الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
كلمات الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في حكم التحزّب :
قال: "أوصيكم بالابتعاد عن هذه الحزبيات التي نَجَمَ بالشّر ناجمها، وهجم ـ ليفتك بالخير والعلم ـ هاجمها، وسَجَم على الوطن بالملح الأُجاج ساجِمُها، إنّ هذه الأحزاب كالميزاب، جمع الماء كَدَراً وفرّقه هَدَراً، فلا الزُّلال جمع، ولا الأرض نفع "[5]
وقال أيضا: " إنّنا نعدّ من ضعف النتائج من أعمال الأحزاب في هذا الشرق كله آتيا من غفلتهم عن هذه الأصول،ومن إهمالهم لتربية الجماهيروتصحيح مقوِّماتهاحتى تصبح أمّة وقوة ورأيا عاما .. "[6]
ويقول: " ... إذا كان من خصائص الاستعمار أن يُضْعف المقوِّمات ويُميتَها، ثم يكون من خصائص أغلب الأحزاب أنّها تهملها ولا تلتفت إليها، فهل يلام العقلاء إذا حكموابأنّ هذهالأحزاب شرّ على الشرق من الاستعمار؟ "
ويقول عن الجمعية: " جمعية العلماء جمعية علمية دينية تهذيبية فهي بالصفة الأولى تعلّم وتدعو إلى العلموترغّب فيه وتعمل على تمكينه في النفوس بوسائل علنية واضحة لا تتستر، وهي بالصفة الثانية تعلّم الدين والعربية؛ لأنهما شيآن متلازمان، وتدعو إليهما وترغّب فيهما، وتنحو في الدين منحاها الخصوصي؛ وهو الرجوع به إلى نقاوته الأولى وسماحته في عقائده وعبادته؛ لأنّ هذا هو معنى الإصلاح الذي أُسّست لأجله ووقَّفت نفسها عليه، وهي تعمل في هذه الجهة أيضا بوسائل علنية ظاهرة، وبمقتضى الصفة الثالثة تدعو إلى مكارم الأخلاق ... "[7]
وقال ـ رحمه الله ـ فيمن أنكر على الجمعية : " وفي باب الأعمال لم نر منهم إلا عملا واحدا، هو الذي سميناه: جناية الحزبية على التعليم والعلم. هؤلاء القوم قطعوا الأعوام الطوال، في الأقوال والجدال، وجمع الأموال، وتعليل الأمّة بالخيال، ومجموع هذا هو ما يسمونه سياسية و وطنية ... كثرت مواسم الانتخاب حتى أصبحت كأعياد اليهود، لا يفصل بعضها عن بعض إلا الأيام والأسابيع، وكان ذلك كله مقصودا من الاستعمار، لما يعلمه في أمّتنا من ضعف، وفي أحزابنا من تخاذل وأطماع، وفي مؤسساتنا ومشاريعنا العلمية من اعتماد على الوحدات المتماسكة من الأمّة، فأصبح يرميهم في كل فصل بانتخاب يوهن به صَرْح التعليم، ويفرّق به الجمعيات المتراصّة حوله،والتعليم هو عدو الاستعمارالألدّ لو كان هؤلاء القوم يعقلون ".
وقال عن أثر التحزب في تمزيق صفّ و تشتيت الشمل:" ولو أنّ مدارسنا اشتدت أصولها، وامتدت فروعها، وكانت تأوي في الجانب المالي إلى ركن شديد، وترجع في الجانب العلمي إلى رأي رشيد، لكان وبال هذه النعَرات الحزبية الشيطانية راجعا إلى أصحابه وحدهم ... هذه إحدى جنايات الحزبية على التعليم، زيادة على جنايتها على الأخوة والمصلحة الوطنية العامة"[8]
و قال الشيخ الطيب العقبي رحمه الله :
'' وإنَّ دعوتنا الإصلاحيَّة -قبل كلِّ شيءٍ وبعده- هي دعوةٌ دينيَّةٌ محضةٌ، لا دَخْلَ لها في السياسة البتَّةَ، نريد منها تثقيف أمَّتنا وتهذيب مجتمعنا بتعاليم دين الإسلام الصحيحة، وهي تتلخَّص في كلمتين: أن لا نعبد إلاَّ الله وحده، وأن لا تكون عبادتنا له إلاَّ بما شرعه وجاء من عنده ''[9]
أقول : هذه وصاية تكتب بماء العيون لا بماء الذهب ، وصايا تبين جهود هؤلاء الأعلام الدعوية و مدى حرصهم على هذه الأمة المسكينة و مدى نصحهم للعامة و تعليمهم و توجيههم في رفق و حكمة و حسن خلق ، فنسأل الله أن يرحم الشيخ ابن باديس و جميع أسلاف جمعيته المباركة كما نسأله عزوجل أن يجعلنا ممن يقتدون بهم ، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
[5]:عيون البصائر (2/292).
[6]:البصائر (العدد:4/ 13ـ شوال ـ 1366هـ ).
[7]:سِجِلّ مؤتمر الجمعية ص (76ـ77).
[8]:آثار محمد البشير الإبراهيمي (3/116ـ117).
[9]: جريدة السنّة العدد:2 .
منقول