السلام عليكم ورحمة الله .
بالمناسبة عيدكم مبارك وكل عام وانتم بخير وربي يتقبل من الجميع.
القراءة:
حسب معاينتي لمحتوى الكريكاتير وربط محتواه من رسومات وكتابات فقد تبين لي برأيي بعض الملاحظات وجب ذكرها قبل الخوض في مغزى الصورة والهدف منها وقد شكلت صورة الجريدة وعنوانها حيرة في التحليل والربط بينها وبين مناسبة العيد وتداخلت الافكار مما جعلني أفكر في أمرين التركيز على قضية العنف على المرأة او قضية الاضحية او كليهما!
- الواضح أن هذه العائلة ليست بالمعدمة الفقيرة وهذا يظهر من خلال الهندام وصورة البيت الجيد عكس ما ألفناه من تصوير علامات الفقر المدقع من خلال الهندام الرث و المرقع والبيت المشقق الجدران التي تعود رساموا الكاريكاتير بالايحاء اليها حين يتعلق الامر بموضوع الفقر والعوز.قد يخص الأمر التشدد في الانفاق المصاحب للعنف.
-محتوى الجريدة على الطاولة يوحي بالموضوع الأساسي موضوع العنف ضد النساء والقمع في الاسرة ضد المرأة وموضوع اختيار الاضحية التي تناسب حجم وأهمية عيد الاضحى كان استعانة من الرسام لسبب من الاسباب التي تشعل فتيل الشجار كلما تحين هذه المناسبة التي يقدسها الجزائريين بطريقتهم الخاصة وهو اختيار حجم الاضحية ونوعها في مقارنة ومنافسة بين الناس والاقارب الجيران.
-بكاء المرأة من حجم الأضحية الظاهر في دمعتها ربما يوحي أنها معنفة ومحتقرة و تعاني من بخل وتضييق وتعنت الزوج الذي لا تظهر عليه ملاح العوز المعروفة ولكن تظهر عليه ملامح التجهم والبخل والسخط في مسألة اختيار الأضحية المناسبة ولو كان السبب هو العناد ومحاولة تقليد الاخرين والغيرة وعدم القناعة فما الداعي لرسم وجهها بهذا الشكل الحزين الدامع الذي لا يوحي بالعناد والتعنت والمشاكسة قدر ما يوحي من معاناة مع اختيارات هذا الرجل وظلم الزوج وتشدده حتى في المناسبات التي من المفروض تدخل السعادة والبهجة في قلوب الاسرة وليس العكس وهذا ما يربطنا بمحتوى الجريدة على الطاولة.
-صورة الجار السعيد باضحيته في مقابل صورة ما يحدث في هذا البيت لا توحي بالفرق الاجتماعي والمعيشي بل ارى انها توحي بمسألة اختلاف الذهنيات والمعاملات والسلوكيات داخل البيوت تطفوا للسطح في كل مناسبة ومنها مناسبات الاعياد واللباس والاضحية والمناسبات الاسرية الاخرى والدخول الاجتماعي ...الخ وقد استعملها الرسام لتوضيح سبب الشجار فقط.
في البداية وبما أن الغاية من موضوع المنافسة هي الحديث عن المناسبة فان ساهتم بإظهار بعض السلوكيات العامة في هذه المناسبة الخاصة تحديدا وخاصة كيفية اقتناء الاضحية كفائدة عامة ومحاولة التطرق للعنف ضد المرأة وأسبابه الملخصة بمشهدين كجزء من الصورة.
تمهيد:
لا نستطيع أن نخفي وسط الغايات العظيمة والحكم الجليلة التي جعلها المولى عزوجل وخص بها هذه المناسبة ولع واهتمام الجزائريين بمادة اللحم التي تكاد وهي كذلك في كثير من الاحيان تغادر قائمة مصروفاته وأولى اهتمامته لما وصلت اليه من غلاء فاحش جعله يقبل عليها في المناسبات فقط ويصد عنها في باقي الايام بعدما كانت لا تفارق مائدته طيلة العام ومع حلول عيد الاضحى يرى فيها الفرصة والمبرر لبذل الجهد وارخاء الجيب والسعي لاقتناء أضحية بكل طريقة تلبي وتحقق له عدة أهداف روحية وانسانية واجتماعية وشخصية تتباين وتختلف في الترتيب عند كل انسان حسب الفهم والادراك الصحيح لمغزى المناسبة. انها مناسبة لتحقيق كل شيء وليس كل شيء.
والاقبال على اقتناء الأضاحي فيه مافيه من اختلاف النوايا ودوافع الغاية وحوافز المبادرة وجاهزية العدة والمقبلون عليها أشكال و أحوال ففيهم المعول المقدام لا تعوزه قدرة ولا حيلة ولا مال وفي ذلك أصناف معدوم النية ينظر للحومها ودماءها يسعى للكفاية ويغفل الغاية والمخلص النية المؤمن بمعانيها يرى فيها الأجر والقبول ويسعى لتحقيق الشروط.
وفي كلتا الحالتين الامر ميسور يبقى فقط اخلاص النوايا.
وصنف لايقبل العودة للدار الا بأضحية عظيمة القرون شكلها يجعله فخرا لاهله وزوجته واولاد حومته كأنه اصطاد وحيد القرون. وهؤلاء من يفسدون الغايات ويعبثون بعواطف واحاسيس الفقراء والمساكين في استعراضات لهم ولنسائهم ولاطفالهم ولكباشهم امام جيرانهم لا يقدرون حزنهم وقلة حيلتهم على اقتناء شبيها لاضحيتهم اولا يستطعون لذلك سبيلا.
وفيهم المتحفظ المحترز المتربص الباحث عن المستطاع عليه من الأثمان قبل الاحجام قواعده محددة وخارطة طريقه واضحة لا يبالغ ولا يصاغر.
وفيهم القاطن في الاسواق من قلة ما يحمل من المال تعرف على كل الماعز والاغنام فآنس وحشتهم في السوق طيلة أيام ليغنم في الأخير بأقلهم جمالا ومهرا. عائدا بالوافد الجديد فاما يقابل بالاهزيج والزغاريد او بالمهانة والعذاب الشديد.
تحليل بمشهدين:
المشهد الاول:
رجل البيت البخيل الحريص على ماله يظن ان لا حاجة للمبالغة في اضحية تليق بالمناسبة والغاية ويكتفي بما قلّ ودلّ من الاضاحي ويكتفي بكبش صبي كما في الصورة لا يوسع على أهله ولا يفرج عنهم ودوما هو في ضيق وقتر عصبي منفعل عنيف اذا استدعى الامر منه دق الجيوب تعاني منه الزوجة والاولاد وحتى الاسواق و الدكاكين ولا يجدون الى حلاوة النفقة والبذل والبهجة والاسعاد سبيل ولا باب ولا يسعدون حتى في المناسبات.
تبقى الزوجة تعاني في كل متطلبات الحياة مع هذا الرجل وربما تتعرض الى مختلف المعاملات القاسية اذا كان كل نقاش او طلب يبدأ بشجار وينتهي باعتداء.
المشهد الثاني:
المرأة المعروفة بارتباطها بالجيران وكل ما يحوم حولهم لا تستطيع اغفال جانب التمايز في المقتنيات وخاصة أضحية العيد التي يتعلق مفهومها بالشراهة والكفاية في الاكل والشواء والتمتع بوفرة لحمها وقلة عظمها وبدون وعي منها يتشكل لديها هاجس بالطبقية وتدني مستواها المعيشي ولما لا تكون لها الاحقية والاسبقية في اقتناء الاكبر الاوسع الاثمن الاجمل الاحلى ..... ولماذا كل الناس وليس هي واذا كان إيمانها مهلهل وقناعتها مزعزعة ووعيها بوضعها المعيشي الحقيقي غائب فانها سرعانما تفتح جبهة كانت في غنى عنها في حرب ضروس لا تحط أوزارها وسط الجشع وقلة الرضا وتجدد المطالب الاعجازية التي ترهق كاهل الرجل وفي كل فرصة تتجدد النغمة وتقرع طبول الكفر بالنعمة ويظطر كل طرف لاستعمال ما يبرع فيه من أشكال العنف اللفظي والجسدي.
الخلاصة:
مما لاشك فيه ان تقديم هذه الاضحية بين يدي المولى عزوجل خالصة لوجهه تعالى فيها من الرهبة والرغبة ومعاني العبودية والتقرب ما يجعل مسألة حجمها وشكلها ونوعها المضبوطة والمحددة شرعا وواجبا أمرا في غاية الجدية لا يجب أن تشوبه شائبة والا ذهب اللافهم بالاخلاص وضاع الأجر والثواب بسبب سلوكيات ومظاهر وطبائع تتكرر دوما دون انتباه للغاية الاصلية. ولان لكل مسلم مما أتاه الله قدر من الرزق فانه لا يحمل الله نفسا مالا طاقة لها به والقضية محسومة عنده والله يأخذ بالاخلاص والنية الحقيقية الصادقة الصافية ويدع ما دونها من تبجح وتفاخر ورياء وتباهي وكبرياء وطمع وايعاز بالقوة والقدرة والتقليد والمعاندة لاجل التنافس والتمايز واثبات ما لاجدوى منه ولا نفع وغيرها من شوائب السلوكيات والغايات التي تقضي على الاصل والفضل من المناسبة وتجعل منها اسبابا تفرق بين الناس بدل توحدهم في تظامن وتكافل اجتماعي يرعاه الدين.
من الواجب على المسلم أن يبذل كل طاقته ويستنفر كل قدرته من جهد ومال اذا تعلق الامر بتحقيق عبادة خالصة لوجه الله ولا لغرض سواه وان يعطي ويبذل قدر ما ينعم الله عليه من العطاء والمن لا يكلف نفسه المشقة والعناء فليس هذا من الغايات النبيلة لهذه المناسبة ولا يمسك يده عن الصدقة والاجر وادخال الفرحة وغرس البهجة في قلوب أهل بيته وجيرانه واقاربه.
والشح والبخل والتردد في هذه المسائل من الحسابات الخاسرة الخاطئة في التعامل مع الله عزوجل.وقد خسر عبد الدينار من يشفق على ماله من اسعاد اسرته وادخال بهجة المناسبة الى داره بدل العنف والقمع والمنع . كما لا يجب أن نجعل من الولع والوله بالتشبه بالأخرين وتقليدهم والسير على خطاهم دون تمييز مقدرتهم ومستواهم سببا للكفر بالنعمة وعدم الرضا بما قدره الله وقسمه بين عباده وتحميل العشير ما لا يستطيع او يُطيق في مناسبة تحولت الى منافسة.
كل هذا والله أعلم بالنفع والصواب.