كثيرا ما يشكو أدباء المغرب العربي من انقطاع التواصل بينهم وبين زملائهم في المشرق وهذا الكتاب يوصل جسرا يرم أوصال هذه القطيعة
منذ القديم وحتى الآن مازال عتاب أدباء المغرب العربي للمشارقة مستمرا بسبب تقصيرهم في حق أدب المغاربة، لهذا لا نستغرب عندما يكتب الدكتور الجزائري عبدالملك مرتاض في كتابه "الثقافة العربية في الجزائر بين التأثير والتأثر، قائلاً: "لقد طال عتاب الجزائريين للمشارقة دون أن يجدي عتابهم هذا فتيلاً، ولقد يلتفت المشارقة إليهم لفتة جادة ويجعلونهم يعنون بهم وبآثارهم على نحو ما هم أهل له، فبقدر ما كان الجزائريون ينحون باللوائم على المشارقة كان المشارقة لا يزدادون إلا عزوفاً عنهم وتجاهلاً لهم وزهداً في كتاباتهم ورغبة عما يجري بين ظهرانيهم، فكانت كتاباتهم حين يكتبون خجولة تتسم بالأخطاء التاريخية والجغرافية، في الوقت الذي كان فيه الجزائريون يعرفون عن الشرق العربي كل شيء.. ".
هذا ما يقوله أديب جزائري متألما من تجاهل المشارقة، أو جهلهم لأدب المغاربة، وإذا أردنا أن نتفق معه فيما ذهب إليه فيجب أن نضيف بأن المشكلة عامة على مستوى الوطن العربي، فما من أدب عربي في قطر عربي إلا ويجهل أصحابه تقريبا ماهية الأدب في القطر المجاور لهم، وهذه المشكلة التي هي من مفرزات التجزئة السياسية العربية تضعنا أمام أهمية المحاولات التي ظهرت أخيرا للتعريف بأدب وأدباء الأقطار العربية كما فعل الأديب السوري أحمد دوغان في كتابه "في الأدب الجزائري الحديث" والصادر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق. والأديب دوغان من مدينة حلب في سوريا، كان عضواً في البعثة التعليمية السورية للجزائر التي أقام فيها ما بين عامي 1977 م و1984، فانهمك بتاريخ الأدب الجزائري عبر كتابين هما "الصوت النسائي في الأدب الجزائري المعاصر" والصادر عن وزارة اَلْإِعْلَام الجزائر. عام 1982، و"شخصيات من الأدب الجزائري المعاصر صدر عن المؤسسة الوطنية للكتاب في الجزائر عام 1989، ثم كتابه "في الأدب الجزائري الحديث" عام 1997، وهذه الكتب الثلاثة هي جزء إصداراته النقدية والأدبية الكثيرة.
عتاب المغاربة
قسم المؤلف كتابه إلى أبواب وفصول جعل الباب الأول منها مدخلاً استعرض فيه بعض عتاب المغاربة للمشارقة على تقصيرهم بحقهم، فيرى أن هذا العتاب مبالغ فيه، إذ إن المؤتمرات والمهرجانات الثقافية والأدبية العربية تعقد سنوياً، ويلتقي فيها الأدباء العرب بجميع أجيالهم دون النظر إلى قطرية هذه الدولة أو تلك، والأدب الجزائري معروف في كثير من الأقطار العربية.
ثم ينتقل المؤلف في الباب الثاني إلى الشعر الجزائري الحديث، فيوضح أن الحركة الشعرية في الجزائر ارتبطت بالثورة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي التي انطلقت عام 1954 م، وكانت بداياتها قد ظهرت في عام 1945 عندما قصفت القوات الفرنسية عدة مدن جزائرية، ومن الشعراء الذين يمثلون تلك الفترة محمد العيد آل خليفة، رمضان حمود، محمد الأخضر السائحي، محمد الشبوكي، وإذا نظرنا إلى الفترة الواقعة ما بين عامي 1954- 1962 فإننا نجد أن الشعراء الجزائريين قد التحموا فيها بالنضال والمقاومة، وشاركوا الشعب في كفاحه الوطني، حتى أد أحد الأدباء الجزائريين قال: "الشعر والحرب شيء واحد، وقصيدتي هي الشعب"، وبالتالي ظهرت لغة جديدة جسدت معايشة الشعراء للعمل الثوري للغة شاعر الثورة مفدي زكريا في قصيدته الشهيرة: "نطق الرصاص دما يباح كلام " وجرى القصاص فما يتاح ملام السيف أصدق لهجة من أحرف كتبت فكان بيانها الإبهام وفي هذه الفترة ظهرت محاولات الريادة في الشعر الجزائري نتيجة البحث عن شكل جديد للتجربة، إذ إن الشاعر الجزائري وجد نفسه ليس ثائراً على الاستعمار فقط، وإنما يمتلك إرادة الثورة والرفض والتمرد على كل ما في الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي آنذاك، وبعد الاستقلال في عام 1962 ظهر جيل جديد كانت ولادات شعرائه أيام الثورة التحريرية، وقد استكمل هذا الجيل مسيرة الحداثة في الشعر، ومع ذلك بقي الشكل الكلاسيكي للقصيدة قويا عبر شعراء مثل مصطفى الغماري ومحمد ناصر ومحمد بن رقطان، إلى جانب قصيدة التفعيلة عند جروة علاوة وهبى وإدريس بوذيبة وأحلام مستغانمي، أضف إلى ذلك تيارا يزاوج بين القصيدة الخليلية وشعر التفعيلة، ومن شعرائه عياش يحياوي وجمال طاهري ونورة السعدي.
الفصل الثاني يخصصه المؤلف لنقد تطبيقي عن الشعر الجزائري ، فيحلل مجموعة "قائمة المغضوب عليهم" للشاعر أحمد حمدي، ومجموعة "أطفال بورسعيد يهاجرون إلى ماي " للشاعر عبدالعالي رازقي، و"الجميلة تقتل الوحش" للشاعر أرزاج عمر، و"رصاص وزنابق" لعمار بن زايد.
روايات وقصص حديثة
الباب الثاني يخصصه دوغان للحديث عن الرواية الجزائرية الحديثة، ويحدد: الرواية المكتوبة باللغة العربية، وهي من مواليد السبعينيات عدا روايتين هما "غادة أم القرى" لأحمد حوحو، و"الطالب المنكوب" لعبدالمجيد الشافعي، فقد صدرتا في أواخر الأربعينيات، وكانت أول رواية فنية عرفها الأدب الجزائري هي "ريح الجنوب "لعبدالحميد بن حدوقة عام 1970، ومن خلال سبر بيبلوغرافي للرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية يتبين للمؤلف أنها بلغت خمسا وأربعين رواية حتى صيف عام 1984، وقد عالجت المواضيع التالية: الثورة الجزائرية- الثورة ا لزراعية- الالتزام ونقد الواقع- الجالية الجزائرية في المهاجر- الهجرة من الريف إلى المدينة- قضايا أخرى، وكان للثورة الجزائرية المسلحة "1954- 1962 رصيدها الجم في الرواية، وجاء التشخيص لأحداثها واعيا حينا، وعاطفيا حينا آخر لقد تأخرت نشأة القصة الجزائرية عن نشأتها في البلدان العربية لأن ما عانته الجزائر من جراء الاستعمار الفرنسي قد شل حركة الثقافة القومية، وإذا كانت بذور القصة الجزائرية قد بدأت في الثلاثينيات بشكل مقامة، آو مقالة، فإنها لم تأخذ شكلها القريب من الناحية الفنية إلا في الأربعينيات، ومن الذين اشتهروا في تلك الفترة محمد السعيد الزاهري ومحمد العابد الجلالي وعبدالمجيد الشافعي، ومنذ عام 1945 ومع المجازر الفرنسية بحق الجزائريين فرضت الثورة نفسها على الأدب الجزائري، بما فيه القصة والتي تبلورت فكريا بعد عام 1954، فبرزت أسماء أحمد بن عاشور وزهور ونيسي وأحمد رضا حوحو وشريف الحسيني، ويعتبر أحمد حوحو رائد القصة الجزائرية، فله مجموعة "صاحبة الوحي وقصص أخرى" نشرت عام 1954 ومجموعة "نماذج بحرية" نشرت عام 1955.
وفي السبعينيات ظهرت أسماء جديدة لديها إرادة وطموح وتملك ثروة ثقافية تمكنها من العطاء والإبداع، منها بلحسن، وجروة علاوة وهبي، محمد الزاوي، عمر بن قينة، محمد حيدار، شريف شتانلية- إسماعيل غموقات، مرزاق بقطاش، الأعرج واسيني، وما من شك في أن القصة القصيرة في الجزائر بخير، بل هي تسير في تطور مستمر أكثر من الشعر، والسبب هو أن القصة وجدت والواقع ينبض بالحيوية "وإذا كانت الجزائر حافلة بنضالها، فإن القصة القصيرة مازالت إلى الآن تحمل إلينا صدى النضال فخرا واعتزازا، وتجعلنا نشم رائحة البارود في جبال أوراس ونسمع أزيز الرصاص المنطلق من حي القصة بالجزائر العاصمة، لأن الحدث أكبر من أن يسجل في فن من الفنون، وقد أخذت القصة القصيرة تعرض لنا ما عزمت عليه الإرادة الشخصية الجزائرية، فإذا بنا أمام العامل والفلاح والموظف وجهاً لوجه،- ص 170.
ثم ينتقل المؤلف إلى دراسة الصوت النسائي في القصة الجزائرية الحديثة، فيخصص لذلك فصلا يوضح فيه أن الوعي ينمو لدى الصوت النسائي في القصة الجزائرية، فيأتي على القضايا الاجتماعية بمحاورها الكثيرة، فالقاصة زهور ونيسي قدمت عدة قصص تبرز الوجه الاجتماعي للمرأة الجزائرية، والقاصة زليخة السعودي عبرت في قصصها عن الألم الاجتماعي، وجميلة زنير تبنت في قصصها "مجموعة شرائح " من الواقع الجزائري، وكذلك القاصة خيرة بغدود التي تعرض في قصصها جملة مشاكل اجتماعية، أما نجيبة أرسلان فقد رسمت عالم المرأة الجزائرية وعلاقتها بالمجتمع.
المسرح والتحريض
ويتابع المؤلف جهده الكجير فيخصص بابا للمسرح الجزائري الذي عانى كثيرا بسبب محاربة الاستعمار الفرنسي له، لأن المسرح يشكل تماسا مع الجمهور ويحرضه على الثورة، وقد تعرف الجزائريون على المسرح العربي عام 1921 عندما نزل الفنان جورج أبيض مع فرقته في الجزائر، وفيها قدر مسرحيتين هما "صلاح الدين الأيوبي " و"ثأر العرب"، وفي العام نفسه قدم الممثل "علالو" مشهدا هزليا في إحدى القاعات السينمائية في العاصمة، وفي عام 1922 قدمت مسرحية "في سبيل الوطن "، وهكذا ولد المسرح في الجزائر متواضعا، بيد أنه نشط في عام 1954 مواكبا الثورة، ومن أشهر رواد المسرح آنذاك "رشيد القسطنطيي" و"علالو سلالي"، لكن المسلطة الفرنسية حاولت إخضاع المسرح لسلطتها، فاضطر المسرحيون إلى مغادرة الجزائر والعمل في الخارج.
ويعتبر المسرح الوطني في العاصمة الصوت الأول للمسرح في الجزائر، ولكن الحركة المسرحية لم تستفد كثيرا، ولم تتطور كما حصل في باقي الميادين، وإنما عمل المسرحيون على مسايرة العمل، إذ قدم المسرح الجزائري عروضا مسرحية تحت إشراف مصطفى كاتب الذي واكب المسرح طويلا، ولكن المرحلة الثانية والاهم في تجربة المسرح الجزائري قد انطلقت مع قرار اللا مركزية بإحداث مسارح جمهورية في كل من وهران وعنابة وقسنطينة وبلعباس. ومن الملاحظ أن المؤلف لم يطل كثيرا في دراسة المسرح قياسا لما فعله في الشعر والقصة والرواية، كما لم يخصص له نقدا تطبيقيا.
شخصيات من الأدب الجزائري الحديث
الباب السادس يفرده المؤلف للحديث بشكل مسهب عن بعض الشخصيات الأدبية في الجزائر، ومنهم الشاعر محمد العيد آل خليفة أحد رواد الفكر الجزائري "فإذا قيل يوماً عن أحمد شوقي "أمير الشعراء" قيل عر محمد العيد آل خليفة "أمير شعراء الجزائر" و"شاعر النهضة الجزائرية" و"رائد الشعر
الجزائري في العصر الحديث.. "- ص: 256.
ولد الشاعر محمد العيد آل خليفة في عام 1904 بمدينة عين البيضاء، وفي عام 1921 استكمل تعليمه في تونس، وفي عام 1927 عاد للجزائر ومارس التدريس فيها، وأسهم في تأسيس "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، وبدأ بنشر شعره في الصحف والمجلات ومنها قصيدته الشهيرة "يا نفس" ومطلعها: عرفتك يا نفس ازهدي أو ترهبي على كل حال مذهبي فيك مذهبي وقد عرضته هذه القصيدة للتحقيق من قبل الاستخبارات الفرنسية ثم المضايقات، وفي عام 1940 ترك الجزائر العاصمة عائدا إلى بسكرة ثم إلى مدن أخرى إلى أن قامت الثورة فشارك فيها بشعره، ثم تم سجنه في سجن "الكدية"، وعندما أطلقت فرنسا سراحه فرضت عليه الإقامة الجبرية، وفي عام 1979 رحل إلى الدار الآخرة بعد أن ترك مجموعة مؤلفات شعرية ونحوية ومسرحية.
ويتحدث المؤلف بشكل مفصل عن جوانب أدب محمد العيد مستشهداً بأشعاره، موضحا أنه كان شاعرا قوميا أنشد للعروبة والعرب، وشاعرا إسلاميا معتزا بالإسلام داعيا للتمسك به، بالإضافة إلى أثره في تجديد القصيدة الجزائرية وعلى نفس النهج التاريخي التحليلي يتحدث المؤلف عن شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا، وعن الشاعر والروائي مالك حداد، وعن الناقد محمد مصايف، ويؤرخ سيرة وأدب البشير الإبراهيمي، والمفكر والمؤرخ أحمد توفيق المدني، والأديب أبو القاسم سعد الله، والأديبة زهور ونيسي والشاعر عبدالقادر السائحي والروائي عبدالحميد بن هدوقة، وقد تميز منهجه بدراسة كل واحد بالخطوات التالية:
1- تاريخ سيرة حياة الشخصية ومن خلال ما كتب في الصحف والدوريات وما كتبه صاحب الشخصية عن نفسه.
2- إحصاء الأعمال المنشورة في الصحف والمجلات وتاريخ نشر كل عمل.
3- تبيان الأعمال المطبوعة في كتب وتواريخ وأماكن طباعتها.
4- دراسة نقدية تحليلية لأدب كل شخصية، ويكفي أن نذك أن الجزء المخصص لدراسة عبدالحميد بن هدوقة مثلا شغل 28 صفحة من الكتاب، أضف أنه وضع فهرسا بالمراجع التي اعتمدها في نهاية كل دراسة عن كل شخصية.
ويتابع أحمد دوغان جهده الكبير فيخصص الباب السابع من الكتاب للحديث عن الدراسات التي ظهرت في الأدب الجزائري الحديث، ويبدأ بكتاب "دراسات في الأدب الجزائري الحديث " للدكتور أبو القاسم سعد الله الصادر عام 1966، أي بعد استقلال الجزائر بأربعة أعوام، ولذلك يعتبر مرجعا مهما عن الأدب الجزائري الحديث، ومن الكتب التي تناولت الأدب الجزائري " الشعر الجزائري الحديث" للدكتور صالح خرفي و"نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر" لعبدالمالك مرتاض. ويستعرض المؤلف ما ورد في هذه الكتب بشكل مفصل لينتقل إلى دراسة "التعريب في الجزائر" فيوضح أنه في عام 1981 صدر كتاب "التعريب بين المبدأ والتطبيق في الجزائر والعالم العربي" للباحث الجزائري أحمد بن نعمان "والمؤلف لا يقتصر على دراسة ميدانية عن حتمية التعريب في الجزائر بل يتوسع فيجري مقارنة مع ما جرى في عدد من بلدان العالم ص 456.
