irised7
:: عضو منتسِب ::
الجزء الثالث
https://www.4algeria.com/forum/t/473524/
شعر بالعالم ضيقا لا يسعه ، و أسرع مهرولا في الغابة و دموعه المتلألئة تذروها الرياح ، لدرجة أنه نسي ما يحيط به و ما قد يلم به في الغابة من مخاطر ، ساقته قدماه إلى مكان معزول قليل العشب ، ضمّ نفسه بشدة و أخذ يبكي من اليأس و الضعف ، و كل الأفكار السلبية تراوده ، و كل ما ينتقص من عزمه و يزيده استسلاما يحيط بتفكيره .
بقي كذلك لبضع دقائق ثم بدأ الهدوء يخيم عليه شيئا فشيئا ، و ذهنه الشارد يجد مساره شيئا فشيئا ، كان رأسه مطأطأ ، و عيناه لا تريان بوضوح ، لكنهما كانتا تتبعان مسار شيء أسود يتحرك في الأرض من غير أن يعي ذلك ، و مع تخييم الهدوء عليه ، بدأ الوعي يعي و بدأت الصورة تتضح .
إنها نملة صغيرة كانت تروح هنا و هناك ، من غير كلل أو ملل ، تدخل لغارها الصغير ، فتلبث يسيرا ثم تعيد الخروج ساعية لمكان ما , تجرُّ شيئا ما بصعوبة , لكن من دون كسل .
مع صفاء نظَره و ذِهنه تماما ، بدأ يلاحظ تفاصيل المشهد ، كانت تلك النملة تسعى لرزقها ، رغم صغر حجمها ، و كبر حملها لم تيأس أمام عنائها و لم تَمِل نفسُها للراحة ، و بعد لحظات حصل أنها حاولت أن تدفع حبة ذرة ضخمة ، بقيت تدور حولها ، تدفعها من هنا و هناك ، تحفر التراب من تحتها لتدحرجها ، لم تترك طريقة تقدر عليها لم تجربها لبلوغ هدفها ، نجحت في تحريكها لمسافة يسيرة ، و إذا بنملات أخرى تذهب نحوها لتساعدها على ذلك ، اجتمع النمل حول حبة الذرة و تعاونوا على دحرجتها ، و رغم بطئ العملية إلا أن الأهم هو أنهم لم يتقاعسوا و فعلوا ما بوسعهم فكانت النتائج قليلة و العبرة عظيمة .
كان هذا المشهد بمثابة الدرس ، فتح النسر الصغير عيناه البراقتان ، و أحس بموجة باردة تجتاح عقله و تحرره من قيده و ضيقه ، ابتسم ابتسامة خفية و قال لنفسه
" نعم هذه هي ، أنا لم أحاول حتى أيأس ، و لم أفعل ما بوسعي حتى اتذمر من غياب النتائج ، و لم أطلب يد العون حتى أتهم العالم بظُلمي "
انبعث النسر الصغير من جديد و عاد الأمل يدِبّ بداخله , عزم مرة أخرى على السعي لاسترجاع ذاته و بذْلِ أقصى ما يستطيع في سبيل بلوغ مبتغاه .
" حسنا الخطوة الأولى هي تعلّم الطيران , و فَكُّ التِحام هاذان الجناحان , حان الوقت ليصيرا نافعين " قال النسر متمتِما .
ذهب صوب ربوةٍ قرب الجبل مسرعا , و هو يمسح الدمع عن وجنتيه , و الإندفاع و الثقة يعتريانه . صعد بعزم , و استعد بثبات , استجمع قِواه و أخذ نفسا عميقا , و جرى بكل قوته ثم قفز في الهواء مرفرفا بجناحيه رفرفة من لم يرفرف بهما من قبل , حركات عشوائية و تصلٌب عضلي , استطاع البقاء في الهواء لبضع ثوان رغم كل ذلك الجهد الذي كان يبذله , كان يصارع الجاذبية و يحاول التماسك لكنه فقد السيطرة و سقط أسفل الربوة .
كان سقوطا مؤلما بالنسبة لمحاولة أولى , بقي ساكنا لوهلة , عيناه مغمضتان و رأسه ملتصق بالتراب كالمغشي عليه , حتى أنه لو مرّ به أحد لظنّه جيفة ملقاة وسط الغابة .
مكث طويلا على تلك الحال , ثم فتح عيناه المليئتين بالأمل و نهض مبتسما و هو ينفض التراب عن ريشه , نظر إلى السماء نظرة طَموحٍ يقصد العُلى و عيناه تقولان " اليوم تلّة و بضع ثوان , و غدا سماءٌ من غير أوَان "
______________ يتبع
https://www.4algeria.com/forum/t/473524/
شعر بالعالم ضيقا لا يسعه ، و أسرع مهرولا في الغابة و دموعه المتلألئة تذروها الرياح ، لدرجة أنه نسي ما يحيط به و ما قد يلم به في الغابة من مخاطر ، ساقته قدماه إلى مكان معزول قليل العشب ، ضمّ نفسه بشدة و أخذ يبكي من اليأس و الضعف ، و كل الأفكار السلبية تراوده ، و كل ما ينتقص من عزمه و يزيده استسلاما يحيط بتفكيره .
بقي كذلك لبضع دقائق ثم بدأ الهدوء يخيم عليه شيئا فشيئا ، و ذهنه الشارد يجد مساره شيئا فشيئا ، كان رأسه مطأطأ ، و عيناه لا تريان بوضوح ، لكنهما كانتا تتبعان مسار شيء أسود يتحرك في الأرض من غير أن يعي ذلك ، و مع تخييم الهدوء عليه ، بدأ الوعي يعي و بدأت الصورة تتضح .
إنها نملة صغيرة كانت تروح هنا و هناك ، من غير كلل أو ملل ، تدخل لغارها الصغير ، فتلبث يسيرا ثم تعيد الخروج ساعية لمكان ما , تجرُّ شيئا ما بصعوبة , لكن من دون كسل .
مع صفاء نظَره و ذِهنه تماما ، بدأ يلاحظ تفاصيل المشهد ، كانت تلك النملة تسعى لرزقها ، رغم صغر حجمها ، و كبر حملها لم تيأس أمام عنائها و لم تَمِل نفسُها للراحة ، و بعد لحظات حصل أنها حاولت أن تدفع حبة ذرة ضخمة ، بقيت تدور حولها ، تدفعها من هنا و هناك ، تحفر التراب من تحتها لتدحرجها ، لم تترك طريقة تقدر عليها لم تجربها لبلوغ هدفها ، نجحت في تحريكها لمسافة يسيرة ، و إذا بنملات أخرى تذهب نحوها لتساعدها على ذلك ، اجتمع النمل حول حبة الذرة و تعاونوا على دحرجتها ، و رغم بطئ العملية إلا أن الأهم هو أنهم لم يتقاعسوا و فعلوا ما بوسعهم فكانت النتائج قليلة و العبرة عظيمة .
كان هذا المشهد بمثابة الدرس ، فتح النسر الصغير عيناه البراقتان ، و أحس بموجة باردة تجتاح عقله و تحرره من قيده و ضيقه ، ابتسم ابتسامة خفية و قال لنفسه
" نعم هذه هي ، أنا لم أحاول حتى أيأس ، و لم أفعل ما بوسعي حتى اتذمر من غياب النتائج ، و لم أطلب يد العون حتى أتهم العالم بظُلمي "
انبعث النسر الصغير من جديد و عاد الأمل يدِبّ بداخله , عزم مرة أخرى على السعي لاسترجاع ذاته و بذْلِ أقصى ما يستطيع في سبيل بلوغ مبتغاه .
" حسنا الخطوة الأولى هي تعلّم الطيران , و فَكُّ التِحام هاذان الجناحان , حان الوقت ليصيرا نافعين " قال النسر متمتِما .
ذهب صوب ربوةٍ قرب الجبل مسرعا , و هو يمسح الدمع عن وجنتيه , و الإندفاع و الثقة يعتريانه . صعد بعزم , و استعد بثبات , استجمع قِواه و أخذ نفسا عميقا , و جرى بكل قوته ثم قفز في الهواء مرفرفا بجناحيه رفرفة من لم يرفرف بهما من قبل , حركات عشوائية و تصلٌب عضلي , استطاع البقاء في الهواء لبضع ثوان رغم كل ذلك الجهد الذي كان يبذله , كان يصارع الجاذبية و يحاول التماسك لكنه فقد السيطرة و سقط أسفل الربوة .
كان سقوطا مؤلما بالنسبة لمحاولة أولى , بقي ساكنا لوهلة , عيناه مغمضتان و رأسه ملتصق بالتراب كالمغشي عليه , حتى أنه لو مرّ به أحد لظنّه جيفة ملقاة وسط الغابة .
مكث طويلا على تلك الحال , ثم فتح عيناه المليئتين بالأمل و نهض مبتسما و هو ينفض التراب عن ريشه , نظر إلى السماء نظرة طَموحٍ يقصد العُلى و عيناه تقولان " اليوم تلّة و بضع ثوان , و غدا سماءٌ من غير أوَان "
______________ يتبع