو ذلك من أنواع الضرر. ] (ص 88)
و جاء في تفسير ابن كثير : [ وقوله : ( لا تضار والدة بولدها ) أي : لا تدفعه عنها لتضر أباه بتربيته ، ولكن ليس لها دفعه إذا ولدته حتى تسقيه اللبأ الذي لا يعيش بدون تناوله غالبا ، ثم بعد هذا لها رفعه عنها إذا شاءت ، ولكن إن كانت مضارة لأبيه فلا يحل لها ذلك ، كما لا يحل له انتزاعه منها لمجرد الضرار لها . ولهذا قال : ( ولا مولود له بولده ) أي : بأن يريد أن ينتزع الولد منها إضرارا بها ، قاله مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والزهري ، والسدي ، والثوري ، وابن زيد ، وغيرهم .](ص 419) .
فإذا كان منعُها أو امتناعها عن أرضاع ولدها مضارّة لا يحلّ و هو عندها و تحت ناظريها . أو أن ينتزعه منها أبوه إضرارا بها . لا يَحِلّ ، و هو عند أبيه ، و أبوه حافظه و حاميه . فما بالك بأن يختطف مُهجته فحلٌ شرود ، و فاتك حقود . فلا تعلمُ أمّه أو أبوه أتُكنِّه دار ، أو يُجِنّه غار . أهو موثق في الحبس ، أم رهين الظّلمة و الرّمس . فإن كان عند أمّه و أبيه ، لا يَحِلُّ ، و سمّاه الله إضرارًا . فماذا يُسمّى هذا ؟!! و ما حكم مُجتنيه ؟!!
بل إنّ الشّريعة أمَرت بالولدِ للأمِّ عند الفراق و الطّلاق ، و ذاك هو عين الحكمة و الفطرة ، و لعدم صبر أمه عليه ، و لأنها أشفق عليه و أقرب إليه ، و لأنّ فؤادها يذوب كمدا بالبعدِ عنه . و لهذا قضى أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعاصم بن عمر ابن الخطاب لأمه أم عاصم وقال لعمر :ريحها و شمّها و لطفها خير له منك . ضّعفه الألباني في إرواء الغليل(2188) ثم ساق له طريقين آخرين ، ثمّ قال : وقد قال ابن البر كما في ( زاد المعاد ) : ( هذا حديث مشهور من وجوه منقطعة ومتصلة تلقاه أهل العلم بالقبول والعمل ) .
و عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه: أنَّ امرَأةً قالت: يا رَسولَ الله، إنَّ ابْنِي هذا كان بَطْنِي له وِعاءً، وثَدْيِي له سِقاءً، وحِجْرِي له حِواءً، وإنَّ أباهُ طَلَّقَنِي وأرادَ أَنْ يَنْتَزِعَه منِّي، فقال لها رسولُ اللهِ ï·؛ :« أنْتِ أحَقُّ به ما لم تَنْكِحِي » رواه أبو داود و حسّنه الألباني في الإرواء (2187)
و ذكر القرطبي في تفسيره الإجماع على ذلك فقال : [ قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد أن الأم أحق به ما لم تنكح . وكذا قال أبو عمر : لا أعلم خلافا بين السلف من العلماء في المرأة المطلقة إذا لم تتزوج أنها أحق بولدها من أبيه ما دام طفلا صغيرا لا يميز شيئا إذا كان عندها في حرز وكفاية ولم يثبت فيها فسق ولا تبرج ](3/164)
و كذلك منع من التّفرقة بين الأمة و ولدها في السّبي و قسمة المغانم و في البيع ، و عُدّ من بيوع الضّرار . فعن أبي عبدالرحمن الْحُبُلِيُّ قال: "كنَّا في البَحْرِ وعَلَيْنا عبدُاللهِ بن قَيْسٍ الفزاري، ومعنا أبو أيُّوبَ الأنصاريُّ، فمَرَّ بصاحبِ المَقاسِمِ وقد أقامَ السبي، فإذا امْرَأَةٌ تَبكي، فقال: ما شَأْنُ هذه؟ قالوا: فرَّقُوا بيْنها وبيْن ولَدِها، قال: فأَخَذَ بِيَدِ ولدِها حتى وضَعَه في يدِها، فانْطَلَقَ صاحِبُ المَقاسِمِ إلى عبدِاللهِ بن قيْسٍ فأخْبَرَه، فأَرْسَلَ إلى أبي أَيُّوبَ، فقال: ما حمَلَكَ على ما صَنَعْتَ؟ قال: سمعتُ رَسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: « مَن فَرَّقَ بيْن والِدَةٍ وولدِها فَرَّقَ اللهُ بيْنَه وبيْنَ الأحِبَّةِ يومَ القيامَة » رواه الترمذي و حسنه الألباني في " مشكاة المصابيح"(3361) . و قال الترمذي : " و العَمَلُ على هذا عندَ أهْلِ العِلْم مِن أصْحابِ النبيِّ ï·؛ وغيْرِهِم ، كَرِهوا التَّفْريقَ بين السَّبْي بين الوالِدَةِ ووَلدِها "
وقال ابنُ قُدامةَ : " أجْمَع أهلُ العِلم على أنَّ التفريقَ بين الأم وولدِها الطفلِ غيرُ جائز " المغني (ج 21 / ص 55) .
هذا حكم الشّريعة في الطّلاق و بيع الرّقيق . و بينه و بين التّرويع و الاختطاف ، أو الظّلم و الاعتساف ، كما بين المشرق و المغرب ، بل جاء في شريعتنا النّهي عمّا هو أهون من هذا و أحقر
فعن عَبْد اللهِ بْنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ï·؛ :« لا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ [و في رواية :عَصَا] أَخِيهِ لاعِبًا أَوْ جَادًّا ، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ ، فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ » .رواه أبو داود (5003) و الترمذي (2160) و حسّنه الألباني في صحيح الجامع (7578) . . ألا فمن أخذ فلذة كبدِ امرئ مسلم بغير وجه حقّ فليرُدّه . و لا يُروّع عنه أباه و أمّه .
و عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نـبْلٍ مَعَهُ ، فَأَخَذَهَا ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ ، فَقَالَ : مَا يُضْحِكُكُمْ ؟ ، فَقَالُوا : لا ، إلا أَنَّا أَخَذْنَا نـبْلَ هَذَا فَفَزِعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا » . رواه أحمد و اللّفظ له (5/362) و أبو داود (4351) و صحّحه الألباني في صحيح الجامع (7658)
فإذا كان هذا هو الشّأن مع آخِذ العصا أو النّبل مازحا ، و أنّه لا يحلّ جِدّا و لا هزلا . فما هو الشأن في فاجعِ الأكباد و ظالمِ الأسياد ، خاطف البنين و البنات ، و سارقِ السّرور و الملذّات .
... هذا و قد أصبح الحال مخوفا ، لا يأمن المرء على نفسه و ولده ، من أيادي الشّر و أجنحة المكر ، فهذا اختطف للفدية و المال ، و هذا للاغتصاب و النّكال ، و ذاك لداء الحسد الأكّال ، و الرابع للشعوذة و السّحر و الأهوال ، و آخَر نكاية في أمّه و أبيه و الآل ، و سادسهم بقروا بطنه في الحال ، و أخذوا كلّ شيء إلا الطّحال . و الله المستعان و هو شديد المِحال . فروّعوا الآمنين و أقلقوا المؤمنين ، و ركبت النّاس الوساوس و الظنّون . و لسان الحال ينطق و يقول : فإذا خرج بؤبؤ العين و شغف الفؤاد و فلذة الكبد ... هل سيعود ؟!!و ربّما أضرّ الفقد و الافتقاد ، ضررًا لا يُرجى البرء منه ، بل ربّما لحق الفاقد بالمفقود ، و إن كان الثّكلُ أليما ، فإن عَدَم معرفة المفقود ، أحيٌّ فيرتجى ، أم مَيتٌ فيُيأس منه ، آلمُ وأشدُّ . و لا يُعرف له جدثٌ فيُزار ، و لا جسدٌ في وِجار .
و هذا بكر بن حماد التّاهرتي المحدّث * (200 /296 هـ) قتل ابنه بكر أمامه و هو ينظر في عام 295 هـ ، فأكله الكمد عاما كاملا و مزّق أحشاءه ثم توفي ـــ رحمه الله ـــ و قد رثاه بقصيدة تُعدُّ من عيون الشّعر ، منها :
بكيت على الأحبة إذ تولوا ... و لو أني هلكت بكوا عليَّا
فيا نسلي بقاؤك كان ذخرا ... وفقدك قد كوى الأكباد كيَّا
كفى حزنا بأنني منك خلو ... و أنك ميت وبقيت حيَّا
دعوتك بابنيَّ فلم تجبـني ... فكانت دعوتي يأسًا عليَّا
ولم أكُ آيسًا فيئست لمَّـا ... رميت الترب فوقك من يديَّا
فليت الخلق إذ خلقوا أطالوا ... و ليتك لم تكُ يا بكر شيَّا
تسرُّ بأشـــهرٍ تمــــر سراعًـا ... و تطـــوي في لياليـــهنّ طـــيَّا
فلا تفرح بدنيا ليس تبقـى ... و لا تأسف عليها يا بنيَّا
فقد قطع البقاء غروب شمس ... و مطلعها عليَّ يا أخيَّا
وليـــس الهـــم يجلـــوه نهــــار ... تـــدور له الفـــراقـــد و الثـــريَّا
فإليك يا هذا الرّجل الغادر الجبان ، المختطف للفلذات و الصّبيان ، أقول ، تذكّر ضجعتك في قبرك ، و لا مؤنس إلّا عملك . تذكّر جوازك على الصّراط . تذكّر بأيّ يديك ستأخذ كتابك . تذكّر أنّ جريمتك ستكون في كتابك . تذكّر أن كلّ كبدٍ قد اكتوت بفعالك ستتعلقّ بك وتقول : ياربّ سل هذا فيما أحرق كبدي . تذكّر وقوفك بين يدي خالقك ، و بأي وجه ستقابله . الله الله في نفسك ، تداركها السّاعة و باب التّوبة مفتوح ، و موجبات العفو و المغفرة تبدو و تلوح .
و اللهَ تعالى أسأل أن يُفرّج كربَ كلّ كبدٍ حرّى شوقا لعَوْدِ المفقود ، و أن يُسلّيَ كلّ نفسٍ فُجعت بفعلةِ غادر لئيم ، و فَجْرَتِ سادرٍ سقيم .
موضوع حساس ويا ليتك لم تطريحه..... لكثرة ما تاثرت بقصص الخطف والاختفاء لم اعد انام الليل خوفا على فلذات كبدي بل اصبح لدي وسواس حتى صرت اتخيل الموقف وافيق منه وانا اضم ابنائي وابكي... لماذا قست قلوب الناس هكدا لما? لم اعد اتصفح الاخبار فقط خوفا من هاته الاخبار المؤلمة جدا وكلما رايت اما تبكي مفقودها ابكي ضعف بكائها... اللعنة عليهم المجرمين وحسبنا الله ونعم الوكيل....
ثمّ تدخل سجنها ، ذاك الذي لا تخرج منه إلا إذا سمعت خربشات قدميه ، بعتبة الباب . و تبدأ في عدّ الدّقائق و الثّواني ، لكّنها تمرُّ السّاعات و العشِيّات ، و يؤوب الغلمان إلى أحضان الحَظِيّات ، و لا أثر لخياله في الجنبات . فتطيش الأحلام و تستأسد الأوهام ، و يكثر القيل و القال ،
أجل هو كما وصفته فلو أن كل أب يأخذ ابنه ويرجعه
أو يوكل المهمة الى امه لوكان غائبا
فماذا لو اخذته امه وأحضرته
من الاسوأ أن تخرج المرأة ست مرات في اليوم ذهابا وإيابا
أو يختفي ولدك ولا تراه ما حييت
إن الرجال لا تقرأ العقائب حتى يفوت الاوان ويقولون يا ليت
اتقو الله في أولادكم ورافقوهم الى مدارسهم ،فنحن في زمن صعب حتى لو وصيت ابنك آلاف المرات
يبقى صغير وأي شيء حلو يستميله ،لعبة بسمة تأخذه الى قاتله
لذا الحذر.... الحذر
هذا تعقيبي على الموضوع
بارك الله فيك على الموضوع الزاخر
ولو عندي ملاحظة صغيرة اتمنى ان تأخذيها بصدر رحب : الموضوع غني جدا بالشواهد لكنك جعلته طويل ...
تعاني الأسر الجزائرية، منذ عدة سنوات، كابوسا اسمه اختطاف الأطفال، حالات من الرعب نتيجة سلسلة حالات الاختطافات التي طالت فلذات أكبادهم. هذه الظاهرة التي طالما اعتبرناها غريبة ودخيلة على مجتمعنا عادت بقوة إلى واجهة الجرائم واكتسحت الشارع الجزائري مؤخرا، أصبحنا نسمعها ونتعايش مع وقائعها عبر مختلف الوسائل الإعلامية ومع التقارير الأمنية التي ركزت مؤخرا على ظاهرة الاختطاف.
د الجزائر الأولى عربيا في اختطاف الأطفال بنحو 1346 حالة حسب إحصائيات منظمة اليونسكو، حيث تم الكشف عن أكثر من 220 محاولة إختطاف تسجل سنويا في الجزائر.
كما تم إحصاء ما يفوق 15 حالة إختطاف شهريا لأطفال تتراوح أعمارهم من سنتين إلى 10 أعوام، فيما تم تسجيل أكثر من 500 طفل مختطف بين 2010 و2012، وما يناهز حوالي 195 حالة سنة 2015 وحدها.
أرقام مخيفة تبين مدى تفاقم الظاهرة، وتطرح التساؤلات حول الجهات التي تقف وراء هذه الجريمة الشنعاء، والأسباب التي دعتها لذلك.
من يقف وراء الإختطاف، ولماذا؟
من بين أسباب إختطاف الأطفال تعد التصفيات الشخصية بين الأولياء غالبا أهمها، وقد سجلت في هذا السياق حالات كثيرة منها حالة الطفل ياريشان أمين ذو الثمان سنوات والذي وقع بين أيدي أحد شركاء والده كضحية لصفقة مراهنة، حيث طلب الخاطف فدية مالية لتسوية الوضعية العالقة بينهما، لكن لحسن حظه تم تحريره قبل أن يلحقه أي أذى، بينما لم تسلم الطفلة يوسفي شيماء من بطش صديق قديم لوالدها، هذا الأخير الذي ابتعد عن تجارة المخدرات منذ مدة طويلة، إلا أن حسابا قديما لاحقه وأودى بحياة ابنته.
لكن الحالة الأغرب والأشد همجية تلك التي ارتكبها أب في حق فلذة كبده الطفل (أنس عبد الرحيم) ذو العامين وذلك انتقاما من طليقته، بعدما أُكتشفت جثته منهوشة ومقطوعة الأرجل في صورة بشعة تمثل ذروة هرم الإجرام.
لقد شهدت ظاهرة اختطاف الأطفال بالجزائر تناميا مخيفا في السنوات الأخيرة، أدت إلى انتشار حالة من الرعب والخوف الشديد في مختلف شرائح المجتمع، ولم تتوقف عند هذا الحد بل تجاوزته إلى حالة استنفار قصوى للمصالح الأمنية بغية مواجهة هذه الظاهرة وتداعياتها التي دائما ما ترتبط بغليان شعبي مطالبا بضرورة التصدي لها وتقديم المجربين المتسببين فيها إلى العدالة وضرورة القصاص منهم.
حيث أرجع العدد من المختصين من النفسانيين وغيرهم أن سبب الاختطاف يعود بالأساس إلى أسباب مادية، وأخرى انتقامية من الأبناء. كما يندرج تحتها أيضا ظاهرة المتاجرة بالأعضاء البشرية لأغراض طبية والشعوذة… حيث سبق لوزير العدل، حافظ الأختام الطيب لوح، أن شدّد على كون عدد حالات الاختطاف التي طالت الأطفال القصر بلغت السنة المنصرمة 15 حالة متبوعة بالقتل العمدي أو الاعتداء الجنسي أو طلب فدية، خلافا لمراجع غير رسمية تحدثت عن أزيد من 200 حالة اختطاف للأطفال في 2015. ودعا الوزير قبل فترة إلى “تفادي التهويل الإعلامي” على حد قوله، ودعا إلى “تناول ظاهرة اختطاف الأطفال بموضوعية” (..)، مذكرا بأنّه “في الكثير من الأحيان يتم نشر أرقام عن حالات اختطاف، يتضح بعد التحقيقات أنها تتعلق باختفاء طوعي للأطفال لأسباب عائلية أو مدرسية أو حوادث ينعدم فيها الطابع الجنائي”.
أصبح موضوع اختطاف الأطفال في بلادنا شبحا مرعبا اكتوت بناره العديد من العائلات ، الأمر الذي يتطلب منّا جميعا الوقوف وقفة واحدة في وجه هذه الآفة الخطيرة التي باتت تهدّد كلّ طفل وكلّ أسرة .. ( كمثال على ما أقول فإنّ قضيّة اختطاف الطفل ربيع والتمثيل به وكأنّه مجرم حرب .. صارت حديث الشارع في مدينة منزل بورقيبة .. والجميع ينتظر نتائج التحريّات الأمنيّة وما ستسفر عنه .. والحكم الذي سيصدر ضدّ المجرم أو المجرمين المسؤولين عن الحادثة )
تساؤلات عديدة يطرحها الرّأي العامّ ..تنتظر أجوبة مقنعة .
فلمصلحة من يعمل هؤلاء الخاطفون ؟؟؟
وما هي حقيقة دوافعهم لاقتراف تلك الجرائم ؟؟؟
ـ وأين دور الأمن في حفظ الأمن ثمّ في ردع المجرمين ..؟؟؟
الخيارات المطروحة الآن لتحديد دوافع خطف الأطفال هي التالية :
1 ـ شذوذ جنسي
2 ـ التجارة بالأعضاء
3 ـ المطالبة بالفدية
4 ـ بدافع الإنتقام
هذه هي أبرز الدّوافع وأترك لكم إقتراح بقيّة الأسباب والحلول لهذه الآفة الخطيرة .والتي لا يعلم تداعياتها وعواقبها إلا الله تعالى .
نسأل الله سبحانه وتعالى السّلامة والعفو والعافية والأمن والأمان لكافة أبناء هذا الوطن العزيز .
السلام عليكم
أختي وسام اعتذر على ما سأقول
أنا سبق وقلت ان مواضيع التحويسة تكون حصرية منكم وغير منقولة ولكنني وجدت أنك نقلت الموضوع وهذا رابط الموضوع الأصلي
ومنقول حرفيا https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2072580
أرجوا منك إعادة كتابة موضوع آخر يكون حصري منك وبقلمك لتقبل مشاركتك في التحويسة لاننا سوف نختمها قريبا من فصلك غيري الموضوع واكون شاكرة