منذ القديم وحتى الآن مازال عتاب أدباء المغرب العربي للمشارقة مستمرا بسبب تقصيرهم في حق أدب المغاربة، لهذا لا نستغرب عندما يكتب الدكتور الجزائري عبدالملك مرتاض في كتابه "الثقافة العربية في الجزائر بين التأثير والتأثر، قائلاً: "لقد طال عتاب الجزائريين للمشارقة دون أن يجدي عتابهم هذا فتيلاً، ولقد يلتفت المشارقة إليهم لفتة جادة ويجعلونهم يعنون بهم وبآثارهم على نحو ما هم أهل له، فبقدر ما كان الجزائريون ينحون باللوائم على المشارقة كان المشارقة لا يزدادون إلا عزوفاً عنهم وتجاهلاً لهم وزهداً في كتاباتهم ورغبة عما يجري بين ظهرانيهم، فكانت كتاباتهم حين يكتبون خجولة تتسم بالأخطاء التاريخية والجغرافية، في الوقت الذي كان فيه الجزائريون يعرفون عن الشرق العربي كل شيء.. ".
هذا ما يقوله أديب جزائري متألما من تجاهل المشارقة، أو جهلهم لأدب المغاربة، وإذا أردنا أن نتفق معه فيما ذهب إليه فيجب أن نضيف بأن المشكلة عامة على مستوى الوطن العربي، فما من أدب عربي في قطر عربي إلا ويجهل أصحابه تقريبا ماهية الأدب في القطر المجاور لهم، وهذه المشكلة التي هي من مفرزات التجزئة السياسية العربية تضعنا أمام أهمية المحاولات التي ظهرت أخيرا للتعريف بأدب وأدباء الأقطار العربية كما فعل الأديب السوري أحمد دوغان في كتابه "في الأدب الجزائري الحديث" والصادر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق. والأديب دوغان من مدينة حلب في سوريا، كان عضواً في البعثة التعليمية السورية للجزائر التي أقام فيها ما بين عامي 1977 م و1984، فانهمك بتاريخ الأدب الجزائري عبر كتابين هما "الصوت النسائي في الأدب الجزائري المعاصر" والصادر عن وزارة اَلْإِعْلَام الجزائر. عام 1982، و"شخصيات من الأدب الجزائري المعاصر صدر عن المؤسسة الوطنية للكتاب في الجزائر عام 1989، ثم كتابه "في الأدب الجزائري الحديث" عام 1997، وهذه الكتب الثلاثة هي جزء إصداراته النقدية والأدبية الكثيرة.
عتاب المغاربة
قسم المؤلف كتابه إلى أبواب وفصول جعل الباب الأول منها مدخلاً استعرض فيه بعض عتاب المغاربة للمشارقة على تقصيرهم بحقهم، فيرى أن هذا العتاب مبالغ فيه، إذ إن المؤتمرات والمهرجانات الثقافية والأدبية العربية تعقد سنوياً، ويلتقي فيها الأدباء العرب بجميع أجيالهم دون النظر إلى قطرية هذه الدولة أو تلك، والأدب الجزائري معروف في كثير من الأقطار العربية.
ثم ينتقل المؤلف في الباب الثاني إلى الشعر الجزائري الحديث، فيوضح أن الحركة الشعرية في الجزائر ارتبطت بالثورة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي التي انطلقت عام 1954 م، وكانت بداياتها قد ظهرت في عام 1945 عندما قصفت القوات الفرنسية عدة مدن جزائرية، ومن الشعراء الذين يمثلون تلك الفترة محمد العيد آل خليفة، رمضان حمود، محمد الأخضر السائحي، محمد الشبوكي، وإذا نظرنا إلى الفترة الواقعة ما بين عامي 1954- 1962 فإننا نجد أن الشعراء الجزائريين قد التحموا فيها بالنضال والمقاومة، وشاركوا الشعب في كفاحه الوطني، حتى أد أحد الأدباء الجزائريين قال: "الشعر والحرب شيء واحد، وقصيدتي هي الشعب"، وبالتالي ظهرت لغة جديدة جسدت معايشة الشعراء للعمل الثوري للغة شاعر الثورة مفدي زكريا في قصيدته الشهيرة: "نطق الرصاص دما يباح كلام " وجرى القصاص فما يتاح ملام السيف أصدق لهجة من أحرف كتبت فكان بيانها الإبهام وفي هذه الفترة ظهرت محاولات الريادة في الشعر الجزائري نتيجة البحث عن شكل جديد للتجربة، إذ إن الشاعر الجزائري وجد نفسه ليس ثائراً على الاستعمار فقط، وإنما يمتلك إرادة الثورة والرفض والتمرد على كل ما في الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي آنذاك، وبعد الاستقلال في عام 1962 ظهر جيل جديد كانت ولادات شعرائه أيام الثورة التحريرية، وقد استكمل هذا الجيل مسيرة الحداثة في الشعر، ومع ذلك بقي الشكل الكلاسيكي للقصيدة قويا عبر شعراء مثل مصطفى الغماري ومحمد ناصر ومحمد بن رقطان، إلى جانب قصيدة التفعيلة عند جروة علاوة وهبى وإدريس بوذيبة وأحلام مستغانمي، أضف إلى ذلك تيارا يزاوج بين القصيدة الخليلية وشعر التفعيلة، ومن شعرائه عياش يحياوي وجمال طاهري ونورة السعدي.
الفصل الثاني يخصصه المؤلف لنقد تطبيقي عن الشعر الجزائري ، فيحلل مجموعة "قائمة المغضوب عليهم" للشاعر أحمد حمدي، ومجموعة "أطفال بورسعيد يهاجرون إلى ماي " للشاعر عبدالعالي رازقي، و"الجميلة تقتل الوحش" للشاعر أرزاج عمر، و"رصاص وزنابق" لعمار بن زايد.
روايات وقصص حديثة
الباب الثاني يخصصه دوغان للحديث عن الرواية الجزائرية الحديثة، ويحدد: الرواية المكتوبة باللغة العربية، وهي من مواليد السبعينيات عدا روايتين هما "غادة أم القرى" لأحمد حوحو، و"الطالب المنكوب" لعبدالمجيد الشافعي، فقد صدرتا في أواخر الأربعينيات، وكانت أول رواية فنية عرفها الأدب الجزائري هي "ريح الجنوب "لعبدالحميد بن حدوقة عام 1970، ومن خلال سبر بيبلوغرافي للرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية يتبين للمؤلف أنها بلغت خمسا وأربعين رواية حتى صيف عام 1984، وقد عالجت المواضيع التالية: الثورة الجزائرية- الثورة ا لزراعية- الالتزام ونقد الواقع- الجالية الجزائرية في المهاجر- الهجرة من الريف إلى المدينة- قضايا أخرى، وكان للثورة الجزائرية المسلحة "1954- 1962 رصيدها الجم في الرواية، وجاء التشخيص لأحداثها واعيا حينا، وعاطفيا حينا آخر لقد تأخرت نشأة القصة الجزائرية عن نشأتها في البلدان العربية لأن ما عانته الجزائر من جراء الاستعمار الفرنسي قد شل حركة الثقافة القومية، وإذا كانت بذور القصة الجزائرية قد بدأت في الثلاثينيات بشكل مقامة، آو مقالة، فإنها لم تأخذ شكلها القريب من الناحية الفنية إلا في الأربعينيات، ومن الذين اشتهروا في تلك الفترة محمد السعيد الزاهري ومحمد العابد الجلالي وعبدالمجيد الشافعي، ومنذ عام 1945 ومع المجازر الفرنسية بحق الجزائريين فرضت الثورة نفسها على الأدب الجزائري، بما فيه القصة والتي تبلورت فكريا بعد عام 1954، فبرزت أسماء أحمد بن عاشور وزهور ونيسي وأحمد رضا حوحو وشريف الحسيني، ويعتبر أحمد حوحو رائد القصة الجزائرية، فله مجموعة "صاحبة الوحي وقصص أخرى" نشرت عام 1954 ومجموعة "نماذج بحرية" نشرت عام 1955.
وفي السبعينيات ظهرت أسماء جديدة لديها إرادة وطموح وتملك ثروة ثقافية تمكنها من العطاء والإبداع، منها بلحسن، وجروة علاوة وهبي، محمد الزاوي، عمر بن قينة، محمد حيدار، شريف شتانلية- إسماعيل غموقات، مرزاق بقطاش، الأعرج واسيني، وما من شك في أن القصة القصيرة في الجزائر بخير، بل هي تسير في تطور مستمر أكثر من الشعر، والسبب هو أن القصة وجدت والواقع ينبض بالحيوية "وإذا كانت الجزائر حافلة بنضالها، فإن القصة القصيرة مازالت إلى الآن تحمل إلينا صدى النضال فخرا واعتزازا، وتجعلنا نشم رائحة البارود في جبال أوراس ونسمع أزيز الرصاص المنطلق من حي القصة بالجزائر العاصمة، لأن الحدث أكبر من أن يسجل في فن من الفنون، وقد أخذت القصة القصيرة تعرض لنا ما عزمت عليه الإرادة الشخصية الجزائرية، فإذا بنا أمام العامل والفلاح والموظف وجهاً لوجه،- ص 170.
ثم ينتقل المؤلف إلى دراسة الصوت النسائي في القصة الجزائرية الحديثة، فيخصص لذلك فصلا يوضح فيه أن الوعي ينمو لدى الصوت النسائي في القصة الجزائرية، فيأتي على القضايا الاجتماعية بمحاورها الكثيرة، فالقاصة زهور ونيسي قدمت عدة قصص تبرز الوجه الاجتماعي للمرأة الجزائرية، والقاصة زليخة السعودي عبرت في قصصها عن الألم الاجتماعي، وجميلة زنير تبنت في قصصها "مجموعة شرائح " من الواقع الجزائري، وكذلك القاصة خيرة بغدود التي تعرض في قصصها جملة مشاكل اجتماعية، أما نجيبة أرسلان فقد رسمت عالم المرأة الجزائرية وعلاقتها بالمجتمع.
المسرح والتحريض
ويتابع المؤلف جهده الكجير فيخصص بابا للمسرح الجزائري الذي عانى كثيرا بسبب محاربة الاستعمار الفرنسي له، لأن المسرح يشكل تماسا مع الجمهور ويحرضه على الثورة، وقد تعرف الجزائريون على المسرح العربي عام 1921 عندما نزل الفنان جورج أبيض مع فرقته في الجزائر، وفيها قدر مسرحيتين هما "صلاح الدين الأيوبي " و"ثأر العرب"، وفي العام نفسه قدم الممثل "علالو" مشهدا هزليا في إحدى القاعات السينمائية في العاصمة، وفي عام 1922 قدمت مسرحية "في سبيل الوطن "، وهكذا ولد المسرح في الجزائر متواضعا، بيد أنه نشط في عام 1954 مواكبا الثورة، ومن أشهر رواد المسرح آنذاك "رشيد القسطنطيي" و"علالو سلالي"، لكن المسلطة الفرنسية حاولت إخضاع المسرح لسلطتها، فاضطر المسرحيون إلى مغادرة الجزائر والعمل في الخارج.
ويعتبر المسرح الوطني في العاصمة الصوت الأول للمسرح في الجزائر، ولكن الحركة المسرحية لم تستفد كثيرا، ولم تتطور كما حصل في باقي الميادين، وإنما عمل المسرحيون على مسايرة العمل، إذ قدم المسرح الجزائري عروضا مسرحية تحت إشراف مصطفى كاتب الذي واكب المسرح طويلا، ولكن المرحلة الثانية والاهم في تجربة المسرح الجزائري قد انطلقت مع قرار اللا مركزية بإحداث مسارح جمهورية في كل من وهران وعنابة وقسنطينة وبلعباس. ومن الملاحظ أن المؤلف لم يطل كثيرا في دراسة المسرح قياسا لما فعله في الشعر والقصة والرواية، كما لم يخصص له نقدا تطبيقيا.
شخصيات من الأدب الجزائري الحديث
الباب السادس يفرده المؤلف للحديث بشكل مسهب عن بعض الشخصيات الأدبية في الجزائر، ومنهم الشاعر محمد العيد آل خليفة أحد رواد الفكر الجزائري "فإذا قيل يوماً عن أحمد شوقي "أمير الشعراء" قيل عر محمد العيد آل خليفة "أمير شعراء الجزائر" و"شاعر النهضة الجزائرية" و"رائد الشعر
الجزائري في العصر الحديث.. "- ص: 256.
ولد الشاعر محمد العيد آل خليفة في عام 1904 بمدينة عين البيضاء، وفي عام 1921 استكمل تعليمه في تونس، وفي عام 1927 عاد للجزائر ومارس التدريس فيها، وأسهم في تأسيس "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، وبدأ بنشر شعره في الصحف والمجلات ومنها قصيدته الشهيرة "يا نفس" ومطلعها: عرفتك يا نفس ازهدي أو ترهبي على كل حال مذهبي فيك مذهبي وقد عرضته هذه القصيدة للتحقيق من قبل الاستخبارات الفرنسية ثم المضايقات، وفي عام 1940 ترك الجزائر العاصمة عائدا إلى بسكرة ثم إلى مدن أخرى إلى أن قامت الثورة فشارك فيها بشعره، ثم تم سجنه في سجن "الكدية"، وعندما أطلقت فرنسا سراحه فرضت عليه الإقامة الجبرية، وفي عام 1979 رحل إلى الدار الآخرة بعد أن ترك مجموعة مؤلفات شعرية ونحوية ومسرحية.
ويتحدث المؤلف بشكل مفصل عن جوانب أدب محمد العيد مستشهداً بأشعاره، موضحا أنه كان شاعرا قوميا أنشد للعروبة والعرب، وشاعرا إسلاميا معتزا بالإسلام داعيا للتمسك به، بالإضافة إلى أثره في تجديد القصيدة الجزائرية وعلى نفس النهج التاريخي التحليلي يتحدث المؤلف عن شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا، وعن الشاعر والروائي مالك حداد، وعن الناقد محمد مصايف، ويؤرخ سيرة وأدب البشير الإبراهيمي، والمفكر والمؤرخ أحمد توفيق المدني، والأديب أبو القاسم سعد الله، والأديبة زهور ونيسي والشاعر عبدالقادر السائحي والروائي عبدالحميد بن هدوقة، وقد تميز منهجه بدراسة كل واحد بالخطوات التالية:
1- تاريخ سيرة حياة الشخصية ومن خلال ما كتب في الصحف والدوريات وما كتبه صاحب الشخصية عن نفسه.
2- إحصاء الأعمال المنشورة في الصحف والمجلات وتاريخ نشر كل عمل.
3- تبيان الأعمال المطبوعة في كتب وتواريخ وأماكن طباعتها.
4- دراسة نقدية تحليلية لأدب كل شخصية، ويكفي أن نذك أن الجزء المخصص لدراسة عبدالحميد بن هدوقة مثلا شغل 28 صفحة من الكتاب، أضف أنه وضع فهرسا بالمراجع التي اعتمدها في نهاية كل دراسة عن كل شخصية.
ويتابع أحمد دوغان جهده الكبير فيخصص الباب السابع من الكتاب للحديث عن الدراسات التي ظهرت في الأدب الجزائري الحديث، ويبدأ بكتاب "دراسات في الأدب الجزائري الحديث " للدكتور أبو القاسم سعد الله الصادر عام 1966، أي بعد استقلال الجزائر بأربعة أعوام، ولذلك يعتبر مرجعا مهما عن الأدب الجزائري الحديث، ومن الكتب التي تناولت الأدب الجزائري " الشعر الجزائري الحديث" للدكتور صالح خرفي و"نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر" لعبدالمالك مرتاض. ويستعرض المؤلف ما ورد في هذه الكتب بشكل مفصل لينتقل إلى دراسة "التعريب في الجزائر" فيوضح أنه في عام 1981 صدر كتاب "التعريب بين المبدأ والتطبيق في الجزائر والعالم العربي" للباحث الجزائري أحمد بن نعمان "والمؤلف لا يقتصر على دراسة ميدانية عن حتمية التعريب في الجزائر بل يتوسع فيجري مقارنة مع ما جرى في عدد من بلدان العالم ص 456.