صدام بكل فخر، تم حظره "حظر دائم". السبب: سب وقذف وتهديد والتطاول على الإدارة بألفاظ نابية، والتحريض ضدها سواء في المنتدى أو في الشبكات الإجتماعية. تم التنبيه مرارًا وتكرارًا ولكن دون جدوى.
صرخة الغضب[/H]
-----------
قاسم مثله مثل كل البشر، كان يحلم و يمني نفسه ان يبني بيت صغير ، ذات حديقة ساحرة يزرع فيها زهور الأقحوان ، و يعيش فيه معية " سولاف " بنت الجيران التي أحبها منذ كان ولد صغير ، و ينجب معها بنات و بنين يزينون لهم حياتهم ، و يكسرون سكون صباحهم بصراخهم البريئ .... رغم العقابات التي واجهت قاسم ذلك الشاب الطموح ، الا انه بالارادة و العزيمة استطاع ان يحول احلامه الى حقيقة ، و يرسم الحياة التي ارادها بكل تفاصيلها الصغيرة في الواقع ...... تزوج قاسم بفتاة احلامه ، و معها بنوا ذلك البيت الصغير السعيد ، و انجبوا " لطفي " و بعده " غالي " ، و عاشوا في حب و سعادة ، و كانت ايامهم جميلة جمال قلوبهم الراقية ، لدرجة ان من يمر بجانب منزلهم يحسدهم عن حسن نية ، بسبب الفرح و السعادة المنبعثة من ذلك البيت العادي .
توالت الأيام و تغير حال المكان و توقفت عقارب الزمان ، و حل الشتاء الأسود ليسقط أوراق زهرة الأقحوان ، نشبت الحرب في البلد ، و صار الموت يتربص بكل انسان ، لكن ورغم قطرات الدم المتساقطة ، إستمرت الحياة و الكل قابلها بصبر و ثبات ، إيمانا ان بعد ضلام الليل ، حتما نور الشمس ات ...... ذات يوم ، و بينما كان قاسم يعمل في ورشته المتواضعة رن هاتفه الرث ، وارتسمت على محياه ابتسامة عريضة و هو يرى اسم زوجته على المحمول ، و رد بكل حنين :
- ام اولادي ....
و قبل ان يكمل كلامه و يخبرها انه سعيد لسماع صوتها ، تفاجئ بصوت رجل غريب متردد يقاطعه ..
* سيدي معك الرقيب حسام من الجيش
- اه ... لم افهم ... مرحبا سيدي !
* وجدنا رقمك في الهاتف مسجل عليه زوجي الحبيب ...
- نعم نعم هذا هاتف زوجتي كيف وصل عندك لم افهم ؟
سكت الرقيب لثواني و تسارعت دقات قلب قاسم و تبادر الى ذهنه الاف الأسئلة و اكمل بعجلة و الحيرة غلفت كلماته :
- الو سيدي ... امازلت على الخط !
تنهد الرقيب حسام بعمق ثم رد :
* لم اجد ما أقوله لك سيدي الكريم ، لا حول و لا قوة الا بالله ... انفجرت قنبلة في السوق الشعبي و وجدنا هذا الهاتف في جيب احد الضحايا ....
قاطعه قاسم و يداه ترتجف ، لا تكاد على حمل الهاتف من هول الصاعقة التي دوت مسمعه :
- ماذا ماذا تقول .. انت مخطأ .. ارجوك يوجد خطأ .. اتوسل لك اخي اخبرني انك تمزح .. ارجوك
و رد الرقيب بكل ثبات :
* اسف هذه الحقيقة ، نتمنى قدومك لمصلحة حفظ الجثث لتعرف على الجثة و استلامها .... البقاء لله
سقط قاسم على الارض ساجدا ، و اختلطت دموعه مع التراب ، اسودت الدنيا من حوله ، و تاه عقله في ضباب الذكريات .... بعد دقائق استجمع جسده المنهار و هرول مسرعا مثل المجنون ، تارة يمني نفسه ان الخبر خاطئ ، وتارة اخرى يلكم وجهه بعنف ، عله يستيقظ من هذا الكابوس المرعب ... و ماهي الا لحظات حتى وجد نفسه امام جثة هامدة ، محت الحروق ملامح وجهها ، نعم انها سولاف زوجته التي أحبها ، و صارع الدنيا من اجلها ، أم أولاده التي ألبسته صباحا معطفه ، و همست في اذنه انها ستطهو له في الغداء .. الأكلة التي يحبها ، و اوصته ان يعتني بنفسه ، و لا ينزع وشاح الصوف الذي نسجته بيديها ليقيه برد الشتاء ، ولم تعلم ان غضب الطبيعة ارحم من غدر الانسان ، سولاف التي فرحت لفرحه ، و اضحكته عند حزنه و ساندته طوال السنين ، و كانت بالنسبة اليه، الغطاء الدافي و الدواء الشافي في احلك ايامه ، هاهي قد تركته وحيدا هو و اولاد في منتصف الطريق ، الطريق المضلم الذي كانت ستنيره لهم حتما لو لم تختطفها أيادي الغدر الشيطانية .......
___________
لم يستطع قاسم ان يتحمل غياب زوجته ، و لم يكن قادرا حتى على النظر الى جدران منزله ، كيف ذلك و من كانت رائحتها العطرة تفوح في اركانه ، لتبعث في قلبه الراحة و الطمئنينة قد انتقلت الى جوار رب السماوات ، و مع تزايد حالة الإرهاب و الفوضى في البلاد ، كان لزاما عليه ان يجد طريقة للخلاص ، و فعلا قرر الهجرة الى بلاد أخرى عله ينتشل ابنيه من الرصاص الماطر ، مؤمنا ان دوام الحال من المحال و لربما يعود في يوم ما ، و يرى أحفاده يركضون في المنزل الذي بناه في مخيلته ، قبل ان تعلوا جدرانه الواقع .
انتقلت عائلة قاسم الصغيرة الى " قرفسا "، ذلك البلد الديمقراطي المحصن من الإرهاب و الداعي الى نشر السلام في العالم ، و لانه صاحب حرفة مبدع لم يجد صعوبة في ايجاد عمل قار ، يسد به هو و ابناءه حاجتهم ، و يغنيهم عن مد يدهم للغريب ، اما لطفي و غالي بالرغم من التمييز العنصري الذي قابلهم ، الا انهم استطاعوا مع الايام الاندماج و التعايش مع اهل هذا البلد الجديد .
مرت الشهور و السنوات و قاسم و ابناءه يصارعون تقلبات الحياة ، متمسكين بحقهم في العيش و متناسين ألم الغربة و المعاناة ، كبر الاولاد و اضحى لطفي شابا قوي مفعما بالنشاط و الحيوية ، و بكل امتياز تحصل على شهادة البكالوريا و انتقل الى الكلية ليدرس الطب ، و كم كانت فرحة الأب قاسم كبيرة و هو يحقق حلما من احلام زوجته الراحلة ، و التي كانت تقول دائما مخاطبة للطفي و هو صبي صغير ، اريدك ان تصبح طبيبا شاطرا ، تمسح بيديك ألام المساكين ، اما غالي فمثله مثل اخيه الاكبر كان طالبا مجتهدا في الثانوية ، و صار محبوب الجميع فيها ، و كان موهوبا جدا في كرة القدم ما جعل احد النوادي المحلية تسعى لضمه ، لكن الأب قاسم كان يرفض ذلك في كل مرة خوفا منه على مستقبل ابنه الدراسي ، لكن مع مرور الوقت و إصرار غالي ، غير قراره و اشترط عليه ان يوفق بين النادي و دراسته ، و فعلا كان له ذلك و لم يخيب الابن اباه ، وكان يشارك اخاه كل صغيرة و كبيرة لان لطفي لم يكن مجرد أخ ، بل كان الصاحب و الحامي و الاهم قدوته الشامخة في هذه الحياة ، هذا الأخير الذي كان يدرس اخاه الصغير ، و يعامله معاملة الأم لولدها الرضيع ، و يرشده الى الطريق الصحيح دائما كي يرفعا رأس أبيهم ، و يعوضا تعبه و شبابه الذي افناه في تربيتهم ، فالفضل لما وصلا اليه لله عز وجل ثم للأب المجاهد الذي لم يبخل على ابناءه و حرم نفسه من ابسط الأمور .
شاءت الأقدار ان يصاب قاسم بكسر خطير على مستوى العامود الفقري ، و رغم مجهود الأطباء الا ان الاصابة سببت له إعاقة حركية، منعته من أداء عمله ، فما كان على لطفي الإبن البار الا تحمل مسؤولية البيت و مصاريف علاج والده ، فإضطر مرغما على ترك الكلية و التوجه الى العمل ، و الأهم ان يكمل واجبه تجاه اخاه الصغير الذي لايزال يدرس ، و رغم رفض الأب قاسم للامر في قرارة نفسه ، الا انه استسلم للامر الواقع و كان يردد دائما عبارة دوام الحال من المحال ...... كان لطفي ينهض في الصباح الباكر و يخرج لطلب رزقه ولا يعود الى المنزل الا و معه قوت يومه مهما كانت الظروف ، و رغم النقص الا ان غالي كان متفهما و زاد اصراره اكثر فأكثر على النجاح في دراسته و كذا كرة القدم ، التي يحقق من خلالها الغير الملايين ، و كان طموحه ان يعوض اباه و اخيه ، و يكافئهما على كل ما فعلاه من اجله ، اما الوالد قاسم فكان يراقب ابنيه كل ليلة ، عندما يخلدا الى النوم بعد تعب النهار و على خده دمعة و ابتسامة ، دمعة لانه كان يعي و يدرك معاناة ابنيه و اجتهادهم من اجل ان يرضياه و يعوضاه ، و ابتسامة فخر لانه انجب رجلين باران يعتمد عليهما في الحياة .
سارت الايام على شكلها السابق ، و تميزت بالصمود من كل طرف ، كل حسب طريقته ، و كان غالي تقابله مضايقات عنصرية بين الحين و الأخر ، خاصة من الفتى الطائش " براين " ، ابن احد المسؤولين الكبار و المليونير المشهور في البلد ، الذي لا يفوت فرصة كي يستفز غالي و لا يتوانى عن نعته بابشع العبارات ، غيرتا منه من ذلك الفتى المهاجر الفقير الناجح ، الذي احبه الجميع الا امثاله من المتغطرسين الرافضين لفكرة نجاح الاخر في قرفسا ، لكن غالي قابله دائما ببرودة اعصاب ، لانه يعلم جيدا ان الاحتكاك معه سيسبب المشاكل له و لعائلته ، كيف لا و هو ابن مسؤول كبير فحتي الاساتذة و الموظفين في المدرسة ، يتجنبونه خوفا من بطش ابيه ، و يصبر نفسه دائما بان الوضع لن يستمر ، و في المساء يفجر غضبه في التدريبات و يعود للمنزل كأن شيئا لم يكن ..... في نهاية الفصل الدراسي الثاني قامت الادارة بنشر النتائج في صبورة كانت منصبة في ساحة المدرسة ، اجتمع حولها التلاميذ و لسوء الحظ ، كان بين الحضور الشرير براين و غالي ، و بينما كانا يراجعان القوائم صرخ غالي فرحا لانه تحصل على اكبر معدل في المدرسة ، اما براين فتحصل على معدل ضعيف ، فلتفت بكل حقد و كراهية صوب غالي المحاط بالصبية و البنات المهنئين له لتفوقه ، فزداد غضب براين بسبب الغيرة المفرطة ، و توجه اليه قائلا بسذاجة :
- لماذا تضحك ايها اللاجئ القذر
فرد عليه غالي بكل حكمة :
* سبب فرحي انني تحصلت على نتائج طيبة .. و ان ازعجك هذا فانا اعتذر منك
- تعتذر ايها التافه .. هل تظن انك ستنجح في قرفسا هاهاهاهاهاهاها امثالك مهما كانت نتائجهم سيظلون خدما بدون قيمة ... ايها الارهابي عد الى وطنك
* لن ارد عليك بالمثل فانا احترمك و اتفهم غضبك ..
وهم مغادرا غير مبال بنظرات الاستحقار من قبل براين ، الذي لم يهدأ بعد و لم يكتفي بالكلمات هذه المرة ، و بشكل جبان ضربه بصفحة قوية اسقطته ارضا بين جموع التلاميذ ، جن جنون غالي و تحول هدوئه الى عاصفة ، و امسك براين بكل قوة وانهال عليه بالضربات ، لم يستوعب الجميع ذلك المشهد فبدأ الصراخ ، فتنبه المراقبون للشجار و بصعوبة فرقوا غالي عن براين ، الذي كاد يغمى عليه من شدة الضرب الذي تلقاه ، و لأول مرة أحس براين المدلل الطائش بإهانة كبيرة ، فما كان منه الا الخروج من المدرسة و هو يستشيط غضبا ، اما غالي فتم أخذه الى الادارة و قاموا بتوبيخه بكل قصاوة ، بالرغم علمهم المسبق انه مضلوم و ما تصرفه ذاك الا ردت فعل طبيعة نحو ذلك المتكبر ، لم يتمالك غالي نفسه و بدأت دموعه تتهاطل ، و غادر الغرفة ألم الضلم يمزق قلبه ، مشى بخطوات متثاقلة و نظرات الجميع كانت تأنبه و أحس للحظة أنه حقا إرهابي مثل ما وصفه براين منذ دقائق ، و ما ان صار خارج محيط المدرسة ، حتى سمع صوت عجلات تزأر ، فلتفت و إذ به يرى سيارة اتية صوبه بسرعة جنونية ، شلت اقدامه و مر شريط حياته القصيرة بين عيناه ، اراد الصراخ و لكن صوته قد خانه ..... تطاير جسد غالي في السماء و تطايرت معه الدماء ، و بين الأرض و السماء شاهد وجه أمه مرسوم في بياض السحاب ، و قبل ان يغمض عيناه ، وقف فوق براين فوق رأسه و نظر اليه نظرت إستحقار غير مبالي ، و الغريب ان غالي تبسم إبتسامة رهيبة أرعب بها براين الذي فر امام مرآى الجميع .
شاءت الصدف ان يتلقى قاسم خبر وفاة ابنه عبر الهاتف و بنفس الطريقة تقريبا ، التي تلقى بها خبر وفاة زوجته الغالية ، لكن القلب الذي تحمل الصدمة الاولى ، لم يستطع تحمل الثانية ، فأصيب الاب قاسم بصدمة ، جعلت دقات قلبه تتوقف بدون رجعة ، و هكذا انتهت حياة قاسم و كأنه ابى ان يفارق ابنه الصغير .
اما لطفي لم يتقبل الحكاية و تحول الى وحش كاسر ، و هرول مسرعا بدون شعور نحو القصر الذي يقطنه براين ، كان يطلق صرخات اهزت من هولها أركان القصر الكبير ، و فجأة انهال عليه الحراس الشخصيون بالعصي بدون رحمة امام مرآى المليونير المتسلط والد براين ، الذي دافع عن ابنه بشتى الطرق ، و تغيرت مسار القضية من جريمة قتل بشعة ، الى حادث مرور غير مقصود ، و التزم الشهود بالصمت بل و شهد اكثرهم لصالح لراين ، و كي يقفل الموضوع من و ينتهى زج بلطفي في السجن بتهمة التعدي على مسؤول في الدولة ، و هكذا تفرقت العائلة الصغيرة ، بدون رحمة و لا شفق و حتى وسائل الإعلام لم تنصف تلك العائلة الفقيرة ، لان ذنبهم الوحيد انهم غرباء عن هذا البلد الذي طالم تغنى اهله بالسلام و الأمن ، لكن الواقع أمر أخر .
