الأُصُــــــولُ السِّــــــتَّـــــة
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد :
فإنها لفرصة طيبة ألتقي بها بإخواني في الله في بيتٍ من بيوت الله لنتدارس شيئاً من دين الله ، لنتعلَّم شيئا من المسائل الشرعية والأصول العظيمة التي ينبغي لكل مسلم أن يُعنى بضبطها وتحقيقها وتكميلها والإتيان بها على أحسن وجه .
إن موضوع هذه الكلمة هو مع أصولٍ ستةٍ عظيمة للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ، وأنا لا أزيد على قراءة هذه الأصول التي جمعها الإمام رحمه الله ، وربما أستشهد لكلامه بآيات من كتاب الله وأحاديث من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وهذا الإمام العظيم والعلَم الكبير مجدِّد الإسلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله له جهود لا يجهلها كل مسلم ، له جهودٌ جبارة وله أعمالٌ كثيرة في نشر العقيدة وبيان السنة ، ولهذا مثل هذا الإمام العلَم والإمام الكبير ينبغي لكل مسلم أن يُعني برسائله وكتبه ومسائله الكثيرة التي جمَعَها رحمه الله . ولقد كان الناس في هذه البلاد وغيرها يُعنون عناية كبيرة ويهتمُّون اهتماما بالغاً بكتب هذا الإمام رحمه الله ، بل كانت بعض كتبه ورسائله يُعنون بتحفيظها للعوام فضلاً عن طلبة العلم ، فمثلاً الأصول الثلاثة كتب منها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رسالة صغيرة مختصرة خاطب بها العوام ، وكانوا يحفظونها عن ظهر قلب ، وكان أئمة المساجد يحفِّظونها العوام ويختبرونهم فيها في كل وقت لأهميتها .
هذا الإمام العلَم رحمه الله تعالى كان يُعنى بجمْع الأصول المتفرقة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما كان يُعنى رحمه الله بإيراد على كل أصل من هذه الأصول إيراد دليله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولقد بارك الله كثيراً في دعوة هذا العلَم الإمام ، وكتب الله فيها خيراً كثيرا ، وانتفع بها خلقٌ كبيرٌ داخل هذه البلاد وخارجها ، حتى هذه البلاد كان فيها قبل زمن هذا الشيخ رحمه الله تعالى كان فيها عبادة للقبور ودعاء غير الله تبارك وتعالى وسؤال الأشجار والأضرحة ؛ فبارك الله تبارك وتعالى بدعوة هذا الرجل ونفع بها النفع الكبير حتى أفادت هذه الدعوة الأمة وانتشرت في الآفاق ، ولقد رأينا في الهند وفي مناطق كثيرة أثر دعوة هذا العلَم رحمه الله ، ولا يزال الناس في هذه البلاد وخارجها يُعنَون برسائل هذا الإمام يُعنون بحفظها ، كم نعرف من الشباب الذين يحفظون كتاب التوحيد ، والذين يحفظون الأصول الثلاثة ، والذين يحفظون كشف الشبهات ، ويحفظون غير هذا الكتاب من كتب هذا الإمام رحمه الله تعالى الرحمة الواسعة .
فكان من ميزات هذا الإمام في كتاباته ومؤلفاته ورسائله : تسهيل العلم ، وتيسير فهمه ، وجمع متفرقه ، والعناية بأصوله ، كان يُعنى بذلك عناية فائقة ؛ وله رسائل متفرقة في ذلك مثل : المسائل الأربعة ، والأصول الثلاثة، وكشف الشبهات ، وكتاب التوحيد ، ورسائل عديدة كان يبعثها إلى العلماء وإلى الدعاة وإلى الأمراء والى جهات عديدة يذكِّرهم بالله ويبين لهم العقيدة والسنة ونصَحَ النصح الكبير رحمه الله تعالى الرحمة الواسعة ، وله حقٌّ علينا كبير أن ندعو له لأن ((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا)) فله حق منا أن ندعو له ، وكذلك أن نُعنى بدراسة كتبه المشتملة على آيات من كتاب الله وأحاديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ بل كان رحمه الله في كثير من كتبه عندما يعقِد الباب أو الترجمة لبيان مسألة من مسائل العقيدة يقتصر في ذكر الباب على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ليس إلا ، ولا يكون له في الباب كلام ، يجمع في الباب بين الآيات والأحاديث وآثار السلف ، كما صنع في كتابه العظيم كتاب التوحيد الذي نفع الله تبارك وتعالى به النفع الكبير .
وكما تعلمون أن هذا الإمام الكبير والعلَم الجليل بُثّ ضدّه في أماكن مُتفرقة دعايات فاسدة وأصبح أعداؤه ينشرون الأسماء المتفرقة والألقاب الكثيرة للتقليل من شأن دعوته ، وأصبح كل إنسان يتمسك بالعقيدة الصحيحة والسنة القويمة التي بيّنها هذا الإمام ووضحها ونشرها واستدل لها بكتبه أصبح يُطلق عليه بأنه وهابي ، ويقصدون بهذا اللقب التشنيع على من يتِّبع هذا العلَم والإمام . وكان كثير من هؤلاء يقع فيه ويثلبه ويقع في سبه وشتمه وهو لا يعلم حقيقة هذا الرجل ولا يعلم حال هذا الرجل ولا يعلم ما يدعو إليه هذا الرجل .
وكلكم يعرف قصة الشيخ عبد الله القرعاوي عندما ذهب إلى الهند وكان يدرس على رجلٍ من علماء الحديث ، فكان هذا الرجل أول ما يبدأ درسه في مجلسه يبدؤه بشتم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، يبدؤه بلعنه ولعن طلابه وتلاميذه وأتباعه ، يفتتح الدرس بذلك ، ثم يبدأ بالدرس وهو محدِّث !! فكان هذا الشيخ عبد الله القرعاوي - والقصة متواترة - يجلس في حلقة هذا الرجل ويعرف أنه من أهل الحديث وأن عقيدته وعقيدة الشيخ واحدة ، ولكن هذا الرجل بسبب الدعايات الكاذبة والدعايات الفاسدة أصبح يقع فيه ، فماذا كان منه ؟ كان منه أن جاء إلى كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ونزع غلاف الكتاب الذي عليه اسم المؤلف ثم جاء به إليه ، وقال : أنا طالب من الطلاب وأريد أن تقرأ لي هذا الكتاب وتنظر في حقيقته وفي حاله وهل هو صحيح أو غير ذلك ؟ وإذا كان عليه ملاحظات تبينها حتى أحذر من هذا الكتاب ، فأخذ هذا المحدِّث كتاب الشيخ كتاب التوحيد وقرأه كاملاً ثم أُعجب به إعجابا كبيرا وقال : إن نفَس هذا المؤلف كنفَس البخاري في الصحيح وأُعجب بالكتاب كثيراً وأخذ يُثني عليه ، فقال لهذا التلميذ عبد الله القرعاوي : من مؤلف هذا الكتاب ؟ فما شاء أن يذكر له مباشرة ويقول له هذا كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي تقع في سبّه وشتمه ، وإنّما قال نذهب إلى مكتبة تبيع الكتب ونعرض عليه هذا للكتاب لعلنا نعرف من خلالها اسم المؤلف . وذهبا معا إلى مكتبة وعرضا على صاحب المكتبة الكتاب ثم بعد ذلك تبين لهذا الإمام أن مؤلف هذا الكتاب هو شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ، فانقلب من يومه بدل أن كان يسبّه ويشتمه انقلب من يومه بالدعاء له والترحم عليه وبيان فضله ونشر محاسنه .
وهذا نأخذ منه فائدة نحن طلبة العلم وطلبة الحق ، نأخذ منه فائدة مهمة وجليلة : ينبغي للمسلم أن يتثبَّت فيما يُنقل له من أخبارٍ عن إخوانه المؤمنين ، و لا يقع في إخوانه بمجرد السماع . الله تبارك وتعالى أمر بالتثبت والتبيُّن والتروي في معرفة الأخبار ، ليس مجرد أن يسمع عن رجل ما فيه كيت وكيت يقع في سبه وشتمه أو ثلبه أو الدعاء عليه أو نحو ذلك ، بل ينبغي أن يتثبت ، إن كان له كتب قرأها ، إن كان له أشرطة سمعها أو ليدَع ذلك ، إن كان طالباً صغيرا ليدع ذلك لأهل العلم . فهذا حقيقة نأخذ منه فائدة ، فهذا رجل محدِّث ويعتني بالحديث ويقع في الإمام محمد بن عبد الوهاب ويلعنه ويشتمه ويبدأ كل درسٍ بذلك ، فهذا فيه حقيقة عبرة وعظة لكل مسلم ؛ فالدعايات هي التي تفرِّق صف المسلمين وتمزق شملهم وتنشر بينهم التباغض والتدابر . وإني بهذه المناسبة لأدعو الله تبارك وتعالى أن يجمع قلوبنا جميعاً على طاعته وأن يجمع قلوبنا على محبة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباع سنته ، وأن يجمعنا كذلك في جنته كما جمعنا في بيته المبارك هذا .
موضوع هذه الكلمة هو ستةُ أصولٍ لهذا العلم العظيم ، هذه الستة الأصول طُبعت في كتب عديدة ، طُبعت مع مجموعة التوحيد ، وطُبعت مع مجموعة مؤلفاته رحمه الله تعالى التي نُشرت في جامعة الإمام محمد بن سعود ، وطُبعت مع الدرر السنية ، طُبعت في عدة أماكن وهي رسالة صغيرة تقع في صفحتين لكن الإمام رحمه الله جمع فيها ستة أصولٍ عظيمةٍ مفيدةٍ جليلةٍ أخذها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وينبغي لطلبة العلم أن يُعنوا بهذه الأصول العظيمة .
(نقلا من مقدمة شرح الأصول الستة للشيخ الفاضل عبد الرزاق البدر، و ذلك لمناسبتها المقام من ذكر تعريف للشيخ محمد إبن عبد الوهاب (رحمه الله) ضمنه دفاع عنه و بيان لمكانته،و كذلك جرت عادة أهل العلم في شرحهم للكتب و الرسائل و المتون تحقيق صحة الرسائل وبيان مصادرها و ذكر دور ناشريها، و هذا ما عرض له الشيخ عبد الرزاق في مقدمته).
.......................................................................................................
قال المؤلف شيخ الإسلام:
من أعجب العجاب, وأكبر الآيات الدالة على قدرة الملك الغلاب ستة أصول بَيَّنَها الله تعالى بيانًا واضحًا للعوام فوق ما يظن الظانون, ثم بعد هذا غلط فيها كثير من أذكياء العالم وعقلاء بني آدم إلا أقل القليل.
قوله: "بسم الله".
ابتدأ المؤلف -رحمه الله تعالى- كتابه بالبسملة اقتداءً بكتاب الله ( عز و جل)، فإنه مبدوء بالبسملة, واقتداءً برسول الله ( صلى الله عليه و سلم)، فإنه يبدأ كتبه ورسائله بالبسملة.
والجار والمجرور متعلق بفعل محذوف مؤخر مناسب للمقام تقديره هنا: "بسم الله أكتب".
وقدرناه فعلاً: لأن الأصل في العمل الأفعال.
وقدرناه مؤخرًا لفائدتين:
الأولى: التبرك بالبداءة باسم الله تعالى.
الثانية: إفادة الحصر؛ لأن تقديم المتعلق به يفيد الحصر.
وقدرناه مناسبًا: لأنه أدل على المراد، فلو قلنا مثلاً عندما نريد أن نقرأ كتابًا: بسم الله نبتدئ. ما يدرى بماذا نبتدئ, لكن بسم الله نقرأ أدل على المراد.
قوله : "الله" .
لفظ الجلالة علم على الباري -جل وعلا-، وهو الاسم الذي تتبعه جميع الأسماء حتى إنه في قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) [إبراهيم:1-2]. لا نقول: إن لفظ الجلالة "الله" صفة. بل نقول: هي عطف بيان. لئلا يكون لفظ الجلالة تابعًا تبعية النعت للمنعوت؛ ولهذا قال العلماء: أعرف المعارف لفظ "الله"؛ لأنه لا يدل على أحد سوى الله ( عز و جل).
قوله: "الرحمن".
الرحمن: اسم من الأسماء المختصة بالله لا يطلق على غيره.
ومعناه: المتصف بالرحمة الواسعة.
قوله: "الرحيم".
الرحيم: اسم يطلق على الله ( عز و جل) وعلى غيره.
ومعناه: ذو الرحمة الواصلة, فالرحمن: ذو الرحمة الواسعة, والرحيم: ذو الرحمة الواصلة، فإذا جمعا صار المراد بالرحيم: الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده, كما قال الله تعالى: (يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) [العنكبوت:21]. والمراد بالرحمن: الواسع الرحمة.
قوله: "من أعجب العجاب, وأكبر الآيات الدالة على قدرة الملك الغلاب ستة أصول….إلخ":
شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- له عناية بالرسائل المختصرة التي يفهمها العامي وطالب العلم, ومن هذه الرسائل هذه الرسالة "ستة أصول عظيمة" وهي:
الأصل الأول: الإخلاص وبيان ضده وهو الشرك.
الأصل الثاني: الاجتماع في الدين, والنهي عن التفرق فيه.
الأصل الثالث: السمع والطاعة لولاة الأمر.
الأصل الرابع: بيان العلم والعلماء, والفقه والفقهاء، ومن تشبه بِهم وليس منهم.
الأصل الخامس: بيان من هم أولياء الله.
الأصل السادس: رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة.
وهذه الأصول أصول مهمة جديرة بالعناية, ونحن نستعين بالله تعالى في شرحها والتعليق عليها بما يسَّر الله.
إلى هنا انتهى شرح العلامة ابن عثيمين (رحمه الله) على مقدمة الأصول الستة.
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد :
فإنها لفرصة طيبة ألتقي بها بإخواني في الله في بيتٍ من بيوت الله لنتدارس شيئاً من دين الله ، لنتعلَّم شيئا من المسائل الشرعية والأصول العظيمة التي ينبغي لكل مسلم أن يُعنى بضبطها وتحقيقها وتكميلها والإتيان بها على أحسن وجه .
إن موضوع هذه الكلمة هو مع أصولٍ ستةٍ عظيمة للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ، وأنا لا أزيد على قراءة هذه الأصول التي جمعها الإمام رحمه الله ، وربما أستشهد لكلامه بآيات من كتاب الله وأحاديث من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وهذا الإمام العظيم والعلَم الكبير مجدِّد الإسلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله له جهود لا يجهلها كل مسلم ، له جهودٌ جبارة وله أعمالٌ كثيرة في نشر العقيدة وبيان السنة ، ولهذا مثل هذا الإمام العلَم والإمام الكبير ينبغي لكل مسلم أن يُعني برسائله وكتبه ومسائله الكثيرة التي جمَعَها رحمه الله . ولقد كان الناس في هذه البلاد وغيرها يُعنون عناية كبيرة ويهتمُّون اهتماما بالغاً بكتب هذا الإمام رحمه الله ، بل كانت بعض كتبه ورسائله يُعنون بتحفيظها للعوام فضلاً عن طلبة العلم ، فمثلاً الأصول الثلاثة كتب منها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رسالة صغيرة مختصرة خاطب بها العوام ، وكانوا يحفظونها عن ظهر قلب ، وكان أئمة المساجد يحفِّظونها العوام ويختبرونهم فيها في كل وقت لأهميتها .
هذا الإمام العلَم رحمه الله تعالى كان يُعنى بجمْع الأصول المتفرقة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما كان يُعنى رحمه الله بإيراد على كل أصل من هذه الأصول إيراد دليله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولقد بارك الله كثيراً في دعوة هذا العلَم الإمام ، وكتب الله فيها خيراً كثيرا ، وانتفع بها خلقٌ كبيرٌ داخل هذه البلاد وخارجها ، حتى هذه البلاد كان فيها قبل زمن هذا الشيخ رحمه الله تعالى كان فيها عبادة للقبور ودعاء غير الله تبارك وتعالى وسؤال الأشجار والأضرحة ؛ فبارك الله تبارك وتعالى بدعوة هذا الرجل ونفع بها النفع الكبير حتى أفادت هذه الدعوة الأمة وانتشرت في الآفاق ، ولقد رأينا في الهند وفي مناطق كثيرة أثر دعوة هذا العلَم رحمه الله ، ولا يزال الناس في هذه البلاد وخارجها يُعنَون برسائل هذا الإمام يُعنون بحفظها ، كم نعرف من الشباب الذين يحفظون كتاب التوحيد ، والذين يحفظون الأصول الثلاثة ، والذين يحفظون كشف الشبهات ، ويحفظون غير هذا الكتاب من كتب هذا الإمام رحمه الله تعالى الرحمة الواسعة .
فكان من ميزات هذا الإمام في كتاباته ومؤلفاته ورسائله : تسهيل العلم ، وتيسير فهمه ، وجمع متفرقه ، والعناية بأصوله ، كان يُعنى بذلك عناية فائقة ؛ وله رسائل متفرقة في ذلك مثل : المسائل الأربعة ، والأصول الثلاثة، وكشف الشبهات ، وكتاب التوحيد ، ورسائل عديدة كان يبعثها إلى العلماء وإلى الدعاة وإلى الأمراء والى جهات عديدة يذكِّرهم بالله ويبين لهم العقيدة والسنة ونصَحَ النصح الكبير رحمه الله تعالى الرحمة الواسعة ، وله حقٌّ علينا كبير أن ندعو له لأن ((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا)) فله حق منا أن ندعو له ، وكذلك أن نُعنى بدراسة كتبه المشتملة على آيات من كتاب الله وأحاديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ بل كان رحمه الله في كثير من كتبه عندما يعقِد الباب أو الترجمة لبيان مسألة من مسائل العقيدة يقتصر في ذكر الباب على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ليس إلا ، ولا يكون له في الباب كلام ، يجمع في الباب بين الآيات والأحاديث وآثار السلف ، كما صنع في كتابه العظيم كتاب التوحيد الذي نفع الله تبارك وتعالى به النفع الكبير .
وكما تعلمون أن هذا الإمام الكبير والعلَم الجليل بُثّ ضدّه في أماكن مُتفرقة دعايات فاسدة وأصبح أعداؤه ينشرون الأسماء المتفرقة والألقاب الكثيرة للتقليل من شأن دعوته ، وأصبح كل إنسان يتمسك بالعقيدة الصحيحة والسنة القويمة التي بيّنها هذا الإمام ووضحها ونشرها واستدل لها بكتبه أصبح يُطلق عليه بأنه وهابي ، ويقصدون بهذا اللقب التشنيع على من يتِّبع هذا العلَم والإمام . وكان كثير من هؤلاء يقع فيه ويثلبه ويقع في سبه وشتمه وهو لا يعلم حقيقة هذا الرجل ولا يعلم حال هذا الرجل ولا يعلم ما يدعو إليه هذا الرجل .
وكلكم يعرف قصة الشيخ عبد الله القرعاوي عندما ذهب إلى الهند وكان يدرس على رجلٍ من علماء الحديث ، فكان هذا الرجل أول ما يبدأ درسه في مجلسه يبدؤه بشتم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، يبدؤه بلعنه ولعن طلابه وتلاميذه وأتباعه ، يفتتح الدرس بذلك ، ثم يبدأ بالدرس وهو محدِّث !! فكان هذا الشيخ عبد الله القرعاوي - والقصة متواترة - يجلس في حلقة هذا الرجل ويعرف أنه من أهل الحديث وأن عقيدته وعقيدة الشيخ واحدة ، ولكن هذا الرجل بسبب الدعايات الكاذبة والدعايات الفاسدة أصبح يقع فيه ، فماذا كان منه ؟ كان منه أن جاء إلى كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ونزع غلاف الكتاب الذي عليه اسم المؤلف ثم جاء به إليه ، وقال : أنا طالب من الطلاب وأريد أن تقرأ لي هذا الكتاب وتنظر في حقيقته وفي حاله وهل هو صحيح أو غير ذلك ؟ وإذا كان عليه ملاحظات تبينها حتى أحذر من هذا الكتاب ، فأخذ هذا المحدِّث كتاب الشيخ كتاب التوحيد وقرأه كاملاً ثم أُعجب به إعجابا كبيرا وقال : إن نفَس هذا المؤلف كنفَس البخاري في الصحيح وأُعجب بالكتاب كثيراً وأخذ يُثني عليه ، فقال لهذا التلميذ عبد الله القرعاوي : من مؤلف هذا الكتاب ؟ فما شاء أن يذكر له مباشرة ويقول له هذا كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي تقع في سبّه وشتمه ، وإنّما قال نذهب إلى مكتبة تبيع الكتب ونعرض عليه هذا للكتاب لعلنا نعرف من خلالها اسم المؤلف . وذهبا معا إلى مكتبة وعرضا على صاحب المكتبة الكتاب ثم بعد ذلك تبين لهذا الإمام أن مؤلف هذا الكتاب هو شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ، فانقلب من يومه بدل أن كان يسبّه ويشتمه انقلب من يومه بالدعاء له والترحم عليه وبيان فضله ونشر محاسنه .
وهذا نأخذ منه فائدة نحن طلبة العلم وطلبة الحق ، نأخذ منه فائدة مهمة وجليلة : ينبغي للمسلم أن يتثبَّت فيما يُنقل له من أخبارٍ عن إخوانه المؤمنين ، و لا يقع في إخوانه بمجرد السماع . الله تبارك وتعالى أمر بالتثبت والتبيُّن والتروي في معرفة الأخبار ، ليس مجرد أن يسمع عن رجل ما فيه كيت وكيت يقع في سبه وشتمه أو ثلبه أو الدعاء عليه أو نحو ذلك ، بل ينبغي أن يتثبت ، إن كان له كتب قرأها ، إن كان له أشرطة سمعها أو ليدَع ذلك ، إن كان طالباً صغيرا ليدع ذلك لأهل العلم . فهذا حقيقة نأخذ منه فائدة ، فهذا رجل محدِّث ويعتني بالحديث ويقع في الإمام محمد بن عبد الوهاب ويلعنه ويشتمه ويبدأ كل درسٍ بذلك ، فهذا فيه حقيقة عبرة وعظة لكل مسلم ؛ فالدعايات هي التي تفرِّق صف المسلمين وتمزق شملهم وتنشر بينهم التباغض والتدابر . وإني بهذه المناسبة لأدعو الله تبارك وتعالى أن يجمع قلوبنا جميعاً على طاعته وأن يجمع قلوبنا على محبة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباع سنته ، وأن يجمعنا كذلك في جنته كما جمعنا في بيته المبارك هذا .
موضوع هذه الكلمة هو ستةُ أصولٍ لهذا العلم العظيم ، هذه الستة الأصول طُبعت في كتب عديدة ، طُبعت مع مجموعة التوحيد ، وطُبعت مع مجموعة مؤلفاته رحمه الله تعالى التي نُشرت في جامعة الإمام محمد بن سعود ، وطُبعت مع الدرر السنية ، طُبعت في عدة أماكن وهي رسالة صغيرة تقع في صفحتين لكن الإمام رحمه الله جمع فيها ستة أصولٍ عظيمةٍ مفيدةٍ جليلةٍ أخذها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وينبغي لطلبة العلم أن يُعنوا بهذه الأصول العظيمة .
(نقلا من مقدمة شرح الأصول الستة للشيخ الفاضل عبد الرزاق البدر، و ذلك لمناسبتها المقام من ذكر تعريف للشيخ محمد إبن عبد الوهاب (رحمه الله) ضمنه دفاع عنه و بيان لمكانته،و كذلك جرت عادة أهل العلم في شرحهم للكتب و الرسائل و المتون تحقيق صحة الرسائل وبيان مصادرها و ذكر دور ناشريها، و هذا ما عرض له الشيخ عبد الرزاق في مقدمته).
.......................................................................................................
قال المؤلف شيخ الإسلام:
من أعجب العجاب, وأكبر الآيات الدالة على قدرة الملك الغلاب ستة أصول بَيَّنَها الله تعالى بيانًا واضحًا للعوام فوق ما يظن الظانون, ثم بعد هذا غلط فيها كثير من أذكياء العالم وعقلاء بني آدم إلا أقل القليل.
قوله: "بسم الله".
ابتدأ المؤلف -رحمه الله تعالى- كتابه بالبسملة اقتداءً بكتاب الله ( عز و جل)، فإنه مبدوء بالبسملة, واقتداءً برسول الله ( صلى الله عليه و سلم)، فإنه يبدأ كتبه ورسائله بالبسملة.
والجار والمجرور متعلق بفعل محذوف مؤخر مناسب للمقام تقديره هنا: "بسم الله أكتب".
وقدرناه فعلاً: لأن الأصل في العمل الأفعال.
وقدرناه مؤخرًا لفائدتين:
الأولى: التبرك بالبداءة باسم الله تعالى.
الثانية: إفادة الحصر؛ لأن تقديم المتعلق به يفيد الحصر.
وقدرناه مناسبًا: لأنه أدل على المراد، فلو قلنا مثلاً عندما نريد أن نقرأ كتابًا: بسم الله نبتدئ. ما يدرى بماذا نبتدئ, لكن بسم الله نقرأ أدل على المراد.
قوله : "الله" .
قوله: "الرحمن".
الرحمن: اسم من الأسماء المختصة بالله لا يطلق على غيره.
ومعناه: المتصف بالرحمة الواسعة.
قوله: "الرحيم".
الرحيم: اسم يطلق على الله ( عز و جل) وعلى غيره.
ومعناه: ذو الرحمة الواصلة, فالرحمن: ذو الرحمة الواسعة, والرحيم: ذو الرحمة الواصلة، فإذا جمعا صار المراد بالرحيم: الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده, كما قال الله تعالى: (يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) [العنكبوت:21]. والمراد بالرحمن: الواسع الرحمة.
قوله: "من أعجب العجاب, وأكبر الآيات الدالة على قدرة الملك الغلاب ستة أصول….إلخ":
شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- له عناية بالرسائل المختصرة التي يفهمها العامي وطالب العلم, ومن هذه الرسائل هذه الرسالة "ستة أصول عظيمة" وهي:
الأصل الأول: الإخلاص وبيان ضده وهو الشرك.
الأصل الثاني: الاجتماع في الدين, والنهي عن التفرق فيه.
الأصل الثالث: السمع والطاعة لولاة الأمر.
الأصل الرابع: بيان العلم والعلماء, والفقه والفقهاء، ومن تشبه بِهم وليس منهم.
الأصل الخامس: بيان من هم أولياء الله.
الأصل السادس: رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة.
وهذه الأصول أصول مهمة جديرة بالعناية, ونحن نستعين بالله تعالى في شرحها والتعليق عليها بما يسَّر الله.
إلى هنا انتهى شرح العلامة ابن عثيمين (رحمه الله) على مقدمة الأصول الستة.
آخر تعديل: