#رأيكم يهمني:
قد تكون هذه حال الكثير ممّن لم يجدوا الدفىء والحنان في بيوتهم، يهربون نحو عالم لا يعلمون بدايته ولا نهايته فإن عجزت عائلاتهم عن احتوائهم فقد تحتويهم الشّوارع، ليصبحوا في الأخير أشخاصاً مجرمين، يحاولون الانتقام من العالم الذي حرمهم الحنان والحب، وسرق من قلوبهم الصّغيرة براءتها للأبد.
وأغلب المجرمين في العالم هم أناس محرومون من العطف والحب والحنان، فلذلك تتولّد لديهم الرّغبة في الانتقام، دون أن يهمّهم من تكون الضّحية.
استيقظ في منتصف اللّيل وخرج يمشي حافي القدمين، ثمّ فتح الباب ببطء شديد وخرج نحو مصير مجـــهول.
مقتبس من روايتي.
"فرجينا"
................
طال صمت الأمّ وفي كل ثانية كانت فرجينا تتوقّع تأنيباً عنيفاً من أمّها، لكن طال صمت هذه الأخيرة إلى أن نطقت أخيرا: إلى متى ستظلين عزباء يا ابنتي؟
أجابت الفتاة بعد تردّد:
وأيّ خير فعله بك الزواج يا أمّي؟ هل سيتزوجني رجل يرحل عني بعد سنوات ليدع أبنائي يقاسون مرارة اليتم وأبوهم على قيد الحياة؟ أم ليقاسي أبنائي مرارة الفقر وأبوهم رجل أعمال ثري يرفض أن ينفق عليهم ما داموا في حضن أمّهم؟
- تلك زيجة واحدة من بين الملايين من الزيجات في العالم وهل جميعها انتهت بالتّعاسة آخر المطاف؟
لم تجب فرجينا وأطرقت برأسها إلى الأرض ثم لاحظت أن ضوء القنديل قد بدا خافتا والزّيت قد بدأ ينفذ منه فسارعت لتسوِّي فراشها وفراش أمّها ثمّ خلدت إلى النوم، وتحت ظلمة الكوخ الصّغير أخذت تفكر، وبين مدّ وجزر أمواج أفكارها أخذت تسبح، فتارة ترميها موجة إلى شاطىء ترى نفسها فيه امرأة متزوجة سعيدة، فما تلبث موجة أخرى أن تقذف بها نحو شاطىء آخر، فتجد فيه نفسها زوجة هذا الرّجل الثريّ، إنه لا يكفّ عن التذمّر منها كَوْنَهَا فتاة قروية، لا علم لها بإيتيكيت أناس المدينة في عاداتهم وكلامهم، بل أصبح يتجنّب الخروج معها خوفاً من نظرات زملائه السّاخرة، وما تلبث موجة أخرى أن تقذف بها نحو شاطىء آخر، فترى هنالك أمّها الضريرة وحيدة، يتناوب أهالي القرية على خدمتها، وفي الأخير تأتيها موجة قوية ترمي بها في عمق البحر، إلى حيث قدرها الذي تعيشه الآن وحياتها الرّاهنة، فتسبح علّها تجد شاطئا تلقى فيه الأمان.
آه مرّ الوقت دون أن أشعر، إنّه منتصف اللّيل، ثمّ تستسلم لنوم عميق.
#سنون_الضياع .. رواية لـ مريم باباعمي
إصدار مشترك:
#ببلومانيا_للنشر_والتوزيع
#منشورات_المثقف
سلام
قد تكون هذه حال الكثير ممّن لم يجدوا الدفىء والحنان في بيوتهم، يهربون نحو عالم لا يعلمون بدايته ولا نهايته فإن عجزت عائلاتهم عن احتوائهم فقد تحتويهم الشّوارع، ليصبحوا في الأخير أشخاصاً مجرمين، يحاولون الانتقام من العالم الذي حرمهم الحنان والحب، وسرق من قلوبهم الصّغيرة براءتها للأبد.
وأغلب المجرمين في العالم هم أناس محرومون من العطف والحب والحنان، فلذلك تتولّد لديهم الرّغبة في الانتقام، دون أن يهمّهم من تكون الضّحية.
استيقظ في منتصف اللّيل وخرج يمشي حافي القدمين، ثمّ فتح الباب ببطء شديد وخرج نحو مصير مجـــهول.
مقتبس من روايتي.
"فرجينا"
................
طال صمت الأمّ وفي كل ثانية كانت فرجينا تتوقّع تأنيباً عنيفاً من أمّها، لكن طال صمت هذه الأخيرة إلى أن نطقت أخيرا: إلى متى ستظلين عزباء يا ابنتي؟
أجابت الفتاة بعد تردّد:
وأيّ خير فعله بك الزواج يا أمّي؟ هل سيتزوجني رجل يرحل عني بعد سنوات ليدع أبنائي يقاسون مرارة اليتم وأبوهم على قيد الحياة؟ أم ليقاسي أبنائي مرارة الفقر وأبوهم رجل أعمال ثري يرفض أن ينفق عليهم ما داموا في حضن أمّهم؟
- تلك زيجة واحدة من بين الملايين من الزيجات في العالم وهل جميعها انتهت بالتّعاسة آخر المطاف؟
لم تجب فرجينا وأطرقت برأسها إلى الأرض ثم لاحظت أن ضوء القنديل قد بدا خافتا والزّيت قد بدأ ينفذ منه فسارعت لتسوِّي فراشها وفراش أمّها ثمّ خلدت إلى النوم، وتحت ظلمة الكوخ الصّغير أخذت تفكر، وبين مدّ وجزر أمواج أفكارها أخذت تسبح، فتارة ترميها موجة إلى شاطىء ترى نفسها فيه امرأة متزوجة سعيدة، فما تلبث موجة أخرى أن تقذف بها نحو شاطىء آخر، فتجد فيه نفسها زوجة هذا الرّجل الثريّ، إنه لا يكفّ عن التذمّر منها كَوْنَهَا فتاة قروية، لا علم لها بإيتيكيت أناس المدينة في عاداتهم وكلامهم، بل أصبح يتجنّب الخروج معها خوفاً من نظرات زملائه السّاخرة، وما تلبث موجة أخرى أن تقذف بها نحو شاطىء آخر، فترى هنالك أمّها الضريرة وحيدة، يتناوب أهالي القرية على خدمتها، وفي الأخير تأتيها موجة قوية ترمي بها في عمق البحر، إلى حيث قدرها الذي تعيشه الآن وحياتها الرّاهنة، فتسبح علّها تجد شاطئا تلقى فيه الأمان.
آه مرّ الوقت دون أن أشعر، إنّه منتصف اللّيل، ثمّ تستسلم لنوم عميق.
#سنون_الضياع .. رواية لـ مريم باباعمي
إصدار مشترك:
#ببلومانيا_للنشر_والتوزيع
#منشورات_المثقف
سلام