بحلول الذكرى العشرين- التي تحل اليوم- لرحيل الشاعر الكبير نزار قباني تتجدد الأسئلة عما يتبقى منه وماذا خسرت الثقافة العربية بعد رحيله؟
نزار كان صوتا مغردا دوما بآمال وآلام الشعب العربي، فأحبوه وبادلوه غناء بغناء وآهات بآهات مثلها.
في السطور التالية تساؤلات وإجاباته عن تجربته الثرية التي كان لها تأثيرها في الشارع العربي الذي كان يردد معه ولا يزال قوله في قصيدته “المهرولون”:
ما تُفيدُ الهرولَةْ؟
ما تُفيدُ الهَرولة؟
عندما يبقى ضميرُ الشَعبِ حيا
كفَتيلِ القنبلة..
لن تساوي كل توقيعاتِ أوسْلُو..
خَردلَة!!..
الناقد الكبير د. أحمد درويش يقول إن نزار ظاهرة فريدة في تاريخ الأدب المعاصر أحدثت تغييرا جذريا في طبيعة بناء الشعر ولغته ووظيفته وموضوعاته، مشيرا الى أن بدايته ربما تكون قد صدمت بعض الناس الذين تعودوا على نمط من الفخامة في الموضوعات والصور والألفاظ الشعرية وكانوا يجدون لذة في الصعود اليها، وهي اللذة التي تقوم بها طبقة معينة من المثقفين الذين يتعاملون مع قديم الشعر وجديده .
وأضاف درويش أن نزار هبط فجأة الى القارئ ليأخذه معه قليلا قليلا الى مناخ الشعر وحدث ذلك على مستويات متعددة منها اللغة حيث اقترب كثيرا من العربية الفصيحة المعاصرة ولغة الحياة اليومية، مشيرا الى أن نزار ألبس اللغة ثوبا شعريا دون أن يرهق المتلقي بسلالم الصعود ونزل الى الموضوعات التي كانت تبدو أحيانا محرمة ، فاخترق أسرار الحياة العاطفية عند الأجيال المختلفة بدءا من المراهقين والمراهقات وصولا الى العجائز واخترق أيضا الفاصل الحاد بين الجد واللعب.
وقال درويش إن نزار هو الذي أشعل أكبر القضايا السياسية في الحرب والسياسة عندما رأى اختلال الميزان عند بعض المسئولين العرب، مشيرا الى أنه جعل الرواية الشعرية لهذا كله متاحة في الاسواق وعلى قارعة الطريق وانتقلت كثير من صوره الى عالم الاغنية فأصبح يتم تلقيها شفاهة وقراءة وتصاحبها الأدوات الفنية المختلفة الأخرى.
وتابع درويش: “نزار تشرب كثيرا من الثقافات الأجنبية تأثر بها وعلى نحو خاص الشاعر الفرنسي جاك بريفير الذي بالغ أحيانا في بعض تأثراته، فنقل قصائد له وترجمها الى العربية ووقعها باسمه” نزار” ومنها القصيدة التي تغنيها ماجدة الرومي “ذوب في الفنجان قطعتين”، لكن هذه كلها هفوات يغفرها له عطاؤه الكثير وتغييره لصورة الشعر”.
وقال درويش إنه قد يؤخذ على بعض من قلدوا نزار من الأجيال التالية أنهم لم يفهموا جيدا الفرق بين السهولة والضحالة ، مشيرا الى أن سهولته قائمة على ثقافة عميقة استوعبها وانتقى منها ، ولكن الذين قلدوه بدؤوا من حيث انتهى وكان ينبغي – حسب درويش- أن يبدؤوا من حيث بدأ بمعنى أن يكونوا هم أولا ثقافتهم العميقة، لينتهوا الى تسهيلها لملاءمة العصر، لأن التقليد غير الواعي – حسب درويش – يصبح فجا في معظم الأحيان .
واختتم د. درويش مؤكدا أن إنتاج نزار سيبقى علامة مميزة وشجاعة وقابلة للدرس والقبول والرفض والتحمس والاعتراض والحوار حول الشعر ، مشيرا الى أن تلك العلامات كلها هي أكبر دليل على أن الشعر فن لا يزال حيا .
أما الشاعر عبد المنعم رمضان فيرى أننا لا نستطيع أن نحاكم الناس على وظائفهم التي يضطرون اليها وإلا نكون شديدي القسوة ولن نجد من نميزه إلا القليل.
ودعا رمضان الى التمتع ولو ببعض التسامح، مشيرا الى أنه وجيله ظلموا نزار كثيرا ، لأنهم كانوا يتصورون ولا يزالون وسيظلون يتصورون أن الشيوع قرين الرداءة.
وأضاف رمضان أنه لم يتم قراءة نزار جيدا، مشيرا الى أن ما سيبقى من نزار ليس كثيرا، وليس شعره السياسي وليس “هوامش على دفتر النكسة”، ولكن سيبقى منه شعره البديع عن المرأة التي دخل غرفتها ولم يخرج.