السلام عليكم أهل اللمة الكرام.
"بنة العيد راحت زمان"
في الواقع هذا القول لا يستوعب معناه الفعلي ولا يتفهم أسباب طرحه في كل مرة الا من عايش تلك الفترة كاملة او على الاقل لازال يتذكرها على أطراف طفولته عندما كانت العادات والتقاليد والطقوس المتوارثة سارية وفاعلة وصالحة يحرص عليها الجميع كحرصهم على العبادات وربما اندمجت في العبادات وامتزجت بشكل جعلها من الثوابت والاصول التي لايمكن أن تكتمل الا بتلك العادات والطقوس.
الان وبعد مرور المجتمع الجزائري بمراحل عصيبة ومحن كبيرة وتحديات وظروف غريبة ومريبة صقلت شخصيته الجديدة غيرت من طبعه وسلوكه واهتماماته وارغمته على اعادة ترتيب أولوياته في الحياة واعادة التحكم بزمام الأمور بعيدا عن الآراء والوصايا والحكم العتيقة بمعزلٍ عن التقيد بعادات وطرق في رأيه وقناعته أنها منتهية الصلاحية وان تحقيقها في الواقع الجديد من المستحيلات التي يضيع فيها الجهد والوقت، بينما كانت الحرية الفردية مرتبطة جذريا بقيود أسرية تقليدية تحررت هذه القيود من التبعية واصبحت الحرية الفردية مطلب يأخذ بالقوة والعنف أحيانا بما يسمى التمرد.
من وجهة نظري ان الانفصال بين الماضي والحاضر وكل لواحقهما حصل في مفترق الطرق عندما أُرغم الأب والأم على مغادرة منصبهم على رأس الأسرة وحل محلهما الحرية التامة لكل فرد منها بحيث يمكن لهذا الفرد إنشاء مجتمعه الخاص وعاداته وتقاليده الخاصة دون تهديد او ممانعة دون قواعد عامة تحكمه حرية تجعله سريع المواكبة والاندماج والاتباع لتقاليد وعادات جديدة اكتسحت عالمه المفتوح غير المقيد على كل الواردات ومن خلال استبدال نمط مأكله وملبسه وعقله و سلوكه ومعاملاته وعلاقاته ورسم حدوده ...الخ فانه بذلك شكّل عالمه الخاص الذي لا يحوي اي ذاكرة تربطه او تعيده الى العادات والتقاليد الاجتماعية التي نتكلم عنها في هذا الموضوع.
مشهد:
انطلاق مهرجان لموسيقى عصرية أضنها التيكنو او على شاكلة الروك وهي موسيقى بعيدة كل البعد عن العادة ويعرض التلفزيون صور أطفال وشباب برفقة أولياءهم منهمكين في الاحتفال. السؤال الشامل لكل العوائل من الصحفي كان ماهو سبب حضورك في مهرجان لموسيقى غريبة فكان الاجماع على التبرير الآتي وهو " شفت وليدي او بنتي تحب هذه الموسيقى فحبيت نحققلهم رغبتهم بحضور الحفلة...لكن أنا لا أحب هذا النوع من المهرجات وغير موافقة عليه !!!؟ ....الخ "
والمعنى هنا أن هذا العالم الجديد الذي شكله هذا الشاب والطفل لا يخضع أولا لأي تقييد او حدود.
ثانيا أن عالم العادات والتقاليد القديمة يسقط ويرضخ سريعا لمطلب العالم الجديد فهو غير متين وصلب ومؤثر.
تحقيق رغبات العالم الجديد رغم الاعتراض وعدم الاقتناع هو اعلان بشغور منصب ولي الأمر وبهذا ينسف كل مطلب سطحي كان أو جاد بعودة التقاليد والاعراف والطبائع والعادات القديمة لسبب وحيد هو توقف مبدأ التوريث لها وتمريرها بين الأجيال بفقدان حلقة من الحلقات الاساسية وهي ( الاب والام)
ولذا نسمع كثيرا عبارات مثل "النية مشات مع ناس بكري" ويُقصد بعبارة" النية" كل عادة جميلة وفي كل مناسبة للحديث عن الاخلاق او الطباع والمعاملات الحميدة نتحسّر على الماضي ونوعز أسباب الخلل لغياب العامل البشري او نوعية البشر بمعنى ان الذهنية الجديدة غير قابلة لتطبيق العادات الفضيلة وأن الانسان حاليا لا يحمل الكفاءة اللازمة التي كانت في القدماء ليستطيع تحمل تكاليف وأعباء بعض الطباع الحميدة كالصدق والوفاء والاخلاص والسماحة وسعة القلب وصلة الرحم والبر بالوالدين والحرص على الجيرة والإيثار والقناعة .... وغيرها. وهذه الصفات يراها الآن لا تتماشى مع تحديات وصراعات الحياة اليومية وسط تفشي وشيوع الظلم والآفات والشرور والاعتداءات وتفكك الاسر وتفرق الجماعات مع غياب العدل والحماية والأمانة.
وبحلول كل مناسبة كبيرة كعيد الأضحى تتكرر المحاولات والدعوات لاعادة احياء تلك العادات والتقاليد واعادتها لواجهة حياتنا ومعاملاتنا من جديد كنوع من البحث عن الراحة النفسية والرضا الضميري ان صح التعبير وكل ما ينهك تفكيره من مخلفات ومآزق المجتمع الجديد.
وبين جدية المطلب وسطحيته فان المطلب يبقى معلق حتى نفصل في نوعه ومحتواه.
فالمطالبة بعودة التقاليد والعادات كمظهر ثقافي تجاري ترويحي عن النفس مسلي او لغايات تتعلق باثبات هوية ما أو مغزى سياسي ما فالافكار متعددة تعدد المذاهب والأحزاب ولو ان المطلب يظهر واحدا الا ان الغايات تتوزع بين أصحابها توزع مشاريعهم وأهدافهم.فهذا مطلب سطحي.
وأما المطالبة بعودتها كعلاج وشفاء لعقد وآفات وسلوكيات مرضية أسرية واجتماعية أثرت على الاقوال والافعال وتوجه المجتمع وتركيبته وانفلات المعايير فيه وكرغبة ملحة لاعادة التحكم بزمام الامور المنهارة حاليا فهنا يكمن جدية المطلب في رأيي على الأقل.
الغريب ان هذا الشعور بالرغبة لاستعادة الروح لا يظهر ولا ينفلج ضوءه المستحي الا في المناسبات ليعود الانسان في سائر الايام العادية الى مواصلة نمطه المعتاد في مواكبة ومسايرة التغيرات والمستجدات الناقم منها الا في المناسبات.
والله أعلم.
فريد أبوفيصل
فهل هذه الرغبة يمكن تحقيقها فعلا أم أن الوقت قد فات؟
وهل المطالبات به هي فعلا جادة ام سطحية؟
وهل المطالبات به هي فعلا جادة ام سطحية؟
آخر تعديل بواسطة المشرف: