نَمَاذِجُ مُشرِقَةٌ مِنَ الحَيَاءِ
1- أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا» فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ! قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» .
يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ لِأُمِّ سَلَمَةَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا»، وَلَكِنَّهَا تَقُوْلُ: إِنَّ النِّسَاءَ لَا تُطِيْقُ هَذَا، لِأَنَّ أَقْدَامَهُنَّ سَتَنْكَشِفُ عِنْدَ المَشْيِ، فَلَمْ تَرْضَ أَنْ يُرْخَى الثَّوْبُ شِبْرًا يُجَرْجِرُ فِي الأَرْضِ؛ وَلَكِنَّ فَتَيَاتِ هَذَا الزَّمَانِ رَضِيْنَ بِهَذَا الشِّبْرِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ شِبْرًا يُجَرْجِرُ فِيْ الأَرْضِ، لَكِنَّهُ شِبْرٌ فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ.
الْمَرْأَةُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْحَيَاءِ، فَإِذَا فَقَدَتِ الْمَرْأَةُ حَيَاءَهَا؛ فَقَدَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَفَعَلَتْ كُلَّ شَيْءٍ. وَبَطنُ الأَرضِ خَيرٌ لَهَا مِن ظَهرِهَا.
2- المَرْأَةُ السَّودَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: عَنْ عَطَاءَ بنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا: أَلَا أُرِيْكَ امرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّودَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ - الصَّرْعُ: عِلَّةٌ فِي الجِهَازِ العَصَبِيِّ تَصحَبُهَا غَيبُوبَةٌ وَتَشَنُّجٌ فِي العَضَلَاتِ، وَقَد تَكُونُ بِدُخُولِ الجِنِّيِّ فِي بَدَنِ المَصرُوعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُون إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ مِنَ المَسِّ﴾ [البقرة: 275] -، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ - أَي: خَشِيَتْ أَن تَظهَرَ عَورَتُهَا وَهِيَ لَا تَشعُرُ -، فَادْعُ اللَّهَ لِي - أَي: بِالعَافِيَةِ مِن هَذَينِ الأَمرَينِ -؛ قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا .
حَرَصَتْ عَلَى عَدَمِ التَّكَشُّفِ وَسَترِ العَورَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ المَفَاسِدِ مَا لَا يَخفَى.
فَهَذِهِ المَرْأَةُ سَوْدَاءُ، لَكِنْ قَلبُهَا أَبْيَضُ. قَدْ تَصْبِرُ عَلَى المَرَضِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَسْتَطِيْعُ الصَّبْرَ عَلَى خَدْشِ الحَيَاءِ، وَجَرْحِ العَفَافِ؛ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِرَادَتِهَا.
أَلَمْ يَأْنِ لِلنِّسْوَةِ فِي هَذَا الزَّمَنِ العَصِيبِ: أَنْ يَقْتَدِيْنَ بِهَذِهِ المَرْأَةِ، وَيَتَرَبَّيْنَ عَلَى العَفَافِ وَالحَيَاءِ؟!
مَظَاهِرُ قِلَّةَ الحَيَاءِ
• خُرُوجُ النِّسَاءِ كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ... نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ... العَنُوهُنَّ، فَإِنَّهُنَّ مَلعُونَاتٌ...» .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ الـمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلنَ الـجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» .
يَا سُبحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ! أَينَ عُقُولُ هَؤُلَاءِ؟ أَعُمِّيَتْ أَبصَارُهُنَّ وَبَصَائِرُهُنَّ؟!
فَهَؤُلَاءِ النِّسْوَةُ الفَاجِرَاتُ اللَّوَاتِي خَالَفْنَ تَعَالِيمَ الدِّيْنِ وَآدَابَ الإِسلَامِ، فَخْلَعَنَ مَلَابِسَهُنَّ، وَكَشَفْنَ عَنْ سَوَاعِدِهِنَّ، وَلَبِسْنَ المَلَابِسَ الرَّقِيْقَةَ الَّتِي لَا تَسْتُرُ جَسَدًا، وَلَا تُخْفِي عَوْرَةً؛ وَإِنَّمَا تَزِيْدُ فِي الفِتْنَةِ وَالإِغْرَاءِ، وَمَشَيْنَ مِشْيَةً، فِيْهَا لَفْتُ أَنْظَارِ الرِّجَالِ. «فَهُنَّ كَاسِيَاتٌ بِالِاسمِ، عَارِيَاتٌ فِي الحَقِيقَةِ» . يَنْطَبِقُ عَلَيْهِنَّ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «... وَشَرُّ نِسَائِكُمُ المُتَبَرِّجَاتُ المُتَخَيِّلَاتُ، وَهُنَّ المُنَافِقَاتُ» .
وَلَقَدْ صَوَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ، وَهُنَّ يَتَبَخْتَرْنَ فِي الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ، ويَتسَكَّعْنَ فِي الأَسْوَاقِ وَالمُنْتَدَيَاتِ، صَوَّرَهُنَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ» أَيْ: أَنَّهُنَّ مَائِلَاتٌ فِي مِشْيَتِهِنَّ، مُمِيْلَاتٌ لِقُلُوْبِ الرِّجَالِ؛ ثُمَّ عَدَّدَ الرَّسُولُ الكَرِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مِنْ قَبَائِحِهِنَّ: بِأَنَّهُنَّ يُصَفِّفْنَ شُعُورَهُنَّ، حَتَّى يُصْبِحَ شَعْرُ الوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ مِثْلَ سَنَامِ الجَمَلِ فِي الِارْتِفَاعِ، وَقَدْ وَضَعَتْ عَلَيْهِ أَنْوَاعَ الزِّيْنَةِ؛ وَصَبَغَتْهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الأَصْبَاغِ المُغْرِيَةِ، وَكَدَّسَتْهُ فَوْقَ رَأْسِهَا كَأَنَّهُ شَاهِقٌ مِنَ الجَبَلِ، أَوْ سَدٌّ عَالٍ مِنْ سُدُوْدِ الصِّيْنِ.
وَقَدْ خَتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم هَذَا الحَدِيْثَ الشَّرِيفَ بِمَا يَفْزَعُ لَهُ قَلبُ الإِنْسَانِ، فَقَالَ: «لَا يَدْخُلنَ الـجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا».
وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنْ هَذَا العَذَابِ؟! أَنْ يُحْرَمَ الإِنسَانُ الجَنَّةَ وَنَعِيْمَهَا، وَأَلَّا يَجِدَ رِيحَهَا أَبَدًا، مَعَ أَنَّ رِيحَهَا يُوْجَدُ مِنْ مَسِيْرَةِ خَمْسِمِئَةِ عَامٍ؟!
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
• كَثرَةُ خُرُوجِ المَرأَةِ مِنَ البَيتِ:
عَنِ ابنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «إِنَّ المَرْأَةَ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ؛ وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا، وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا» .
قَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ»؛ أَيْ: زَيَّنَهَا فِي نَظَرِ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: أَي: نَظَرَ إِلَيْهَا، لِيُغْوِيَهَا وَيُغْوِيَ بِهَا .
• خُرُوجُ المَرأَةِ مُتَعَطِّرَةً:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيْبِ يَنْفَحُ، وَلِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ - أَي: رِيحٌ تَرْتَفِعُ بِتُرَابٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَتَسْتَدِيرُ كَأَنَّهَا عَمُودٌ -، فَقَالَ: يَا أَمَةَ الجَبَّارِ - نَادَاهَا بِهَذَا الِاسْمِ تَخْوِيفًا لَهَا -، جِئْتِ مِنَ الـمَسْجِدِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ؛ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي - أَيْ: مَحْبُوبِي - أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لاِمْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِـهَذَا المَسْجِدِ، حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الجَنَابَةِ» - أَي: كَغُسْلِهَا مِنَ الجَنَابَةِ -.
هَذَا حُكمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فِيمَن خَرَجَت إِلَى المَسجِدِ مُتَعَطِّرَةً. فَمَاذَا يَكُونُ حُكمُهُ فِيمَن تَخرُجُ إِلَى عُرسٍ وَنَحوِهِ مُتَعَطِّرَةً؟! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ.
وَعَنِ الأَشْعَرِيِّ (يَعنِي: أَبَا مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا، فَهِيَ زَانِيَةٌ» .
• مَشيُ المَرأَةِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ:
عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ - وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الـمَسْجِدِ، فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم لِلنِّسَاءِ -: «اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ». قَالَ: فَكَانَتِ الـمَرْأَةُ تَلتَصِقُ بِالجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ .
سُبْحَانَ اللَّهِ! بَادَرْنَ إِلَى تَنْفِيذِ أَمرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، بَلْ بَالَغْنَ فِي ذَلِكَ.
• وَضعُ المَرأَةِ ثِيَابَهَا فِي غَيرِ بَيتِ زَوجِهَا:
عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا قَالَتْ: خَرَجْتُ مِنَ الحَمَّامِ، فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ؟» قَالَتْ: مِنَ الحَمَّامِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنَ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا، فِي غَيْرِ بَيْتِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّهَاتِهَا، إِلَّا وَهِيَ هَاتِكَةٌ كُلَّ سِتْرٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّحْمَنِ» .
وَعَنْ أَبِي الـمَلِيحِ الهُذَلِيِّ: أَنَّ نِسَاءً مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، دَخَلنَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا، فَقَالَتْ: أَنْتُنَّ اللَّاتِي يَدْخُلنَ نِسَاؤُكُنَّ الحَمَّامَاتِ؟! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ: «مَا مِنَ امْرَأَةٍ تَضَعُ أَثْيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا، إِلَّا هَتَكَتِ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا» .
فَيَحرُمُ عَلَى الـمَرأَةِ أَن تَخلَعَ ثِيَابَهَا فِي غَيرِ بَيتِ زَوجِهَا: كَالمَسَابِحِ، وَصَالُونَاتِ التَّجمِيلِ، وَالأَندِيَةِ الرِّيَاضِيَّةِ.
وَلتَتَأَمَّل كُلُّ مَنْ سَوَّلَتْ لَهَا نَفْسُهَا، وَأَمْلَى الشَّيْطَانُ لَهَا، بِخَلْعِ الحِجَابِ وَالحَيَاءِ، الحَدِيثَ التَّالِيَ:
عنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ... إِذْ قَالَ: «انْظُرُوا! هَلْ تَرَوْنَ شَيْئًا؟» فَقُلْنَا: نَرَى غِرْبَانًا فِيهَا غُرَابٌ أَعْصَمُ أَحْمَرُ المِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ، إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُنَّ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فِي الغِرْبَانِ» .
الأَعْصَمُ: هُوَ أَحْمَرُ المِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ. وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ قِلَّةِ مَنْ يَدخُلُ الجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ، لِأَنَّ هَذَا الوَصْفَ فِي الغِرْبَانِ عَزِيزٌ قَلِيلٌ.
صُوَرٌ مِنَ الحَيَاءِ المَذمُومِ
1- تَركُ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ: أَنْ يَتَكَلَّمَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ، أَوْ شَهِدَهُ، أَوْ سَمِعَهُ» .
كَأَنْ يَأْكُلَ وَالِدٌ بِشِمَالِهِ، فَيَسْتَحِيَ الوَلَدُ مِن نَهيِ أَبِيهِ عَنِ الأَكْلِ بِالشِّمَالِ حَيَاءً مِنْهُ.
فَلَا يَنْبَغِيْ لَكَ أَنْ تَتْرُكَ الأَمْرَ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ، حَيَاءً مِنَ النَّاسِ.
2- مُقَارَفَةُ الإِثْمِ اسْتِحيَاءً مِنَ النَّاسِ:
كَأَنْ تَمُدَّ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ يَدَهَا إِلَى رَجُلٍ فَيُصَافِحَهَا، وَيَزْعُمَ أَنَّهُ اسْتَحْيَا مِنْهَا؛ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «لَأَنْ يُطْعَنَ فِيْ رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيْدٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ» .
فَمَن صَافَحَ امرَأَةً أَجنَبِيَّةً حَيَاءً مِنهَا، فَليَتَذَكَّرِ الحَدِيثَ التَّالِيَ:
عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ؛ وَمَنِ التَمَسَ رِضَى النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ، سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيهِ النَّاسَ» .
وَاعلَم أَنَّ اللَّهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إِذَا رَضِيَ عَنِ العَبدِ، أَرضَى النَّاسَ عَنهُ؛ وَإِذَا سَخِطَ عَنِ العَبدِ، أَسخَطَ النَّاسَ عَلَيهِ.
3- تَركُ طَلَبِ العِلمِ:
قَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَتَعَلَّمُ العِلمَ مُسْتَحْيٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ .
وَلِهَذَا: فَإِنَّ الصَّحَابِيَّاتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُنَّ، لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ مِنْ طَلَبِ العِلمِ الشَّرْعِيِّ.
قَالَت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: نِعمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنصَارِ، لَم يَكُن يَمنَعُهُنَّ الحَيَاءُ أَن يَتَفَقَّهنَ فِي الدِّينِ .
مِمَّ يَتَوَلَّدُ الحَيَاءُ؟
اعْلَـمْ - بَارَكَ اللَّـهُ فِـيكَ - بِأَنَّ أَعظَمَ الـحَيَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَـى، الَّذِي نَتَقَلَّبُ فِـي نِعَمِهِ وَإِحسَانِـهِ اللَّـيلَ وَالنَّـهَارَ، وَلَا نَستَغنِـي عَنْهُ طَرفَةَ عَيـنٍ؛ وَنَحنُ تَـحتَ سَمعِهِ وَبَصَـرِهِ، لَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْ حَالِنَا وَقَولِنَا وَفِعلِنَا شَـيءٌ. فَهُوَ الَّذِي خَلَقَنَا، وَهُوَ الَّذِي رَزَقَنَا، فَنَطْعَمُ مِنْ خَيـرِهِ، وَنَتَنَفَّسُ فِـي جَوِّهِ، وَنَعِيشُ عَلَـى أَرضِهِ، وَنَستَظِلُّ بِسَمَـائِهِ؛ وَآلَاؤُهُ غَمَرَتنَا مِنَ الـمَهْدِ إِلَـى اللَّحدِ، وَإِلَـى مَـا بَعدَ ذَلِكَ مِن خُلُودٍ طَوِيلٍ فِـي الـجَنَّةِ - إِن شَاءَ اللَّـهُ تَعَالَـى -. فَكَيفَ لَا نَستَـحِي مِنْهُ؟ وَكَيفَ نُقَابِلُ كُلَّ هَذِهِ النِّعَمِ بِالإِسَاءَةِ؟!
وَالعَجَبُ مِمَّن يَعلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا بِهِ مِنَ النِّعَمِ مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ لَا يَستَحِي مِنَ الِاستِعَانَةِ بِهَا عَلَى ارتِكَابِ مَا نَهَاهُ عَنهُ!
وَيَتَوَلَّدُ الـحَيَاءُ مِنَ «الـمَعرِفَةِ بِعَظَمَةِ اللَّـهِ وَجَلَالِـهِ وَقُدرَتِـهِ، لِأَنَّـهُ إِذَا ثَبَتَ تَعظِيمُ اللَّـهِ فِـي قَلبِ العَبدِ، أَورَثَهُ الـحَيَاءَ مِنَ اللَّـهِ وَالـهَيبَةَ لَـهُ، فَغَلَبَ عَلَـى قَلبِـهِ خَمسَةُ أُمُورٍ:
أَوَّلًا: ذِكرُ اطِّلاعِ اللَّـهِ العَظِيمِ إِلَـى مَـا فِـي قَلبِـهِ وَجَوَارِحِهِ. ﴿وَاللهُ يَعلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُم﴾.
ثَـانِــيًـا: وَذِكرُ الـمَقَامِ غَدًا بَـيـنَ يَدَيـهِ.
ثَالِـثًـا: وَسُؤَالُـهُ إِيَّاهُ عَنْ جَـمِيعِ أَعمَـالِ قَلبِـهِ وَجَوَارِحِهِ. ﴿إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَائِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولًا﴾ [الإسراء: 36].
رَابِـعًـا: وَذِكرُ دَوَامِ إِحسَانِـهِ إِلَـيـهِ، بِأَنوَاعِ الإِحسَانِ وَالإِنعَامِ وَالأَرزَاقِ وَالعَطَايَا، وَهُوَ سُبحَانَهُ كَثِيرُ الإِحسَانِ، فَلَا نِهَايَةَ لِإِحسَانِهِ. ﴿وَمَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾ [النحل: 53].
خَامِسًا: وَقِلَّةُ الشُّكرِ مِنْهُ لِرَبِّهِ. ﴿وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13].
فَإِذَا غَلَبَ ذِكرُ هَذِهِ الأُمُورِ عَلَـى قَلبِـهِ، [انبَعَثَتْ] مِنَ العَبدِ قُوَّةُ الـحَيَاءِ مِنَ اللَّـهِ، فَاستَـحيَى مِنَ اللَّـهِ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَـى قَلبِـهِ، وَهُوَ مُعتَقِدٌ لِشَـيءٍ مِـمَّـا يَكرَهُ؛ أَو عَلَـى جَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِهِ، تَتَـحَرَّكُ بِمَـا يَكرَهُ، فَطَهَّرَ قَلبَـهُ مِنْ كُلِّ مَعصِـيَةٍ، وَمَنَعَ جَوَارِحَهُ مِنْ جَـمِيعِ مَعَاصِـيـهِ» .
فَيَستَحيِي مِن رَبِّهِ أَن يَرَاهُ عَلَى مَا يَكرَهُ، أَو يَسمَعَ مِنهُ مَا يَكرَهُ، أَو يُخفِيَ فِي سَرِيرَتِهِ مَا يَمقُتُهُ عَلَيهِ .
المصدر: شبكة صيد الفوائد زاد كل مسلم
ارجو تقبل مروري
تحياتي احترامي وتقديري
في امان الله وحفظه