irised7
:: عضو منتسِب ::
الجزء السابق
https://www.4algeria.com/forum/t/473639/
زاد إصراره على طيران ، و أصبح يتدفق ثقة و عزما ، تلك الكلمات التي جرحته و ذلك الموقف الذي أحرجه لم يكُن ليكسر من عزيمته بل بالعكس ، سقاها فنَمَتْ و جعلت داخله يطير و لو لم يطِر جسده بعد . ذلك الحماس الذي يشوبه غضبٌ و رغبة في إثبات الذات ردا على كل حاقد أراد أن يكسره قد دفعه للذهاب مسرعا للربوة ، وقف على قمتها رافعا حِمله الثقيل بداخله ، أخذ نفسا عميقا أنعش جوارحه ، و انطلق راكضا إلى حافة الربوة .
طارت روحه قبل جسده و تبعها جسده محلقا بجناحين لم يستويا في السماء قط ، لكن لِكُل بداية نهاية ، استطاع أخيرا تسوِيتهما و حلّق كنسرٍ جارحٍ لا يخشى في سبيل بلوغ مساعيه لوْمَة لائم و لا انتقاد حاقد ، أخيرا .. ثِقته و إيمانه بنفسه حلّقا به عاليا ليخطو أول خطوة نحو التغيير و يضع قدما في ذاته النسرية التي طالما حلم بلقائها .
لبث في السماء مدة طويلة ، كعناق الأم لابنها المختفي منذُ ولادته , و كاد الشوق ان يُبقيه مُحلِّقا في السماء ، لولا أن نَال منه التعب و خيّم الليل على المكان .
أخذت ثقته تزداد ، و نُضجه يربو بسرعة , جعله النّجاح متعطشا للتطور و الاندماج الكلي مع ذاته في عالمه النسري ، لجأ إلى كهف معزول، طوّر فيه نفسه ، و اكتسب مهارات لم يعْهدها ، و كوّن شخصية صَلبة تليق بنسر ثابت المبادئ ، ثاقب النظرة ، يشع ثقة و اندفاعا .
مرت السنين ، و النسر الصغير صار كبيرا ، قرّر بعد هذه المدة الطويلة التي جعلت منه نسرا جارحا أن ينتقل لمرحلة أخرى في حياته ، و هي العودة إلى الأهل و إتمام ما بدأ قاصدَا محطته المبتغاة ، في ذلك اليوم الذي عزم فيه على الذهاب إلى أعشاش النسور و طلب الإنضمام اليهم ، شعر بقلبه يدُق في رقبته ، و مرّ بباله ذلك اليوم الذي تجسس فيه على النسور ، نعم ، آن الأوان للدخول إلى البيت ، للعودة إلى الأهل ، فِراقهم دَام دهرا ، لكن أنَّى يُسمى فِراقا و هُم ماكثون بداخله كل تلك السنين . اقترب من محيط أعشاشهم ، و خوفُه غير بادٍ على وجهه ، لم يتحرك نسرٌ من مكانه ، و لم تظهر علامات الدهشة على أحدِهم ، نظروا إليه نظرة مُفزعة لِكُل دخيلٍ ، لكنه الآن نسر لا يخشى الهجمات ، فكيف بالنظرات .
خاطبه شيخ النسور بنَبْرَة مُستعلية " من أنت ؟ " صمت لبضع ثوانٍ ثم أجاب " أنا نسر مثلكم ، و أريد الإنضمام إليكم " فأجابه " لا مكان بيننا للضعفاء "
احمرّ وجهُه و أجاب غاضبا " أنا لست ضعيفا ، أُطلب ما تُريد لأثبت لك أني قوي " بقي شيخ النسور مُحَمْلِقا فيه و كأنه تذكّر أمرا ما فجأة ، ثم صعّر له خدّه و قال له " لا تتعب نفسك ، قلت لك لا مكان لك بيننا ، عد عندما يسقط ريشك " .
أدهشه هذا الجواب و أحس أنه يحمل لغزا ، بقي في مكانه بُرهة و أدرك أنه لا مجال للمفاوضة ، عاد أدراجه إلى كهفه المظلم و بقي يُقلِّب ما سَمِعه في ذِهنه علّه يفهم المقصود .
مرّت بضعة أشهر على مُحاولته الانضمام للنسور ، في ذلك الصباح المُمطر ، استيقظ من نومه العميق ليجد نفسه في حالة غير عادية ، آلام في مخالبه و منقاره ، و سائر جسده ، كان يتصبب عرقا و لا يستطيع الحراك " يا إلاهي ما الذي يحدث ! أضعفت مرة أخرى ? أبين ليلة و ضحاها سأفقد ما تعلمته و أعود لسابق عهدي ؟ " كان هذا هاجسه ، و أكثر ما يخيفه ، لكن شعر بأن الأمر ليس كذلك . نظر إلى جسده و إذا برِيشه يتَغيّر لونُه و يتسَاقط بَعْضه ، أول ما بادر إلى ذهنه ما قال له ذلك النسر يوم قصد أعشاشهم ، نعم كان هذا شرطهم ليقبَلُوه معهم ، لولَم يتذكر هذا الأمر لما استطاع النهوض من مكانه و الطيران إلى أعشاش النسور ، فقد تشجّع على ذلك و كانت أجنحته المريضة بالكاد تحْمِله .
لما وصل إليهم ، كأن نفس المشهد أعاد نفسه ، وجدَهم جَالسين بهدوءٍ لم يُعَكِّره قدُومُه إليهم ، و نظروا إليه نفس النظرة ، و خاطبه نفس النسر بعد أن لاحظ ريشه المتساقط : " إذن قد عدت ؟ " فأجابه " نعم ألست من أخبرني بذلك؟ ، أنا متأكد أنك تعلم ما يحصل لي " نهض النسر العجوز من مكانه و مشى نحْوه بخُطوات مُتقاربة و ابتسامة مخفية ، و أدنى بمنقارَهُ إلى منقارِهِ و عيناه صوب عيْنيهِ ، ثم قال " بما أنك نسر ، فالأحرى أنك تعرف ما يحصل لك ، لأننا نعلم أولادنا كل ما يحتاجونه ليكونوا نسورا ، أم أنك لم تعش مع النسور ؟" . ارْتَبك النسر و جفّ حلقُه و غيّر مسار نظَرِه ، لكنّه سُرعان ما اسْتَجْمَع قواه و تنفس الصعداء لمواجهة الأمر الواقع ، قصّ عليه ما حل به من البداية إلى النهاية و الألم ينْهشه من كل جانب ، لكن لم تبدُ على شيخ النسور علامات التأثُّر و لم تصدُر منه أيّة ردّة فِعل لِما سمِع، عدا ابتسامة خفيفة كابتسامةِ من تأكّد من أمرٍ كان يشُك به ، لكنه أخفى ما يُفكر به و قال : " حسنا ، لقد سمعتُ منك ، و الآن اسمَع مني ، لا تظُن أنّك قد بلغت مُرادك ، لأننا معشرَ النسور في منتصفِ عُمرنا ، نخْضع لعملية تغيير جسدي ، يسقُط رِيشنا تلقائيا علامةً على بداية التحوُّل ، لكن باقي التحول لا يحدث تلقائيا بل نحن من نقوم به ، إذا نجحت في الاختبار الأخير ستكون كُفؤا للالتحاق بنا ، عدا ذلك ، ستبقي مرميًّا في البراري إلى أن تَموت من الألم " .
فتح النسر عينيْه جيدا من شدة الفُضول من جهة ، و تفكيرا في كيفية خوض امتحان و هو في تلك الحالة التي لا يُحسد عليها ، لكنه تظاهر بالثبات و قال له " أخبرني ماذا يترتب علي "
" يجب عليك أن تنزع منقارك و مخالبك ، و تنتظر أن تنبت أخرى جديدة في مكانها ، هنالك يمكنك العودة لتصبح واحدا منا " قالها لهُ مُسْتديرا بظَهْرِه عائدًا للجلوس إلى مكانه شعر النسر بالدُّوار بمجرد سماعِه لذلك ، استدار و هو يَـإِنُّ من الألَم و هو يقول " حسنا سأفعلها و أعود ، سأفعلها و أعود " انطلق إلى أعلى نقطة في الجبل ، و أبعدِها عن الغابة و سكانها ، كان المكان مُخيفا ، قاحلا ، خاليا من كل أشكال الحياة ، كان مُجرد لمْسِه لجُزء من جَسَدِه يُؤلمه ، فكيْف بِنَزْع عضوٍ مغروسٍ في لحْمِهِ .
وضع مرفقه على مخلب من مخالبه و أغمض عينيه ، و أخذ يقتَلعُه بكل قوته ، و يصرخ بقوة أكبَر من قُوته ، لم يسْتغرق ذلك سوى بضع ثوان لكنه أحس بها ساعات ، انتقل إلى المخلب الثاني دون تردد و جسده يغلي من الألم و صوت صُرَاخه افزَعَ الطيور عن أعشاشِها ، لكنَّه وعد نفسه مُذ سلك هذا الطريقَ أن يقوم بأيّة تضحية في سبيل استرجاع ذاتِه .
نزَع كلّ مخالِب اليد اليمنى و هي تقْطُر دمًا اختلط بالتراب ، انتقل إلى مخالب اليد الأخرى ، و أخذ يضْرِبها مع الصخور لتُنْتَزَعَ من جِلْدِه ، أمّا منقارُه فكَان أصْعبَ جُزءٍ في عمليةِ التَّحَوُّل ، كَان اقتِلاَعُهُ بِمَثَابَةِ الوُقوفِ على عَتَبَةِ المَوْتِ ، و هو يخرج شيئا فشيئًا من جِلده تاركًا وراءه رشَّاشًا من الدِّمَاء . من شدَّة الألَمِ و الصُّراخِ أُغمِي عَلَيْه و سقَط على الأرْض مغشِيا كوَرَقِ الشّجر .
كان النسور يُراقبونه من بَعيد ، فلمّا رأوه قد أنْهى مُهمّته هَرعوا اليه و حَملوه إلى عُشّهم ، دَاوَوا جِراحَه و اعْتَنوا به إلى أن تمَاثَل للشِّفاء ، ريشٌ جديد ، مِنقار و مخالِب خَشنة صلْبة جاهزةٌ للانقِضاض على فرائِسِها .
رحّبوا به أحر ترحيب و على رأسهم شيخ النسور الذي قال له " لقد نجحت ، أنت الآن واحد منا ، عِش نسرا أصيلا لم و لن يفارق فطرته ما دامت روحه في جسده"
https://www.4algeria.com/forum/t/473639/
زاد إصراره على طيران ، و أصبح يتدفق ثقة و عزما ، تلك الكلمات التي جرحته و ذلك الموقف الذي أحرجه لم يكُن ليكسر من عزيمته بل بالعكس ، سقاها فنَمَتْ و جعلت داخله يطير و لو لم يطِر جسده بعد . ذلك الحماس الذي يشوبه غضبٌ و رغبة في إثبات الذات ردا على كل حاقد أراد أن يكسره قد دفعه للذهاب مسرعا للربوة ، وقف على قمتها رافعا حِمله الثقيل بداخله ، أخذ نفسا عميقا أنعش جوارحه ، و انطلق راكضا إلى حافة الربوة .
طارت روحه قبل جسده و تبعها جسده محلقا بجناحين لم يستويا في السماء قط ، لكن لِكُل بداية نهاية ، استطاع أخيرا تسوِيتهما و حلّق كنسرٍ جارحٍ لا يخشى في سبيل بلوغ مساعيه لوْمَة لائم و لا انتقاد حاقد ، أخيرا .. ثِقته و إيمانه بنفسه حلّقا به عاليا ليخطو أول خطوة نحو التغيير و يضع قدما في ذاته النسرية التي طالما حلم بلقائها .
لبث في السماء مدة طويلة ، كعناق الأم لابنها المختفي منذُ ولادته , و كاد الشوق ان يُبقيه مُحلِّقا في السماء ، لولا أن نَال منه التعب و خيّم الليل على المكان .
أخذت ثقته تزداد ، و نُضجه يربو بسرعة , جعله النّجاح متعطشا للتطور و الاندماج الكلي مع ذاته في عالمه النسري ، لجأ إلى كهف معزول، طوّر فيه نفسه ، و اكتسب مهارات لم يعْهدها ، و كوّن شخصية صَلبة تليق بنسر ثابت المبادئ ، ثاقب النظرة ، يشع ثقة و اندفاعا .
مرت السنين ، و النسر الصغير صار كبيرا ، قرّر بعد هذه المدة الطويلة التي جعلت منه نسرا جارحا أن ينتقل لمرحلة أخرى في حياته ، و هي العودة إلى الأهل و إتمام ما بدأ قاصدَا محطته المبتغاة ، في ذلك اليوم الذي عزم فيه على الذهاب إلى أعشاش النسور و طلب الإنضمام اليهم ، شعر بقلبه يدُق في رقبته ، و مرّ بباله ذلك اليوم الذي تجسس فيه على النسور ، نعم ، آن الأوان للدخول إلى البيت ، للعودة إلى الأهل ، فِراقهم دَام دهرا ، لكن أنَّى يُسمى فِراقا و هُم ماكثون بداخله كل تلك السنين . اقترب من محيط أعشاشهم ، و خوفُه غير بادٍ على وجهه ، لم يتحرك نسرٌ من مكانه ، و لم تظهر علامات الدهشة على أحدِهم ، نظروا إليه نظرة مُفزعة لِكُل دخيلٍ ، لكنه الآن نسر لا يخشى الهجمات ، فكيف بالنظرات .
خاطبه شيخ النسور بنَبْرَة مُستعلية " من أنت ؟ " صمت لبضع ثوانٍ ثم أجاب " أنا نسر مثلكم ، و أريد الإنضمام إليكم " فأجابه " لا مكان بيننا للضعفاء "
احمرّ وجهُه و أجاب غاضبا " أنا لست ضعيفا ، أُطلب ما تُريد لأثبت لك أني قوي " بقي شيخ النسور مُحَمْلِقا فيه و كأنه تذكّر أمرا ما فجأة ، ثم صعّر له خدّه و قال له " لا تتعب نفسك ، قلت لك لا مكان لك بيننا ، عد عندما يسقط ريشك " .
أدهشه هذا الجواب و أحس أنه يحمل لغزا ، بقي في مكانه بُرهة و أدرك أنه لا مجال للمفاوضة ، عاد أدراجه إلى كهفه المظلم و بقي يُقلِّب ما سَمِعه في ذِهنه علّه يفهم المقصود .
مرّت بضعة أشهر على مُحاولته الانضمام للنسور ، في ذلك الصباح المُمطر ، استيقظ من نومه العميق ليجد نفسه في حالة غير عادية ، آلام في مخالبه و منقاره ، و سائر جسده ، كان يتصبب عرقا و لا يستطيع الحراك " يا إلاهي ما الذي يحدث ! أضعفت مرة أخرى ? أبين ليلة و ضحاها سأفقد ما تعلمته و أعود لسابق عهدي ؟ " كان هذا هاجسه ، و أكثر ما يخيفه ، لكن شعر بأن الأمر ليس كذلك . نظر إلى جسده و إذا برِيشه يتَغيّر لونُه و يتسَاقط بَعْضه ، أول ما بادر إلى ذهنه ما قال له ذلك النسر يوم قصد أعشاشهم ، نعم كان هذا شرطهم ليقبَلُوه معهم ، لولَم يتذكر هذا الأمر لما استطاع النهوض من مكانه و الطيران إلى أعشاش النسور ، فقد تشجّع على ذلك و كانت أجنحته المريضة بالكاد تحْمِله .
لما وصل إليهم ، كأن نفس المشهد أعاد نفسه ، وجدَهم جَالسين بهدوءٍ لم يُعَكِّره قدُومُه إليهم ، و نظروا إليه نفس النظرة ، و خاطبه نفس النسر بعد أن لاحظ ريشه المتساقط : " إذن قد عدت ؟ " فأجابه " نعم ألست من أخبرني بذلك؟ ، أنا متأكد أنك تعلم ما يحصل لي " نهض النسر العجوز من مكانه و مشى نحْوه بخُطوات مُتقاربة و ابتسامة مخفية ، و أدنى بمنقارَهُ إلى منقارِهِ و عيناه صوب عيْنيهِ ، ثم قال " بما أنك نسر ، فالأحرى أنك تعرف ما يحصل لك ، لأننا نعلم أولادنا كل ما يحتاجونه ليكونوا نسورا ، أم أنك لم تعش مع النسور ؟" . ارْتَبك النسر و جفّ حلقُه و غيّر مسار نظَرِه ، لكنّه سُرعان ما اسْتَجْمَع قواه و تنفس الصعداء لمواجهة الأمر الواقع ، قصّ عليه ما حل به من البداية إلى النهاية و الألم ينْهشه من كل جانب ، لكن لم تبدُ على شيخ النسور علامات التأثُّر و لم تصدُر منه أيّة ردّة فِعل لِما سمِع، عدا ابتسامة خفيفة كابتسامةِ من تأكّد من أمرٍ كان يشُك به ، لكنه أخفى ما يُفكر به و قال : " حسنا ، لقد سمعتُ منك ، و الآن اسمَع مني ، لا تظُن أنّك قد بلغت مُرادك ، لأننا معشرَ النسور في منتصفِ عُمرنا ، نخْضع لعملية تغيير جسدي ، يسقُط رِيشنا تلقائيا علامةً على بداية التحوُّل ، لكن باقي التحول لا يحدث تلقائيا بل نحن من نقوم به ، إذا نجحت في الاختبار الأخير ستكون كُفؤا للالتحاق بنا ، عدا ذلك ، ستبقي مرميًّا في البراري إلى أن تَموت من الألم " .
فتح النسر عينيْه جيدا من شدة الفُضول من جهة ، و تفكيرا في كيفية خوض امتحان و هو في تلك الحالة التي لا يُحسد عليها ، لكنه تظاهر بالثبات و قال له " أخبرني ماذا يترتب علي "
" يجب عليك أن تنزع منقارك و مخالبك ، و تنتظر أن تنبت أخرى جديدة في مكانها ، هنالك يمكنك العودة لتصبح واحدا منا " قالها لهُ مُسْتديرا بظَهْرِه عائدًا للجلوس إلى مكانه شعر النسر بالدُّوار بمجرد سماعِه لذلك ، استدار و هو يَـإِنُّ من الألَم و هو يقول " حسنا سأفعلها و أعود ، سأفعلها و أعود " انطلق إلى أعلى نقطة في الجبل ، و أبعدِها عن الغابة و سكانها ، كان المكان مُخيفا ، قاحلا ، خاليا من كل أشكال الحياة ، كان مُجرد لمْسِه لجُزء من جَسَدِه يُؤلمه ، فكيْف بِنَزْع عضوٍ مغروسٍ في لحْمِهِ .
وضع مرفقه على مخلب من مخالبه و أغمض عينيه ، و أخذ يقتَلعُه بكل قوته ، و يصرخ بقوة أكبَر من قُوته ، لم يسْتغرق ذلك سوى بضع ثوان لكنه أحس بها ساعات ، انتقل إلى المخلب الثاني دون تردد و جسده يغلي من الألم و صوت صُرَاخه افزَعَ الطيور عن أعشاشِها ، لكنَّه وعد نفسه مُذ سلك هذا الطريقَ أن يقوم بأيّة تضحية في سبيل استرجاع ذاتِه .
نزَع كلّ مخالِب اليد اليمنى و هي تقْطُر دمًا اختلط بالتراب ، انتقل إلى مخالب اليد الأخرى ، و أخذ يضْرِبها مع الصخور لتُنْتَزَعَ من جِلْدِه ، أمّا منقارُه فكَان أصْعبَ جُزءٍ في عمليةِ التَّحَوُّل ، كَان اقتِلاَعُهُ بِمَثَابَةِ الوُقوفِ على عَتَبَةِ المَوْتِ ، و هو يخرج شيئا فشيئًا من جِلده تاركًا وراءه رشَّاشًا من الدِّمَاء . من شدَّة الألَمِ و الصُّراخِ أُغمِي عَلَيْه و سقَط على الأرْض مغشِيا كوَرَقِ الشّجر .
كان النسور يُراقبونه من بَعيد ، فلمّا رأوه قد أنْهى مُهمّته هَرعوا اليه و حَملوه إلى عُشّهم ، دَاوَوا جِراحَه و اعْتَنوا به إلى أن تمَاثَل للشِّفاء ، ريشٌ جديد ، مِنقار و مخالِب خَشنة صلْبة جاهزةٌ للانقِضاض على فرائِسِها .
رحّبوا به أحر ترحيب و على رأسهم شيخ النسور الذي قال له " لقد نجحت ، أنت الآن واحد منا ، عِش نسرا أصيلا لم و لن يفارق فطرته ما دامت روحه في جسده"
____ انتهى