• [ مسابقة الماهر بالقرآن ]: هنيئا لأختنا فاطمة عليليش "Tama Aliche" الفوز بالمركز الأول في مسابقة الماهر بالقرآن التي نظمت من قبل إذاعة جيجل الجهوية وتحت إشراف مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية جيجل. ونيابة عن كافة أعضاء وطاقم عمل منتدى اللمة الجزائرية نهنئك بهذا الفوز فألف ألف ألف مليوون مبروك هذا النجاح كما نتمنى لك المزيد من النجاحات والتوفيق وأن يكون هذا الإنجاز إلا بداية لإنجازات أكبر في المستقبل القريب بإذن الله. موضوع التهنئة

كن مستقلا عن الوسط الخارجي - الجزء 5 (ما قبل الأخير)

irised7

:: عضو منتسِب ::
إنضم
30 ديسمبر 2017
المشاركات
20
نقاط التفاعل
43
النقاط
8
محل الإقامة
الجزائر العاصمة
الجنس
ذكر
الجزء السابق من هنا
https://www.4algeria.com/forum/t/473595/#post-6615488

صعد النسر الصغير إلى التلة ثانية ، و ثالثة و رابعة ، لكنه في كل مرة يجرُّ أذيال الفشل ، أُصيب بجروح في جِسمه و خُدش منقاره ، و مُلِئ ريشُه ترابًا من كثرة السّقوط ، لم يمنعه ذلك عن تكرار المحاولة و بقي مرابطا حتى مغيب الشمس .

بدأ الظلام يخيم على المكان ، و بدأ النسر الصغير ينال نصيبه من الألم و الإرهاق و قرر أخيرا التوقف عن المحاولة ، و عاد أدراجه و هو يلهث نصَبًا ، لحُسن حظه أن الظلام قد ساد المكان ، و خلد مُعظم الدجاج إلى أعشاشِهم ، حتى من لم يخلُد بعد ، لم يلاحظوا تلك الجروح البليغة على جسده ، لكنه و أثناء مشيهِ نحو عُشِّه بدأ يُراوده شبح الغدِ " كيف سأُخفي هذه الكدَمات عنهم عندما يبزغ فجر الصباح ؟ " بدأ يفكر في كذبة تُزيل عنه الشبهة و تخلصه من استجواباتهم التي ، و دون أن يُلاحظ , قد بدأت لتوِّها ، إذ أن الأنظار في تلك اللحظة كانت مُصوَّبة تُجاهَه " لم يظهر له أثر طوال اليوم ، أين قضى يومه يا ترى ؟ " .

لم يكفِه ما ألمَّ به من تعب و جروح و بقي سهرانا يُفكر في الخروج من مأزق "الكلام الدجاج" ، أرهقته حِياكة السيناريوهات , الأسئلة و الردود , و بدأت أطراف النُعاس تجذبه شيئا فشيئا إلى عالم النَّوم ، و عيناه البرّاقتان تفقدان بريقهما تدريجيا إلى أن غاص في نوم عميق.
في صباح اليوم التالي , ضجيجٌ و صخبٌ ، أصواتٌ متعالِيةٌ و ازدحام حول ذلك العُشّ ، كل هذا يحدث و النسر الصغير غارق في نومه العميق ، بدأ يستعيد وعيه و جَفْناهُ المُتَشَابِكان يفتَرِقان عن بعضِهما شيئا فشيئا ، تارِكان بينهما منظرًا ضبابيّا , فزِع فجأةً و إذا بجمعٍ غفير من الدجاج مُنذهل حوله " يا للهول ماذا حدث له ، أخطرٌ جديدٌ يُحْدِق بنا ؟ " " لقد غاب يوما كاملا ، أصارع وحشا عملاقا ؟ أنى له ذلك و هو دجاجة ضعيفة لا تعرف سوى الهرب ؟ " , ارتبك و جفّ حلقُه ,تجمَّد جسدُه و كاد أن يبتلع لسانَه .
صاح أحد الدِّيكة سائلا إيّاه " ما الذي حلّ بك ؟ "
صمت النسر الصغير بُرهة , ثم قال متلعثما " لقد .. لقد خرجت لأستكشف الغابة فأضعت الطريق , و جرى ورائي ذئب جائع , فهربت فزعا و إذا بي ساقطا في منحدر وعرٍ ينتهي بغابة شوكية , فحل بي ما ترون " , نظر بعضهم إلى بعض نظرة ريبٍ , و بدؤوا يتهامسون بينهم , ثم شرعوا في الانصراف من حوله , كان من الواضح أن الحيلة لم تنطلي عليهم , و أن النسر الصغير سيكون تحت الأنظار منذ اليوم .
يوما بعد يوم بدأ بالتعافي من إصاباته , و بدأ يستعدُّ لمواصلة السّعي نحو هدفِه , لكن الأوضاع لم تعد كسابِق عهْدِها , أصبحت مُعاملة الدجاج له مُتَحفِّظة وأصبح البعض منهم يتحاشى الحديث معه , و آخرون يلمِزونه كُلما مرّ بهم , لم يعد يحس نفسه فردا منهم , بل هو كالغريب يمشي وسط جِنس مُختلف عنه تماما , أرهق هذا الأمر تفكيرَه و بلغ تأثيرُه السلبيُّ على إرادته و طموحه ما بلغَ , لكنه كان يأمَل أن تعود الأمورُ لطبيعتها بعد بضعة أيام .
مرّت الأيام , و لم يتغير شيء , سوى طموحِه الذي انهار من شدة الوحدة و الرفض الذي كان يتلقّاه كل يوم , لم يكن يظُن أن المجتمع الذي يعيش فيه يحقِد بسهولة لأتفه الأسباب , صدمه الأمر و تركه مرميًّا في عشِّه دون حيلة , شُفيت جروح الجسد و جاء جُرح الباطن ليزيده كمدًا و عناءا , لم يعُد باليد حلٌّ سوى مُصارحَتهم بالحَقِيقة , نعم هكذا أمْلَت له نفسُه أخيرا , خصوصا لمّا تذكّر قصة النملة التي لمّا عجزَتْ , سارَعَتْ صديقاتُها لمدِّ يدِ العون , تَشَجَّع على البوحِ بما في داخله و كان مُتَفَائِلا في أن يجِد مُساعدةً و دفعةً معنوية من لَدُنهُم .
وقف في مكان عالٍ و نادى جاهرًا بصوته : " يا جِيراني , جِئتُكُم طالبًا أن تعْذُرُونِي , أعْترِف أن غيابي في ذلك اليوم لم يكن للنُّزهة , و سبب جروحي لم يكن هروبًا من الذئب و لا قتالا مع وحشٍ عملاق , بل بكلِّ صراحة قد اكتشفت حقيقة أنني نسرٌ , و أردْت أن أطّلع على بني جِنسي , ثم إن الحَنين و الفِطرة قد دفعاني لمُحاولة الطيران , فحاولت مرارا و لم أستطع , فحلّ بي ما حلّ بسبب سُقوطي أثناء ذلك " .
قبل أن يُتِمَّ كلامه بدأ الضجيج يعلو في المكان , من الدَّجاج من كان يُقَهقه ساخرًا
" طيرانُ ماذا ؟ لن تستطيعَ الطيران حتى في حُلُمِك لأنك دجاجة و ستبقى دجاجة ما حييت " و منهم من كان يهمس قائلا " يا للهول لقد اكتشف الحقيقة ! ماذا لو استطاع الطيران , ثم بعد ذلك تعلّم الإفتراس , سيشكِّل ذلك خطرا على مجتمعنا " .
انقسموا إلى خائفين , و ساخرين , و حاقدين , لكنهم اجتمعوا على الوقوف ضده و كسْر هذا الطموح الذي لو نمَى بِداخله لشكّل ذلك خطرا عليهم حسب تفكِيرهم , نعتُوه بأقبَح الألْقاب , و اتَّخذوه سِخريًّا حتى أنهُ كاد يفقِد توازنه من الذُّهول , لم يكن يظن أن من عاش معهم , و تقاسم معم الحلو و المر , مستعِدّون لتحطيم طموحه دون تفكير أو مراجعة , احمرّ وجهه و عيناه , و همّ بالبكاء , لكن كبرياء النّسر منعَته من الركوع بعد أن ركع بالبوح بسرِّه , انطلق هاربا من المكان , لا يدري أين المقصد , كان همه أن يبتعد و حسب , لأن رائحة ذلك المكان بل حتى التفكير في أنه قريب منه أصبح كابوسا بالنسبة له , كابوسٌ يمتص إرادته , و يُحطِّم ذاته , و يعيده خطوات إلى الوراء , و هو راكضٌ بين الأشجار يَنْتابه شعورٌ عميق بالرغبة في الطيران , كان ألما عظيما , لكنه ألمٌ جديرٌ بأن يدْفع من لا مأوى له , ليجد لهُ مأوى , مأوى أبدي يحتظنه ما بقي حيّا , مأوى "الذات النسرية الشجاعة المستقلة" التي لن يُحس بعد مُعانقتها بالغربة .

______ يُتبع

 
العودة
Top