___________
وقف لطفي امام القاضي شامخا ، و هو ينظر الى عينه نظرة الذئب الجريح ، كانت كل المعطيات تدين لطفى ، و رغم التسائلات التي طرحها القاضي عليه الا ان السكوت كان رده في كل مرة ، و في الاخير نطق القاضي بالحكم المنتظر خمس سنوات نافذة ، و قبل ان يغادر القاضي القاعة ، سأله مرة أخرى و الحيرة بادية على وجهه :
- الى متى ستظل ساكت !!!
و قبل ان يغادر القاضي و الحضور القاعة ، ضرب القفص بشدة و صرخ قائلا :
* لن يعجبكم صوتي عندما يخرج
ذهل الجميع و هم ينظرون اليه ، و ادرك الكل ان وراء هذه الكلمات المعدودة ، عاصفة قادمة ستحرق الاخضر و اليابس ، و ان سكوته ذاك ليس الا علامة غضب جارف .......
مرت الايام و مضت الليالي ، و مزال لطفي يتألم لصمت ، فظنه السجناء أبكم و تقرب منه العديد ولكنه كان يصد الجميع ، و كان على الدوام يقوم بتمرينات بدنية منهكة ، لم يفهم سببها احد ، و في كل ليلة تجده واقفا ينظر الى القمر ، كانه ينتظر رسالة من السماء ، تطفئ النار الملتهبة في فؤادي ، و يستذكر والده و أخاه و الالم يمزق جوفه ، و كم من مرة يستيقض السجناء على وقع صراخه المدوي المتألم ، و بالرغم من تعاطفهم معه الا انهم كانوا يخشون الإقتراب منه ، لان لطفي تحول و اصبح وحشا مخيف يهابه حتى المجرمون .... كانت ايامه تتشابه فاليوم مثل الامس و الامس مثل الغد ، و بين هذا و ذاك ازداد حقده و غضبه أكثر و أكثر ، حتى اصبح مثل القنبلة الموقوتة الايلة للانفجار في اي لحظة ........ و بعد مرور ثلاثة سنوات و لحسن سيرة لطفى طوال فترة مكوثه في السجن ، تقرر العفو عنه و اطلاق سراحه .
غادر لطفي السجن و كله عزم على الانتقام حتى لو كلفه الامر حياته التي إنتهت أساسا بعد رحيل أخاه و أبيه ، و بعد بحث طويل عرف لطفي مكان تواجد براين ، الذي خبأه والده في مكان بعيد ، بعد الجريمة التي قام بها و خرج منها ببساطة و باخف الاضرار ، و لا يزال في طيشه المعتاد غير مبالي بالأسرة التي دمرها ، و الذي كان ذنبهم الوحيد انهم هجروا موطنهم خوفا من بطش الحرب ، لكنهم وجدو ما لم يكن في الحسبان ....
خطط لطفي لتنفيذ انتقامه ، و اعد العدة كي يواجه المجهول الذي ينتظره ، و في احدى الليالي الحالكات تسلل الى القصر الذي كان يقطنه براين ، بعد ان ترصده و علم انه قد دخل ، بعد ليلة حمراء قضاها في احد الحانات ، رغم الحراسة الشديدة الا انه استطاع ان يدخل لغرفة براين ، سحب المسدس و هم للاطلاق عليه ، لكنه توقف قبل الضغط على الزناد ، و قرر ان يقتله بيديه خنقا ، و فعلا قام لطفي بخنقه ، و عينا براين كادت تخرج من مكانها ، و تراء اليه خيال غالي و ابتسامته الاخيرة و بينما كان يصارع الموت ادرك السر وراء تلك الابتسامة التي ارعبته حينها ، و كأن غالي اراد ان يقول له _ سوف أذهب بهدوء و لكنك لن تنعم في حياتك و سيأتي من يقبض روحك بابشع صورة _ ........ غادر لطفي المكان بعد ان ارد براين جثة هامدة ، و احس لأول مرة برحابة الصدر ، و انه ارجع و لو قدرا صغير من حق اسرته الضائع .
بعد التثبت من كاميرات المراقبة ، أيقن والد براين ان لطفي من قتل ابنه ، و اقسم ان يقطعه و يحوله الى قطع لحم يطعمها للكلاب ..... انتشر خبر قتل براين مثل البرق في انحاء البلاد و تداولتها وسائل الإعلام باسهاب عن الحادث ، ووضعت جائزة مالية عملاقة لمن يدل على مكان لطفي ، الذي كان بدوره يسعى لقتل والد براين الضالم ، و كان كل مرة يكتقاقصته و الضلم الذي تعرضوا اليه ، فاصبحت الحكاية على كل لسان ، و اصبح العديد متعاطفين مع لطفي خاصة في اوساط المهاجرين الذين تعرضوا بدورهم لمضالم عديدة تشبه ما تعرضت اليه عائلة قاسم ...... بينما كان والد براين يعقد مؤتمرا صحفيا ، و عندما انهى المؤتمر و هم خارجا ، و على الهواء مباشرةً ، ظهر لطفي بكل شموخ و امطره بالرصاص ، و هو يصرخ بأعلى صوته انا قادم يا أبي ... أنا قادم يا أمي أنا قادم يا أخي الغالي .. أنا قادم يا أسرتي ......
انتهت
-----------
قاسم مثله مثل كل البشر، كان يحلم و يمني نفسه ان يبني بيت صغير ، ذات حديقة ساحرة يزرع فيها زهور الأقحوان ، و يعيش فيه معية " سولاف " بنت الجيران التي أحبها منذ كان ولد صغير ، و ينجب معها بنات و بنين يزينون لهم حياتهم ، و يكسرون سكون صباحهم بصراخهم البريئ .... رغم العقابات التي واجهت قاسم ذلك الشاب الطموح ، الا انه بالارادة و العزيمة استطاع ان يحول احلامه الى حقيقة ، و يرسم الحياة التي ارادها بكل تفاصيلها الصغيرة في الواقع ...... تزوج قاسم بفتاة احلامه ، و معها بنوا ذلك البيت الصغير السعيد ، و انجبوا " لطفي " و بعده " غالي " ، و عاشوا في حب و سعادة ، و كانت ايامهم جميلة جمال قلوبهم الراقية ، لدرجة ان من يمر بجانب منزلهم يحسدهم عن حسن نية ، بسبب الفرح و السعادة المنبعثة من ذلك البيت العادي .
توالت الأيام و تغير حال المكان و توقفت عقارب الزمان ، و حل الشتاء الأسود ليسقط أوراق زهرة الأقحوان ، نشبت الحرب في البلد ، و صار الموت يتربص بكل انسان ، لكن ورغم قطرات الدم المتساقطة ، إستمرت الحياة و الكل قابلها بصبر و ثبات ، إيمانا ان بعد ضلام الليل ، حتما نور الشمس ات ...... ذات يوم ، و بينما كان قاسم يعمل في ورشته المتواضعة رن هاتفه الرث ، وارتسمت على محياه ابتسامة عريضة و هو يرى اسم زوجته على المحمول ، و رد بكل حنين :
- ام اولادي ....
و قبل ان يكمل كلامه و يخبرها انه سعيد لسماع صوتها ، تفاجئ بصوت رجل غريب متردد يقاطعه ..
* سيدي معك الرقيب حسام من الجيش
- اه ... لم افهم ... مرحبا سيدي !
* وجدنا رقمك في الهاتف مسجل عليه زوجي الحبيب ...
- نعم نعم هذا هاتف زوجتي كيف وصل عندك لم افهم ؟
سكت الرقيب لثواني و تسارعت دقات قلب قاسم و تبادر الى ذهنه الاف الأسئلة و اكمل بعجلة و الحيرة غلفت كلماته :
- الو سيدي ... امازلت على الخط !
تنهد الرقيب حسام بعمق ثم رد :
* لم اجد ما أقوله لك سيدي الكريم ، لا حول و لا قوة الا بالله ... انفجرت قنبلة في السوق الشعبي و وجدنا هذا الهاتف في جيب احد الضحايا ....
قاطعه قاسم و يداه ترتجف ، لا تكاد على حمل الهاتف من هول الصاعقة التي دوت مسمعه :
- ماذا ماذا تقول .. انت مخطأ .. ارجوك يوجد خطأ .. اتوسل لك اخي اخبرني انك تمزح .. ارجوك
و رد الرقيب بكل ثبات :
* اسف هذه الحقيقة ، نتمنى قدومك لمصلحة حفظ الجثث لتعرف على الجثة و استلامها .... البقاء لله
سقط قاسم على الارض ساجدا ، و اختلطت دموعه مع التراب ، اسودت الدنيا من حوله ، و تاه عقله في ضباب الذكريات .... بعد دقائق استجمع جسده المنهار و هرول مسرعا مثل المجنون ، تارة يمني نفسه ان الخبر خاطئ ، وتارة اخرى يلكم وجهه بعنف ، عله يستيقظ من هذا الكابوس المرعب ... و ماهي الا لحظات حتى وجد نفسه امام جثة هامدة ، محت الحروق ملامح وجهها ، نعم انها سولاف زوجته التي أحبها ، و صارع الدنيا من اجلها ، أم أولاده التي ألبسته صباحا معطفه ، و همست في اذنه انها ستطهو له في الغداء .. الأكلة التي يحبها ، و اوصته ان يعتني بنفسه ، و لا ينزع وشاح الصوف الذي نسجته بيديها ليقيه برد الشتاء ، ولم تعلم ان غضب الطبيعة ارحم من غدر الانسان ، سولاف التي فرحت لفرحه ، و اضحكته عند حزنه و ساندته طوال السنين ، و كانت بالنسبة اليه، الغطاء الدافي و الدواء الشافي في احلك ايامه ، هاهي قد تركته وحيدا هو و اولاد في منتصف الطريق ، الطريق المضلم الذي كانت ستنيره لهم حتما لو لم تختطفها أيادي الغدر الشيطانية .......
___________
لم يستطع قاسم ان يتحمل غياب زوجته ، و لم يكن قادرا حتى على النظر الى جدران منزله ، كيف ذلك و من كانت رائحتها العطرة تفوح في اركانه ، لتبعث في قلبه الراحة و الطمئنينة قد انتقلت الى جوار رب السماوات ، و مع تزايد حالة الإرهاب و الفوضى في البلاد ، كان لزاما عليه ان يجد طريقة للخلاص ، و فعلا قرر الهجرة الى بلاد أخرى عله ينتشل ابنيه من الرصاص الماطر ، مؤمنا ان دوام الحال من المحال و لربما يعود في يوم ما ، و يرى أحفاده يركضون في المنزل الذي بناه في مخيلته ، قبل ان تعلوا جدرانه الواقع .
انتقلت عائلة قاسم الصغيرة الى " قرفسا "، ذلك البلد الديمقراطي المحصن من الإرهاب و الداعي الى نشر السلام في العالم ، و لانه صاحب حرفة مبدع لم يجد صعوبة في ايجاد عمل قار ، يسد به هو و ابناءه حاجتهم ، و يغنيهم عن مد يدهم للغريب ، اما لطفي و غالي بالرغم من التمييز العنصري الذي قابلهم ، الا انهم استطاعوا مع الايام الاندماج و التعايش مع اهل هذا البلد الجديد .
مرت الشهور و السنوات و قاسم و ابناءه يصارعون تقلبات الحياة ، متمسكين بحقهم في العيش و متناسين ألم الغربة و المعاناة ، كبر الاولاد و اضحى لطفي شابا قوي مفعما بالنشاط و الحيوية ، و بكل امتياز تحصل على شهادة البكالوريا و انتقل الى الكلية ليدرس الطب ، و كم كانت فرحة الأب قاسم كبيرة و هو يحقق حلما من احلام زوجته الراحلة ، و التي كانت تقول دائما مخاطبة للطفي و هو صبي صغير ، اريدك ان تصبح طبيبا شاطرا ، تمسح بيديك ألام المساكين ، اما غالي فمثله مثل اخيه الاكبر كان طالبا مجتهدا في الثانوية ، و صار محبوب الجميع فيها ، و كان موهوبا جدا في كرة القدم ما جعل احد النوادي المحلية تسعى لضمه ، لكن الأب قاسم كان يرفض ذلك في كل مرة خوفا منه على مستقبل ابنه الدراسي ، لكن مع مرور الوقت و إصرار غالي ، غير قراره و اشترط عليه ان يوفق بين النادي و دراسته ، و فعلا كان له ذلك و لم يخيب الابن اباه ، وكان يشارك اخاه كل صغيرة و كبيرة لان لطفي لم يكن مجرد أخ ، بل كان الصاحب و الحامي و الاهم قدوته الشامخة في هذه الحياة ، هذا الأخير الذي كان يدرس اخاه الصغير ، و يعامله معاملة الأم لولدها الرضيع ، و يرشده الى الطريق الصحيح دائما كي يرفعا رأس أبيهم ، و يعوضا تعبه و شبابه الذي افناه في تربيتهم ، فالفضل لما وصلا اليه لله عز وجل ثم للأب المجاهد الذي لم يبخل على ابناءه و حرم نفسه من ابسط الأمور .
شاءت الأقدار ان يصاب قاسم بكسر خطير على مستوى العامود الفقري ، و رغم مجهود الأطباء الا ان الاصابة سببت له إعاقة حركية، منعته من أداء عمله ، فما كان على لطفي الإبن البار الا تحمل مسؤولية البيت و مصاريف علاج والده ، فإضطر مرغما على ترك الكلية و التوجه الى العمل ، و الأهم ان يكمل واجبه تجاه اخاه الصغير الذي لايزال يدرس ، و رغم رفض الأب قاسم للامر في قرارة نفسه ، الا انه استسلم للامر الواقع و كان يردد دائما عبارة دوام الحال من المحال ...... كان لطفي ينهض في الصباح الباكر و يخرج لطلب رزقه ولا يعود الى المنزل الا و معه قوت يومه مهما كانت الظروف ، و رغم النقص الا ان غالي كان متفهما و زاد اصراره اكثر فأكثر على النجاح في دراسته و كذا كرة القدم ، التي يحقق من خلالها الغير الملايين ، و كان طموحه ان يعوض اباه و اخيه ، و يكافئهما على كل ما فعلاه من اجله ، اما الوالد قاسم فكان يراقب ابنيه كل ليلة ، عندما يخلدا الى النوم بعد تعب النهار و على خده دمعة و ابتسامة ، دمعة لانه كان يعي و يدرك معاناة ابنيه و اجتهادهم من اجل ان يرضياه و يعوضاه ، و ابتسامة فخر لانه انجب رجلين باران يعتمد عليهما في الحياة .
سارت الايام على شكلها السابق ، و تميزت بالصمود من كل طرف ، كل حسب طريقته ، و كان غالي تقابله مضايقات عنصرية بين الحين و الأخر ، خاصة من الفتى الطائش " براين " ، ابن احد المسؤولين الكبار و المليونير المشهور في البلد ، الذي لا يفوت فرصة كي يستفز غالي و لا يتوانى عن نعته بابشع العبارات ، غيرتا منه من ذلك الفتى المهاجر الفقير الناجح ، الذي احبه الجميع الا امثاله من المتغطرسين الرافضين لفكرة نجاح الاخر في قرفسا ، لكن غالي قابله دائما ببرودة اعصاب ، لانه يعلم جيدا ان الاحتكاك معه سيسبب المشاكل له و لعائلته ، كيف لا و هو ابن مسؤول كبير فحتي الاساتذة و الموظفين في المدرسة ، يتجنبونه خوفا من بطش ابيه ، و يصبر نفسه دائما بان الوضع لن يستمر ، و في المساء يفجر غضبه في التدريبات و يعود للمنزل كأن شيئا لم يكن ..... في نهاية الفصل الدراسي الثاني قامت الادارة بنشر النتائج في صبورة كانت منصبة في ساحة المدرسة ، اجتمع حولها التلاميذ و لسوء الحظ ، كان بين الحضور الشرير براين و غالي ، و بينما كانا يراجعان القوائم صرخ غالي فرحا لانه تحصل على اكبر معدل في المدرسة ، اما براين فتحصل على معدل ضعيف ، فلتفت بكل حقد و كراهية صوب غالي المحاط بالصبية و البنات المهنئين له لتفوقه ، فزداد غضب براين بسبب الغيرة المفرطة ، و توجه اليه قائلا بسذاجة :
- لماذا تضحك ايها اللاجئ القذر
فرد عليه غالي بكل حكمة :
* سبب فرحي انني تحصلت على نتائج طيبة .. و ان ازعجك هذا فانا اعتذر منك
- تعتذر ايها التافه .. هل تظن انك ستنجح في قرفسا هاهاهاهاهاهاها امثالك مهما كانت نتائجهم سيظلون خدما بدون قيمة ... ايها الارهابي عد الى وطنك
* لن ارد عليك بالمثل فانا احترمك و اتفهم غضبك ..
وهم مغادرا غير مبال بنظرات الاستحقار من قبل براين ، الذي لم يهدأ بعد و لم يكتفي بالكلمات هذه المرة ، و بشكل جبان ضربه بصفحة قوية اسقطته ارضا بين جموع التلاميذ ، جن جنون غالي و تحول هدوئه الى عاصفة ، و امسك براين بكل قوة وانهال عليه بالضربات ، لم يستوعب الجميع ذلك المشهد فبدأ الصراخ ، فتنبه المراقبون للشجار و بصعوبة فرقوا غالي عن براين ، الذي كاد يغمى عليه من شدة الضرب الذي تلقاه ، و لأول مرة أحس براين المدلل الطائش بإهانة كبيرة ، فما كان منه الا الخروج من المدرسة و هو يستشيط غضبا ، اما غالي فتم أخذه الى الادارة و قاموا بتوبيخه بكل قصاوة ، بالرغم علمهم المسبق انه مضلوم و ما تصرفه ذاك الا ردت فعل طبيعة نحو ذلك المتكبر ، لم يتمالك غالي نفسه و بدأت دموعه تتهاطل ، و غادر الغرفة ألم الضلم يمزق قلبه ، مشى بخطوات متثاقلة و نظرات الجميع كانت تأنبه و أحس للحظة أنه حقا إرهابي مثل ما وصفه براين منذ دقائق ، و ما ان صار خارج محيط المدرسة ، حتى سمع صوت عجلات تزأر ، فلتفت و إذ به يرى سيارة اتية صوبه بسرعة جنونية ، شلت اقدامه و مر شريط حياته القصيرة بين عيناه ، اراد الصراخ و لكن صوته قد خانه ..... تطاير جسد غالي في السماء و تطايرت معه الدماء ، و بين الأرض و السماء شاهد وجه أمه مرسوم في بياض السحاب ، و قبل ان يغمض عيناه ، وقف فوق براين فوق رأسه و نظر اليه نظرت إستحقار غير مبالي ، و الغريب ان غالي تبسم إبتسامة رهيبة أرعب بها براين الذي فر امام مرآى الجميع .
شاءت الصدف ان يتلقى قاسم خبر وفاة ابنه عبر الهاتف و بنفس الطريقة تقريبا ، التي تلقى بها خبر وفاة زوجته الغالية ، لكن القلب الذي تحمل الصدمة الاولى ، لم يستطع تحمل الثانية ، فأصيب الاب قاسم بصدمة ، جعلت دقات قلبه تتوقف بدون رجعة ، و هكذا انتهت حياة قاسم و كأنه ابى ان يفارق ابنه الصغير .
اما لطفي لم يتقبل الحكاية و تحول الى وحش كاسر ، و هرول مسرعا بدون شعور نحو القصر الذي يقطنه براين ، كان يطلق صرخات اهزت من هولها أركان القصر الكبير ، و فجأة انهال عليه الحراس الشخصيون بالعصي بدون رحمة امام مرآى المليونير المتسلط والد براين ، الذي دافع عن ابنه بشتى الطرق ، و تغيرت مسار القضية من جريمة قتل بشعة ، الى حادث مرور غير مقصود ، و التزم الشهود بالصمت بل و شهد اكثرهم لصالح لراين ، و كي يقفل الموضوع من و ينتهى زج بلطفي في السجن بتهمة التعدي على مسؤول في الدولة ، و هكذا تفرقت العائلة الصغيرة ، بدون رحمة و لا شفق و حتى وسائل الإعلام لم تنصف تلك العائلة الفقيرة ، لان ذنبهم الوحيد انهم غرباء عن هذا البلد الذي طالم تغنى اهله بالسلام و الأمن ، لكن الواقع أمر أخر .
___________
وقف لطفي امام القاضي شامخا ، و هو ينظر الى عينه نظرة الذئب الجريح ، كانت كل المعطيات تدين لطفى ، و رغم التسائلات التي طرحها القاضي عليه الا ان السكوت كان رده في كل مرة ، و في الاخير نطق القاضي بالحكم المنتظر خمس سنوات نافذة ، و قبل ان يغادر القاضي القاعة ، سأله مرة أخرى و الحيرة بادية على وجهه :
- الى متى ستظل ساكت !!!
و قبل ان يغادر القاضي و الحضور القاعة ، ضرب القفص بشدة و صرخ قائلا :
* لن يعجبكم صوتي عندما يخرج
ذهل الجميع و هم ينظرون اليه ، و ادرك الكل ان وراء هذه الكلمات المعدودة ، عاصفة قادمة ستحرق الاخضر و اليابس ، و ان سكوته ذاك ليس الا علامة غضب جارف .......
مرت الايام و مضت الليالي ، و مزال لطفي يتألم لصمت ، فظنه السجناء أبكم و تقرب منه العديد ولكنه كان يصد الجميع ، و كان على الدوام يقوم بتمرينات بدنية منهكة ، لم يفهم سببها احد ، و في كل ليلة تجده واقفا ينظر الى القمر ، كانه ينتظر رسالة من السماء ، تطفئ النار الملتهبة في فؤادي ، و يستذكر والده و أخاه و الالم يمزق جوفه ، و كم من مرة يستيقض السجناء على وقع صراخه المدوي المتألم ، و بالرغم من تعاطفهم معه الا انهم كانوا يخشون الإقتراب منه ، لان لطفي تحول و اصبح وحشا مخيف يهابه حتى المجرمون .... كانت ايامه تتشابه فاليوم مثل الامس و الامس مثل الغد ، و بين هذا و ذاك ازداد حقده و غضبه أكثر و أكثر ، حتى اصبح مثل القنبلة الموقوتة الايلة للانفجار في اي لحظة ........ و بعد مرور ثلاثة سنوات و لحسن سيرة لطفى طوال فترة مكوثه في السجن ، تقرر العفو عنه و اطلاق سراحه .
غادر لطفي السجن و كله عزم على الانتقام حتى لو كلفه الامر حياته التي إنتهت أساسا بعد رحيل أخاه و أبيه ، و بعد بحث طويل عرف لطفي مكان تواجد براين ، الذي خبأه والده في مكان بعيد ، بعد الجريمة التي قام بها و خرج منها ببساطة و باخف الاضرار ، و لا يزال في طيشه المعتاد غير مبالي بالأسرة التي دمرها ، و الذي كان ذنبهم الوحيد انهم هجروا موطنهم خوفا من بطش الحرب ، لكنهم وجدو ما لم يكن في الحسبان ....
خطط لطفي لتنفيذ انتقامه ، و اعد العدة كي يواجه المجهول الذي ينتظره ، و في احدى الليالي الحالكات تسلل الى القصر الذي كان يقطنه براين ، بعد ان ترصده و علم انه قد دخل ، بعد ليلة حمراء قضاها في احد الحانات ، رغم الحراسة الشديدة الا انه استطاع ان يدخل لغرفة براين ، سحب المسدس و هم للاطلاق عليه ، لكنه توقف قبل الضغط على الزناد ، و قرر ان يقتله بيديه خنقا ، و فعلا قام لطفي بخنقه ، و عينا براين كادت تخرج من مكانها ، و تراء اليه خيال غالي و ابتسامته الاخيرة و بينما كان يصارع الموت ادرك السر وراء تلك الابتسامة التي ارعبته حينها ، و كأن غالي اراد ان يقول له _ سوف أذهب بهدوء و لكنك لن تنعم في حياتك و سيأتي من يقبض روحك بابشع صورة _ ........ غادر لطفي المكان بعد ان ارد براين جثة هامدة ، و احس لأول مرة برحابة الصدر ، و انه ارجع و لو قدرا صغير من حق اسرته الضائع .
بعد التثبت من كاميرات المراقبة ، أيقن والد براين ان لطفي من قتل ابنه ، و اقسم ان يقطعه و يحوله الى قطع لحم يطعمها للكلاب ..... انتشر خبر قتل براين مثل البرق في انحاء البلاد و تداولتها وسائل الإعلام باسهاب عن الحادث ، ووضعت جائزة مالية عملاقة لمن يدل على مكان لطفي ، الذي كان بدوره يسعى لقتل والد براين الضالم ، و كان كل مرة يكتقاقصته و الضلم الذي تعرضوا اليه ، فاصبحت الحكاية على كل لسان ، و اصبح العديد متعاطفين مع لطفي خاصة في اوساط المهاجرين الذين تعرضوا بدورهم لمضالم عديدة تشبه ما تعرضت اليه عائلة قاسم ...... بينما كان والد براين يعقد مؤتمرا صحفيا ، و عندما انهى المؤتمر و هم خارجا ، و على الهواء مباشرةً ، ظهر لطفي بكل شموخ و امطره بالرصاص ، و هو يصرخ بأعلى صوته انا قادم يا أبي ... أنا قادم يا أمي أنا قادم يا أخي الغالي .. أنا قادم يا أسرتي ......
انتهت
آخر تعديل: