الجمعة 29 ديسمبر/كانون الاول 2017
بوتفليقة يطوق أزمة الحراك الأمازيغي في الجزائر
- انتزع أنصار الهوية الأمازيغية في الجزائر، مكاسب جديدة للهوية المحلية، بعد إقرار السلطة باعتبار عيد يناير الأمازيغي عيدا وطنيا، فضلا عن تفعيل آلية الأكاديمية الأمازيغية، المنصوص عليها في الدستور الجديد للبلاد، من أجل تجسيد ثالوث الهوية الجزائرية، وتعميم تعليم اللغة الأمازيغية، وذلك في أعقاب اجتماع مجلس الوزراء المنعقد مساء الأربعاء، تحت إشراف رئيس البلاد عبدالعزيز بوتفليقة.
انتصار جديد
الجزائر - قرر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، خلال اجتماع مجلس الوزراء اعتبار عيد يناير الأمازيغي المصادف لـ12 يناير عيدا وطنيا كغيره من الأعياد الوطنية، مدفوعة الأجر، وتحظى باحتفاليات شعبية ورسمية، لإحياء المناسبة وإقامة تظاهرات مختلفة.
وجاء في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية، عقب اجتماع مجلس الوزراء أن بوتفليقة “أمر الحكومة بعدم ادّخار أي جهد لتعميم تعليم واستعمال اللغة الأمازيغية وفقا لجوهر الدستور، كما كلّف رئيس الجمهورية الحكومة بالإسراع في إعداد مشروع القانون العضوي المتعلق بإنشاء الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية”.
وأوضح البيان أن بوتفليقة ذكر خلال اجتماع مجلس الوزراء أن “هذا الإجراء على غرار كل الإجراءات التي اتخذت سابقا لصالح هويتنا الوطنية بمقوماتها الثلاثة الإسلامية والعربية والأمازيغية، كفيل بتعزيز الوحدة والاستقرار الوطنيين في الوقت الذي تستوقفنا فيه العديد من التحديات على الصعيدين الداخلي والإقليمي”.
وجاء قرار الرئيس الجزائري استجابة لمطالب رفعها أنصار الهوية الأمازيغية في البلاد، في مختلف المحطات النضالية، بداية بما يعرف بـ”الربيع الأمازيغي” في مطلع ثمانينات القرن الماضي، إلى غاية الحراك الأخير الذي عاشته عدة مدن ومحافظات في منطقة القبائل بوسط البلاد الشهر الجاري.
وظل الاعتراف بـ”يناير” كعيد وطني كغيره من الأعياد الوطنية، أحد المطالب المفصلية التي رفعها نشطاء وقادة الحراك الأمازيغي، لا سيما وأنّ المسألة لم تكن تحتاج إلا لاعتراف رسميّ من طرف السلطة.
وتبقى التظاهرات الاجتماعية والثقافية المخلدة للذكرى، محلّ وفاء شعبي في عموم التراب الجزائري، لا سيما في منطقة القبائل الأمازيغية.
إرساء تعليم الأمازيغية يتطلب سنوات من البحث والجهود، نظرا إلى العراقيل الموضوعية المطروحة على الصعيد العملي
وعاشت الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة، احتجاجات ومظاهرات شعبية وطلابية، احتجاجا على إسقاط الأغلبية البرلمانية لبند تقدّم به حزب العمال اليساري المعارض، من أجل تخصيص غلاف مالي لترقية وتعميم تعليم اللغة الأمازيغية، وذلك بدعوى الضغوطات التي تفرضها الأزمة الاقتصادية على الموازنة العامة التي أعدّتها الحكومة للعام الجديد.
وكان الباحث والمؤرخ محمد أرزق فراد، قد أكد في تصريح سابق لـ”العرب”، بأن “الاعتراف الرسمي بالأمازيغية كلغة وطنية رسمية في الدستور الجديد، يحتاج إلى تكريس وتفعيل آلية الأكاديمية الأمازيغية، لفسح المجال أمام المختصين والباحثين لإرساء قواعد وأسس تعليمها في المدارس والجامعات”.
وأضاف “تردد الحكومة في تجسيد مشروع الأكاديمية، عزز الشكوك لدى أنصار المكوّن الأمازيغي في الهوية الوطنية، وفتح المجال أمام التوظيف السياسي والأيديولوجي، الذي يستهدف أجندات تضرّ بوحدة واستقرار البلاد، حيث تحاول البعض من الأطراف استثمار الوضع في أطروحة فصل منطقة القبائل عن الوطن الأم”.
وتعدّ “حركة استقلال القبائل” التي يقودها فرحات مهني، أبرز الفعاليات الأمازيغية التي تحاول اختراق مختلف الاحتجاجات الاجتماعية والثقافية في المنطقة، من أجل الترويج لأفكار الانفصال، وإثارة الرأي العام الدولي، لا سيما الدوائر الراعية لها.
وتذكر معطيات أمنية عن وقوف الحركة وراء المراسلات التي وجّهت خلال السنوات الماضية، بهيئات دولية طلبا لما أسمته بحماية الأقليات، وذلك بالموازاة مع الأحداث التي شهدتها منطقة غرداية بجنوب البلاد في 2013 و2014.
وتعدّ فترة حكم بوتفليقة للجزائر أزهى فترات المكاسب اللغوية والثقافية الأمازيغية.
ورغم تشدده في سنوات حكمه الأولى تجاه المطالب المرفوعة، إلا أنه انحنى تحت ضغط أحداث ومواجهات العام 2001، وتقرر في 2002 ترقية الأمازيغية إلى لغة وطنية، وشرعت الحكومة في توسيع تعليمها تدريجيا.
وفي سنة 2008 اعتبرتها تعديلات دستورية جزءا من الهوية الوطنية، ثم أخذت طابع اللغة الوطنية والرسمية في دستور 2015.
وفضلا على ذلك أقرّ الدستور الأخير، تأسيس أكاديمية أمازيغية تضطلع بمهمة بحث ووضع أسس وقواعد تعليم اللغة الأمازيغية، خاصة في ظل المعُوقات التي تحُول دون ذلك باعتراف مختصين وأكاديميين. واعترف الإعلامي والأستاذ السابق للغة الأمازيغية طاهر ولد اعمر في تصريح لـ”العرب”، بأن “إرساء وتعميم تعليم الأمازيغية يتطلب سنوات من البحث والجهود، نظرا إلى العراقيل الموضوعية المطروحة على الصعيد العملي”.
ولم يستبعد مراقبون، المسحة السياسية على قرار الرئيس بوتفليقة، وعلى الحسابات المرتبطة بالاستحقاق الرئاسي في 2019، مهما كانت هوية مرشح السلطة، فهي “تريد مدّ جسور ثقة مع المنطقة المتمردة سياسيا وثقافيا واجتماعيا منذ العقود الماضية، خاصة وأن الرجل تعمّد استهلاك أوراق الحكومة، وقدّم نفسه في ثوب الحليف والمخلص”.