إنَّ الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ؛ من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيُّه وخليلُه ، وأمينه على وحيه ، ومبلِّغ الناس شرعه ، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه ، ولا شرًا إلا حذَّرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه جل في علاه في الغيب والشهادة والسر والعلانية مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعه ويراه . وتقوى الله جل وعلا : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
أيها المؤمنون : إن من الواجبات العظيمة المنوطة بالوالدين تربية الأبناء والعمل على تنشئتهم التنشئة الصالحة بالاستقامة والطاعة والبُعد عن المعصية والإضاعة ؛ إنه -معاشر المؤمنين- واجبٌ جسيم ومسؤولية عظيمة ، وهو وصية الله تبارك وتعالى للأبوين ، قال الله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}[النساء:11] ؛ أي أن الأولاد أمانةً في أعناقكم أيها الآباء تُسألون عنهم أمام الله تبارك وتعالى ، أمانةٌ وودائع مطلوبٌ من كل أبٍ وأم أن يقوم بحق ابنه عليه ؛ فكما أن الله جل وعلا أوصى الأبناء بالآباء برًا وإحسانًا وطاعةً وتأدُّبا فإنه جل وعلا قد أوصى الآباء بالأبناء عدلًا وتربيةً وحُسن تنشئة ، وإذا وقف الأب ووقفت الأم أمام الله عز وجل سألهما عن ذلك ، قال ابن عمر رضي الله عنهما : «أدِّب ابنك فإنك مسؤول عنه يوم القيامة ماذا أدبته وماذا علَّمته ، وهو مسؤول عنك عن برِّك وطواعيته لك» .
نعم معاشر المؤمنين إنها مسؤولية عظيمة ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ؛ الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) .
أيها المؤمنون عباد الله : إن هذا الواجب العظيم يتطلب من الأبوين عملًا جادًّا وجدًا واجتهادا في تربية الأبناء وتأديبهم وأطرهم على الحق أطرا ، وإبعادهم عن موجبات سخط الله والأمور التي توقع في النار ، يقول الله جل وعلا : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6] ؛ أي قوا أنفسكم بالعمل والطاعة ، وقوا أهليكم بالتربية والتأديب من نارٍ هذا وصفها .
وهذا -عباد الله- يُشعر بجسامة المسؤولية وعِظم الخطب وأن الأب يتحمل مسؤوليةً عظمى ، وإذا فرَّط الأب بواجبه خسر خسرانًا عظيما في دنياه وأخراه ، لأن الأب إذا فرط في تربية ابنه ونشأ الابن منحرفا لم ينتفع الابن حينئذٍ بحياته طاعةً وعبادة ، ولم ينتفع الأب من ابنه أدبًا وبرًا وإحسانا .
أيها المؤمنون عباد الله : وإن أعظم ما يكون مسؤوليةً في هذا الباب تربية الأبناء وتنشئتهم على الصلاة منذ أول النشأة وحداثة السن ، قال الله تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا }[طه:132] ، وفي سنن أبي داود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ)) .
ومن الآباء -عباد الله- من قَصَر مسؤوليته تجاه أبنائه على التربية البدنية والتربية الصحية ، أما التربية على طاعة الله والبُعد عن الحرام واجتناب الآثام فإنه في ذلك مفرطٌ ومضيِّع . وعندما يكون الأب في نفسه مفرطًا في الواجبات الدينية ولاسيما الصلاة مضيعًا لها متهاونًا بأدائها فإن أبًا هذا وصفه ضرره على أبنائه جسيم ، لأن التربية تقوم أول ما تقوم على التربية بالقدوة ، بحيث يكون الأب متحليًا بما يريد من ابنه أن يتصف به ، مُجانبا لكل ما يريد من ابنه أن يبتعد عنه ، أما إذا كان يأمر ابنه بما لا يفعله ، أو ينهاه عما يقع فيه ؛ فإن هذا تناقض يؤدي بالأبناء إلى نوعٍ من الانحراف والانحلال .
أيها المؤمنون عباد الله : لنتقي الله جل وعلا في أنفسنا وفي أبنائنا ولنحرص على تربيتهم وتأديبهم بآداب الإسلام وأخلاقه العظام ، فإنه ما نحل والدٌ ولده خيرًا من تربيته على الآداب الإسلامية والأخلاق الفاضلة والمحافظة على طاعة الله ، وما فرَّط والدٌ مع أولاده تفريطًا أشد من تفريطه في هذا الواجب تاركًا لأبنائه دون تربيةٍ أو تأديب .
اللهم يا ربنا نسألك بـأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تعيننا بمنٍّ منك ومدٍ وتوفيق على ما حمَّلتنا من مسؤوليةٍ تجاه الأبناء ، اللهم أعِنَّا على تربيتهم وتأديبهم ، اللهم يا رب العالمين وأصلح لنا ذرياتنا أجمعين ، واجعلهم لنا يا ربنا قرة عين يا ذا الجلال والإكرام .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله كثيرا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد أيها المؤمنون : اتقوا الله تعالى .
عباد الله : وإن من أعظم المعونة ، بل أساس الأمر في هذا الباب ؛ اللجوء إلى الله بالدعاء ، فإن الأمر كله بيد الله ، التوفيق بيده وحده لا شريك له ، فلن يصلح ابنٌ ولن تصلح بنتٌ إلا إذا أصلحهما الله جل وعلا ؛ ولهذا يجب على الأبوين أن يعتنيا عنايةً دقيقة بأمر الدعاء للأبناء والاجتهاد في هذا الأمر والإلحاح على الله تبارك وتعالى فيه . ومن دعاء خليل الرحمن : { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}[إبراهيم:40] ، ومن دعاء زكريا عليه السلام: { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}[آل عمران:38] ، ومن دعاء عباد الرحمن ما جاء في قوله: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان:74].
فالدعاء -عباد الله- مفتاح كل خير ، وأساس كل فضيلة في الدنيا والآخرة ؛ فلنكثر من الالتجاء إلى الله عز وجل بأن يصلح أبناءنا ، وأن يهديهم صراطه المستقيم ، وأن يجعلهم من المقيمين الصلاة ، وأن يعيذهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
وصلُّوا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد . وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي ، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعِينا وحافظًا ومؤيِّدا ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم آمِنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكِّها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها . اللهم إنَّا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين . اللهم أصلح ذات بيننا ، وألِّف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا ، اللهم وأصلح لنا شأننا كله . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . ربنا هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ومن أراد الإستماع إلى الخطبة فمن ههنا:
http://www.subulsalam.com/play.php?catsmktba=28696
أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه جل في علاه في الغيب والشهادة والسر والعلانية مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعه ويراه . وتقوى الله جل وعلا : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
أيها المؤمنون : إن من الواجبات العظيمة المنوطة بالوالدين تربية الأبناء والعمل على تنشئتهم التنشئة الصالحة بالاستقامة والطاعة والبُعد عن المعصية والإضاعة ؛ إنه -معاشر المؤمنين- واجبٌ جسيم ومسؤولية عظيمة ، وهو وصية الله تبارك وتعالى للأبوين ، قال الله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}[النساء:11] ؛ أي أن الأولاد أمانةً في أعناقكم أيها الآباء تُسألون عنهم أمام الله تبارك وتعالى ، أمانةٌ وودائع مطلوبٌ من كل أبٍ وأم أن يقوم بحق ابنه عليه ؛ فكما أن الله جل وعلا أوصى الأبناء بالآباء برًا وإحسانًا وطاعةً وتأدُّبا فإنه جل وعلا قد أوصى الآباء بالأبناء عدلًا وتربيةً وحُسن تنشئة ، وإذا وقف الأب ووقفت الأم أمام الله عز وجل سألهما عن ذلك ، قال ابن عمر رضي الله عنهما : «أدِّب ابنك فإنك مسؤول عنه يوم القيامة ماذا أدبته وماذا علَّمته ، وهو مسؤول عنك عن برِّك وطواعيته لك» .
نعم معاشر المؤمنين إنها مسؤولية عظيمة ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ؛ الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) .
أيها المؤمنون عباد الله : إن هذا الواجب العظيم يتطلب من الأبوين عملًا جادًّا وجدًا واجتهادا في تربية الأبناء وتأديبهم وأطرهم على الحق أطرا ، وإبعادهم عن موجبات سخط الله والأمور التي توقع في النار ، يقول الله جل وعلا : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6] ؛ أي قوا أنفسكم بالعمل والطاعة ، وقوا أهليكم بالتربية والتأديب من نارٍ هذا وصفها .
وهذا -عباد الله- يُشعر بجسامة المسؤولية وعِظم الخطب وأن الأب يتحمل مسؤوليةً عظمى ، وإذا فرَّط الأب بواجبه خسر خسرانًا عظيما في دنياه وأخراه ، لأن الأب إذا فرط في تربية ابنه ونشأ الابن منحرفا لم ينتفع الابن حينئذٍ بحياته طاعةً وعبادة ، ولم ينتفع الأب من ابنه أدبًا وبرًا وإحسانا .
أيها المؤمنون عباد الله : وإن أعظم ما يكون مسؤوليةً في هذا الباب تربية الأبناء وتنشئتهم على الصلاة منذ أول النشأة وحداثة السن ، قال الله تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا }[طه:132] ، وفي سنن أبي داود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ)) .
ومن الآباء -عباد الله- من قَصَر مسؤوليته تجاه أبنائه على التربية البدنية والتربية الصحية ، أما التربية على طاعة الله والبُعد عن الحرام واجتناب الآثام فإنه في ذلك مفرطٌ ومضيِّع . وعندما يكون الأب في نفسه مفرطًا في الواجبات الدينية ولاسيما الصلاة مضيعًا لها متهاونًا بأدائها فإن أبًا هذا وصفه ضرره على أبنائه جسيم ، لأن التربية تقوم أول ما تقوم على التربية بالقدوة ، بحيث يكون الأب متحليًا بما يريد من ابنه أن يتصف به ، مُجانبا لكل ما يريد من ابنه أن يبتعد عنه ، أما إذا كان يأمر ابنه بما لا يفعله ، أو ينهاه عما يقع فيه ؛ فإن هذا تناقض يؤدي بالأبناء إلى نوعٍ من الانحراف والانحلال .
أيها المؤمنون عباد الله : لنتقي الله جل وعلا في أنفسنا وفي أبنائنا ولنحرص على تربيتهم وتأديبهم بآداب الإسلام وأخلاقه العظام ، فإنه ما نحل والدٌ ولده خيرًا من تربيته على الآداب الإسلامية والأخلاق الفاضلة والمحافظة على طاعة الله ، وما فرَّط والدٌ مع أولاده تفريطًا أشد من تفريطه في هذا الواجب تاركًا لأبنائه دون تربيةٍ أو تأديب .
اللهم يا ربنا نسألك بـأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تعيننا بمنٍّ منك ومدٍ وتوفيق على ما حمَّلتنا من مسؤوليةٍ تجاه الأبناء ، اللهم أعِنَّا على تربيتهم وتأديبهم ، اللهم يا رب العالمين وأصلح لنا ذرياتنا أجمعين ، واجعلهم لنا يا ربنا قرة عين يا ذا الجلال والإكرام .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله كثيرا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد أيها المؤمنون : اتقوا الله تعالى .
عباد الله : وإن من أعظم المعونة ، بل أساس الأمر في هذا الباب ؛ اللجوء إلى الله بالدعاء ، فإن الأمر كله بيد الله ، التوفيق بيده وحده لا شريك له ، فلن يصلح ابنٌ ولن تصلح بنتٌ إلا إذا أصلحهما الله جل وعلا ؛ ولهذا يجب على الأبوين أن يعتنيا عنايةً دقيقة بأمر الدعاء للأبناء والاجتهاد في هذا الأمر والإلحاح على الله تبارك وتعالى فيه . ومن دعاء خليل الرحمن : { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}[إبراهيم:40] ، ومن دعاء زكريا عليه السلام: { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}[آل عمران:38] ، ومن دعاء عباد الرحمن ما جاء في قوله: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان:74].
فالدعاء -عباد الله- مفتاح كل خير ، وأساس كل فضيلة في الدنيا والآخرة ؛ فلنكثر من الالتجاء إلى الله عز وجل بأن يصلح أبناءنا ، وأن يهديهم صراطه المستقيم ، وأن يجعلهم من المقيمين الصلاة ، وأن يعيذهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
وصلُّوا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد . وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي ، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعِينا وحافظًا ومؤيِّدا ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم آمِنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكِّها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها . اللهم إنَّا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين . اللهم أصلح ذات بيننا ، وألِّف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا ، اللهم وأصلح لنا شأننا كله . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . ربنا هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ومن أراد الإستماع إلى الخطبة فمن ههنا:
http://www.subulsalam.com/play.php?catsmktba=28696
آخر تعديل: