- إنضم
- 24 ديسمبر 2016
- المشاركات
- 5,056
- نقاط التفاعل
- 15,515
- النقاط
- 2,256
- العمر
- 39
- محل الإقامة
- فرنسا الجزائر وطني
الحلقة الرابعة من قصة
☆ كلش بالمكتوب☆
حضنت جميلة محمد وقبلته وبكت بكاءا شديدا عندما سمعت أنه كاد أن يموت لولا أن ستَر الله ،وبعث له عمته في الوقت المناسب ،التفتت الى أحلام وكانت دماؤها تقطر على الارض من يديها وهي في حالة ذهول .
جميلة :"كثر خيرك خويتي أحلام رجعتيلي وليدي ،يامّا على وليدي ڤريب ما زدتش شفتو ،وانتي راكي مضرورة ميمة وريلي نشوف الجراح ... "
لم تنطق أحلام بكلمة وذهبت الى الحمام غسلت يديها وصعدت الى غرفتها .
نعيمة :" واش صرا وليدي السعيد ختك واش بيها ؟"
السعيد :" ما تتقلقيش مّا خُلعت برك من البير ،راها ڤريب طاحت مع محمد ساهلة هاذي؟"
نعيمة :" ومنهو اللي جبد أحلام ومحمد ؟ نتا ولا مراد ؟"
السعيد :" خلينا مُيمتي نريحو ڤبل ونروح نداويلها يديها ... هذاك هو يجي بوي ومراد ونتعشاو ونحكيلك ....جميلة مدي مريم لمّا وبدلي لمحمد و عشيه هو الاول ضرك راه ميت بالجوع كعبولي الصغير ،ما نزيدش نغفل عليك "
يصعد السعيد لأحلام فيجدها متكورة على سريرها حتى أنها لم تقفل باب غرفتها على غير عادتها يدق الباب ببطء ويدخل...
السعيد :" أحلام الصغيرة المازوزية نتاعنا ،جيت نڤلك يعطيك الصحة كي لڤيتيلي وليدي ،شفتي أنا أب مهمل وماماه ثاني لْتات بمريم بزاف ونساتو..... أحلام !!...أحلام !"
لم ترد أحلام على أخيها ، استغرب السعيد واقترب منها فوجد دموعها تملأ مخدتها ودماؤها تملأ شرشف السرير .
كان السعيد الإبن البكر لسي الصالح ونعيمة تربى في بيت جده مع أعمامه الخمسة كان الجميع يحبه ،وكان أقرب واحد الى جدته مريم تحبه وتحن عليه ربته على الحنان والدفء لم ينقصه دفءٌ معها حتى أنه كان ينام عندها ولا ينام عند أمه،
وعندما أنجبت أمه آخر العنقود كان عمره سبعة عشر سنة وكانت أمه تعتني بالمزرعة برفقة والده، في حين هو وأخته الكبرى يعتنيان بالبيت، أخته تعتني بالمطبخ والبيت، أما هو فتُوكَل اليه دائما مهمة الاعتناء بأحلام الصغيرة ،يحملها ويطعمها ويحمّمها ويمشط شعرها كانت دميته المحببة .
كبر وتولى أمور البستان ... لم تتركه وصارت تلازمه دوما في أوقات فراغها تسامره وتبهجه بحكاياتها وضحكاتها ،وشجاراتها البريئة مع ابنه محمد .
السعيد طويل القامة أسمر السحنة له ذقن كأبيه ولحية خفيفة كان قد بدأ الشيب يلعب بخصلات شعره و لحيته أيضا ،لطالما تهكمت عليه جميلة قائلة أنه صار شيخا في الأربعين من عمره.
قلبه كان واسعا وكبيرا يتسع العائلة بأكملها يعتمد عليه سي الصالح في حل كل الأمور العالقة.
....
عندما رأى منظر أخته فوق السرير سارع اليها وعانقها وقبّلها وأخذ يواسيها :" ما تديريش على مراد راكي عارفاتيه يهدر بيديه ميش بفمو ،من بعد يجي ونبهدلو على الكف اللي عطاهالك ما يحشمش... "
ثم أسرع الى الحمام و أحضر عدة الاسعافات الأولية وأخذ يضمد جراحها وهي تنظر الى أخيها ودموعها لم تتوقف ،كانت تريد أن توقف دموعها من أجله فهو عزيز على قلبها كثيرا، لكن ما رأته من حنان السّعيد زاد الدموع زخا كالمطر حينها نظر اليها السعيد وهو ينسف على جراحها...
السعيد :" حرڤك المطهر ،اصبري ضرك يحبس نديرلك الشاش ويحبس الدم ،أصبري ...أفففف"
عندئذ إنفجرت بالبكاء وعانقته عناقا شديدا
السعيد :" خنڤتيني... آوْ تحسبي روحك مزلتي صغيرة نقدرلك كي بكري راكي كبرتي ياو ،رايحة تكتليني " إبتسمت أحلام إبتسامة عريضة وهي تمسح دموعها ،كان الوحيد القادر على سرقة ابتسامة من أخته وهي غاضبة .
السعيد :" هكذا نحبك اسّرحي يعطيك عام ربح ، ريحي شويه وارڤدي لا جاك النوم "
نزل السعيد ليجد الجميع مجتمعين في غرفة المعيشة والصمت سيد المكان ،نظر الى زوجته وغمزها متسائلا عن الأجواء .
جميلة :" هاذا وين جا عمي صالح ومراد، مزّالو ما صلاوش المغرب والعشا ،ومحمد رڤد هو ومريم ،صليو مع بعضاكم ضرك نحطلكم تاكلو "
نعيمة :" نوضو هيا مراد نوض أغسل روحك وصلي ضرك راك عيان من الخدمة "
كان بجانب غرفة المعيشة حمام ومصلى صنعته "دلال" البنت الكبرى لسي الصالح ،كانت فكرتها أن يصلي الجميع في مكان واحد خلف والدهم متى استطاعو وكانو مجتمعين .
صلى الجميع المغرب و العشاء مجتمعين إلا أحلام لم تنزل من غرفتها .ترأس الوالد والوالدة المائدة ووضعت جميلة الأكل ،أوقفهم سي الصالح
سي الصالح :" وين راها أحلام لاه ما جاتش ؟ جميلة بنتي روحي عيطيلها بالاك ما علابالهاش رانا نتعشاو"
تتهيأ جميلة للوقوف فيشير اليها السعيد بالجلوس
جميلة :" معليهش نروح نعيطلها ،أڤعد برك "
السعيد :" ما يروح حتى واحد يعيطلها خليوها تهبط براحتها ،أڤعدي اتعشاي ولا ما هبطتش أنا نديلها تتعشى في شمبرتها "
مراد :" يا عيني على الدلال الزايد وين وصّلنا !!"
السعيد :" مزلت تهدر ،ضربتها بلا حشمة وتزيد تحل فمك، كي عادتك يدك سابڤة فمك ...!"
جميلة ونعيمة يتكلمان معا في استغراب :" ضربها ؟ ضربها لاه ؟"
نعيمة :" مراد لاه ضربت ختك ،واش كاين ؟"
جميلة :" علابيها من ڤبيل كانت الدموع في عينيها وأنا نڤول خايفة برك ومتأثرة يا عيني عليها تخبي في ڤلبها..... نروح ليها "
السعيد :" جميلة أڤعدي خلي عليها هدَرْت معاها ،وحابة تڤعد وحدها شويه غدوا راكي تهدري معاها "
سي الصالح لم يعلق بكلمة ويحمل ملعقته ويهم بالأكل:" هيا كولو الماكلة بردت خليونا نرڤدو عيينا"
الكل يستغرب من سي الصالح وتصرفه البارد ،إلا نعيمة فهي تعرف زوجها وتعرف أن أحلام ورثت من أبيها طبع الكبت داخل صدرها ،وعدم الكلام عندما تشعر بالحزن ،كان سي الصالح يخبئ بداخله حزنه على ابنته ولكنه لم يستطع تأنيب مراد أمام الجميع .
نعيمة تتحدث الى الجميع بعد أن أنهى الجميع أكلهم ،فقدْ فقَدَ الجميع شهيتهم تقريبا،
نعيمة:" وضرك واش صرا ما كمش رايحين تحكيولي؟"
مراد :" السي "وحيد" جارنا الجديد اللي ساكن في دار "سي العمري" ،وأنا عطيتو طريحة ومانيش نادم ،يحسب بنات الناس سايبة قال أرواح ولوح يدك ، ونحّات خمارها لالاّ وهو مدُّولها تحسبني راڤد ولا عميت و....."
يقاطعه والده بنبرة غاضبة :" شوف مراد لحد الساعة اللي راني فيها ما هدرتش خليني ساكت ،وبركا من تخلاط الهدرة"
يشير السعيد الى جميلة بحمل الأطباق الى المطبخ ،لأنه يعرف أن والده لا يحب التحدث أمامها احتراما لها وخوفا على مشاعرها ، فهمت جميلة الجو العام و حملت الاطباق ودخلت المطبخ .
السعيد:" لاه يا سي مراد تضرب فالراجل وتضرب في ختك؟ الله يهديك مْهَشْكَلْ "
نعيمة :" من المفروض تڤولّو كثر خيرك ضربتو ومْناهْ وليدي هاذي خدمة ،وخويتك واش دارتلك نتا ما منكشْ ؟"
مراد :" أمّا نتي واش شايفة اليوم جبدها من البير غدوا تلڤايه فالجنان يدور عادي ويشايخ معاكم هاذو ما تحللولهمش ........ "
سي الصالح يقاطعه ويقف وقفةً شعر مراد من خلالها أنه تجاوز الحد ،وعرف أن تأنيبا قادم في الطريق...
سي الصالح :" آخر مرة نزيد نسمعك تهدر على ختك بهاذ الطريقة ،بنتي مربيها ونعرفها مليح ،وكثر خيرها جبدت محمد ..وشكون طاح ،وجارنا كثر خيرو ڤلتهالو ڤبيل ونڤولها ضرك ،كثر خيرو كون ما جاش في ذاك الوقت ختك وولد خوك الله يعلم واش صرالهم"
مراد يحاول تغيير الموضوع لينجو بنفسه لأنه متأكد أنه غلط في حق أخته
مراد :" وشياهو اللي دايما ياكلو في شجرات الزيتون وداير بيهم السبّة ،كان لازملو طريحة عندها بزاف وأنا نعسلو فيها ..."
سي الصالح :" مزلت تلوح فالهدرة ناوي تقلقني صح !،ما تقلق روحك منا وجاي ما والو ،وما تزيدوش تدورو بيه ،هذا حديث كبار وخلصتو معاه وفرات اجبد روحك وليدي مراد منها خلاص ".
مراد :" خلاص دبر روسكم ،بصح خليتك تهدر معاه كي رحت نجيب فالكاميو نتاعي كشما ڤالك ؟"
سي الصالح :" الراجل مرتو ميتة ويربي في بنو ،وبُيو ميت وهاز مُو كبيرة فالعمر.... "
.....
كان "وحيد "وحيد أمه وأبيه وقد أنجباه على كبر بعد أن يأسا من إنجابه لذلك سمته أمه وحيد ،توفي والده إثر مرض عضال ،وترك له كل ثروته المتمثلة في الاغنام والأموال التي تدره هذه الاخيرة ، بيتا في مقر الولاية ،تزوج وحيد من امرأة أحبها كثيرا تعرف بها في رحلته الأخيرة للبحث عن الكلأ للماشية ،ولكن قدّر الله أن تفارق الحياة وهي تضع وليدها ،تركت له "صابر" الصغير كانت أمنيتها الأخيرة أن تسميه صابر .
وحيد لم يوضف أحدا ليقف بقطيع الماشية لأن لا مكان له ليسكن فيه ،كان كل هذا الوقت يهيئ للعامل مسكنا ليسكن فيه . وفي نفس الوقت يهتم بابنه الذي في عمر السنة والنصف وأمه التي تحتاج الى اهتمام وفوق هذا مريضة ،كل هذه الظروف التي حكاها لسي الصالح أدت به الى اهمال قطيع الماشية ،ويجده دائما وقد انفلت الى أشجار الزيتون ،اعتذر من سي الصالح وأخبره أنه لولا شيبته وحضور ابنته للقن مراد درسا لن ينساه في حياته أبدا ،لأنه في العادة لا يهينه أحد بهذه الطريقة ويسكت ....
حكى سي الصالح لأولاده قصة "وحيد" وأمر السعيد أن يضع شباكا جهة البئر القديمة وأشجار الزيتون وأن يهدم البئر ويغلقها نهائيا لألاّ تتكرر هذه الحادثة .
السعيد :" من غدوا نشالله نبدا نشري الشباك ،ونعيط للكاز تردم البير القديم ،ما تزيدش تتلعبلي بإذن الله "
نعيمة :" بنيتي مسكينة رڤدت هكذاك ،روح يا وليدي الله يهديك ويحنن ڤلبك "
نامت أحلام على صورة وحيد وهو مرمي على الارض ونظرته التي كانت توميء بالغضب والحزن ، سمعت صوت باب الغرفة يدق ،نهضت فتحت الباب فإذا بالرجل صاحب قبعة القش يقف بالباب وفي عينيه نفس نظرة الغضب والحزن هلعت وتراجعت الى سريرها لتحمل خمار أمها وتضعه على رأسها والرجل بدأ يتقدم نحوها ببطء وهي تصرخ
،نهضت على صوت أخيها السعيد يوقضها لأنه سمع صراخها من غرفته
السعيد يناول أخته كأسا من الماء :" سمي باسم الله واشربي كنتي تخالطي "
أحلام تمسك الكأس تشرب وهي ترتجف :" باسم الله الرحمان الرحيم ،خير يا ربي خير نشالله"
وحيد دخل البيت وحاول أن يخفي حالته عن أمه لأن دماءه كانت تغطي وجهه وثيابه ،تسلل الى الحمام غسل وجهه وبدل ثيابه و حضّر الاكل لامه وابنه "صابر" قام على خدمة والدته العجوز حتى خلدت الى النوم ،ونام تلك الليلة على غير عادته يعانق ابنه ،
ودار بينه وبين نفسه حديث طويل وهو يداعب خصلات شعر ابنه لينام .
وحيد :" أستغفر الله يا ربي لاه راني نخمم في بنت الناس والله غير هي نتاع الكار !! ،خزرت فيها فالكار وهي راڤدة أستغفر الله ،....بصح كنت نعس فيها كشما من يسرقلها حوايجها وهي راڤدة .....تلعب على روحك وحيد ولا تلعب على وليدك الصغير كون جيت تعس فيها كون شفت الكراسة اللي طاحت ،عجباتك وخلاص .....كيفاه تعجبني راني كثر منها بالاك بعشرين سنة استغفر الله العظيم ..... لاه حرام وليدي صابر لحَبْ بويك يعني؟! ..... نت وينك وهي وين ،قارية وصغيرة وبنت عز راك تخزر في حاجة خاطياتك خلاص يا بنادم .... لاه الزواج حرام يخي حلال .....لالا يديولي وليدي كون نتزوج تديه جداهْ! ....وحيد مالا سكر الموضوع ما تزيدش تجبدو نهائيا حتى بينك وبين نفسك ...خلاص ...خلاص ".
لم ينم الجميع تقريبا تلك الليلة من هول الأحداث في يومها ....
....
توالت الأيام وأحلام تحاول أن تنسى الحادثة ولم تتحدث في الموضوع مع أحد ،كانت تتجنب مراد لانه لم يعتذر منها. الى أن جاء اليوم ،
في صباح يوم صيفي منعش نزلت أحلام كعادتها تفطر وتساعد جميلة ،وجدت أخاها مراد ينتظرها ولم يذهب الى العمل باكرا.
مراد :" أحلام ،صباح الخير واش عدتْ ما نشوفكش هاذ الايامات ،مزلتي زعفانة واقيلا ؟"
أحلام :" أول مرة تضربني في حياتك ،وما نزعفش ؟ بصح ما ديمك هدرت معايا اليوم نعتابرك استسمحت وخلاص معليهش مسامحاتك لخاطر نتا خويا اللي نحبو ولخاطر أنا ڤلبي كبير ،ما كان لاه تستعذر"
تنفس مراد الصعداء وكأن حملا قد انزاح عن صدره ،لأن ضميره كان يؤنبه
مراد " ما خليتينيش نهدر ،أيا مليح نروح نخدم على روحي من بعد إن شاء الله "
،في هذه الأثناء دخل السعيد راكضا نحو مراد
السعيد :" مراد أجري أجري جارنا وحيد جارنا وحيد "
مراد :" واش بيه يخي ڤلتولي بعَدْ عنو واش كاين ،شياهو طاحو فالشجرات ثاني ؟ ما عند ما دخلني فيه "
السعيد " مّو مريضة لازم يديها للطبيب وابنو معندوش عندمن يخليه روح أدي مّا وجيبو الطفل حتى يجي يديه بعد ما يجي من السبيطار ،أنا جاوني التُجار اللي يديو الخضرة ما نقدرش نروح ،المخلوق جا شاد في ربي وفينا "
مراد :" يعني لڤيتوني أنا برك من بين العالم أكل "
السعيد :" كما كاين غيرك ولا طامع بويك يروح، روح خف روحك تموت المرا تموت بسبتك"
لم تفهم أحلام شيئا مما يجري
جميلة :" روح مراد جيبو ،أنا نتلى فيه مع مريم الناس لبعضاها أخاه "
أحلام :" جميلة ،واش كاين ووينا جارنا وحيد هذا؟"
جميلة :" جارنا وحيد اللي جبدك من البير نتي ومحمد ذاك النهار،من بعد نحكيلك ... "
أحلام تذكرت ذلك الوجه الغاضب والحزين وتذكرت ذلك اليوم المخيف ...
.........
ما الذي سيجري لوالدة وحيد وابنه
وهل سيذهب مراد ليساعده رغم سوء التفاهم
تابعوني
☆ كلش بالمكتوب☆
حضنت جميلة محمد وقبلته وبكت بكاءا شديدا عندما سمعت أنه كاد أن يموت لولا أن ستَر الله ،وبعث له عمته في الوقت المناسب ،التفتت الى أحلام وكانت دماؤها تقطر على الارض من يديها وهي في حالة ذهول .
جميلة :"كثر خيرك خويتي أحلام رجعتيلي وليدي ،يامّا على وليدي ڤريب ما زدتش شفتو ،وانتي راكي مضرورة ميمة وريلي نشوف الجراح ... "
لم تنطق أحلام بكلمة وذهبت الى الحمام غسلت يديها وصعدت الى غرفتها .
نعيمة :" واش صرا وليدي السعيد ختك واش بيها ؟"
السعيد :" ما تتقلقيش مّا خُلعت برك من البير ،راها ڤريب طاحت مع محمد ساهلة هاذي؟"
نعيمة :" ومنهو اللي جبد أحلام ومحمد ؟ نتا ولا مراد ؟"
السعيد :" خلينا مُيمتي نريحو ڤبل ونروح نداويلها يديها ... هذاك هو يجي بوي ومراد ونتعشاو ونحكيلك ....جميلة مدي مريم لمّا وبدلي لمحمد و عشيه هو الاول ضرك راه ميت بالجوع كعبولي الصغير ،ما نزيدش نغفل عليك "
يصعد السعيد لأحلام فيجدها متكورة على سريرها حتى أنها لم تقفل باب غرفتها على غير عادتها يدق الباب ببطء ويدخل...
السعيد :" أحلام الصغيرة المازوزية نتاعنا ،جيت نڤلك يعطيك الصحة كي لڤيتيلي وليدي ،شفتي أنا أب مهمل وماماه ثاني لْتات بمريم بزاف ونساتو..... أحلام !!...أحلام !"
لم ترد أحلام على أخيها ، استغرب السعيد واقترب منها فوجد دموعها تملأ مخدتها ودماؤها تملأ شرشف السرير .
كان السعيد الإبن البكر لسي الصالح ونعيمة تربى في بيت جده مع أعمامه الخمسة كان الجميع يحبه ،وكان أقرب واحد الى جدته مريم تحبه وتحن عليه ربته على الحنان والدفء لم ينقصه دفءٌ معها حتى أنه كان ينام عندها ولا ينام عند أمه،
وعندما أنجبت أمه آخر العنقود كان عمره سبعة عشر سنة وكانت أمه تعتني بالمزرعة برفقة والده، في حين هو وأخته الكبرى يعتنيان بالبيت، أخته تعتني بالمطبخ والبيت، أما هو فتُوكَل اليه دائما مهمة الاعتناء بأحلام الصغيرة ،يحملها ويطعمها ويحمّمها ويمشط شعرها كانت دميته المحببة .
كبر وتولى أمور البستان ... لم تتركه وصارت تلازمه دوما في أوقات فراغها تسامره وتبهجه بحكاياتها وضحكاتها ،وشجاراتها البريئة مع ابنه محمد .
السعيد طويل القامة أسمر السحنة له ذقن كأبيه ولحية خفيفة كان قد بدأ الشيب يلعب بخصلات شعره و لحيته أيضا ،لطالما تهكمت عليه جميلة قائلة أنه صار شيخا في الأربعين من عمره.
قلبه كان واسعا وكبيرا يتسع العائلة بأكملها يعتمد عليه سي الصالح في حل كل الأمور العالقة.
....
عندما رأى منظر أخته فوق السرير سارع اليها وعانقها وقبّلها وأخذ يواسيها :" ما تديريش على مراد راكي عارفاتيه يهدر بيديه ميش بفمو ،من بعد يجي ونبهدلو على الكف اللي عطاهالك ما يحشمش... "
ثم أسرع الى الحمام و أحضر عدة الاسعافات الأولية وأخذ يضمد جراحها وهي تنظر الى أخيها ودموعها لم تتوقف ،كانت تريد أن توقف دموعها من أجله فهو عزيز على قلبها كثيرا، لكن ما رأته من حنان السّعيد زاد الدموع زخا كالمطر حينها نظر اليها السعيد وهو ينسف على جراحها...
السعيد :" حرڤك المطهر ،اصبري ضرك يحبس نديرلك الشاش ويحبس الدم ،أصبري ...أفففف"
عندئذ إنفجرت بالبكاء وعانقته عناقا شديدا
السعيد :" خنڤتيني... آوْ تحسبي روحك مزلتي صغيرة نقدرلك كي بكري راكي كبرتي ياو ،رايحة تكتليني " إبتسمت أحلام إبتسامة عريضة وهي تمسح دموعها ،كان الوحيد القادر على سرقة ابتسامة من أخته وهي غاضبة .
السعيد :" هكذا نحبك اسّرحي يعطيك عام ربح ، ريحي شويه وارڤدي لا جاك النوم "
نزل السعيد ليجد الجميع مجتمعين في غرفة المعيشة والصمت سيد المكان ،نظر الى زوجته وغمزها متسائلا عن الأجواء .
جميلة :" هاذا وين جا عمي صالح ومراد، مزّالو ما صلاوش المغرب والعشا ،ومحمد رڤد هو ومريم ،صليو مع بعضاكم ضرك نحطلكم تاكلو "
نعيمة :" نوضو هيا مراد نوض أغسل روحك وصلي ضرك راك عيان من الخدمة "
كان بجانب غرفة المعيشة حمام ومصلى صنعته "دلال" البنت الكبرى لسي الصالح ،كانت فكرتها أن يصلي الجميع في مكان واحد خلف والدهم متى استطاعو وكانو مجتمعين .
صلى الجميع المغرب و العشاء مجتمعين إلا أحلام لم تنزل من غرفتها .ترأس الوالد والوالدة المائدة ووضعت جميلة الأكل ،أوقفهم سي الصالح
سي الصالح :" وين راها أحلام لاه ما جاتش ؟ جميلة بنتي روحي عيطيلها بالاك ما علابالهاش رانا نتعشاو"
تتهيأ جميلة للوقوف فيشير اليها السعيد بالجلوس
جميلة :" معليهش نروح نعيطلها ،أڤعد برك "
السعيد :" ما يروح حتى واحد يعيطلها خليوها تهبط براحتها ،أڤعدي اتعشاي ولا ما هبطتش أنا نديلها تتعشى في شمبرتها "
مراد :" يا عيني على الدلال الزايد وين وصّلنا !!"
السعيد :" مزلت تهدر ،ضربتها بلا حشمة وتزيد تحل فمك، كي عادتك يدك سابڤة فمك ...!"
جميلة ونعيمة يتكلمان معا في استغراب :" ضربها ؟ ضربها لاه ؟"
نعيمة :" مراد لاه ضربت ختك ،واش كاين ؟"
جميلة :" علابيها من ڤبيل كانت الدموع في عينيها وأنا نڤول خايفة برك ومتأثرة يا عيني عليها تخبي في ڤلبها..... نروح ليها "
السعيد :" جميلة أڤعدي خلي عليها هدَرْت معاها ،وحابة تڤعد وحدها شويه غدوا راكي تهدري معاها "
سي الصالح لم يعلق بكلمة ويحمل ملعقته ويهم بالأكل:" هيا كولو الماكلة بردت خليونا نرڤدو عيينا"
الكل يستغرب من سي الصالح وتصرفه البارد ،إلا نعيمة فهي تعرف زوجها وتعرف أن أحلام ورثت من أبيها طبع الكبت داخل صدرها ،وعدم الكلام عندما تشعر بالحزن ،كان سي الصالح يخبئ بداخله حزنه على ابنته ولكنه لم يستطع تأنيب مراد أمام الجميع .
نعيمة تتحدث الى الجميع بعد أن أنهى الجميع أكلهم ،فقدْ فقَدَ الجميع شهيتهم تقريبا،
نعيمة:" وضرك واش صرا ما كمش رايحين تحكيولي؟"
مراد :" السي "وحيد" جارنا الجديد اللي ساكن في دار "سي العمري" ،وأنا عطيتو طريحة ومانيش نادم ،يحسب بنات الناس سايبة قال أرواح ولوح يدك ، ونحّات خمارها لالاّ وهو مدُّولها تحسبني راڤد ولا عميت و....."
يقاطعه والده بنبرة غاضبة :" شوف مراد لحد الساعة اللي راني فيها ما هدرتش خليني ساكت ،وبركا من تخلاط الهدرة"
يشير السعيد الى جميلة بحمل الأطباق الى المطبخ ،لأنه يعرف أن والده لا يحب التحدث أمامها احتراما لها وخوفا على مشاعرها ، فهمت جميلة الجو العام و حملت الاطباق ودخلت المطبخ .
السعيد:" لاه يا سي مراد تضرب فالراجل وتضرب في ختك؟ الله يهديك مْهَشْكَلْ "
نعيمة :" من المفروض تڤولّو كثر خيرك ضربتو ومْناهْ وليدي هاذي خدمة ،وخويتك واش دارتلك نتا ما منكشْ ؟"
مراد :" أمّا نتي واش شايفة اليوم جبدها من البير غدوا تلڤايه فالجنان يدور عادي ويشايخ معاكم هاذو ما تحللولهمش ........ "
سي الصالح يقاطعه ويقف وقفةً شعر مراد من خلالها أنه تجاوز الحد ،وعرف أن تأنيبا قادم في الطريق...
سي الصالح :" آخر مرة نزيد نسمعك تهدر على ختك بهاذ الطريقة ،بنتي مربيها ونعرفها مليح ،وكثر خيرها جبدت محمد ..وشكون طاح ،وجارنا كثر خيرو ڤلتهالو ڤبيل ونڤولها ضرك ،كثر خيرو كون ما جاش في ذاك الوقت ختك وولد خوك الله يعلم واش صرالهم"
مراد يحاول تغيير الموضوع لينجو بنفسه لأنه متأكد أنه غلط في حق أخته
مراد :" وشياهو اللي دايما ياكلو في شجرات الزيتون وداير بيهم السبّة ،كان لازملو طريحة عندها بزاف وأنا نعسلو فيها ..."
سي الصالح :" مزلت تلوح فالهدرة ناوي تقلقني صح !،ما تقلق روحك منا وجاي ما والو ،وما تزيدوش تدورو بيه ،هذا حديث كبار وخلصتو معاه وفرات اجبد روحك وليدي مراد منها خلاص ".
مراد :" خلاص دبر روسكم ،بصح خليتك تهدر معاه كي رحت نجيب فالكاميو نتاعي كشما ڤالك ؟"
سي الصالح :" الراجل مرتو ميتة ويربي في بنو ،وبُيو ميت وهاز مُو كبيرة فالعمر.... "
.....
كان "وحيد "وحيد أمه وأبيه وقد أنجباه على كبر بعد أن يأسا من إنجابه لذلك سمته أمه وحيد ،توفي والده إثر مرض عضال ،وترك له كل ثروته المتمثلة في الاغنام والأموال التي تدره هذه الاخيرة ، بيتا في مقر الولاية ،تزوج وحيد من امرأة أحبها كثيرا تعرف بها في رحلته الأخيرة للبحث عن الكلأ للماشية ،ولكن قدّر الله أن تفارق الحياة وهي تضع وليدها ،تركت له "صابر" الصغير كانت أمنيتها الأخيرة أن تسميه صابر .
وحيد لم يوضف أحدا ليقف بقطيع الماشية لأن لا مكان له ليسكن فيه ،كان كل هذا الوقت يهيئ للعامل مسكنا ليسكن فيه . وفي نفس الوقت يهتم بابنه الذي في عمر السنة والنصف وأمه التي تحتاج الى اهتمام وفوق هذا مريضة ،كل هذه الظروف التي حكاها لسي الصالح أدت به الى اهمال قطيع الماشية ،ويجده دائما وقد انفلت الى أشجار الزيتون ،اعتذر من سي الصالح وأخبره أنه لولا شيبته وحضور ابنته للقن مراد درسا لن ينساه في حياته أبدا ،لأنه في العادة لا يهينه أحد بهذه الطريقة ويسكت ....
حكى سي الصالح لأولاده قصة "وحيد" وأمر السعيد أن يضع شباكا جهة البئر القديمة وأشجار الزيتون وأن يهدم البئر ويغلقها نهائيا لألاّ تتكرر هذه الحادثة .
السعيد :" من غدوا نشالله نبدا نشري الشباك ،ونعيط للكاز تردم البير القديم ،ما تزيدش تتلعبلي بإذن الله "
نعيمة :" بنيتي مسكينة رڤدت هكذاك ،روح يا وليدي الله يهديك ويحنن ڤلبك "
نامت أحلام على صورة وحيد وهو مرمي على الارض ونظرته التي كانت توميء بالغضب والحزن ، سمعت صوت باب الغرفة يدق ،نهضت فتحت الباب فإذا بالرجل صاحب قبعة القش يقف بالباب وفي عينيه نفس نظرة الغضب والحزن هلعت وتراجعت الى سريرها لتحمل خمار أمها وتضعه على رأسها والرجل بدأ يتقدم نحوها ببطء وهي تصرخ
،نهضت على صوت أخيها السعيد يوقضها لأنه سمع صراخها من غرفته
السعيد يناول أخته كأسا من الماء :" سمي باسم الله واشربي كنتي تخالطي "
أحلام تمسك الكأس تشرب وهي ترتجف :" باسم الله الرحمان الرحيم ،خير يا ربي خير نشالله"
وحيد دخل البيت وحاول أن يخفي حالته عن أمه لأن دماءه كانت تغطي وجهه وثيابه ،تسلل الى الحمام غسل وجهه وبدل ثيابه و حضّر الاكل لامه وابنه "صابر" قام على خدمة والدته العجوز حتى خلدت الى النوم ،ونام تلك الليلة على غير عادته يعانق ابنه ،
ودار بينه وبين نفسه حديث طويل وهو يداعب خصلات شعر ابنه لينام .
وحيد :" أستغفر الله يا ربي لاه راني نخمم في بنت الناس والله غير هي نتاع الكار !! ،خزرت فيها فالكار وهي راڤدة أستغفر الله ،....بصح كنت نعس فيها كشما من يسرقلها حوايجها وهي راڤدة .....تلعب على روحك وحيد ولا تلعب على وليدك الصغير كون جيت تعس فيها كون شفت الكراسة اللي طاحت ،عجباتك وخلاص .....كيفاه تعجبني راني كثر منها بالاك بعشرين سنة استغفر الله العظيم ..... لاه حرام وليدي صابر لحَبْ بويك يعني؟! ..... نت وينك وهي وين ،قارية وصغيرة وبنت عز راك تخزر في حاجة خاطياتك خلاص يا بنادم .... لاه الزواج حرام يخي حلال .....لالا يديولي وليدي كون نتزوج تديه جداهْ! ....وحيد مالا سكر الموضوع ما تزيدش تجبدو نهائيا حتى بينك وبين نفسك ...خلاص ...خلاص ".
لم ينم الجميع تقريبا تلك الليلة من هول الأحداث في يومها ....
....
توالت الأيام وأحلام تحاول أن تنسى الحادثة ولم تتحدث في الموضوع مع أحد ،كانت تتجنب مراد لانه لم يعتذر منها. الى أن جاء اليوم ،
في صباح يوم صيفي منعش نزلت أحلام كعادتها تفطر وتساعد جميلة ،وجدت أخاها مراد ينتظرها ولم يذهب الى العمل باكرا.
مراد :" أحلام ،صباح الخير واش عدتْ ما نشوفكش هاذ الايامات ،مزلتي زعفانة واقيلا ؟"
أحلام :" أول مرة تضربني في حياتك ،وما نزعفش ؟ بصح ما ديمك هدرت معايا اليوم نعتابرك استسمحت وخلاص معليهش مسامحاتك لخاطر نتا خويا اللي نحبو ولخاطر أنا ڤلبي كبير ،ما كان لاه تستعذر"
تنفس مراد الصعداء وكأن حملا قد انزاح عن صدره ،لأن ضميره كان يؤنبه
مراد " ما خليتينيش نهدر ،أيا مليح نروح نخدم على روحي من بعد إن شاء الله "
،في هذه الأثناء دخل السعيد راكضا نحو مراد
السعيد :" مراد أجري أجري جارنا وحيد جارنا وحيد "
مراد :" واش بيه يخي ڤلتولي بعَدْ عنو واش كاين ،شياهو طاحو فالشجرات ثاني ؟ ما عند ما دخلني فيه "
السعيد " مّو مريضة لازم يديها للطبيب وابنو معندوش عندمن يخليه روح أدي مّا وجيبو الطفل حتى يجي يديه بعد ما يجي من السبيطار ،أنا جاوني التُجار اللي يديو الخضرة ما نقدرش نروح ،المخلوق جا شاد في ربي وفينا "
مراد :" يعني لڤيتوني أنا برك من بين العالم أكل "
السعيد :" كما كاين غيرك ولا طامع بويك يروح، روح خف روحك تموت المرا تموت بسبتك"
لم تفهم أحلام شيئا مما يجري
جميلة :" روح مراد جيبو ،أنا نتلى فيه مع مريم الناس لبعضاها أخاه "
أحلام :" جميلة ،واش كاين ووينا جارنا وحيد هذا؟"
جميلة :" جارنا وحيد اللي جبدك من البير نتي ومحمد ذاك النهار،من بعد نحكيلك ... "
أحلام تذكرت ذلك الوجه الغاضب والحزين وتذكرت ذلك اليوم المخيف ...
.........
ما الذي سيجري لوالدة وحيد وابنه
وهل سيذهب مراد ليساعده رغم سوء التفاهم
تابعوني