irised7
:: عضو منتسِب ::
الجزء السابق من هنا
https://www.4algeria.com/forum/t/473595/#post-6615488
صعد النسر الصغير إلى التلة ثانية ، و ثالثة و رابعة ، لكنه في كل مرة يجرُّ أذيال الفشل ، أُصيب بجروح في جِسمه و خُدش منقاره ، و مُلِئ ريشُه ترابًا من كثرة السّقوط ، لم يمنعه ذلك عن تكرار المحاولة و بقي مرابطا حتى مغيب الشمس .
بدأ الظلام يخيم على المكان ، و بدأ النسر الصغير ينال نصيبه من الألم و الإرهاق و قرر أخيرا التوقف عن المحاولة ، و عاد أدراجه و هو يلهث نصَبًا ، لحُسن حظه أن الظلام قد ساد المكان ، و خلد مُعظم الدجاج إلى أعشاشِهم ، حتى من لم يخلُد بعد ، لم يلاحظوا تلك الجروح البليغة على جسده ، لكنه و أثناء مشيهِ نحو عُشِّه بدأ يُراوده شبح الغدِ " كيف سأُخفي هذه الكدَمات عنهم عندما يبزغ فجر الصباح ؟ " بدأ يفكر في كذبة تُزيل عنه الشبهة و تخلصه من استجواباتهم التي ، و دون أن يُلاحظ , قد بدأت لتوِّها ، إذ أن الأنظار في تلك اللحظة كانت مُصوَّبة تُجاهَه " لم يظهر له أثر طوال اليوم ، أين قضى يومه يا ترى ؟ " .
لم يكفِه ما ألمَّ به من تعب و جروح و بقي سهرانا يُفكر في الخروج من مأزق "الكلام الدجاج" ، أرهقته حِياكة السيناريوهات , الأسئلة و الردود , و بدأت أطراف النُعاس تجذبه شيئا فشيئا إلى عالم النَّوم ، و عيناه البرّاقتان تفقدان بريقهما تدريجيا إلى أن غاص في نوم عميق.
في صباح اليوم التالي , ضجيجٌ و صخبٌ ، أصواتٌ متعالِيةٌ و ازدحام حول ذلك العُشّ ، كل هذا يحدث و النسر الصغير غارق في نومه العميق ، بدأ يستعيد وعيه و جَفْناهُ المُتَشَابِكان يفتَرِقان عن بعضِهما شيئا فشيئا ، تارِكان بينهما منظرًا ضبابيّا , فزِع فجأةً و إذا بجمعٍ غفير من الدجاج مُنذهل حوله " يا للهول ماذا حدث له ، أخطرٌ جديدٌ يُحْدِق بنا ؟ " " لقد غاب يوما كاملا ، أصارع وحشا عملاقا ؟ أنى له ذلك و هو دجاجة ضعيفة لا تعرف سوى الهرب ؟ " , ارتبك و جفّ حلقُه ,تجمَّد جسدُه و كاد أن يبتلع لسانَه .
صاح أحد الدِّيكة سائلا إيّاه " ما الذي حلّ بك ؟ "
صمت النسر الصغير بُرهة , ثم قال متلعثما " لقد .. لقد خرجت لأستكشف الغابة فأضعت الطريق , و جرى ورائي ذئب جائع , فهربت فزعا و إذا بي ساقطا في منحدر وعرٍ ينتهي بغابة شوكية , فحل بي ما ترون " , نظر بعضهم إلى بعض نظرة ريبٍ , و بدؤوا يتهامسون بينهم , ثم شرعوا في الانصراف من حوله , كان من الواضح أن الحيلة لم تنطلي عليهم , و أن النسر الصغير سيكون تحت الأنظار منذ اليوم .
يوما بعد يوم بدأ بالتعافي من إصاباته , و بدأ يستعدُّ لمواصلة السّعي نحو هدفِه , لكن الأوضاع لم تعد كسابِق عهْدِها , أصبحت مُعاملة الدجاج له مُتَحفِّظة وأصبح البعض منهم يتحاشى الحديث معه , و آخرون يلمِزونه كُلما مرّ بهم , لم يعد يحس نفسه فردا منهم , بل هو كالغريب يمشي وسط جِنس مُختلف عنه تماما , أرهق هذا الأمر تفكيرَه و بلغ تأثيرُه السلبيُّ على إرادته و طموحه ما بلغَ , لكنه كان يأمَل أن تعود الأمورُ لطبيعتها بعد بضعة أيام .
مرّت الأيام , و لم يتغير شيء , سوى طموحِه الذي انهار من شدة الوحدة و الرفض الذي كان يتلقّاه كل يوم , لم يكن يظُن أن المجتمع الذي يعيش فيه يحقِد بسهولة لأتفه الأسباب , صدمه الأمر و تركه مرميًّا في عشِّه دون حيلة , شُفيت جروح الجسد و جاء جُرح الباطن ليزيده كمدًا و عناءا , لم يعُد باليد حلٌّ سوى مُصارحَتهم بالحَقِيقة , نعم هكذا أمْلَت له نفسُه أخيرا , خصوصا لمّا تذكّر قصة النملة التي لمّا عجزَتْ , سارَعَتْ صديقاتُها لمدِّ يدِ العون , تَشَجَّع على البوحِ بما في داخله و كان مُتَفَائِلا في أن يجِد مُساعدةً و دفعةً معنوية من لَدُنهُم .
وقف في مكان عالٍ و نادى جاهرًا بصوته : " يا جِيراني , جِئتُكُم طالبًا أن تعْذُرُونِي , أعْترِف أن غيابي في ذلك اليوم لم يكن للنُّزهة , و سبب جروحي لم يكن هروبًا من الذئب و لا قتالا مع وحشٍ عملاق , بل بكلِّ صراحة قد اكتشفت حقيقة أنني نسرٌ , و أردْت أن أطّلع على بني جِنسي , ثم إن الحَنين و الفِطرة قد دفعاني لمُحاولة الطيران , فحاولت مرارا و لم أستطع , فحلّ بي ما حلّ بسبب سُقوطي أثناء ذلك " .
قبل أن يُتِمَّ كلامه بدأ الضجيج يعلو في المكان , من الدَّجاج من كان يُقَهقه ساخرًا
" طيرانُ ماذا ؟ لن تستطيعَ الطيران حتى في حُلُمِك لأنك دجاجة و ستبقى دجاجة ما حييت " و منهم من كان يهمس قائلا " يا للهول لقد اكتشف الحقيقة ! ماذا لو استطاع الطيران , ثم بعد ذلك تعلّم الإفتراس , سيشكِّل ذلك خطرا على مجتمعنا " .
انقسموا إلى خائفين , و ساخرين , و حاقدين , لكنهم اجتمعوا على الوقوف ضده و كسْر هذا الطموح الذي لو نمَى بِداخله لشكّل ذلك خطرا عليهم حسب تفكِيرهم , نعتُوه بأقبَح الألْقاب , و اتَّخذوه سِخريًّا حتى أنهُ كاد يفقِد توازنه من الذُّهول , لم يكن يظن أن من عاش معهم , و تقاسم معم الحلو و المر , مستعِدّون لتحطيم طموحه دون تفكير أو مراجعة , احمرّ وجهه و عيناه , و همّ بالبكاء , لكن كبرياء النّسر منعَته من الركوع بعد أن ركع بالبوح بسرِّه , انطلق هاربا من المكان , لا يدري أين المقصد , كان همه أن يبتعد و حسب , لأن رائحة ذلك المكان بل حتى التفكير في أنه قريب منه أصبح كابوسا بالنسبة له , كابوسٌ يمتص إرادته , و يُحطِّم ذاته , و يعيده خطوات إلى الوراء , و هو راكضٌ بين الأشجار يَنْتابه شعورٌ عميق بالرغبة في الطيران , كان ألما عظيما , لكنه ألمٌ جديرٌ بأن يدْفع من لا مأوى له , ليجد لهُ مأوى , مأوى أبدي يحتظنه ما بقي حيّا , مأوى "الذات النسرية الشجاعة المستقلة" التي لن يُحس بعد مُعانقتها بالغربة .
https://www.4algeria.com/forum/t/473595/#post-6615488
صعد النسر الصغير إلى التلة ثانية ، و ثالثة و رابعة ، لكنه في كل مرة يجرُّ أذيال الفشل ، أُصيب بجروح في جِسمه و خُدش منقاره ، و مُلِئ ريشُه ترابًا من كثرة السّقوط ، لم يمنعه ذلك عن تكرار المحاولة و بقي مرابطا حتى مغيب الشمس .
بدأ الظلام يخيم على المكان ، و بدأ النسر الصغير ينال نصيبه من الألم و الإرهاق و قرر أخيرا التوقف عن المحاولة ، و عاد أدراجه و هو يلهث نصَبًا ، لحُسن حظه أن الظلام قد ساد المكان ، و خلد مُعظم الدجاج إلى أعشاشِهم ، حتى من لم يخلُد بعد ، لم يلاحظوا تلك الجروح البليغة على جسده ، لكنه و أثناء مشيهِ نحو عُشِّه بدأ يُراوده شبح الغدِ " كيف سأُخفي هذه الكدَمات عنهم عندما يبزغ فجر الصباح ؟ " بدأ يفكر في كذبة تُزيل عنه الشبهة و تخلصه من استجواباتهم التي ، و دون أن يُلاحظ , قد بدأت لتوِّها ، إذ أن الأنظار في تلك اللحظة كانت مُصوَّبة تُجاهَه " لم يظهر له أثر طوال اليوم ، أين قضى يومه يا ترى ؟ " .
لم يكفِه ما ألمَّ به من تعب و جروح و بقي سهرانا يُفكر في الخروج من مأزق "الكلام الدجاج" ، أرهقته حِياكة السيناريوهات , الأسئلة و الردود , و بدأت أطراف النُعاس تجذبه شيئا فشيئا إلى عالم النَّوم ، و عيناه البرّاقتان تفقدان بريقهما تدريجيا إلى أن غاص في نوم عميق.
في صباح اليوم التالي , ضجيجٌ و صخبٌ ، أصواتٌ متعالِيةٌ و ازدحام حول ذلك العُشّ ، كل هذا يحدث و النسر الصغير غارق في نومه العميق ، بدأ يستعيد وعيه و جَفْناهُ المُتَشَابِكان يفتَرِقان عن بعضِهما شيئا فشيئا ، تارِكان بينهما منظرًا ضبابيّا , فزِع فجأةً و إذا بجمعٍ غفير من الدجاج مُنذهل حوله " يا للهول ماذا حدث له ، أخطرٌ جديدٌ يُحْدِق بنا ؟ " " لقد غاب يوما كاملا ، أصارع وحشا عملاقا ؟ أنى له ذلك و هو دجاجة ضعيفة لا تعرف سوى الهرب ؟ " , ارتبك و جفّ حلقُه ,تجمَّد جسدُه و كاد أن يبتلع لسانَه .
صاح أحد الدِّيكة سائلا إيّاه " ما الذي حلّ بك ؟ "
صمت النسر الصغير بُرهة , ثم قال متلعثما " لقد .. لقد خرجت لأستكشف الغابة فأضعت الطريق , و جرى ورائي ذئب جائع , فهربت فزعا و إذا بي ساقطا في منحدر وعرٍ ينتهي بغابة شوكية , فحل بي ما ترون " , نظر بعضهم إلى بعض نظرة ريبٍ , و بدؤوا يتهامسون بينهم , ثم شرعوا في الانصراف من حوله , كان من الواضح أن الحيلة لم تنطلي عليهم , و أن النسر الصغير سيكون تحت الأنظار منذ اليوم .
يوما بعد يوم بدأ بالتعافي من إصاباته , و بدأ يستعدُّ لمواصلة السّعي نحو هدفِه , لكن الأوضاع لم تعد كسابِق عهْدِها , أصبحت مُعاملة الدجاج له مُتَحفِّظة وأصبح البعض منهم يتحاشى الحديث معه , و آخرون يلمِزونه كُلما مرّ بهم , لم يعد يحس نفسه فردا منهم , بل هو كالغريب يمشي وسط جِنس مُختلف عنه تماما , أرهق هذا الأمر تفكيرَه و بلغ تأثيرُه السلبيُّ على إرادته و طموحه ما بلغَ , لكنه كان يأمَل أن تعود الأمورُ لطبيعتها بعد بضعة أيام .
مرّت الأيام , و لم يتغير شيء , سوى طموحِه الذي انهار من شدة الوحدة و الرفض الذي كان يتلقّاه كل يوم , لم يكن يظُن أن المجتمع الذي يعيش فيه يحقِد بسهولة لأتفه الأسباب , صدمه الأمر و تركه مرميًّا في عشِّه دون حيلة , شُفيت جروح الجسد و جاء جُرح الباطن ليزيده كمدًا و عناءا , لم يعُد باليد حلٌّ سوى مُصارحَتهم بالحَقِيقة , نعم هكذا أمْلَت له نفسُه أخيرا , خصوصا لمّا تذكّر قصة النملة التي لمّا عجزَتْ , سارَعَتْ صديقاتُها لمدِّ يدِ العون , تَشَجَّع على البوحِ بما في داخله و كان مُتَفَائِلا في أن يجِد مُساعدةً و دفعةً معنوية من لَدُنهُم .
وقف في مكان عالٍ و نادى جاهرًا بصوته : " يا جِيراني , جِئتُكُم طالبًا أن تعْذُرُونِي , أعْترِف أن غيابي في ذلك اليوم لم يكن للنُّزهة , و سبب جروحي لم يكن هروبًا من الذئب و لا قتالا مع وحشٍ عملاق , بل بكلِّ صراحة قد اكتشفت حقيقة أنني نسرٌ , و أردْت أن أطّلع على بني جِنسي , ثم إن الحَنين و الفِطرة قد دفعاني لمُحاولة الطيران , فحاولت مرارا و لم أستطع , فحلّ بي ما حلّ بسبب سُقوطي أثناء ذلك " .
قبل أن يُتِمَّ كلامه بدأ الضجيج يعلو في المكان , من الدَّجاج من كان يُقَهقه ساخرًا
" طيرانُ ماذا ؟ لن تستطيعَ الطيران حتى في حُلُمِك لأنك دجاجة و ستبقى دجاجة ما حييت " و منهم من كان يهمس قائلا " يا للهول لقد اكتشف الحقيقة ! ماذا لو استطاع الطيران , ثم بعد ذلك تعلّم الإفتراس , سيشكِّل ذلك خطرا على مجتمعنا " .
انقسموا إلى خائفين , و ساخرين , و حاقدين , لكنهم اجتمعوا على الوقوف ضده و كسْر هذا الطموح الذي لو نمَى بِداخله لشكّل ذلك خطرا عليهم حسب تفكِيرهم , نعتُوه بأقبَح الألْقاب , و اتَّخذوه سِخريًّا حتى أنهُ كاد يفقِد توازنه من الذُّهول , لم يكن يظن أن من عاش معهم , و تقاسم معم الحلو و المر , مستعِدّون لتحطيم طموحه دون تفكير أو مراجعة , احمرّ وجهه و عيناه , و همّ بالبكاء , لكن كبرياء النّسر منعَته من الركوع بعد أن ركع بالبوح بسرِّه , انطلق هاربا من المكان , لا يدري أين المقصد , كان همه أن يبتعد و حسب , لأن رائحة ذلك المكان بل حتى التفكير في أنه قريب منه أصبح كابوسا بالنسبة له , كابوسٌ يمتص إرادته , و يُحطِّم ذاته , و يعيده خطوات إلى الوراء , و هو راكضٌ بين الأشجار يَنْتابه شعورٌ عميق بالرغبة في الطيران , كان ألما عظيما , لكنه ألمٌ جديرٌ بأن يدْفع من لا مأوى له , ليجد لهُ مأوى , مأوى أبدي يحتظنه ما بقي حيّا , مأوى "الذات النسرية الشجاعة المستقلة" التي لن يُحس بعد مُعانقتها بالغربة .
______ يُتبع