المحاضرة الاولى : مقدمة : ماهية التغير الاجتماعي :
وتفكير علماء هذا الزمن (العصر الحديث ) في التغير الاجتماعي حيث يحاولون توجيه التغير والتحكم فيه. خاصة بعد الحربين العالميتين . تعريف التغير الاجتماعي:
يعني التغير الاختلاف بين الحالتين القديمة والحالة الجديدة. أو اختلاف الشيء عما كان عليه خلال فترة محددة من الزمن ( بداية. ونهاية). وحينما تضاف كلمة (الاجتماعي) يقصد به: التغير الذي يحدث داخل المجتمع، أو التبدل والتحول الذي يطرأ جوانب المجتمع، أو على البناء الاجتماعي خلال فترة من الزمن.
ويعتبر التغير في ثقافة المجتمع نوعا من التغير الاجتماعي، سواء كان ذلك التغير في جانبي الثقافة: المادي أو الفكري.
ويشمل التغير الاجتماعي العديد من جوانب المجتمع: كأنماط العلاقة بين الأفراد والجماعات واختلاف الوظائف والأدوار الاجتماعية، وفي الأنظمة والقيم والعادات....الخ تعريف التغير الاجتماعي عند بعض العلماء:
يكاد يجمع العديد من العلماء (جيرث، ميلز، جنزبيرج، جي روشيه، عاطف غيث.. الخ ) على أن التغير الاجتماعي هو : التحول الذي يصيب البناء الاجتماعي في كله او في أي من أجزائه، في الأدوار والنظم والوظائف الاجتماعية ، أو في الوحدات المكونة له، في فترة محددة من الزمن، ويمكن ملاحظته.
صفات التغير الاجتماعي عند ( جي روشيه):
1.التغير الاجتماعي ظاهرة عامة، تؤثر في أسلوب حياة أفراد المجتمع وأفكارهم.
2.التغير الاجتماعي يصيب البناء الاجتماعي بشكل عميق.
3.يكون التغير الاجتماعي محددا بالزمن، بمعنى ان له بداية ونهاية من أجل المقارنة بين الحالتين.
4.يتصف التغير الاجتماعي بالاستمرارية وذلك من أجل إدراكه وفهمه ومعرفة أبعاده.
5. التغير الاجتماعي قد يكون اتجاهه إيجابيا أو سلبيا . أمثلة من التغيرات الاجتماعية في المجتمع:
(التغير من النمط الإقطاعي في المجتمع إلى النمط الرأسمالي أو الاشتراكي، والأخلاق المرتبطة بكل منهم. التغير من النظام الديكتاتوري إلى الديموقراطي أو الملكي، أو في شكل الأسرة من ممتدة إلى نووية، أو من وحدانية الزوجة إلى تعدد الزوجات، التغير في الأدوار الاجتماعية ومراكز الأشخاص في مؤسسات المجتمع، التغير في أساليب الحياة القديمة إلى أشكال حديثة ولها العديد من الأمثلة التي تتضح بالملاحظة والمقارنة في حالتين سابقة وحالية).
مصادر التغير الاجتماعي: للتغير الاجتماعي مصدرين هما:
•المصدر الداخلي:
الذي يكون نابعا من داخل النسق الاجتماعي، واطار المجتمع نفسه، أي أنه يكون نتيجة للتفاعلات التي تتم داخل المجتمع.
•المصدر الخارجي:
الذي يأتي من خارج المجتمع نتيجة اتصال المجتمع بغيره من المجتمعات الأخرى.
•آليات التغير الاجتماعي :
بطبيعة الحال سواء أكان مصدر التغير الاجتماعي من داخل المجتمع أم كان من خارجه فإن ذلك يقوم على آليات محددة هي:
•الاختراع والاكتشاف:
فابتكار أشياء جديدة لم تكن موجودة من قبل، كالكهرباء والسيارة، أو إعادة تحسين كفاءة مخترعات قديمة كتحسين الالة البخارية وصناعة القطارات والطائرات، تؤدي إلى تغيرات ثقافية تتراكم وتؤدي إلى تغيرات اجتماعية. كذلك الأمر بالنسبة للاكتشافات التي تعني معرفة أشياء كانت موجودة أصلا، كاكتشاف القارة الأمريكية وراس الرجاء الصالح أو عناصر جديدة في الطبيعة... الخ. ان الاكتشافات والاختراعات هي تعبير عن حاجة إنسانية واجتماعية في المقام الأول.
•الذكاء والبيئة الثقافية:
فالاختراعات والاكتشافات تتطلب قدرا مرتفعا من الذكاء، وقد يكون الذكاء موروثا أو مكتسبا، وتلعب البيئة الثقافية والاجتماعية دورا حاسما في تنمية الذكاء أو في تراجعه.
•الانتشــار:
لن يكتب للمخترعات النجاح ما لم تنتشر عند أفراد كثيرين من المجتمع، والانتشار يعني قبول التجديد من قبل أفراد المجتمع. وعملية القبول لا يمكن أن تأتي فجأة وإنما عبر مراحل معينة تتوقف سرعتها على ثقافة المجتمع، ومدى فرض الانتشار أم تركة إراديا.
مصطلحات التغير الاجتماعي:
يعتبر مصطلح التغير الاجتماعي مصطلحا حديثا نسبيا بوصفة دراسة علمية، ولكنه من حيث الاهتمام به وملاحظته قديم قدم الإنسانية.
وقد كان يعني معاني عدة ومختلطا مع مصطلحات أخرى كـ: التقدم والتطور والنمو والتنمية..، حتى القرن (20م) بحيث أصبح ذلك الخلط غير جائز فقد قامت دراسات علمية بحثت في ماهية التغير وعوامله واتجاهاته.
واذا تحدثنا عن سبب الخلط الحاصل قديما في مصطلحات التغير الاجتماعي فهو بسبب أن الدراسات القديمة قائمة على التفكير الفلسفي(غير العلمي) ولكنها شكلت إطارا مرجعيا وأرضية انطلقت منها الدراسات العلمية الراهنة.
وقد أخذت الدراسات الاجتماعية في التغير مسارا علميا بعد أن وضع (وليم أوجبرن) كتابه المعروف بالتغير الاجتماعي وذلك عام 1922م. وبعد ذلك تتابعت الدراسات العلمية في مجال التغير الاجتماعي.
لقد كانت نظرة العلماء للتغير الاجتماعي حتى القرن(18م) نظرة تشاؤمية مبنية على الخوف من المستقبل، وأن حالة المجتمعات في القديم أفضل من الحالة الراهنة. وبعدها أصبحت نظرة العلماء للتغير الاجتماعي نظرة علمية متفائلة . وكما قال سان سيمون(أن العصر الذهبي أمامنا وليس خلفنا)
وسنقوم في التالي بالتعرّف على بعض أشهر مصطلحات التغير الاجتماعي : أولا: التقدم الاجتماعي: اُستخدم مصطلح التقدم الاجتماعيSocial Progres في البداية باعتباره مرادفا لمصطلح التغير الاجتماعي. وقد اتضح ذلك في كتابات علماء كأوجست كونت وكوندرسيه وتيرجو وغيرهم.
والتقدم :
يعني حركة تسير نحو الأهداف المنشودة والمقبولة، أو الأهداف الموضوعية التي تنشد خيرا أو تنتهي إلى نفع.
وينطوي التقدم على مراحل ارتقائية، أي أن كل مرحلة تكون أفضل من سابقتها. وهو يشير إلى انتقال المجتمع إلى مرحلة أفضل من حيث الثقافة والقدرة الإنتاجية والسيطرة على الطبيعة.
ويعرف التقدم بأنه:
العملية التي تأخذ شكلا محددا واتجاها واحدا ويتضمن توجيها واعيا مقصودا مخططا لعملية التغير.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم التقدم هو مفهوم (نسبي) أي أنه يختلف من مجتمع لآخر ومن ثقافة إلى أخرى. فما يعتبر تقدما اجتماعيا في مجتمع قد يكون تخلفا في مجتمع اخر، خاصة فيما يتعلق بالجانب المعنوي من التغير الاجتماعي. ففكرة التقدم تتغير بتبدل الأحوال والأزمنة، وهي تحمل معنىً قيميا.
وقد بين (ويل ديورنت) ان الإنسانية خلال تقدمها الارتقائي مرت بمراحل هي: [ النطق، النار، استئناس الحيوان، الزراعة، التنظيم الاجتماعي، الأخلاق، الآلات والصناعة، العلوم، التربية .... الخ].
وتاريخيا تعتبر فكرة (التقدم) تعود إلى عصور قديمة جدا ، ولم تصبح موضوعا للبحث إلا في القرن (17م) مع ظهور الثورة الصناعية، وتجمع المعرفة الإنسانية وتراكمها.
وتجمِع تعريفات التقدم على أنه تطور في الجوانب المادية والفكرية في المجتمع ويحمل معنى قيميا ومعياريا. ثانيا: التطور الاجتماعي: ويعني التطور الاجتماعي Social Evolution النمو البطيء المتدرج الذي يؤدي إلى تحولات منتظمة ومتلاحقة ، تمر بمراحل مختلفة ترتبط فيها كل مرحلة لاحقة بالمرحلة السابقة، دون طفرات في التقدم والتطور.
وقد استخدم مفهوم التطور الاجتماعي بشكل واسع في العلوم الاجتماعية، وفي علم الاجتماع بشكل خاص بعد ان وضع(داروين) كتابه المعروف بأصل الأنواع مبينا فيه أصول نظريته التطورية البيولوجية للكائنات الحية.
كما استخدم مفهوم التطور كل من هربرت سبنسر، وتايلور. وقد رفض العديد من العلماء تماثل التطور بين الكائنات الحية والتطور الاجتماعي كـ( وليم أوجبرن، وجوردون تشايلد، وجوليان ستيورد) مؤكدين على ان التطور البيولوجي في الكائنات الحية هو : حتمي ويسير في خط مستقيم لا يمكن تخطيطه أو تسريعه أو تهدئته، في حين التطور الاجتماعي أيضا حتمي ولكنه مخطط ، وسريع أوهادئ أو شامل أو جزئي ... الخ . ثالثا: النمو الاجتماعي: يعني مصطلح النمو : عملية النضج التدريجي والمستمر للكائن الحي وزيادة حجمه الكلي أو أجزاؤه في سلسلة من المراحل الطبيعية، ويتضمن ذلك النمو تغيرا كميا وكيفيا، وغايته عملية النمو ذاتها.
ويتضمن مصطلح النمو كافة أشكال النمو سواء في الكفاية ام في التعقيد ام في القيمة،،، وينطبق ذلك على الأفراد والجماعات.
ويختلف النمو عن التنمية في كونه تلقائيا بينما التنمية عملية إرادية مخططه. ويقترب مفهوم النمو من مفهوم التطور إلا انه لا يتطابق معه وعندما تضاف إلى مصطلح النمو كلمة اجتماعي Social Croissance يقصد به النمو الذي يتعلق بالمجتمع.
وقد استخدم مصطلح النمو بمعان عدة في الفكر الحديث ، فيقال أحيانا مجتمعات نامية ومجتمعات اقل نموا أو اكثر نموا. وهناك شبه اتفاق في كم النمو ولكن هناك اختلاف في كيف النمو حيث يأخذ بعدا قيميا معياريا.
وفي هذا الصدد فمفهوم النمو لا يعبر إلا عن تغير في إيجابي أو تقدم مع المحافظة على جوهر البناء بشكل عام . أما الجزء الآخر من التغير وهو (النكوص) أو التخلف لا يشير اليه المفهوم.
لذا فعلماء الاجتماع يميلون إلى استخدام (النمو) في الجانب الاقتصادي، الذي يمكن قياسه بدقة، كالنمو في متوسط دخل الفرد.
وهناك من العلماء من جعل النمو ينطبق تماما على الكائن الحي والمجتمعات بنفس المفهوم، وهذا خلط لا يمكن قبوله في هذا العصر. الفرق بين النمو الاجتماعي والتغير الاجتماعي: 1- النمو زيادة ثابتة نسبيا ومستمرة وفي جانب واحد من جوانب الحياة. بينما التغير الاجتماعي فهو اشمل فقد يكون في البناء الاجتماعي أو في وحداته أو في الأدوار والنظام ...الخ
2- النمو الاجتماعي فقط إيجابي وثابت، بينما التغير الاجتماعي قد يكون إيجابيا تقدميا وقد يكون تأخرا أو نكوصا. لذا فالتغير اشمل.
3- النمو الاجتماعي بطئ وتدريجي والتغير قد يكون سريعا وفي شكل قفزات إلى الأمام أو إلى الخلف.
4- النمو الاجتماعي يغلب عليه التغير الكمي، والتغير الاجتماعي يغلب عليه التغير الكيفي.
5- النمو عملية تلقائية لا دخل للإنسان بها، بخلاف التغير فهو عملية مخططة هادفة إرادية.
6- يسير النمو في خط مستقيم، لذا يمكن التنبؤ بما سيؤول اليه. في حين ان التغير لا يكون في خط مستقيم دوما وقد يكون نكوصا وتأخرا.
وعليه فالتغير الاجتماعي أشمل ويعبر عن ديناميكية المجتمع، أما النمو فيدخل غالبا في الدراسات الاقتصادية في المجتمع.
المحاضرة الثانية :
الدراسة الاجتماعية للتغير الاجتماعي
رابعا: التنمية الاجتماعية:
تعرّف التنمية الاجتماعية Social Developpment بأنها : الجهود التي تبذل لإحداث سلسلة من التغيرات الوظيفية، والهيكلية اللازمة لنمو المجتمع، وذلك بزيادة قدرة افراده على استغلال الطاقة المتاحة الى اقصى حد ممكن، لتحقيق قدر من الحرية والرفاهية لهولاء الافراد بأسرع من معدل النمو الطبيعي.
وتعرف بأنها: العملية التي يتم بموجبها اشباع حاجات الافراد عن طريق التعبئة المثلى لجهودهم.
وتشمل : تحقيق مستويات أعلى للدخل القومي ودخول الافراد والرفع من مستوى معيشتهم في نواحي عديدة كالتعليم والصحة والأسرة وتحقيق الرفاهية الاجتماعية بشكل عام.
ولا يمكن الفصل بين التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية للترابط الوثيق بينهما.
مالعلاقة بين التنمية الاجتماعية والتغير الاجتماعي:
1- أن مفهوم التنمية الاجتماعية هو أقرب المفاهيم السابقة( التقدم، التطور، النمو) الى التغير الاجتماعي.
2- أن المفهوم الحديث للتغير الاجتماعي يتطابق مع مفهوم التنمية الاجتماعية، وذلك الرجوع لمضامين المفهومين. ويزيد عليه بأن التغير الاجتماعي هو أشمل وقد يكون سلبا وإيجابا.
ملحوظات عامة على مصطلحات التغير الاجتماعي :
1. أن المفاهيم الاربعة( التقدم، التطور، النمو، التنمية) كانت تستخدم في وقت سابق كمترادفات للتغير الاجتماعي.
2. شاع استخدام أي من المفاهيم السابقة حسب مراحل تاريخية وعلمية كانت سائدة.
3. لم يبدأ التفريق بين تلك المفاهيم إلا في بداية القرن (20م) بعد كتاب وليم أوجبرن «التغير الاجتماعي».
4. مفاهيم (التقدم،التطور،النمو) تحمل بعدا قيميا أخلاقيا، فيحين أن مفهوم التغير الاجتماعي مفهوم موضوعي يصف الواقع الاجتماعي كما هو، وليس كما يجب ان يكون.
الدراسة الاجتماعية للتغير الاجتماعي :
ذكرنا قبلاً أن المفكرين اهتموا بدراسة التغير الاجتماعي مع بداية القرن(20م) بأسلوب علمي، واتضح أيضا أن السابقين كانت دراستهم للتغير الاجتماعي كان بأسلوب يغلب عليه التصور التاريخي الفلسفي، وكانت النظريات تصاغ في ضوء مفاهيم التطور والتقدّم كما جاء عند (سبنسر وابن خلدون وكونت).
لقد أثبت علماء الانثروبولوجيا أهمية الدراسة النظرية للتغير في المجتمع، وذلك عندما رأوا أن المجتمعات البدائية ليست ثابتة كما كان يُعتقدُ من قبل، بل هي في تغير مستمر. أي أن التغير حقيقة ملازمة للمجتمعات، وتختلف تلك المجتمعات فقط في سرعة التغير، وعمقه، واتجاهه، وفي العوامل المؤدية إليه وقد بيّن عالم الاجتماع (أوجست كونت) أن موضوع علم الاجتماع أنما هو التغير الاجتماعي في المجتمع ، وقسّم حالتي المجتمع الى :
1.الديناميكا الاجتماعية: حالة تغير وحراك وحركة المجتمع.
2.الاستاتيكا الاجتماعية: حالة ثبات واستقرار المجتمع (وهي حالة افتراضية)
وتعتبر النهضة العلمية التي حدثت بسبب الاختراعات والتوسع في القوانين والنظريات من الاسباب الرئيسية في تطور وتعميق دراسات التغير الاجتماعي والاهتمام بها من جانب العلماء، وذلك من أجل الكشف عن المزيد من القوانين والنظريات التي تحكم الظاهرة الاجتماعية المتغيرة والمجتمع.
وقد تزايد الاهتمام بالتغير الاجتماعي في العصر الحديث عندما ظهرت الحاجة الى توجيه التغير لمصلحة الفرد والجماعة والمجتمع. فتم العمل على ادراك عوامل التغير، والتحكم بها وتخطيطه، لمواجهة ومعالجة الانحراف والتفكك الاجتماعي، والسيطرة على الظواهر الاجتماعية.
وتتخذ الدراسات العلمية الحديثة والمستمرة للتغير ، تتخذ مداخل متنوعة في معالجة التغير الاجتماعي، منها: مدخل التحليل البنائي التاريخي. ومدخل التحليل الوظيفي. والتحليل الامبيريقي، وغيرها
صعوبة دراسة التغير الاجتماعي :
تأتي صعوبة دراسة التغير الاجتماعي من كون المجتمعات الانسانية لا تسير على وتيرة واحدة في تغيرها، ولا بطريقة متشابهة مع بعضها، فلكل مجتمع ظروفه الخاصة التي تميزه عن غيره من المجتمعات الاخرى، تلك الظروف التي تتعلق بنظامه الاجتماعي، وبثقافته بوجه عام. فهناك المجتمع الزراعي والصناعي والبدوي والاشتراكي والرأسمالي .... الخ، وسرعة التغير واتجاهه وعمقه تختلف باختلاف ماسبق،.
كما أن العوامل التي تؤدي الى تغير المجتمعات عديدة ، منها العامل : ( الديموجرافي، والايكولوجي، والتكنولوجي، والاقتصادي ... الخ .
وتأتي صعوبة دراسة التغير الاجتماعي من مظهرين:
1. طبيعة الظاهرة الاجتماعية المدروسة.
2. موقف الباحث – الدارس- من الظاهرة المدروسة.
وصعوبة دراسة الظاهرة الاجتماعية يعود للأسباب التالية:
1- تعقّد الظاهرة الاجتماعية: لتأثيرها وتأثرها بظواهر أخرى سياسية واقتصادية...الخ، بالإضافة الى ترابط الظاهرة الاجتماعية مع غيرها بشكل شديد فلا يفصل بينهما بسهولة.
2- صعوبة اخضاع الظاهرة الاجتماعية للقياس الدقيق:
وذلك لأنها متعلقة بمجتمع بشري متغير ومتباين العواطف والميول والدوافع والاستجابات للمؤثرات الخارجية.
3- صعوبة اعادة اجراء التجربة مرة اخرى والحصول على نفس النتيجة:
لان الظاهرة قد تكون تغيرت وتبدلت مما يصعب من أمر الوصول لقوانين ونظريات تحكمها.
4- صعوبة حصر مجمل الفروض التي تعلل تغير الظاهرة الاجتماعية:
وصعوبة الفصل بين تلك الفروض، معرفة أيها هو الاساسي او الثانوي.
وصعوبة دراسة الظاهرة الاجتماعية بسبب موقف الباحث- الدارس- منها هو بسبب:
موقع الباحث من الظاهرة المدروسة:
فالنظرة إليها تختلف من باحث لآخر، بسبب موقع الباحث الملاحظ، كما أن هناك نسبية في المكان والزمان تؤثر على حكم الباحث للظاهرة.
أيديولوجية الباحث التي تجعله يعطي أحكاما تتماشى مع أفكاره:
بينما يجب على الباحث التزود بوسائل البحث العلمي، كالموضوعية، وأن يتجرد من عاطفته، وعن إعطاء الأحكام المسبقة، كل ذلك من أجل ادراك الظاهرة وتقديم نتائج صحيحة.
تفسير عملية التغير الاجتماعي :
تميل الحياة الاجتماعية والمواقف اليومية الى أن تكون نمطية متفق عليها، حتى تدخل التجديدات في اطار الحياة الاجتماعية والثقافية، فحينها يحدث نوع من الاضطراب والخلل في توازن النظام الاجتماعي، ثم قد يحدث بعض التغيرات الاجتماعية.
وهناك من يرى أن المواقف الاجتماعية تتكون نتيجة لأربعة عوامل اساسية في كل تغير اجتماعي، وهي البيئة الطبيعية، والجماعات الانسانية، والثقافة السائدة، والمظاهر النفسية للأفراد).
لذا فالتغير في أي من تلك العوامل السابقة ، قد يستدعي تغيرات توافقية في الانساق المرتبطة بالسلوك الاجتماعي.
ويرى( هربرت ليونبرجر) أن هناك سلسلة من المراحل يمر بها الفرد قبل أن يأخذ بالنمط المتغير(الجديد) وهي:
1/ مرحلة الاحساس:
عند أول سماع أو معرفة بالموضوع الجديد.
2/ مرحلة الاهتمام:
وتكون بتجميع المعلومات حول الموضوع الجديد، بغرض معرفة فائدته.
3/مرحلة التقييم:
أي اختبار المعلومات عن الموضوع الجديد وتفسيرها ومعرفة مدى ملائمتها من أجل الاخذ بها.
4/ مرحلة المحاولة:
أي اختبار وتجريب الفكرة ودراسة كيفية تطبيقها.
5/ مرحلة التبني:
أي قبول الموضوع الجديد، واعتماده ليأخذ مكانه في النمط السائد.
ويرى عاطف غيث أنه يمكن ملاحظة أربع مراحل في عملية التغير المضطردة هي:
أ- انتشار سمة أو عنصر جديد في المجتمع، سواء كان اختراعا داخل الثقافة الواحدة، أو مستعارا من ثقافة أخر بسبب الانتشار.
ب – حدوث خلخلة في السمات القديمة من قِبل السمات الجديدة، أو صراع من أجل البقاء
تفسير عملية التغير:
حيث يبدأ العنصر الجديد بأخذ مكانه بجانب العنصر القديم، ويؤدي وظيفة ملحوظة إلى أن يتغير بعد حين.
ج- يثير انتشار العناصر الجديدة تغيرات توافقية في السمات المتصلة به، فتنظم عناصر الثقافة القائمة نفسها لمواجهة العنصر الجديد، أو امتصاصه.
د- يأخذ العنصر الجديد مكانه في النسق الثقافي، ما لم يتعرض إلى خلخلة جديدة من عناصر ثقافية جديدة أخرى.
ويرى (جورج ميردوك) أن الاختراعات هي اساس التغير الثقافي بوجه عام، فعند اختراع فكرة أو آلة ما، فتسري في المجتمع(الانتشار) فذلك يحتاج وقتاً، حتى يثبت الاختراع الجديد كفاءته، وذلك من خلال مراحل معينة.
وهناك من يرى أن للنمط الثقافي المتغير أربع خصائص هي:
الشكل :
الذي يمكن أن يلاحظ ويُدرس فيه ومن خلاله التغير الاجتماعي.
المعنى :
أي أن له ارتباطات ذاتية وعاطفية في الثقافة نفسها.
الاستعمال :
أن يكون استعمال النمط الثقافي يمكن ملاحظته من الخارج .
الوظيفة:
أن يؤدي عملا(دورا معيناً)، ويكون مترابطا مع الاجزاء الاخرى، ويستدل على ذلك من خلال الاطار العام.
لذلك فإن عملية التغير تتضمن تلك الخصائص، وتعتمد عملية القبول على مدى التكلفة (تكلفة الاخذ بالنمط الجديد)، وفي حال عدم توفر الامكانات اللازمة للاخذ به، فلن تتم عملية القبول. مثال: (الدول النامية لا تستطيع الاخذ بالتكنولوجيا المتقدمة بسبب عدم توفر الامكانات اللازمة لشرائها ).
كما أن عملية قبول النمط الثقافي الجديد ترتبط بمدى تعقده وتجرده، فكلما كان معقدا ومجردا كان قبوله صعبا، كما يلاقي مقاومة كبيرة اجتماعيا. وفي هذا الصدد يرى(تالكوت بارسونز) أن قبول العنصر الجديد يكون أسرع في حالة انخفاض التكلفه، والجهد، وفيه رضى وإشباع للحاجات).
ويمكن أن يقال بصفة عامة أن قبول للعناصر الثقافية الجديدة يتم إذا كان المجتمع المستقبِل محتاج لإشباع معين،، والعناصر الجديدة قدِّمت بأسلوب يسهّل فهمها وتطبيقها،، ولم يتعارض مع القيم السائدة في المجتمع).
مراحل حدوث التغير الثقافي: ( المادي، وللامادي)
أن يحدث في المجتمع ( اختراع، او اكتشاف، اواستعارة).
الانتشار( بالسماع، أو الاهتمام، أو الحاجة، أو الكفاءة).
الصراع ( بالقبول، أو التوافق، أو التكامل، أو التجديد)
المحاضرة الثالثة :
التغير بين المجتمع الريفي والحضري
التغير الاجتماعي والتغير الثقافي
التغير الاجتماعي قديما وحديثا
التغير بين المجتمع الريفي والحضري :
يختلف التغير الاجتماعي والثقافي عموما باختلاف المجتمعات(طبيعة المجتمع) زمانا ومكانا وثقافة، وتختلف سرعة التغير واتجاهه وعمقه وشموله... الخ حسب طبعة المجتمع.
فالمجتمع الزراعي تختلف طبيعته عن المجتمع الحضري ويختلفان عن المجتمع البدوي، كما يختلف المجتمع الرأسمالي عن الاشتراكي ...وهكذا.
كما أن التغير الاجتماعي في المجتمع الواحد قد تختلف ولا تكون بنفس القدر، والاتجاه والسرعة والمجالات...، وذلك لان المجتمع يضم(غالبا) بيئات وطبيعة مختلفة اجتماعيا.
* مظاهر الاختلاف بين المجتمعين الريفي والحضري التي تؤدي إلى تفاوت التغير الاجتماعي بينهما:
1. العزلة النسبية في الحياة الريفية مقارنة بالحياة الحضرية: فالريفيون يعيشون في عزلة اجتماعية وربما جغرافية(قديما أوضح) مما يجعلهم يلبون حاجات الأفراد . . اجتماعيا وتربويا واقتصاديا.. الخ، كما أن تماثلهم ثقافيا وعملهم وإنتاجهمالمتشابه، وسيطرة أعراف وعادات موحدة على سلوكهم، يؤدي إلى صعوبة تغيرهم اجتماعيا بوجه عام.
أما في الحياة الحضرية فالأسرة تكون أكثر تعقيدا، فالعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مما يتطلب توافقا في علاقات ذلك المجتمع (وليس تبعيّة كسابقه الريفي) بالإضافة إلى طبيعة المراكز الحضرية حيث تكون مركزا للتغير الاجتماعي وتقبله، نتيجة تعدد أنماط التفاعلات والعلاقات بين الأفراد.
2. بدائية تقسيم العمل والتخصص في المجتمع الريفي: فالعمل الزراعي وما يتعلق به يمثل القيمة العليا في الريف، بالإضافة إلى أن تقسيم العمل والتخصص يكون بناءً على اختلاف السن والنوع(ذكر،أنثى)، كما أن طبيعة العمل الزراعي في الريف لا تستدعي التجديد الشامل، بل الثبات النسبي ، أو في مجال محدود. في حين أن المجتمع الحضري يكون تقسيم العمل فيه واسعا والتخصص متنوعا، وعليه فالتغيرات تكون عديدة وواسعة خاصة في المجتمع الحضري الصناعي.
3. عدم تنوع الوسائل التكنولوجية لدى المجتمع الريفي: حيث يكتفي بوسائل بسيطة ومحدودة تفي بمتطلبات حياته ، كالمحراث الخشبي الذي يستخدم من الآف السنين دون تغيير. بالإضافة إلى عدم إقبال الريفيين على الكماليات. أما في المجتمع الحضري يؤدي تنوع التكنولوجيا واستخداماتها إلى تراكمات ثقافية متعددة تعجّل بعملية التغير الاجتماعي في كافة المجالات.
4. الثبات النسبي للبناء الاجتماعي في المجتمع الريفي: ويتضح ذلك جليا في صعوبة الحراك الاجتماعي، وثبات القيم والعادات المتبعة، الأمر الذي يؤدي إلى إعاقة عملية التغير. بينما المجتمع الحضري يتصف بديناميكية تغير البناء الاجتماعي، وبسرعة عملية التكيف مع عملية التغير. فشكل الأسرة وحجمها وعلاقاتها ووظائفها تختلف بين المجتمعين الريفي (أسرة ممتدة) والحضري(أسرة نووية) كما أن شخصية الريفي تذوب في شخصية أسرته نتيجة للضغوط القوية على الأفراد، وضعف الاتصال الخارجي وقوة التماسك مما يؤدي إلى صعوبة عملية التغير الاجتماعي فيها.
اختلاف الأسرتين الريفية والحضرية شكلا (بناءً ووظيفة ) :
أولا: من حيث البناء:
1- الأسرة الريفية غالبا ممتدة، والحضرية نووية.
2- العلاقات في الأسرة الحضرية ديمقراطية وفردية ، والريفية علاقاتها على العكس من ذلك.
3- الأسرة الريفية منعزلة عن العالم الخارجي، ومكتفية ذاتيا. بعكس الأسرة الحضرية.
ثانيا: من حيث الوظيفة:
1- الأسرة الريفية توفر احتياجاتها ذاتيا، بينما الحضرية تعتمد على المؤسسات الخارجية في ذلك.
2- تختلف الأسرتان الريفية والحضرية في أسلوب التنشئة الاجتماعية تبعا لمستوى التعليم والقيم ..الخ .
علاقة التغير الاجتماعي بالتغير الثقافي :
عرفنا فيما سبق أن التغير الاجتماعي هو تبدّل يحدث في بنية النسق الاجتماعي ووظيفته، أو هو التغير الذي يصيب البناء الاجتماعي والقيم والعادات والأدوار والعلاقات.. الخ، في فترة زمنية محددة.
إذا كان ما سبق هو تعريف التغير الاجتماعي.(فماهو التغير الثقافي؟ وهل هناك تطابق بين التغيرين؟ أم هما منفصلان؟ أم أن أحدهما يشمل الآخر؟) أسئلة نحاول الاجابة عليها لتتضح العلاقة بين التغير الاجتماعي والتغير الثقافي. وهذا يتطلب التالي:
تعريف مفهوم الثقافة: يعتبر مفهوم الثقافة من المفاهيم التي تعددت النظرة إليها وخاصة عند علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع، ومن أهم تعريفات الثقافة هو تعريف (تايلور) عام 1871م.
الثقافة هي: (ذلك الكل المركب الذي يشتمل على المعرفة والفن والأدب والأخلاق والقانون والعادات والتقاليد والأعراف والقدرات الأخرى التي يكتسبها الفرد بوصفه عضوا في المجتمع)
لقد ظل التعريف السابق للثقافة (30) سنة تقريبا هو الوحيد، إلا انه الآن يوجد المئات من التعريفات للثقافة، وذلك لأهميتها، وسعة موضوعها، وتداخل العناصر المكونة للثقافة.
ويعرفها (كليرنس كيز) بأنها: كل ما هو موجود لدى المجتمع من تراكمات وتغيرات اجتماعية، ومادية وخبرات وأدوات ورموز، وما إلى ذلك.
ويعرفها (جون نورد) بأنها: مجموع إنجازات الإنسان واستعمالاته منذ فجر العصر الحجري.
ومن المعلوم أن من أهم صفات الثقافة : أنها ظاهرة إنسانية، تراكمية، متعلّمة، تنشأ من تفاعل الأفراد في المجتمع، وتنتقل من جيل إلى آخر. وعليه فالصلة بين المجتمع والثقافة شديدة الصلة بحيث لا يمكن وجود أحدهما دون الآخر.
والسائد عن العلماء أن الثقافة لها وجهين أو مكونين: ماديMaterialولامادي Unmaterial. ولا يمكن الفصل بين هذين الجانبين إلا للدراسة فقطوبالتالي فإن التغير الثقافي يعني :التغير والتحول في أي من جانبي الثقافة( المادي، أو الغير مادي).
والتغير الاجتماعي يرى البعض من العلماء أنه في الغالب تغير لامادي(أي فكري)، وعليه فالتغير الثقافي يشمل التغير الاجتماعي، ويمكن القول بان كل تغير اجتماعي هو تغير ثقافي وليس العكس. فالبناء الاجتماعي والوظيفة والعلاقات والقيم والعلاقات هي جوانب لامادية في المجتمع، وهي جزء من مكون الثقافة( مادي ولا مادي).
ولكن لا يمكن الفصل بين التغير الثقافي والتغير الاجتماعي، فكلاهما يتأثر بالآخر ويؤثر فيه.
التغير الاجتماعي قديما وحديثا :
يختلف التغير الاجتماعي من مجتمع لآخر، نتيجة للاختلاف الثقافي بين المجتمعات، كما أن التغير الاجتماعي يختلف في المجتمع الواحد قديما وحديثا، ويمكن معرفة ذلك بتتبع مسيرة أية مجتمع .
عوامل اختلاف التغير الاجتماعي قديما وحديثا:
1. الثورة الصناعية: فقد غيرت الأوضاع الاجتماعية، من أنظمة وعادات وقيم اجتماعية، فظهرت أوضاعا جديدة في مجالات ونظم اجتماعية عديدة، كقيمة الوقت وقيمة العمل، والبناء الأسري والسياسي والاقتصادي... الخ فالاختراعات التكنولوجية المتواصلة أدت إلى تغير اجتماعي مستمر وسريع، فانتقلت المجتمعات من البساطة إلى التعقيد والتخصص الدقيق، خاصة في الدول الصناعية، وظهرت البطالة والصراع الطبقي والسياسي وزادت الهوة(الفجوة) بين المجتمعات، فهناك (مجتمعات نامية، وصناعية) ودول عالم أول وثاني وثالث، بسبب التكنولوجيا.
2. الاتصال الواسع بين المجتمعات المعاصرة: نتيجة للتقدم في وسائل الاتصال والمواصلات، مما زاد من سرعة عملية الانتشار الثقافي، والى سرعة التغير الاجتماعي بوجه عام، فزادت ظاهرة الهجرة بين المجتمعات، وتقاربت أغلب أنماط الحياة والتغير بين المجتمعات، فتشابهت الدول الصناعية مع بعضها، وكذا النامية مع بعضها.
وبوجه عام يتميز التغير الاجتماعي قديما عنه حديثا في جوانب عدة، منها:
أ. أصبح التغير الاجتماعي اليوم أسرع وأعمق: بسبب الثورة التكنولوجية ووسائل الاتصال، وأعمق بحيث يصل ويطال فئات ومجالات عديدة في المجتمع.
ب. الترابط بين التغيرات الحالية زماما ومكانا: فالتغير الذي يحدث في مجتمع يتردد صداه وتبنيه في مجتمعات أخرى ويصبح موضة، بخلاف التغير قديما الذي يحدث بصورة منفصلة ومتقطعة هادئة بسبب عزلة المجتمعات جغرافيا وثقافيا.
جـ. أصبح التغير الاجتماعي اليوم متوقعا في كل ظاهرة: بمعنى أنه لا توجد ظاهرة في المجتمعات الحديثة بمعزل عن احتمال التغير بها، وذلك بسبب زوال العديد من معوقات التغير الاجتماعي.
د. أن التغير اليوم ذو طابع إرادي مخطط هادف مقصود في أغلبه: فالمجتمعات اليوم تخطط التغير من أجل إحداث التنمية الاجتماعية، بينما قديما كان التغير ذو طابع عشوائي وتلقائي.
المحاضرة الرابعة
النظريات الكلاسيكية
في التغير الاجتماعي(1)
مقدمة:
لقد أثبتت الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية منها على وجه الخصوص، أن ليس هناك مجتمعات في حالة استاتيكية "ثابتة" وإنما هناك مجتمعات في ديناميكية "تغيرية" مستمرة ،وحتى المجتمعات البدائية منها ، أي ان كل المجتمعات في تغير مستمر، والاختلاف في عمومه بين المجتمعات يرجع إلى مدى التغير وسرعة العوامل المؤدية إليه.
وإن كل دراسة في علم الاجتماع هي دراسة تغيرية قبل كل شيء ودراسة المجتمع في حالة الثبات من باب الفرضية ، لأن المجتمعات في تغير مستمر منذ القديم وإلى اليوم ، ولما كان التغير إما أن يكون ضارا وإما أن يكون نافعا ، لذا قامت المجتمعات في توجيه التغير نحو النفع والفائدة ، وذلك من خلال التوجيه السليم عن طريق التخطيط العلمي الدقيق ، فلم يعد التغير اليوم تلقائيا وإنما أصبح التغير موجها نحو فائدة المجتمع في إطار التنمية الاجتماعية الشاملة .
وعلى ضوء ذلك، فإن التراث السوسيولوجي مهتم بتفسيرات مقولة التغير الاجتماعي بالرجوع إلى العوامل المؤدية إليه . هل يتم نتيجة لعامل واحد كالعامل التكنولوجي أو الأيكولوجي أو الاقتصادي إلى غير ذلك ؟ أو نتيجة لعدة عوامل ؟ وما هي العوامل الأساسية منها والثانوية في التغير ؟ ثم هل يرد على صورة واحدة أو على عدة صور ؟ إلى غير ذلك من هذه التساؤلات.
وفي الإجابة عن هذه المسائل تعددت النظريات واختلفت الاجتهادات عبر العصور.
ونتيجة لذلك اختلفت المداخل في دراسة التغير الاجتماعي . ويمكن تمييز مدخلين رئيسيين هما :
1- المدخل الفلسفي (غير السوسويولوجي): أو غير العلمي:والذي ينظر إلى التغير بوصفه وحدة واحدة في المجتمعات كافة ، وقد ساد هذا الاتجاه عند مفكري القرن الثامن والتاسع عشر .
مخطط نظريات التغير الاجتماعي
(المخطط موجود بالمرفقات)
النظريات الكلاسيكية ( الفلسفية )
مقدمة :
هي مجموعة نظريات تحاول تفسير التغير الاجتماعي، وتحليل مقولة الاجتماعي، بناء على فروض، وتصورات فلسفية في تفسيرها لظاهرة التغير، فهي لا تقوم على البحث العلمي والإمبريقي، وإنما دراستها عبارة عن (دراسة أرائكية) تنظر إلى التغير الاجتماعي نظرة عامة وواحدة في المجتمعات كافة، ولا تعطي أهمية لاختلاف المكان أو الزمان، وتقدم أحكاما عامة وشاملة، أي أنها تتحدث عن الإنسانية وتغيرها ككل في الوقت الذي تدرس فيه مجتمعات جزئية.
وقد لاقت هذه النظريات رواجا واسعا عند كثير من مفكري التغير الاجتماعي نظرا لسهولتها وعموميتها، ومع ذلك تعتبر مقدمة لازمة، وإطارا مرجعيا للنظريات اللاحقة (النظريات السوسيولوجية)الأمر الذي أدى توجه النظريات السوسيولوجية في الوقت الراهن وجهة علمية منطقية.
وكما تبين فإن هذه النظريات تضم مجموعة مفاهيم مختلفة ترى أن التغير يأتي على صورة واحدة.
وقد جاءت هذه النظريات في البداية من قبل فلاسفة التاريخ، ثم من قبل علماء الاجتماع في القرنين(18-19م) أمثال :أوجست كونت، وكندرسيه، وابن خلدون وغيرهم .
وكان بعضهم يرى التغير بأنه تقدم خطي، ومنهم من يراه بأنه يسير على شكل دورة، وآخر يصفه بالتطور، وهكذا .....
وتقسم هذه النظريات إلى ثلاثة أنواع :
1- نظريات التقدم الاجتماعي .
2- نظريات الدورة الاجتماعية .
3- نظريات التطور الاجتماعي .
ويمكن توضيحها على النحو الآتي :
أولا – نظريات التقدم الاجتماعي :
تقوم نظرية التقدم الاجتماعي على أنه يسير في خط متصاعد، أي أن التغير يكون ارتقائيا. ويسير المجتمع وفق مراحل محددة، وكل مرحلة جديدة يصلها المجتمع تكون أفضل من سابقتها، فالمجتمعات في تقدم باستمرار. والملاحظ أن هذه النظرية تعمم هذا التقدم على المجتمعات كافة، ومن ممثلي هذا الاتجاه: جان جاك روسوRousseau وكندرسه Condercet وأوجست كونتA.cont وغيرهم .
1- نظرية جاك روسو: J.J Rousseau(1778-1712 )
لقد جاءت أهم أفكاره في نظريته عن التقدم الاجتماعي في كتابه المعروف (بالعقد الاجتماعي Social contract ) وقد عرفت نظريته بنظرية العقد الاجتماعي والتي من خلالها نستطيع تلمس تطور الحياة الإنسانية في أربع مراحل .
المرحلة الأولى: وهي مرحلة الحياة الفطرية: وكان الإنسان خاضعا للنظام الطبيعي، ومتمتعا بحرية تامة "فالإنسان قد ولد حرا ولكنه مكبل بالأغلال في كل مكان ... ).
المرحلة الثانية: وهي مرحلة الملكية الفردية والإنتاج اليدوي في مجال الزراعة: مما دعا الإنسان للاستقرار وتشكيل أسرة، فأخذت العادات والتقاليد الاجتماعية بالتبلور وأصبحت تأخذ العادات صفة الجبر.
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة عدم المساواة: وفيها زاد التنافس والصراع بين الأفراد والجماعات وأصبحت السيطرة للأقوى وقد دعا هذا التضارب في المصالح الى التفكير في التعاقد وتكوين مجتمع سياسي خاضعا لسلطة عليا (هي الدولة) والحاكم.
المرحلة الرابعة: وهي المرحلة التعاقدية: لقد تم فيها التعاقد بين الأفراد وقيام التنظيم السياسي المنظم واختيار حاكم يحكم بإرادتهم، والملاحظ أن (روسو) في تصوراته هذه، كان يبين كيفية قيام النظام السياسي وتكوين الدولة، التي هي بطبيعة الحال تشكل جانبا مهما في مجال التغير الاجتماعي
وقد وجهت لنظرية روسو عدة انتقادات منها :
أن نظريته خيالية وغير واقعية . فالتاريخ لم يسجل متى بدأ الناس في التعاقد أي أنها تفتقر الى سند تاريخي .
أن فكرة التعاقد غير متصورة أصلا لاستحالة موافقة الأفراد جميعا في اختيار حاكمهم.
تبقى الفكرة خيالية وافتراض قابل للنفي والإثبات، إلى أن تقوم دراسة علمية تثبت صحتها.
ومع ذلك فإن نظريته لها أهميتها، فقد نبهت المفكرين إلى فكرة التقدم كما أنها ساهمت في إرساء فكرة الديموقراطية الحديثة، حيث اعتبر كتاب "العقد الاجتماعي" "إنجيل الثورة الفرنسية "
2- نظرية انطونيان كوندرسهAntonine Condercet : (1794- 1743)
شرح كوندرسة مسيرة تقدم الإنسانية في كتابه الشهير(شكل تاريخي لتقدم العقل البشري) عام 1774م موضحا تقدم الإنسانية في خط مستقيم صاعد نحو الأفضل والكمال، من خلا ل مراحل محددة، ويعتقد أن الثقافة والتربية والتعليم هي القاعدة الأساسية في تحقيق التقدم والنهوض بالمجتمع، مع الاهتمام بدراسة المواضيع الأخلاقية والطبيعية، ويرى أن التاريخ هو اكتشاف وتطبيق قوانين التقدم الاجتماعي وكان ذو نظرة تفاؤلية لمراحل تقدم الإنسانية.
والتقدم عند (كوندرسه) عبارة عن تجميع للمعارف العلمية وتطبيقها، وهي تساعد على التعجيل بتحسين مستوى الإنسانية، وما دامت الاكتشافات مستمرة فإن صفة الكمال للجنس البشري ستبلغ حدا كبيرا.
وقد قسم تاريخ الحضارة إلى (10) مراحل، كل مرحلة تمثل فترة محددة في تقدم الإنسانية، وقد قطعت منها الإنسانية إلى نهاية القرن (18م) تسع مراحل، وعاشرها "مرحلة الآمال " أي مستقبل الإنسانية وتتلخص المراحل على النحو التالي :
مراحل نظرية ( كوندرسه).
1) المرحلة الطبيعية : وهي المرحلة التي عاشتها الإنسانية في البداية وتقوم على الصناعات البدائية.
2) مرحلة الرعي واستئناس الحيوان.
3) مرحلة الزراعة: وفيها بدأ الإنسان يستقر ويتأمل في مظاهر الحياة.
4) مرحلة الحضارة اليونانية: وقد ظهرت فيها المدينة عند اليونان كوحدة سياسية، وقد وصلوا الى الرقي الحضاري وتطبيق الديموقراطية.
5) مرحلة الحضارة الرومانية: وقد ظهرت فكرة الإمبراطورية والنزعة الرومانية العملية، وفكرة الوحدة القانونية التي فرضها الرومان على الشعوب الواقعة تحت سيطرتهم.
6) مرحلة العصور الوسطى المسيحية: وهي تبتدئ من انهيار الإمبراطورية الرومانية عام 476م وتنتهي بقيام الحروب الصليبية، وقد بين فيها حدة الصراع بين السلطتين (الزمنية والدينية ) وأثر ذلك على مظاهر الحركة الفكرية في أوروبا.
7) مرحلة الإقطاع ( النصف الثاني من العصور الوسطى ) وقد ظهر فيها الاستبداد من جانب الحكام والمحاربين ورجال الدين ،وظهور طبقة غنية على حساب الطبقة الكادحة.
8) مرحلة اختراع الطباعة : وتمتد من القرن الخامس عشر حتى بداية القرن السابع عشر، وقد تميزت هذه المرحلة بالنهضة الفكرية نتيجة لاختراع الطباعة التي سهلت انتشار الكتب والأفكار عموما ،وقد انتشرت الحركات النقدية والفلسفية ، وصاحب ذلك قيام حركة الإصلاح الديني التي ساهمت بتدعيم الديموقراطية ، وانتشار الآراء الاشتراكية الخيالية التي أدت في النهاية إلى قيام الحركات الاجتماعية ضد استبداد الحكام والكنيسة.
9) مرحلة الثورة الفرنسية: ويعتبرها كوندرسه عصر الحرية وإعلان حقوق الإنسان، واستحداث أساليب جديدة في الشؤون الإنسانية والنظم الاجتماعية.
10) مرحلة الآمال أو مستقبل الإنسانية: ويستدل عليها كوندرسه من دراسة الماضي والحاضر للإنسانية، لهذا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه هذه الإنسانية ، ويتحققتطور وارتقاء ذاتي للفرد وتعم فيها المساواة بين الأمم ، وفي هذه المرحلة تكون الإنسانية قد حققت افضل مراحل التقدم بتحقيق الغايات التي تسعى اليها .
ويلاحظ من تقسيم كوندرسه بأنه تأريخ اجتماعي للمجتمعات الأوروبية بصفة خاصة محاولا تعميم ما حدث في أوروبا على العالم باسره، وقد انفرد دون غيره من فلاسفة التاريخ ببحثه في مستقبل الإنسانية واستقراء ما ستكون عليه، وقد كان متفائلا في نظرته لهذا المستقبل .
ويؤخذ عليه التقسيم التعسفي لتعدد المراحل وترتيبها، ولهذا بقيت نظريته في إطار التصور الفلسفي.
3- نظرية أوجست كونت: Augusta Comte(1779-1857):
يعتبر أوجست كونت أصحاب نظرية التقدم الخطي من حيث اتجاه التغير وفي تفسيره للتغير يعتبر من فلاسفة التاريخ...
لقد عاش الفوضى والاضطراب العام الذي صاحب الثورة الفرنسية. فاراد ان يصلح المجتمع الفرنسي .وان إصلاحه وتنظيمه ليست مساله سهله كما لاحظها بعض المصلحين في عصره-,وإنما تتطلب وضع فلسفه جديده للقضاء على هذه الفوضى .وقد بين ان الفوضى هذه ناتجه عن الاضطراب العقلي وهو نتيجة للفوضى في التفكير في معالجه الظواهر الاجتماعية ويؤكد ان المجتمع كي يستقر ويتقدم بحاجه الى اتفاق عقلي وتوصل الى ان المجتمع إلا صلاح له إلا بتوحيد التفكير في معالجه الظواهر الاجتماعية بالمنهج نفسه الذي تعالج به الظواهر الطبيعية , والتوصل الى قوانين تخضع لها الظواهر الاجتماعية.
ومن خلال دراسته للديناميكا الاجتماعية أو(حالة تغير المجتمع) وللاستاتيكا الاجتماعية أو(حالة ثبات المجتمع) فقد توصل الى قانون الحالات الثلاث الذي دعاه بالاكتشاف العظيم سنه 1822,ونظريته في تقدم الإنسانية .وتعكس هاتان النظريتان مفهومه للتغير الاجتماعي بوجهه عام.
أولا-قانون الحالات الثلاث..
يرى كونت ان التفكير الإنساني في المعرفة قد مر في ثلاث مراحل (حالات) وهي: -
1) الحالة الدينية ( الثيولوجية)
وهي المرحلة التي كانت تفسر فيها الظواهر المختلفة بعلل أوليه ,وتقوم على أسلوب الفهم الديني, وتتشخص بصفه عامه في الإله، وفي الأنظمة التي تتوافق مع هذه العقلية, حيث يكون للجماعات الدينية التفوق فيها وتقسم المرحلة اللاهوتية الى ثلاث مراحل هي ( الوثنية، تعدد الآلهة، التوحيد)
2) الحالة الفلسفية( الميتافيزيقية):
وتمتد من سنة (1300-1800م) ويسميها بعصر « الثورات الغربية» ويكون تفكير الإنسانية وتصوراتها أقل تشخيصا، وتستبدل العلل الأولية، بعلل أكثر عمومية لها طابع الميتافيزيقية، ويسيطر على عقول الناس مذهب فلسفي كالحرية المطلقة والخير والفضيلة..الخ
3) الحالة العلمية( الوضعية):
وتمتد من (1800م- الى ما لا نهاية) وفيها تفسر الظواهر بعلل تقوم على المنهج العلمي المبني على الملاحظة والتجربة والمقارنة التاريخية، والابتعاد عن العلل المجردة، ولذ فقد عدَل الفكر الإنساني عن البحث في مسألة أصل الظواهر لأنها مسائل ميتافيزيقية.
وقد اعتبر«كونت» المرحلتين السابقتين تمهيدا للمرحلة العلمية التي تعتبر أرقى منهما. وهيستؤدي الى إسعاد البشرية. وقد شبّه « كونت» :
المرحلة اللاهوتية: بمرحلة طفولة الفكر البشري.
والمرحلة الميتافيزيقية: بمرحلة الشباب والمراهقة.
والمرحلة الوضعية: بمرحلة الرجولة والاكتمال.
وعلى ذلك يعتبر «كونت» من المدرسة الحيوية والاتجاه العضوي بشكل خاص. نقـــد
المحاضرة السادسة :
تابع النظريات الكلاسيكيةفي التغير الاجتماعي(3)
فيكو:Vico
يعتبر فيكو من المؤسسين الأوائل لفلسفة التاريخ، من خلال نشره لكتابه( مبادئ علم جديد) عام 1725، وصاحب نظرية التقدمالدائري اللولبي: التي ترى أن التطور الاجتماعي لا يسير في خط مستقيم، أو على شكل دورات مغلقة ينتهي فيها التاريخ الى النقطة التي بدأ منها. وإنما يسير التاريخ في شكل لولبي بحيث تعلو كل دورة وتفوق الدورة التاريخية السابقة.
وقد صاغ (فيكو) قانونا عاما لتطور المجتمعات الإنسانية من خلال تحليله للبعد التاريخي، كما عالج في كتابه تاريخ تطور المجتمعات الإنسانية فقسمها الى ثلاث مراحل متعاقبة هي:
1- المرحلة الدينية: وتتميز بالطبيعة التأليهية للأشياء، وأن كل فعل وقول مستمد من الآلهة، وأن حياة المجتمع تعتمد على مقولات دينية في مختلف مجالاتها.
2- مرحلة البطولة: ويبدو فيها تعظيم الشرف والمغامرة وظهور الطبقة السياسية الحاكمة، وأن الحق فيها للأقوى، ومثال ذلك سيادة الأسرة الأبوية لدى الرومان حيث الأب هو المتصرف في أعضاء أسرته. وازدهرت في تلك المرحلة الفنون والفلسفة والآداب.
3- مرحلة الإنسانية: وتتميز بالحرية السياسية، والمساواة، وسيادة الحقوق المدنية، انتشار الأنظمة الديموقراطية.
ملحوظات على نظرية فيكو:
يرى أن تقدم الإنسانية حتمي، مع حتمية مرورها بالمراحل الثلاث.
نظرته للتاريخ المجتمعات كانت نظرة كلية كغيره من فلاسفة التاريخ.
اعتمد على الاستقراء الناقص، حيث حاول تعميم تطور الحضارة الأوربية على كل المجتمعات.
تأثر بشكل كبير بنظرية أوجست كونت، حيث تتطابق معها.
ثالثا: نظريات التطور الاجتماعي :
تعتبر ضمن النظريات غير الاجتماعية (غير العلمية) في نظرتها للتغير الاجتماعي، لأنها تشبه المجتمع بالكائن العضوي في تطوره.
وتأثرت نظريات التطور الاجتماعي بأفكار(داروين) في كتابه أصل الأنواع، وذلك النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فهي بالأساس نظريات بيولوجية حاولت تفسير الحالة الاجتماعية والنظم الاجتماعية.
وقد قدم (داروين) بعض المبادئ العامة في نظريته عن النشؤ والارتقاء منها: مبدأ الصراع من أجل الوجود، ومبدأ البقاء للأصلح، ومبدأ الانتخاب الطبيعي..
ومن أبرز الممثلين للاتجاه التطوري في علم الاجتماع العالم الإنجليزي :
هربرت سبنسر: 1820-1903م
يعتبر (سبنسر) من أهم علماء الاجتماع في القرن(19م). وتشابهت نظريته الاجتماعية بنظرية (داروين) البيولوجية، حيث اعتبر أن كل من الكائن الحي والمجتمع يتطوران من التجانس الى اللاتجانس وصولا للتكامل.
ويرى (سبنسر) أن الأفعال تسير وفق قانون (الاتصال النسبي) أي أنها مرتبطة ببعضها، وأن التخصص هو غاية كل تطور وارتقاء. وأخذ هذه الفكرة من الكائن العضوي، فالمجتمع كالجسم، والأفراد كأعضاء الجسم في الكائن الحي.
فالمجتمع بأفراده في البداية يكونون متجانسين والاختلافات بينهم غير واضحة كماً وكيفاً، ولكن عند زيادة السكان ينقسمون ويتعقد المجتمع، ويختفي التجانس بينهم.
وقد أدرك (سبنسر) الاختلاف في العلاقة بين أجزاء الكائن الحي وأجزاء المجتمع، فالأول علاقتهم مباشرة، في حين علاقة أعضاء المجتمع خارجية تخضع للعادات والتقاليد واللغة ... الخ.
ويرى (سبنسر) أن الظواهر الاجتماعية تتأثر بنوعين من العوامل:
داخلية: خاصة بالفرد كتكوينه العضوي والوجداني.. الخ.
خارجية: تتعلق بالبيئة الجغرافية التي تؤثر في الأفراد من حيث النشاط. أي أنها تؤثر في النهاية في الظواهر الاجتماعية.
ويرى (سبنسر) أن تطور نظام الأسرة الى نظام القبيلة والمدينة والدولة، هو دليل على تطور وارتقاء المجتمع الإنساني. لكن نظرة( سبنسر) التشاؤمية تفترض أن بعد كل تطور ونشؤ فناء وانحلال، ويحدث ذلك في دورة كاملة.
كما يرى ( سبنسر) تشابها بين المجتمع والكائن العضوي في عدة مجالات منها:
1- هناك اتفاق بينهما في عملية النمو التدريجي.
2- كلما زاد حجم المجتمع والكائن العضوي ازداد البنيان تعقيدا وتركيبا وبالتالي تزداد الوظائف تخصصا.
ويضرب أمثلة للتدليل على فكرته، فرئيس القبيلة كان يقوم بوظائف عديدة منها: الحكم والتشريع ويدعم العادات والتقاليد وغير ذلك. في حين اذا ازداد حجم القبيلة وتحولها الى مجتمع أو دولة ، تتوزع تلك الوظائف التي كان يقوم بها على أعضاء عديدين، من أجل القيام بتك الوظائف على خير وجه.
أي أن التخصص قد زاد وتعقد من أجل كمال مسيرة المجتمعات.
ويعتقد (سبنسر) أن عملية الصراع من أجل البقاء جعلت كثيرا من المجتمعات تتحد مع بعضها، مما جعلها متكاملة ومتطورة، ويمكن ملاحظة ذلك في المجتمعات المعاصرة التي تتكتل مع بعضها تحقيقا للتوازن والانسجام، الذي يقود الى ظهور التصنيع كدليل على الانسجام بين المتكتلين مع بعضهم.
تقييم أراء سبنسر:
قدّم سبنسر نظرية عضوية متكاملة لتطور المجتمع، لها مكانتها في التنظير الاجتماعي.
أن مبدأ تشبيه المجتمع بالكائن العضوي مبدأ غير علمي للاختلاف الكبير بينهما في الطبائع والقوانين.
فناء المجتمعات ليس واردا كالكائن العضوي، فهي تتخلف لكن لا تفنى في المنظور القريب.
البقاء للأقوى ان جاز تطبيقه على الكائن الحي، فذلك غير وارد تماما على المجتمعات التي تتخلف ثم تقوى ثم تتخلف...وهكذا.
ما سبق من نقد لم يقلل من أهمية نظرية (سبنسر) في تفسير تطور المجتمع
تقييم عام للنظريات الكلاسيكية:
كانت نظرتها للتغير الاجتماعي نظرة عامة وشاملة دون تمييز للاختلاف الثقافي بين المجتمعات. فيمكن القول بأنها دراسة فلسفية للحياة الاجتماعية بمظاهرها المختلفة.
لم تقم النظريات الكلاسيكية على الدراسة العلمية التجريبية.
تقوم على مبدأ الاستقراء الناقص: أي تعميم مسيرة مجتمع من المجتمعات تعميما مطلقا على مسيرة كل المجتمعات البشرية. فأوروبا لها تجربتها وظروفها التي تختلف عن مسيرة مجتمعات أخرى.
لكن ما سبق من نقد للنظريات الكلاسيكية في تفسير التغير الاجتماعي لا يقلل منها كجهود فكرية اجتماعية أسهمت ظهور النظرية الاجتماعية المعاصرة التي تفسر التغير الاجتماعي.
المحاضرة السابعة:
النظريات العامليةفي التغير الاجتماعي
مقدمة :
إن ما يقصد بالنظريات العاملية، هي تلك النظريات التي تفسر التغير الاجتماعي في ضوء عامل واحد من عوامل التغير، كالعامل التكنولوجي، أو العامل الاقتصادي، أو العامل الأيكولوجي ... الخ.
وهي نظريات حديثة نسبيا مقارنة بالنظريات السابقة، ونظرا لكونها تبني أفكارها في الغالب على تجارب علمية، وإمبريقية (ميدانية)، لهذا اعتبرت نظريات سوسيولوجية (علمية) تمييزا لها عن النظريات الفلسفية السابقة.
وبطبيعة الحال فإن هذه النظريات السوسيولوجية ليست واحدة في إطارها العام أو في معالجتها للتغير الاجتماعي، كما أنها تتفاوت من حيث الواقعية في التحليل والتفاوت في درجة التأثير على الظواهر الاجتماعية.
غير أنه هناك اختلاف بين آراء القائلين بهذه العوامل، واتفاق في حتمية التغير ولزوميته تلك الحتمية التي تقصر التغير على عامل واحد فقط، الأمر الذي عرضها الى كثير من الانتقادات العلمية وقد ذهب ولبرت مور W. Moor الى استبعاد نظرية العامل الواحد في إحداث التغير الاجتماعي وفي نظره – لا بد من الرجوع الى اكثر من عامل واحد في ذلك ، وهذه قضية سنأتي عليها في التقييم العام لتلك العوامل .
والنظريات العاملية هي :
1- نظرية العامل التكنولوجي .
2- نظرية العامل الديموغرافي .
3- نظرية العامل الأيكولوجي .
4- نظرية العامل الاقتصادي .
5- نظرية العامل الثقافي – وأنواعها - .
نظرية العامل التكنولوجي :
ينظر الى تحديد مفهوم التكنولوجيا نظرات متعددة تختلف باختلاف تخصص الباحثين، ولهذا جاءت تعاريف عديدة منها :
التكنولوجيا: هي الوسائل التقنية التي يستخدمها الناس في وقت معين من أجل التكيف مع الوسط الذي يعيشون فيه.
التكنولوجيا: يرى ويليام أجبرن بأنها : دراسة التقنيات والأفكار التي تغطي المواضيع المادية أي أنها تشمل الجوانب المادية للثقافة .
وهناك من يربط بين التكنولوجيا والعلوم التي تدرس في المعاهد الفنية، والكليات العلمية، مثل الهندسة والميكانيكا والكهرباء. إي أنها ترتبط بالتطبيق أكثر من ارتباطها بالناحية النظرية. ولا شك ان في ذلك صعوبة في التمييز الواضح بين هذين العنصرين نظرا للارتباط السببي بين النظرية والتطبيق .
ويرى كثير من الأفراد بأن التكنولوجيا هي فن استعمالات الآلات – التقنيات – أي الامتلاك العلمي لاستعمالها، والأهمية المترتبة عليها. أو هي الآلات وفن استعمالها.
العلاقة بين التكنولوجيا والمجتمع:
ترتبط التكنولوجيا بالمجتمع ارتباطاً وثيقا فهي انعكاس لثقافته المادية والفكرية وتعبير صادق عن تقدم المجتمع الحضاري هذا من ناحية الارتباط أما من ناحية التأثير فالعلاقة جدلية بينهما حيث يؤثر كل منهما في الآخر.
وتشمل التكنولوجيا العلم التطبيقي الذي يؤدي إلى صناعة الأشياء المادية. والقائلون بالعامل التكنولوجي – النظرية التكنولوجية – يرجعون التغيرات الاجتماعية إلى التكنولوجيا ومنهم وليام أوجبرن.
وفي الواقع لا يهتم (علم الاجتماع)بالتكنولوجيا اهتماماً مجرداً وإنما يهتم بها للأثار التي تتركها في المجتمع أو بمعنى آخر لأهمية وظيفتها الاجتماعية ، فصناعة السيارة مثلاً كآلة
تقع في دائرة غير دائرة العلوم الاجتماعية ولكن (معناها)أي آثارها واستعمالها يقع في دائرة العلوم الاجتماعية فآثار السيارة واضحة في حياة الناس وما يتعلق بوظيفتها في المجتمع من حيث الاتصال وتكوين العلاقات بين الأفراد وغير ذلك جهاز الهاتف والمذياع والكهرباء الخ إن وظيفة المخترعات المادية هي خدمة الحياة الاجتماعية أي إن جوهر التكنولوجيا اجتماعي.
وبطبيعة الحال لا نتصور أن التكنولوجيا بوصفها آلات هي علم اجتماع وإنما هي علوم طبيعية وهي في نهاية الأمر ثقافة مادية إلا أن معناها اجتماعي وأن العلاقة بين المجتمع والتكنولوجيا متبادلة فالحاجة الاجتماعية تتطلب اختراع آلات بدورها تحدث تأثيراً في حياة المجتمع فإنتاج التكنولوجيا ووظيفتها تتعلق بحياة المجتمع عامة.
ومن الوجهة الاجتماعية فان (معنى) التكنولوجيا هو الذي يؤثر في تغير المجتمع والتكنولوجيا في الأوجه التالية:
يؤدي الموقف الاجتماعي(الحاجة الاجتماعية) إلى الاختراع المادي الذي يستعمل في المجتمع.
يؤثر الاختراع التكنولوجي في حياة المجتمع من خلال استعماله.
وبفعل عامل الانتشار تؤثر التكنولوجيا في مجتمعات لم تساهم في عملية اختراع أو الاكتشاف كما أنها لا تترك الآثار نفسها في المجتمعات كافة بفعل الاختلاف الثقافي فيما بينها.
ويتبين من ذلك أن العلاقة جدلية بين المجتمع والتكنولوجيا.
التكنولوجيا والتغير الاجتماعي:
ترى النظرية التكنولوجية أن التغير الاجتماعي سببه العامل التكنولوجي أي أن التكنولوجيا هي علة التغير في المجتمع، وتُرجِع كل التغيرات الاجتماعية إلى أسباب تكنولوجية . وتتوقف طريقة إحداث التغيرات التكنولوجية للتغير الاجتماعي على فهم الطبيعة العلية التي هي في الواقع عبارة عن عملية اضطراديه أي أن التأثير التكنولوجي لا يتوقف عند إحداث الأثر الأول بل إن التأثير مؤديا إلى آثار مصاحبة أو مشتقة على هيئة سلسلة مترابطة الحلقات ولهذا فإن للعامل التكنولوجي أثراً مهماً في التاريخ الاجتماعي للمجتمعات ويؤدي إلى تقدمها.
إن وطأة الاختراعات تؤدي إلى تأثيرات تنتشر في اتجاهات مختلفة تشبه الموجات المائية الناتجة عن التقاء حجر في الماء فتتشكل دوائر متصلة وهكذا يكون تأثير التكنولوجيا في الحياة الاجتماعية تأثيراً متواصلاً.
وتأتي التكنولوجيا استجابة لحاجات الأفراد من أجل تحقيق أهدافه بأقل جهد ممكن وبأقل التكاليف، وهي تنتج للإنسان ظروفاً مناسبة من أجل راحته وسعادته فالوسائل الفنية المستعملة في الزراعة قد أدت إلى زيادة الإنتاج وتحسين الإنتاجية والى تحسين تربية طرق تربية الماشية، فازداد المردود كما وكيفاً، وصاحب ذلك تحسين في الاقتصاد الزراعي وتغير إيجابي في الحياة الفردية بوجه عام.
وقد تغيرت العلاقة بين الزراعة والصناعة وزادت الهجرة الريفية والهجرة الزراعية وانتعشت الحياة في المدن بشكل ملموس وبذلك نستطيع القول أن التغير التكنولوجي أصاب النظام الفردي والنظام الاجتماعي عامة.
لقد أدى التقدم في وسائل الاتصال الى تغيرات اجتماعية بعيدة المدى ولعل التغيرات التي تشهدها المدينة الحديثة هي نتيجة التكنولوجيا وقد بين وليام أوجبيران بوضوح حين قام بدراسة تأثير المذياع على الحياة الاجتماعية وقد ذهب الى أن التكنولوجيا أدت الى تغير في العادات والمؤسسات الاجتماعية بشكل واسع.
وترى النظرية التكنولوجية أن أي اكتشاف أو اختراع تقني يؤدي مباشرة الى تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية فاكتشاف الطاقة الذرية أدى الى تغيرات عميقة في حياة المجتمعات فعلى سبيل المثال أدت الى حدوث تغييرات في الاستراتيجية العسكرية والى قيام علاقات دولية جديدة.
كما أن السيارة أدت الى تغيرات اجتماعية مهمة منها تشكيل مؤسسات اجتماعية مثل التأمين ومدارس السياقة وإدارة شرطة المرور ونظامه.
وقد ساهمت التكنولوجيا في تكوين اتجاهات عدة داخل المجتمع ومن هذه الاتجاهات:
1- التخصص في العمل حيث تقوم التكنولوجيا بوظائف متعددة وتصل الى إنجاز عملها بكفاءة كبيرة وتوجد وظائف عديدة وهي تعمل على إبراز ظاهرة التخصص في العمل وتبدو هذه الظاهرة بوضوح كلما تقدم المجتمع في الصناعة وتؤدي الى ظهور أنظمة قانونية وغير ذلك. وللتكنولوجيا آثار في الحياة الاجتماعية والعمالية.
2- وتكتسب الاختراعات التكنولوجية أهمية بالغة في حياة المجتمعات لأهميتها، وقد روى أحد المؤرخين انه في سنة 1772م اعلن استقلال أمريكا وفي ذلك الوقت تقريباً اختراع (جيمس واط) الآلة البخارية وقد كان لهذا الاختراع تأثير أوسع من إعلان الاستقلال أي أن صدى الاختراعات والاكتشافات ينتشر بسرعة كبيرة.
3. إيجاد الظاهرة الإمبريالية الناتجة عن الثورة الصناعية التي أدت الى فائض في الإنتاج الصناعي الأمر الذي أدى بالدول الصناعية الى القيام بالبحث عن أسواق جديدة لتصريف هذا الفائض وتشكيل الشركات المتعددة الجنسيات والى استيطان ما يعرف بالعالم القديم واستعماره في نهاية الأمر وترتب على ذلك إنشاء ظاهرة التبعية حتى بعد الاستقلال التي تعاني منها معظم الدول النامية اليوم.
4. التغير في مجال القيم الاجتماعية لقد صاحب تغيرات اجتماعية عديدة المتغيرات التكنولوجية في مجال القيم الاجتماعية مثال قيمة الوقت وقيمة المرأة وقيمة العمل وغير ذلك لقد جاءت قيم جديدة لتتلاءم والعمل الصناعي وتزداد التغيرات الاجتماعية بزيادة التراكمات المادية وانتشارها وان عمل الإنسان يؤدي الى تغيره ويرى هيجل (أن الإنسان وهو يعمل على تغيير الطبيعة المحيطة به يغير من طبيعته الخاصة).
ولا يعني ذلك ان التغيرات في المجتمع وليدة التكنولوجيا وإنما هناك من المؤثرات على الحياة الاجتماعية ما يناظر أثر التكنولوجيا إن لم يزد عليه في بعض الأحيان مثل أثر الاقتصاد والديموغرافيا كما سيوضح فيما بعد.
5. ظهور أهمية المجتمعات الصناعية وسرعة تقدمها مقارنة بالمجتمعات الأخرى. ان زيادة التغير تقترن بمدى التراكمات التكنولوجية الحادثة في المجتمعات الصناعية وهذا ما يفسر لنا سرعة التغير في المجتمعات الصناعية دون غيرها وفي مجال التغير الاجتماعي كمعلول لعلة (التكنولوجيا) يمكن وضع السؤالين التاليين: كيف يؤدي التكنولوجيا الى التغير الاجتماعي ؟وما النتائج المترتبة على ذلك؟
نستطيع أن نلمس الإجابة على هذين السؤالين لدى القائلين بالنظرية التكنولوجية على النحو التالي:
تبني أفكار التكنولوجيا على القسمة الثنائية للثقافة لدى منظري هذا الاتجاه أمثال وليام أوجبرن ونمكوف وممفورد وغيرهم.
يحدث تراكم مجال الثقافة المادية نتيجة لعاملي الاختراع والاكتشاف بشكل اسرع من الجانب اللامادي للثقافة في فترة من الزمن الأمر الذي يؤدي الى تخلف الجانب اللامادي عن مزامنة (مجاراة) الجانب المادي وهذا الأخير يشكل في النهاية قوى دافعة لتغير الجانب اللامادي.
ويصطلح (أوجبرن) على تخلف الجانب اللامادي عن الجانب المادي بالهوة الثقافية (Cultural lag ) أو التخلف الثقافي.
ويترتب على نظرية أوجبرن ملاحظتان هما:
إن التغيرات المادية اسرع في تراكمها من التغيرات اللامادية.
إن التغيرات المادية تصبح سبب في تغير الثقافة اللامادية. وترجع عملية تخلف اللاماديات عن الماديات في التغير الى عدة اسباب وهي:
1- الميل للمحافظة على القديم فكل الثقافات تحاول أن تبقى على تراثها الفكري خوفا من التجديد.
2- الجهل بحقيقة التجديد والاختراع وعدم معرفة طريقة استخدامه مما يؤدي بالتالي الى رفضه في النهاية.
3- النزعة المحافظة لدى كبار السن وجمود العادات والتقاليد هذه عقبات أمام التغير اللامادي في حين أن الماديات لا تعترضها مثل هذه العقبات وحينما يحدث التغير المادي نتيجة للاختراع أو اكتشاف فان التغير اللامادي يأتي بعده بمدة من الزمن .
ومن العلماء الذين يقولون بالنظرية التكنولوجية العالم نمكوف الذي درس اثر التكنولوجيا في الأسرة واحداث التغيرات الاجتماعية فيها.
وقد بين أن الثورة الصناعية هي المسؤولة عن التغيرات التي حدثت للأسرة فانتقال الإنتاج من البيت الى المصنع ساعد ذلك على نشأة المدن الصناعية وأصبحت ذات أنماط اجتماعية متميزة من الثقافة هي ثقافة المجتمع الحضري الحديث وقد ترتب على الثورة الصناعية التغيرات الجوهرية التي أصابت مختلف النظم والمؤسسات داخل المجتمع.
وقد أدت الثورة الصناعية الى تقليص حجم الأسرة فأصبحت صغيرة نووية واقل استقرارا من الأسرة في المجتمع الزراعي.
ويرى نمكوف أن العلاقة بين التغير التكنولوجي والتغير الأسري في العمليات التالية:
1- أدت الصناعة الى تخفيض أو إنهاء الإنتاج المنزلي الأمر الذي نجم عنه إلغاء الوظيفة التي كانت للأب في رئاسة العمل الزراعي واليدوي عموما.
2- وقد نتج عن عمل الرجل خارج المنزل أن ترك تدبير شؤون البيت والتربية للمرأة فزاد سلطانها عامة.
3- وان خروج المرأة للعمل قد منحها استقلالية اقتصادية أدت الى المزيد من الحرية وتعزيز فكرة المساواة بين الجنسين.
4- نشأت ظاهرة المدن الصناعية والمجتمعات الحضرية ونمو الخدمات وإسناد هذه الخدمات تابعة للدولة.
وخلاصة القول إن القائلين بالنظرية التكنولوجية في التغير يرون أن التغيرات الاجتماعية تعود الى العامل التكنولوجي وأن التكنولوجيا هي أول ما يتغير وأن اللاماديات لا تزامن الماديات في تغيرها مما ينتج بالتالي ما يسمى بالهوة الثقافية.
ويؤكد أوجبيرن على أن الثقافة المادية تغيرت لدى المجتمعات الغربية بشكل واضح في السنين الأخيرة في حين بقيت الثقافة اللامادية على عهدها كالنظام السياسي والعائلة وبقية اللاماديات.
وهناك من سبق أوجبيرن في نظريته هذه مثل كوست وماكس فيبر وكارل ماركس في أن الجانب المادي أسبق في التغير ويذهب ماكيفر في أن هناك ظروفاً دائمة تعتبر عوامل مهمة في التغير الاجتماعي مثل نظام الطبيعة أو العلية الخارجية المستقلة عن نشاط الإنسان ويمكن ادرج الحالة البيولوجية تحت النظام ويرجع عوامل التغير الى عاملين أحدهما دائم وهو نظام الطبيعة ودوام هذا لا يمكن جعله صالحاً كعلة للتغير فالتغير الجديد
لا تفسره علة دائمة أي الطبيعة وثانيهما ما يتصل بثقافة الإنسان أي التكنولوجيا المتغيرة وهي عنده تعتبر علة التغير أي أنه يتفق مع أوجبيرن في نهاية الأمر.
المحاضرة الثامنة :
مقدمة :
نظرية العامل الديموغرافي: يقصد بالديموغرافيا مجموعة العناصر المتعلقة بالهيكل السكاني من حيث الزيادة أو النقصان ومن حيث الكثافة أو التخلخل وكذلك التوزيع حسب الهرم السكاني وما الى ذلك.
وقد بدأ الاهتمام بالمسألة الديموغرافية مع بداية الثورة الصناعية الأمر الذي أدى إلى زيادة الطلب على الأيدي العاملة لكون العمال يشكلون العامل المهم في العملية الإنتاجية، ولأن كل عملية إنتاجية تتوقف الى حد ما على عدد المشاركون فيها وعلى العلاقات والمتغيرات الاجتماعية لهؤلاء المشاركون، فالظواهر الاجتماعية تتأثر بعدد الأفراد الذين يأخذون بها.
وتتأثر الحركة السكانية بعاملين هما : (عامل المواليد، وعامل الوفيات، والهجرة) وتؤكد الدراسات السكانية الحديثة على وجود علاقة بين السكان وقضايا التخلف والتقدم، أي بمسألة التغير الاجتماعي عموماً من خلال العلاقة بين البناء الديموغرافي والبناء الاقتصادي بوجه عام واستغلال موارد المجتمع ومعدلات التنمية الشاملة ونرتبط الحركة السكانية
بالحركة الاقتصادية أي لا نستطيع فهم اتجاه النمو السكاني بمنأى عن البناء الاقتصادي.
وقد أكد (دور كايم) في تحليله للعامل الديموغرافي والتغير الاجتماعي على أن تقسيم العمل قد احدث تغييرات جذرية وبالانتقال من التضامن الآلي الى التضامن العضوي، ويعود ذلك الى الخصائص السكانية للمجتمعات من حيث الحجم وتوزيعهم المكاني وطبيعة العمل الذي يقومون به من زراعة أو صيد والوسائل المستخدمة فيه وكل التخصصات تؤدي الى التكامل ويؤكد على ان تقسيم العمل وتعدده ويرتبط بحجم السكان وكثافتهم الأمر الى التقدم الاجتماعي وبمعنى ان التقدم الاجتماعي يرتبط بمدى كثافة السكان وحجمهم .
ويذهب دوركايم في تحليلاته لزيادة السكان ان الكثافة الديموغرافية ليست سببا في تقسيم العمل فحسب وإنما تؤدي الى الكثافة الأخلاقية التي تكشف في النهاية عن مدى حضارة المجتمع، وتحدد السبب الرئيسي للتقدم وفي تقسيم العمل المرتبط بالحضارة، وترتبط العلاقات الاجتماعية ارتباطا شديدا بعدد الأفراد المشاركين فيها ومن خلال هذه النظرة فان الحضارة تظهر ليس باعتبارها هدفا وإنما بوصفها مجالا يمارس من خلاله الأفراد وظائفهم الاجتماعية .
وقد توصل الى علاقتين سببيتين :
1- ان نمو الكثافة السكانية يصاحبه نمو العمل والكثافة الأخلاقية ( الحضارة ).
2- ان تقسيم العمل والكثافة الأخلاقية تؤديان بالضرورة الى التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي .
ويترتب على ذلك ان الكثافة السكانية التأثير الواسع في عملية التغير الاجتماعي وخطط التنمية بوجه عام ويؤيده في ذلك (جورج بلندي) في ان العامل الديموغرافي يحدد المجالات الاقتصادية وتتحدد بموجب ذلك الملامح الاجتماعية والثقافة للسكان ويؤكد على العلاقة التبادلية بين العوامل الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية وينتهي الى ان الخصائص السكانية تحدد القدرة على التنمية وتوجيه التغير الاجتماعي وقد ظهرت نظريات عديدة تربط بين البناء الديموغرافي والبناءات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع منها :
نظرية (دبلداي) : التي تربط بين النمو السكاني وبين البناء الطبقي للمجتمع من خلال تطبيق القانون العام للوراثة لدى الكائنات الحية ومؤداه اذا تعرض احد الأنواع الحية للانقراض فان الطبيعة تعمل على زيادة عدد أفراده حفاظا على النوع من خطر الانقراض وفي الأثناء تطبيق هذا القانون على المجتمع وجد (دبلداي) أن خطر الانقراض يتوافر لدى أبناء الطبقات الدنيا للمجتمع بسبب معاناتها من انخفاض الدخل وسوء التغذية وانخفاض مستوى الرعاية الصحية والثقافية أما الطبقات العليا فلا تتعرض لهذا الخطر وهذا ما يفسر لديه ارتفاع نسبة الخصوبة والتوالد بين أبناء الطبقات وانخفاضها بين أبناء الطبقات العليا.
وفي الحقيقة أن نظرية (دبلداي) أهملت التفرقة بين معدلات الخصوبة وبين معدلات الزيادة السكانية لأنها أهملت عامل الوفيات ناهيك أن التوزيع الطبيعي للزيادة السكانية لا ينطبق على الواقع في كل الأحوال والظروف.
وهناك من يربط بين معدلات التوالد وبين الحراك الاجتماعي الرأسي داخل المجتمع على اعتبار أنه مظهر من مظاهر التغير الاجتماعي ومن هؤلاء (ديمونت) حيث يفترض أن الإنسان يسعى لتقلد المركز الاجتماعي العالي ، وفي سبيل ذلك يكون على استعداد لتكوين عائلة كبيرة الحجم. وفي المجتمعات التي لا توجد فيها عقبات أمام الفرد تحول دون التنقل الرأسي الطبقي، يقل الاتجاه نحو تكوين أسر كبيرة الحجم.
ونتيجة لسيادة روح الديموقراطية في فرنسا، وعدم وجود عقبات أمام التنقل الطبقي، فإن معدلات المواليد منخفضة لديها على عكس ما هو سائد في الهند ذات النسق الطائفي المتحجر الذي يحول دون التنقل الطبقي الاجتماعي.
ويتبين من مجمل الآراء السابقة، أن العامل الديموغرافي يقف وراء التغيرات الاجتماعية السائدة في المجتمع، بمعنى أن الديموغرافيا تستطيع تفسير مقولة التغير الاجتماعي.
وفي الحقيقة، إن للعامل الديموغرافي أهمية في التأثير على التغير الاجتماعي لكنه لا يعتبر عاملا أساسيا منفردا في توجيه التغير الاجتماعي إيجابا أو سلبا ، بدلالة الاختلاف في التغير بين الدول ذات العدد السكاني المتكافئ، وتشابه التغير في دول مختلفة الكثافة السكانية والوضع الديموغرافي بوجه عام.
لذا يمكن القول : أن العامل الديموغرافي عنصر مهم في التغير الاجتماعي ، ولكن لا يمكن إرجاع جميع التغيرات الاجتماعية جميعها له.
نظرية العامل الإيكولوجي :
تستعمل كلمة إيكولوجيا مرادفا للبيئة الطبيعية والجغرافية التي يعيش فيها الإنسان، وتركز الدراسات الإيكولوجية على دراسة الآثار المباشرة للبيئة على الحضارة المادية والفكرية للشعوب ذات الوسائل التكنولوجية البسيطة.
ويندرج تحت مفهوم الإيكولوجيا العديد من الأنواع:-
الإيكولوجيا البشرية: التي تهتم بدراسة العلاقة بين الإنسان وبيئته، وأسباب التوزيع المكاني والزماني للأشخاص والجماعات والخدمات في ظل ظروف معينة ومتغيرة الى جانب دراسة العوامل المرتبطة بتغير نماذج هذه التوزيعات.
الإيكولوجيا الاجتماعية: وتهتم بتوزيع الجماعات الضرورية وتشكيلها لاستغلال الموارد الطبيعية، مع العناية بالعلاقات غير المباشرة التي تنتج عن هذه التجمعات.
وهناك الإيكولوجيا الحضرية وغيرها... الخ.
والقائلون بالعامل الإيكولوجي يفسرون التغير الاجتماعي على أساس ظروف خارجية مفروضة على المجتمع ناتجة عن البيئة الجغرافية. وقد ربط العالم (بيرجس) بين الظواهر الاجتماعية والمناطق الطبيعية في المدينة، مؤكدا على أن المناطق المتخلفة في المدينة تعتبر مكانا طبيعيا للجريمة والأمراض والفساد .. الخ.
وتحاول الدراسات الإيكولوجية الكشف عن شواهد عديدة في وجود فروق جوهرية بين سكان الأرياف وسكان المدن. بل عن فروق جوهرية داخل المدن نفسها، كما فعل علماء مثل (بارك وشومبار) وغيرهما.
كما اهتم العالم العربي ابن خلدون بتأثير البيئة الطبيعية على العمران البشري في أكثر من موضع في مقدمته الشهيرة، وكان يفسر كثرة السكان وقلتهم بالعوامل المناخية، فزيادة السكان ترتبط باعتدال المناخ والعكس صحيح. كما ربط ابن خلدون بين الهواء وأخلاق البشر، كما أن طبيعة الظواهر الاجتماعية والنفسية للسكان وإنتاجهم تتأثر بالعوامل البيئية، بذلك يكون ابن خلدون من ممثلي نظرية العامل الإيكولوجي في التغير الاجتماعي.
وخلاصة القول أن نظرية العامل التكنولوجي ترجع التغيرات الاجتماعية الى العوامل البيئية المختلفة التي تؤثر في النشاط والحياة الاجتماعية والثقافية عموما، وأن هناك علاقة بين النظام الإيكولوجية والنظم الاجتماعية الأخرى، وهي علاقة سببية تأثيرية.
ويمكن القول بأن قصر ظاهرة التغير الاجتماعي على العامل البيئي فقط فيه مبالغة شديدة، ولا تقدم تفسيرا لظاهرة التغير الاجتماعي، وذلك للأسباب التالية:
أن تأثير البيئة يكون قويا كلما كان المجتمع بسيطا لا يستخدم التكنولوجيا بشكل كبير.
أن التأثر متبادل بين البيئة الطبيعية والظواهر الاجتماعية.
أنه لابد لوجود عوامل أخرى لا تتعلق بالبيئة الطبيعية فقط، وذلك لتفسير التغيرات الاجتماعية.
توجد نظما اجتماعية متشابهة في المجتمعات بالرغم من تفاوت البيئة بينهما، والعكس.
وعليه: فبالرغم من أهمية العامل الإيكولوجي إلا أنه لا يفسر التغير الاجتماعي لوحده.
نظرية العامل الاقتصادي :
تعتمد النظرية الاقتصادية في تفسيرها لعملية التغير الاجتماعي على البناء الاقتصادي للمجتمع، وتأثره على العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد والجماعات، أي تأثير النواحي المادية على المجالات الاجتماعية، حيث أن النشاط الاقتصادي يتحكم في حياة المجتمع السياسية والفكرية وليس العكس.
وتعرف النظرية الاقتصادية بالنظرية الماركسية في أدبيات التغير الاجتماعي، وهي تتبنى مقولة الحتمية الاقتصادية: التي ترى أن العامل الاقتصادي هو المحدد الأساسي لبناء المجتمع وتطوره. ويتكون أساسا من الوسائل التكنولوجية، ويحدد النظام الاجتماعي والعلاقات في المجتمع.
وتعتبر نظرية العامل الاقتصادي في التغير الاجتماعي أن للمجتمع بناءان:
بناء تحتي: وهو الاقتصاد الذي يؤثر في البناء الفوقي الذي يتكون من بقية نظم المجتمع ويشكلها.
بناء فوقي: ويتكون من الأنظمة السياسي والأخلاقي والقانوني..، أي البناء الاجتماعي عموما.
ويرى (بوتومور) أن النظرية الاقتصادية (الماركسية) في التغير الاجتماعي تعطي اهتماما كبيرا لعنصرين من عناصر الحياة الاجتماعية، وهما : نمو التكنولوجيا(قوى الإنتاج)، والعلاقات بين الطبقات الاجتماعية. وأنه في كل مرحلة من تطور قوى الإنتاج، يسود أسلوب معين للإنتاج، وطبيعة محددة للعلاقات الاجتماعية يسود فيها صراع بين الطبقة المسيطرة التي تملك وسائل الإنتاج، وبين الطبقة العاملة.
وتضم قوى الإنتاج:
أ / آلات الإنتاج التي تنتج بواسطتها وسائل الحياة المادية.
ب / عدد الأفراد الذين يستخدمون الآلات للإنتاج.
ج / المعارف التقنية الضرورية، وعادات العمل المكتسبة ونوع العمل(فكري أو يدوي).
أما علاقات الإنتاج: فيقصد بها العلاقات القائمة بين الأفراد خلال عملية الإنتاج، وهي إما أن تكون علاقات تعاون وتعاضد، أو علاقات سيطرة وخضوع فيها استغلال من البعض للبعض الأخر.
ومجمل القول: أن النظرية الاقتصادية (الماركسية) تعالج التغير الاجتماعي من خلال التناقض داخل البناء الاجتماعي(المجتمع)، التناقض بين الطبقات. وان البناء التحتي في المجتمع(الاقتصاد) هو الذي يحدد وضع المجتمع التاريخي وبنائه الاجتماعي، ويكون التغير في هذه الحالة حتمياً.
نقد نظرية العامل الاقتصادي في التغير الاجتماعي:
1. أنها تبسط التغير الاجتماعي وتعزوه الى العامل الاقتصادي وتتجاهل العوامل الأخرى.
2. لم توضح الارتباطات الصارمة في علاقة البناء التحتي والبناء الفوقي بالمجتمع.
3. كثيرا من تنبؤات (ماركس) لم تتحقق خاصة في انتصار طبقة البروليتاريا الكادحة .
المحاضرة التاسعة :
النظريات العاملية في التغير الاجتماعي
نظريات العامل الثقافي :
تختلف المجتمعات عن بعضها باختلاف الثقافة التي تميز بين الشعوب، كما أن الثقافة تختلف النظرة اليها، وتتعد تعاريفها .
فالأفكار والقيم والأيديولوجيا وغيرها تعتبر من ميكانيزمات التغير الاجتماعي عند القائلين بهذه النظرية ، ولما كانت النظرية تنشر لذا ، تعتبر سببا في تغير مجالات عديدة في المجتمع وفي غيره من المجتمعات الأخرى ، فحينما يتبنى مجتمع قيما معينة فإنها تؤثر في نظر أفراده نحو العلاقات الاجتماعية القائمة بينهم ، وفي اتجاهاتهم بشكل عام.
ولقد أدت كثير من الحركات الفكرية الى تغيرات اجتماعية واسعة مثل حركة النهضة الأوروبية ، وفلسفة الثورة الفرنسية ، وغيرها من الحركات الاجتماعية والسياسية والدينية .
كما أن الثقافة تعتبر عاملا للمنافسة الاجتماعية بما ينتج عنها من صراع فكري بين الفئات المختلفة في المجتمع مما يؤدي بالتالي الى حدوث تغير اجتماعي جديد.
وتنطوي تحت اطار العامل الثقافي اتجاهات عديدة يجمعها خيط واحد وهو قولها : أن العناصر الثقافي تتفاعل مع بعضها مؤدية الى التغير الثقافي، ولكنها تختلف حول الطريقة المؤدية اليه، غير أن الثقافة حقلا محوريا بينها.
ويمكن حصر الاتجاهات القائلة بالعامل الثقافي في التغير في ثلاثة اتجاهات رئيسية هي:
نظرية الانتشار الثقافي .
نظرية الارتباط الثقافي .
نظرية الصراع الثقافي .
وهي تركز على آليات التغير الثقافي ومصادرة، وهل هي داخلية أم خارجية ؟ وكيف يكون ذلك ؟
وسنعرض آراء هذه النظريات المتشابهة المختلفة على النحو التالي :
أولا : نظرية الانتشار الثقافي :
تنطلق النظرية الانتشارية من أن التغير الثقافي يرجع الى عامل الانتشار ، فالانتشار عملية تنتشر بموجبها سمات ثقافية من منطقة الى أخرى، والى أن تعم تلك السمات أنحاء العالم ، لا ن من سمات الثقافة الانتشار.
وتميز هذه النظرية بين انتقال التراث وانتشاره، فيعني الأول : الانتقال الثقافي عبر الأجيال ( من جيل الى آخر) داخل المجتمع ، أما الثاني فهو يعني : انتقال سمات ثقافية من مجتمع الى آخر ، وبمعنى آخر أن التراث يعمل وفق عامل الزمن ، بينما الانتشار يعمل وفق عامل المكان.
وترجع هذه النظرية التغيرات التي تحدث في مجتمع ، انمار تأتي نتيجة استعارة سمات ثقافية من مجتمع ثان ، أي أن التغيرات الثقافية ترجع في مصدرها الى ثقافة أخرى .
انطلاقاً من ذلك تبني النظرية أفكارها على عامل الانتشار وهو كل الحالات لا يعني انتقال الأفراد وإنما انتقال السمات الثقافية. وقد جاء مصطلح الانتشار الثقافي في كتابات علماء الأنثروبولوجيا حيث ذهب تايلور في كتابة (الثقافة البدائية) الى أن فكرة الانتشار الثقافي جاءت لتكشف عن سر التشابه لكثير من السمات والعناصر القافية في مجتمعات متباعدة عن بعضها مرجعا ذلك التشابه الى انتشار وانتقالها من مصدر واحد أو من عدد المصادر نتيجة للاتصال الثقافي بين تلك المجتمعات وقد تكون هجرة العنصر الثقافي كاملة أو جزئية.
وتعتمد عملية الانتشار على عامل الاختراع الذي يعتبر أصل الثقافة الجديدة ويؤدي في النهاية الى استمرارية بناء الثقافة وحفظها من الفناء وأما آليات الانتشار فهي متعددة منها : الهجرة والاستعمار والثورة وغيرها .ولا تخلو عملية الانتشار من وجود عوائق الأمر الذي يؤدي الى مقاومة الثقافة المستعمرة وإبطاء عملية التغير عموما .
ويبدو ذلك بوضوح حينما تترسخ عناصر ثقافية في مجتمع فانه في هذه الحالة يصعب إحلال عناصر جديدة لتأخذ مكانا في النسق القائم .
وفي كل الحالات يمكن ملاحظة العناصر المعوقة للانتشار، وهي تركز على انتقال الثقافة سواء عن طريق النقل أم الغزو أم الاستعارة متتبعة انتقال العناصر الثقافية عبر المكان وترى ان الهجرة تؤدي الى انتقال وحدات ثقافية كبيرة، وأما الاستعارة فتؤدي الى انتقال وحدات ثقافية بسيطة لا تحدث في البداية تغيرا يذكر في المجتمع الجديد .
ونظرا لسعة مجال الانتشار الثقافي وتعدد آلياته فقد وجدت مدارس مختلفة في أنحاء العالم ويمكن تمييز ثلاث مدارس هي :
1- المدرسة الألمانية النمساوية: بزعامة جرايبنر وهي تبين وجود سبع أو ثماني نماذج ثقافية اصليه في العالم ذات طابع منسجم ومستقل ثم انتشرت في أرجاء العالم بفعل عامل الانتشار وكان انتشار كل ثقافة أما جزئيا أو كليا. وتنظر الى دراسة الحياة البدائية باعتبارها مفتاحا لفهم الاتصال بين الثقافات المعاصرة .
2- المدرسة الإنجليزية: بزعامة اليوت سميث وبري، وهي تقول بمصدر واحد للثقافة وهي الحضارة المصرية التي عمت العالم الى ان جاءت الحضارة اليونانية وحلت مكانها .
3- المدرسة الأمريكية: بزعامة (الفرد كروبير، وبواس) وهي تهتم بالآثار المترتبة على عملية الانتشار الثقافي في المجتمعات، وقد حاولت هذه المدرسة تلافي النقص والأخطاء التي وقعت فيها المدرستان السابقتان من حيث انطلاقهما من بداية تجريبية متواضعة ومن فروض منتقاة ....
تقييم :
يتبين من كل ما سبق أن النظرية الانتشارية تؤكد على الانتشار الثقافي بوصفه عاملاً للتغير الاجتماعي، وأدت الى الاهتمام من جديد بتاريخ الثقافة، ودراسة الروابط الثقافية بين المجتمعات.
إن هذه النظرية رغم أهميتها العلمية إلا أنها لا تخلو من النواقص التالية:
أولاً: ان التركيز على العامل الخارجي في عملية التغير الاجتماعي ينفي العوامل الداخلية التي تؤدي الى التغير، وإلغاء لفاعلية المجتمع وآليات التغير فيه، ويحرم المجتمع من الابتكار والاكتشاف، وهذا ينافي الحقيقة الواقعية، حيث أن القيم السائدة والأيدولوجيات وكل عناصر الثقافة تتفاعل وتؤدي بالتالي الى التغير.
ثانياً: إن عامل الإرادة في التعبير عاملاً مهماً في الوقت الذي يكون مهملاً لدى الانتشاريين.
ثالثاً: ومن جهة أخرى لم يفسر الانتشاريون كيف ولماذا تنتشر السمات الثقافية من مجتمع دون آخر والى مجتمع دون آخر ؟ الأمر الذي كان مهملاً عندهم كما أنهم لم يفسروا أسباب انتشار الثقافة.
ولم ينتبه الانتشاريون الى عملية الثقافة، وهي عملية معقدة، في الوقت الذي ذهبوا فيه إلى الانتقال يكون ميكانيكياً، وفي ذلك تبسيط لعملية الانتقال والاستقبال الثقافي. كما أن النتائج التي توصلوا اليها لا تخدم نظرية عامة في التغير الثقافي.
ثانيا: نظرية الارتباط الثقافي:
تُرجع نظرية الارتباط الثقافي التغير الاجتماعي الى عوامل داخلية بالمجتمع، وهذا على عكس ما ذهبت اليه نظرية الانتشار الثقافي. كما أنها ترى أن التغير الاجتماعي يأتي من العناصر الكائنة في المجتمع وليس من خارجه.
ويمثل هذا الاتجاه العالِم(سوروكين) في كتابه( الديناميات الثقافية والاجتماعية) ويتفق سوروكين مع المؤرخين في أن هناك جوانب فريدة غير متكررة في التغير الاجتماعي.
ويرى (سوروكين) أن الاتجاه العام للتغير الاجتماعي يأخذ شكل التقدم المضطرد حتى يصل الى حد معين، ثم يحدث جمود، ثم نكوص الى حد معين، ثم يرتد التغير الثقافي الى الاتجاه المضاد الإيجابي.
وتقوم نظرية (سوروكين) في الارتباط الثقافي على مبدأين أساسيين هما:
1)مبدأ التغير الداخلي الموروث: ويقوم على حتمية التغير في المجتمع، وأن كل المجتمعات
في تغير مستمر، حتى ولو بدت ثابتة من الخارج. وأن التغير يتم في شكل حلقات متصلة مترابطة تتأثر وتؤثر.
ويؤكد أن تغير النظام الاجتماعي إنما يكون نتيجة لسلسلة من التغيرات التراكمية الموروثة التي تحدد مستقبل التغير.
2) مبدأ الحدية في التغير: ويقوم على حدية العلاقة السببية بين المتغيرات المترابطة في تحديد عملية التغير، وفي اطار الممكنات المختلفة للمتباينات الأساسية للأنظمة الاجتماعية. فالنظام الاقتصادي يتغير في ضوء المتباينات التالية: الصيد، الرعي، الزراعة، التجارة، الصناعة. فهذه المتباينات تتكرر عبر العصور دون أن تسير سيرا مستقيما. ويقرر سوروكين: أن الثقافة لا تفنى، وإنما تتحول أو تمتص لكنها لا تفنى.
تقييم نظرية الارتباط الثقافي (لسوروكين): أنه بسط من عملية التغير الثقافي وقصرها في عامل واحد من (داخل الثقافة) ذاتها، وهذا فيه إهمال لعامل مهم في التغير الثقافي إلا وهو عامل الانتشار الذي هو من أهم خصائص الثقافة.
ثالثا: نظرية الصراع الثقافي: (المتناقضات الثقافية)
تضم نظرية الصراع اتجاهات عديدة في تفسير التغير الاجتماعي، منها: الاتجاه الماركسي الكلاسيكي، والحديث، واتجاهات أخرى. ويجمعها( كون التناقض يؤدي الى الصراع الذي هو سبب التغير الاجتماعي).
والصراع عملية اجتماعية، توجد بأوجه مختلفة في الحياة الاجتماعية، وأن المتناقضات الثقافية تنبع من داخل المجتمع، وأن إزالتها يؤدي الى تغيرات اجتماعية فيه.
ويكون حسم الصراع الثقافي : بإنهاء جانب من العناصر الثقافية لحساب عناصر أخرى، واستبدالها بعناصر جديدة، وإما بتنمية العنصر الغالب في الثقافة. وفي كلتا الحالتين يحدث التغير في ثقافة المجتمع.
وللصراع أنواع عدة منها: الصراع السياسي، والطبقي، والعرقي، والديني، والصناعي. وهناك الصراع على مراكز القوة المختلفة للاستئثار بالسلطة أو الثروة أو المركز الاجتماعي.
وتفسر نظرية الصراع الثقافي التغير الاجتماعي بالرجوع للمتناقضات الثقافية داخل المجتمع، وكلما زادت المتناقضات أدى الى زيادة حدة الصراع، وبالتالي حدة التغير الاجتماعي، كما تذهب الى ذلك النظرية الماركسية.
ويؤكد (رالف درندورف) أن هناك بعض الاختلافات بين أنواع الصراع الاجتماعي، فهناك صراعات ذات منشأ خارجي تكون مفروضة على المجتمع، كالحروب. وصراعات ذات منشأ داخلي، كالصراع الذي بين الأحزاب السياسية، والذي بين نقابات العمال وأرباب العمل، ولكل منها تحليله السوسيولوجي، وله أهميته المتباينة في إحداث التغير الاجتماعي.
وتر نظرية التناقضات الثقافية أن التوتر يزول بعد زوال علته المسببة له، أي أن النظام يعود الى حالة التوازن، لكن سرعان ما تظهر حالة من التناقضات تؤدي الى الصراع، وهكذا....، والتغير الاجتماعي يفسر بموجب طبيعة التناقضات الكائنة في المجتمع.
تقييم نظرية الصراع الثقافي:
أهملت وظيفة النسق السياسي والموقف العسكري والمنجزات التكنولوجية في إحداث التغير.
لا يمكن أن نرجع كل التغيرات الاجتماعية في المجتمع الى عامل واحد وهو حالة الصراع بين مختلف الفئات الاجتماعية.
هناك العديد من المجتمعات فيها تناقضات ثقافية ولم تؤدي الى صراع وتغير سلبي.
المحاضرة العاشرة
النظريات المعاصرة في التغير الاجتماعي
مقدمة :
قد استعرضنا في المحاضرات السابقة النظريات الكلاسيكية والنظريات العاملية التي تفسر التغير الاجتماعي، وفيما يلي سنستعرض النظريات المعاصرة في التغير الاجتماعي.
والنظريات المعاصرة عديدة ومتباينة يصعب استعراضها في هذا المقام، وسيتم الاقتصار على استعراض نظريتين معاصرتين في تفسير التغير الاجتماعين هما:
النظرية الوظيفية
النظرية التحديثية
وسيكون ذلك بعرض الأفكار الجوهرية لكلا النظريتين، ومناقشتها وتقييم كل منها.
أولاً : النظرية الوظيفية :
تحتل النظرية الوظيفية أهمية كبيرة في التحليل السوسيولوجي المعاصر، والاتجاه الوظيفي هو اتجاه قديم حديث، حيث ظهر في كتابات قدماء علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا.
والنظرية الوظيفية ليست اتجاها واحدا محددا، بل تتشعب في اتجاهات عديدة تجمعها صفات عامة.
ما هي الوظيفية؟:
مصطلح الوظيفية من المصطلحات التي دار حولها الجدل بين علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا، نتيجة لتعدد استخدامها في مواقف متباينة وفي علوم مختلفة.
واستخدمت الوظيفة في الرياضيات، وفي الفلسفة التي تأثرت بالداروينية في أواخر القرن(19)، وغالبا ما تشير ( الوظيفة) الى الإسهام الذي يقدمه الجزء للكل، والى ضرورة تكامل الأجزاء وتساندها في اطار الكل... الخ
والتحليل الوظيفي : يشير الى دراسة الظواهر الاجتماعية، باعتبارها عمليات أو آثار لبناءات اجتماعية معينة كانساق القرابة أو الطبقة.. الخ.
ومن اشهر من استخدم مفهوم الوظيفية (ميرتون) فقصد بها الآثار أو النتائج التي يمكن ملاحظتها، والتي تؤدي الى تحقيق التكيف والتوافق في نسق معين. كما ميز ميرتون بين مفهومين مهمين، هما : الوظيفة الظاهرة، والوظيفة الكامنة.
وتهتم الوظيفية بدراسة مسائل ثلاثبناء النسق الاجتماعي، ووظيفته، ونموه وتطوره).
الخلاصة: أن الوظيفية تشير الى التأكيد على تكامل الأجزاء في الكل والتساند فيما بينها، وأن كل جزء يؤدي وظيفة خاصة لا يكون غيره قادرا على القيام بها. ويشبه ذلك الى حد بعيد قيام أعضاء الكائن العضوي بوظائف خاصة بكل عضو، وهي متساندة وضرورية من أجل أن يقوم الكل بعمله، ويحفظ استمراره، ووجوده. وكذلك المجتمع الذي يقوم الأفراد فيه بوظائف محددة وضرورية متساندة من أجل بناء المجتمع في نهاية الأمر.
الوظيفية والتغير الاجتماعي :
تنظر الوظيفية الى ظاهرة التغير الاجتماعي نظرات متباينة إلا أنها محدودة، وهي تقول بالتغير المحدود والبطيء في المجتمع.
ويبدي (ميرتون) الى أهمية دراسة المعوقات الوظيفية التي تحد من تكيف النسق الاجتماعي(النظام، أو المجتمع) أو توافقه. فالتفرقة العنصرية قد تكون معوقا وظيفيا في المجتمع الذي يرفع شعار الحرية والمساواة.
ويذهب أغلب الوظيفيين الى أن هناك عوامل متعددة ترتبط فيما بينها ارتباطا وظيفيا تسهم في تشكيل المجتمع، وتسهم في تغيره أيضا.
وترى النظرية الوظيفية: ان التغير الاجتماعي يطرأ على البناء الاجتماعي، ثم يتبعه تغير وظيفي من أجل تحقيق وجود النسق الاجتماعي ذاته. بينما لا ترى العكس، أي أن تغير الوظائف الاجتماعية لا يتبعه تغير في البناء الاجتماعي.
كما وأن آلية التغير الاجتماعي تأتي من عوامل خارجية عن المجتمع، ومن عوامل داخلية فيه. ويختلف الوظيفيون في هذه الفكرة.
وتذهب النظرية الوظيفية الى أن التغير الاجتماعي يكون تدريجيا وليس فجائيا، وقد تؤدي العوامل المؤثرة في المجتمع الى تدعيم النسق(المجتمع) وتقويته بدلا من تغييره. وكمثال على ذلك فعند انتشار الأفكار العلمانية المختلفة في المجتمع، يقوم النسق(النظام) الديني بتدعيم نفسه كردة فعل من أجل المحافظة على بقائه. ويمكن ملاحظة ذلك في حال وأوضاع المجتمعات العربية في مقاومة الأفكار العلمانية والإلحادية القادمة من الخارج، حيث يقوم النظام الديني بتعظيم دوره في الحياة الاجتماعية، ونشر ارتداء الحجاب لدى المرأة المسلمة في أماكن العمل والتعليم وفي المجتمع عامة.
وتمشيا مع فكرة التوازن في المجتمع، ترى النظرية الوظيفية أن التغير السريع والجذري هو ظاهرة شاذة، لأنها ترى بالتغير البطيء والتدريجي.
نقد النظرية الوظيفية:
وجهت للنظرية الوظيفية العديد من الانتقادات من أهمها:
1- تعتبر النظرية الوظيفية غير كافية لتفسير عملية التغير الاجتماعي.
2- هناك غموض في المصطلحات المستخدمة في التحليل الوظيفي، وتباين في معانيها لدى الوظيفيون أنفسهم.
3- يؤخذ على النظرية الوظيفية من الناحية الأيديولوجية أنها ذات اتجاه محافظ، يحاول الإبقاء على النظام القائم.
4- تعتبر الوظيفية التغير الاجتماعي ظاهرة مرضية خاصة اذا كان سريعا ومفاجئا، بينما ترى ان التوازن والاستقرار في المجتمع هو ظاهرة سوية. ويعبر ذلك عن نظرة تشاؤمية للتغير وفيها خوف من المستقبل.
ما سبق من نقد لا يقلل من أهمية الوظيفية لتفسير الثبات الاجتماعي
المحاضرة الحادية عشر
النظريات المعاصرة في التغير الاجتماعي
النظرية التحديثية
النظريات التحديثية في التغير الاجتماعي :
سميت بهذا الاسم لأنها تحاول تجنب الانتقادات التي وجهت للنظريات التطورية الكلاسيكية السابقة، خاصة في مماثلتها بين تطور المجتمع وبين تطور الكائن العضوي، وفي نظرتها الخيالية للتغير الاجتماعي.
في حين أن النظريات التحديثية حاولت النزول للواقع الاجتماعي ، وفحصه بتأمل، مسترشدة بنماذج من المجتمعات الغربية المتقدمة، مفسرة أسباب وعوارض التغير الاجتماعي فيها.
وتعتبر النظريات التحديثية المتغير التكنولوجي عاملا أساسيا في التحديث والتغير الاجتماعي عامة، وخاصة أهم مظاهره وهو (التصنيع) الذي يؤدي الى زيادة الإنتاج على الاستهلاك ، وما يتبعه من ظواهر اجتماعية كالدقة والمواظبة والانتظام، وتغير القيم والعادات والدوافع الشخصية.
ولأنه بسبب التصنيع وما يحدثه من تغير ، فالواجب دراسة التحديث بكل أبعاده.
مفهوم التحديث :
للتحديث معانٍ عديدة لدى المفكرين الاجتماعيين، وفقا لاختلاف تخصصاتهم، واهتم به علماء الأنثروبولوجيا لدراسة التمايز بين مجتمعات تقليدية وأخرى حديثة ظهر فيها مهن جديدة .
واهتم به علماء الاجتماع لدراسة صور التفكك بسبب التحديث: كالتوترات، وانحراف الأحداث، والصراع الطبقي ...الخ.
تعريف التحديث:
هو الأخذ بالأسباب المؤدية الى تغير المجتمع الى حالة أفضل مما كان عليه عن طريق الوسائل التكنولوجية الحديثة. لذا فهو عملية تغيير مخططة، ترتقي بالإنتاج وتحسينه اعتمادا على العلم الحديث المبني على الواقعية.
ويرتبط التحديث (بمفهوم التغريب) أو بدول الغرب كونها مجتمعات تمتاز بسرعة التغير، وتقبل الأفكار الجديدة ، واستخدام التقنية، والعلمانية الفكرية والديموقراطية ومبدأ الربحية.
أي أنه يشير الى محاولة القضاء على جوانب التخلف عن طريق إحداث تغييرات جوهرية هامة في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمع من خلال ما توصل اليه العلم الحديث.
خصائص التحديث(المجتمعات الحديثة): ( الحركية، التمايز، العقلانية، التصنيع):
1. الحركية: تعني سهولة تنقل الأشخاص والمعلومات والأحوال في المجتمع مع السرعة في ذلك دون حواجز تذكر، وهذه سمة المجتمعات الحديثة التي يتغير فيها البناء الاجتماعي والوظيفة الاجتماعية.
2. التمايز: ويعني التباين بين أفراد المجتمع نتيجة لتقسيم العمل، واختلاف مؤهلاتهم وكفاءتهم، حيث يرتبط العمل بالمؤهل. وهذا لا يعني أن البلدان النامية تخلو تماما من التمايز، بل أنه موجود ويقوم في كثير منه على الانتماءات العائلية والطائفية والعرقية.
3.العقلانية: وتختلف معنيها باختلاف تخصصات العلماء في الاقتصاد والفلسفة وعلم الاجتماع، لكن يمكن القول بانها تعني: التطبيق الأمثل للمعرفة العلمية عن طريق تحكيم العقل في التطبيق، والابتعاد عن الخرافات والأوهام، من اجل الوصول الى الأهداف المقررة.
4. التصنيع: وهو منهج وعملية سياسية تتبنى التصنيع كوسيلة للتنمية، ويتضمن التحول من النشاط الزراعي التقليدي الى النشاط الصناعي وبناء مؤسسات صناعية تعتمد عليها التنمية، بحيث يزيد الإنتاج على الاستهلاك.
الأسس العامة للنظريات التحديثية:
ترتكز النظريات التحديثية على بعض المفاهيم القديمة التي جاءت في النظرية التطورية الكلاسيكية، مثل مفهوم التطور عند سبنسر، وتقسيم العمل عند دوركايم، وتقوم على مفاهيم النظرية الوظيفية التي تهدف الى التوازن وإيجاد المجتمع المثالي (المجتمع الغربي الصناعي)
وتهتم النظريات التحديثية بغائية التغير الاجتماعي، متخذة المجتمعات المتقدمة في مظهرها (التكنو اقتصادي) نموذجا تسعى المجتمعات النامية الوصول اليه، بعد أن تستكمل تغيير أبنيتها الأخرى بالتزامن كالبناء الثقافي والاجتماعي...الخ.( تغريب المؤسسات).
ونخلص الى أن المهتمين بنظرية التحديث من علماء أو خبراء الأمم المتحدة، ينصحون المجتمعات النامية بالسير على النهج التنموي الغربي تجنبا للمشكلات التي مروا بها أثناء عملية التحديث، ونقل النماذج الغربية للإسراع في عملية التحديث. وهذا فيه تجاهل للخصوصيات الثقافية للمجتمعات النامية.
أبرز الممثلين للنظريات التحديثية: ( سملسر، و مور، و روستو):
أولا: نظرية سملسر:
وترتكز نظريته على التنمية الاقتصادية وعلى التمايز (تقسيم العمل) كركن أساسي لعملية التحديث.
ويرى سملسر أنه لا بد في مسيرة تحديث المجتمع من بعض التحولات في المجتمع في مجالات عدة في نفس الوقت أو بعضها متوالي، ومنها: -
1- في مجال التكنولوجيا: يتم التحول الى استخدام التقنية المبنية على المعرفة العلمية.
2- في مجال الزراعة:يتم التحول من الاكتفاء الذاتي الى الإنتاج الزراعي التجاري وتسويقه.
3- في مجال الصناعة: يتم التحول من استخدام الطاقة البشرية والحيوانية الى طاقة الآلات.
4- في المجال الديموغرافي: يتحول السكان من القرية الى الحضر والمدن الصناعية.
وقد تنبه سملسر الى حقيقة اختلاف النتائج الاجتماعية للعمليات السابقة من مجتمع لآخر، لكن في نهاية الأمر سيتغير البناء الاجتماعي . وسيبدو ذلك في المظاهر التالية:
( التمايز البنائي) : حيث تقوم وحدات اجتماعية متخصصة ومستقلة في العائلة والاقتصاد والدين والتكوين الطبقي.
(التكامل البنائي): أي تكامل النشاطات المتمايزة نتيجة لتقسيم العمل والتخصص الدقيق، ثم يحدث تمايزا بنائيا جديدا، يليه تكامل بنائي آخر.
(الاضطرابات الاجتماعية): بسبب تحول المجتمع واختلافه عن حالته السابقة، كالعنف والتعصب السياسي والحركات الدينية، ووقوف بعض أبنية المجتمع ضد بعض، وصراع القوى في المجتمع.
ويؤكد سملسر أن هناك خمسة عوامل حاسمة في تشكيل وتعديل الاضطرابات الاجتماعية وهي: ( 1- تهدئة سرعة التغير للتحديث. 2- أن تكون حركات الاحتجاج على التحديث علمانية تزداد بزيادة التحديث. 3- تمكين المجموعات المتضاربة الى أجهزة الحكم. 4- تجاوز المصالح الضيقة وأسباب الانقسام. 5- تحجيم التدخلات الأجنبية لصالح بعض المجموعات المتصارعة)
ثانيا: نظرية ولبرت مور:
يعتبر ولبرت مور من الممثلين الأساسيين للنظرية التحديثية، ويربط بين التحديث والتصنيع والتلازم بينهما.
ويرى أن المجتمعات التقليدية لن تصل للتحديث إلا بأخذ نمط الثقافة الغربية في المجالات المادية والفكرية. ويؤكد على التمايز في هذا السياق.
وقد أوضح (مور) كسابقه بعض الشروط اللازمة للتحول الى التصنيع ومن أهمها:
( 1- تغير القيم، 2- تغير المؤسسات، 3- تغير التنظيم، 4- تغير الدافعية )
ويرى ولبرت مور أن من نتائج الأخذ بالتصنيع على أية مجتمع التالي:
1- التنظيم الاقتصادي: يعتمد على التخصص، والطاقة الآلية، توسع التحضر مقابل الريف.
2- البناء الديموغرافي: الانفجار السكاني، والحراك الجغرافي الواسع للسكان.
3- البناء الاجتماعي: يشهد اضطرابات وتحولات سياسية تتعلق بالديموقراطية، واجتماعية تتعلق بالتماسك وبشكل الأسرة، لذا يجب إعادة التوازن للمجتمع.
ثالثا: والت روستو:
تتلخص رؤيته للتحديث في عملية النمو الاقتصادي، وهي مبنية على فكرة المراحل التاريخية المتعاقبة، وهي خمس مراحل :-
1. مرحلة المجتمع التقليدي: وتتميز بانخفاض إنتاجية الفرد بسبب استخدام وسائل إنتاج بدائية، وهيمنة القطاع الزراعي، وعدم توفر التكنو لوجيا، وعدم تطبيق العلم الحديث، وشيوع قيم تقاوم النمو، وصراع طبقي وسياسي.
2. مرحلة التهيؤ للانطلاق: وتختفي فيها أغلب مظاهر المرحلة السابقة، وتزيد الاستثمارات في النقل والتجارة، وظهور المؤسسات المالية، وظهور بعض الصناعات التحويلية، مع وجود صراع بين قيم تدعو للانطلاق وقيم تدعو للتقليدية، مع استمرار زيادة السكان.
3. مرحلة الانطلاق: وتظهر سمات المجتمع الحديث اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وتغيب القوى المقاومة للتحديث، ويزيد الإنتاج والاستثمارات والصناعات التحويلية، وظهور جهاز سياسي ـ اجتماعي يوسع من اتجاهات التحديث ويستغل إمكانات الانطلاق.
4. مرحلة الاتجاه نحو النضج: حيث يرتفع الدخل القومي متجاوزا معدل زيادة السكان، وتتناقص أهمية بعض القطاعات الاقتصادية، ويزيد الإنتاج وتتنوع الصناعات الحديثة.
5. مرحلة الاستهلاك الوفير: أو الاستهلاك الجماهيري، حيث يزيد الإنتاج ويتنوع، وتزيد القدرة الشرائية للمواطنين بحيث يستهلكون الكماليات، ويتحقق لهم الرفاه الاجتماعي، وتنتشر الخدمات التعليمية والصحية والترفيهية والضمان الاجتماعي.
نقد نظرية روستو:
كان حتميا في مراحلة وترتيبها واتجاهها.
اعتمد على الاستقراء الناقص (للمجتمعات الأوربية) لتعميم نظريته.
بسط من عملية التحديث، وتجاهل دور الاستعمار في تخلف بعض المجتمعات التقليدية.
تعتبر نظرية أيديولوجية تجعل من النمط الغربي ثقافيا واقتصاديا هو النمط المنشود.
لكن رغم ذلك النقد فنظرية روستو شهرة عالمية يتردد صداها حتى اليوم.
تقييم عام للنظريات التحديثية:
ترى بأن عملية التحديث تتلخص في نقل نموذج المجتمعات الغربية ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وتكنولوجيا الى المجتمعات النامية من أجل تحديثها. أي ما يطلق عليه(التغريب).
لا تعتبر من النظريات الكبرى العامة في التغير الاجتماعي.
رسمت طريقا واحدا للتحديث وهو الأخذ بالنمط الغربي، وهذا سيؤدي الى التبعية الدائمة من البلدان النامية للبلدان المتقدمة.
تجاهلت الاختلاف الثقافي بين المجتمعات، والتفاوت في مواردها وتنوعها التي تحدد متى؟ وكيف؟ تتم التغير الاجتماعي.
المحاضرة الثانية عشر
معوقات التغير الاجتماعي
مقدمة :
يلاحظ مما سبق أن المجتمعات تختلف في مدى استجابتها لعملية التغير الاجتماعي وأن عوامل التغير ليست على درجة واحدة في التأثير على المجتمعات. وإنما هناك اختلاف بين المجتمعات في مدى تقبل عملية التغير الاجتماعي فبعض منها يظهر التغير فيه على درجة واسعة وعميقة، وبعضها يظهر مقاومة شديدة له، مما يؤدي الى ضيقه وسطحيته وهذا الاختلاف يعود الى وجود بعض العوائق التي تتوفر في مجتمع دون آخر .
ولذلك تكون عملية التغير غير مرغوبة وتجد مقاومة لدى أفراد المجتمع وهذه العوائق مختلفة وعديدة ،ويمكن تقسيمها الى أربعة أقسام هي .
* العوائق الاجتماعية. * العوائق الاقتصادية .
* العوائق الإيكولوجية . * العوائق السياسية .
كما أن لكل قسم من هذه الأقسام تندرج تحته جملة من المتغيرات الفرعية متفاوتة في تأثيرها في عملية التغير الاجتماعي .
أولا : العوائق الاجتماعية :
هناك عوائق اجتماعية عددية تقف أمام التغير الاجتماعي وتظهر بوضوح لدى المجتمعات التقليدية أكثر منها في المجتمعات الحديثة وأهم العوائق الاجتماعية ما يلي :
* الثقافة التقليدية : يرتبط التغير الاجتماعي الى حد كبير بثقافة المجتمع السائدة، فالثقافة التقليدية القائمة على العادات والتقاليد والقيم بوجه عام، لا تساعد على حدوث عملية التغير الاجتماعي بيسر فالعادات والتقاليد التي تميل الى الثبات تقاوم التغير وكل تجديد سواء كان ماديا ام معنويا ، وكلما سادت هذه الثقافة وانتشرت كلما كانت المقاومة اشد وأقوى .
فالأيديولوجية المحافظة التي تتبنى فلسفة تقديس القديم على أنه "ليس بالإمكان أفضل مما كان " تؤدي الى مقاومة كل جديد ، وتسود مثل هذه المعتقدات خاصة عند كبار السن الذين عايشوا أوضاعا مختلفة عن الأوضاع الحالية مما يؤدي الى الجهل بالتجديد والتحديث عامة وقديما قيل :" من جهل شيئا عاداه "
وقد بين (وليام أوجبرن) أن النزعة المحافظة عند كبار السن والميل للمحافظة على القديم واستاتيكية – ثبات – العادات والتقاليد كلها متغيرات تقاوم التجديد المادي والتغير بوجه عام. مثال : جوع الهندوس بسبب تقديسهم الأبقار، وكتعطيل دور المرأة في المجتمع من شأنه أن يعيق عملية التغير الاجتماعي ففي المجتمعات ذات الثقافة التقليدية ترتفع نسبة الأمية لدى النساء حيث تصل إلى أكثر من 90% الأمر الذي يحد من فاعلية المرأة وتهميشها في عملية التنمية الاجتماعية ومن الجدير بالذكر أن المرأة في المجتمعات العربية من الفئة المضطهدة بالإضافة إلى فئة الأطفال والفقراء على حد تعبير هشام شرابي.
* طبيعة البناء الطبقي: لطبيعة البناء الطبقي في المجتمع الأثر الكبير في قبول أو رفض التغير الاجتماعي فالنظام الصارم للطبقات الاجتماعية يعيق عملية التغير الاجتماعي لأن التفاعل فيها يكون محدوداً نتيجة للانغلاق الطبقي فالنظام الطبقي المغلق يحد من درجة التغير كما هو في الهند والباكستان، حيث أن النظام يحدد نوع المهنة التي تكون مفروضة
على فئات معينة في المجتمع فنظام الطبقات في الهند Caste يحدد المهن التي يجب أن يتبعها أفرادها وتنتقل بفعل عامل الوراثة وليس بموجب الكفاءة ويكون الميل نحو تعزيز الطرق القديمة التقليدية والالتزام بها أي أن التماسك الطبقي يحد من عملية التنقل الاجتماعي الذي يكاد يعم في المجتمعات النامية اليوم.
* الميل للمحافظة على الامتيازات : تظهر المقاومة للتغير من قبل الأفراد الذين يخشون على زوال مصالحهم تلك المصالح التي قد تكون في المكانة الاجتماعية أو الامتيازات الاقتصادية أو الاجتماعية أو غير. ذلك لهذا حينما يشعر أولئك الأفراد بأن امتيازاتهم مهددة بالزوال نتيجة للتجديد، سرعان ما تقوم المعارضة، وأمثلة ذلك عديدة في المجتمعات ( كالطبقة الرأسمالية، والأحزاب السياسية، والعمال اليدويين....الخ.
وتظهر المقاومة بوضوح في ميادين عديدة في أنماط الحياة المختلفة السياسية والاقتصادية والعلمية، وغالباً ما تكون هذه المقاومة نتيجة الجهل والخوف على المصالح المستقرة وبطبيعة الحال تكون المقاومة قوية كلما تعرضت تلك المصالح إلى تغيير كبير .
ثانيا : العوائق الاقتصادية :
تأتي مقاومة التغير نتيجة للعوامل الاقتصادية المختلفة، فالمجتمعات تختلف فيما بينها حسب تنوع هذه العوامل وبالتالي تختلف درجة التغير الاجتماعي.
فالتجديدات التكنولوجية المستمرة تؤدي الى التغير السريع كما هو حادث في المجتمعات الصناعية المتقدمة وكذلك فإن نشاط حركة الاختراعات العلمية المستمرة من شأنه أن يؤدي الى سرعة التغير، وهناك متغيرات عديدة تتعلق بالموارد الاقتصادية المتاحة، وبالقدرة الشرائية للمواطنين وغير ذلك ، وهي عوامل تلعب دورا مؤثرا في عملية التغير الاجتماعي ومن اهم هذه العوامل :
1- ركود حركة الاختراعات والاكتشافات العلمية: وذلك نتيجة لانعدام روح الابتكار والتجديد وتعود الى عوامل فرعية كثيرة منها : (انخفاض المستوى العلمي، والمستوى الاجتماعي بوجه عام، وعدم وجود الحاجة الملحة الدافعة للاختراع) مع ملاحظة ان الشعور بالحاجة وحده لا يكفي للاختراع، إذ لا بد من توفر المستوى العلمي .
والتكنولوجي، فهناك مجتمعات في أمّس الحاجة الى اكتشاف ثرواتها من معادن وبترول وغير ذلك ، إلا أن قصور المستوى التكنولوجي يحول دون الانتفاع بهذه الثروات الطبيعية وغيرها من أجل تحقيق التغير المطلوب نحو التقدم والتنمية ولهذا لا دب من تور الشروط التكنولوجية ، بالإضافة الى المناخ الثقافي الملائم ، لكي يصبح الاختراع ممكنا .
ومن البديهي أن شروط الاختراع تتطلب وجود الشخص القادر والإمكانات اللازمة ، والبيئة الاجتماعية الملائمة، فأي اختراع جديد لا يجد طريقة في المجتمع، لن يؤدي الى الهدف الذي قام من أجله ، ولهذا فالذكاء لدى المخترع لا يكفي وحده ما لم يتوفر له المناخ الاجتماعي الملائم. والدليل على ذلك أنه تسود أحيانا معتقدات مختلفة داخل المجتمع تمنع انتشار الاختراع أو الاكتشاف الجديد، وقد بين (نمكوف) أن الاختراعات تعتمد على : القدرة العقلية . / الحاجة للاختراع . / المعرفة القائمة.
ولهذا فإن القبول الاجتماعي يعتمد على طبيعة الاختراع من حيث الملائمة والتكلفة، وعلى مكانة المخترع، وثقافة الفرد المستقبل للاختراع، كل ذلك له أكبر الأثر في انتشار الاختراع الذي يؤدي بدوره الى التغير الاجتماعي
ولذلك فإن إتاحة الفرصة أمام أصحاب المواهب ورعايتهم وتوجيههم يؤدي لتحقيق الاكتشافات والاختراعات العلمية المتنوعة وأن توفير الأدوات والمواد اللازمة مع معامل مخبرية وأدوات تكنولوجية وغير ذلك، من شأنه أن يشجع البحث العلمي مما يزيد في الاختراعات ويعمق فائدتها لدى المجمع .
إن نقص الإمكانات الاقتصادية اللازمة يحول دون تقدم الاختراعات وبالتالي إعاقة عملية الاختراعات
2. التكلفة المالية: في كثير من الحالات يرغب الأفراد في امتلاك المخترعات التكنولوجية إلا ان ارتفاع تكلفتها المالية يحول دون تحقيق ذلك أي ان توفر الرغبة لا يكفي، ما لم تتوفر القدرة المالية التي تسمح بالاقتناء .
إن كثيرا من الأفراد يرغبون في اقتناء الآلات الكهربائية والوسائل المادية الحديثة، غير أن عدم وجود القدرة المادية يمنع من تحقيق تلك الرغبات.
ويرتبط الموقف تجاه التجديد بمدى الفائدة الاقتصادية المتوقعة منه ، من ناحية عامة ، فكلما تحققت فائدة اعلى كلما كان الإقبال أعم وأشمل،، وقد أشار (روجرز) بأن قبول التجديد (التغير) لدى الريفين يتم إذا تحققت فائدة تتجاوز 10 % أما دون ذلك فلا يؤخذ بالتجديد من ناحية عامة.
3. محدودية المصادر الاقتصادية: بحيث يعيق ذلك عملية التغير الاجتماعي، فالمجتمعات التي لا تتوفر فيها الثروة المعدنية الو البترولية أو الطبيعية، لا تحدث فيها تغيرات اجتماعية كبيرة، بسبب قلة التراكم الرأسمالي وانخفاض معدل الاستثمار بها.
ما سبق هو بخلاف الوضع في المجتمعات الصناعية المتقدمة، ذات الموارد الاقتصادية العالية التي تقود عملية التغير الاجتماعي وتجعله في غاية السهولة.
وقد وصف (ج.البرتيني) الاقتصاد المتخلف بثلاث خصائص:
أنه اقتصاد تقليدي: من حيث الآلات وقلة الإنتاج .
أنه اقتصاد تابع: بمعنى أنه يعتمد على الاستيراد من الخارج، بسبب عدم كفاية إنتاجه.
يتميز باقتصاد الشركات المتعددة الجنسيات التي تخدم مصالحها الخاصة، وتصدير أرباحها الى خارج البلد النامي... الخ.
وعموما يؤدي نقص الموارد الاقتصادية الى محدودية عملية التغير الاجتماعي.
ثالثاً: العوائق الإيكولوجية :
للبيئة الطبيعية( الإيكولوجيا) تأثير واضح على المجتمعات سواء أكان إيجابيا أم سلبيا، فالبيئة الطبيعية من مناخ وسهول وجبال وانهار وحرارة وبرودة ...الخ، تؤثر في تكوين حضارة المجتمعات. فالحضارات البابلية والآشورية والفراعنة قامت حول المناطق الغنية، خاصة حول ضفاف نهر النيل أو في الهلال الخصيب. فكان ليسر الحياة وغناها الأثر الكبير في إقامة الحضارات السابقة وغيرها.
وعلى العكس فقد كان شح الموارد الطبيعية دور في إعاقة عملية التغير الاجتماعي، وبناء حضارة كبيرة، فالعزلة الطبيعية التي تعيشها المجتمعات نتيجة لإحاطتها بالصحراء أو بمناطق جبلية وعرة المسالك، أعاق ذلك من اتصال المجتمع بغيره من المجتمعات الأخرى.
فللعزلة ووعورة الطرق والطبيعة بالإضافة الى عوامل اقتصادية وسياسية في المقام الثاني دور في اختلاف بعض المجتمعات المتجاورة في التغير الاجتماعي والحضارة.
لكن بدأت تأثير وطأة الطبيعة على تغير بعض المجتمعات خاصة بعد ثورة المواصلات والتقدم التكنولوجي وغيره.
وتلعب العوائق الاقتصادية مع عوامل أخرى دورا في تكوين الانغلاق الطبقي، والى ثبات العادات والتقاليد، وركود حركة الاختراعات والتجديد وما الى ذلك.
وانطلاقا مما سبق تكون عملية التغير الاجتماعي بطيئة وغير واعية، وبالمقابل فإن سهولة اتصال المجتمع بغيره من المجتمعات الأخرى، يؤدي الى تفاعل اجتماعي واسع، وهذا ما يطلق عليه عملية (الانتشار الثقافي).
رابعاً: العوائق السياسية :
تعيش المجتمعات أوضاعا سياسية متباينة، بحيث تؤثر تلك الأوضاع في عملية التغير الاجتماعي إيجابيا وسلبياً. ويمكن تقسيم العوائق السياسية الى قسمين: (عوائق سياسية داخلية، و عوائق سياسية خارجية).
أولاً: العوائق السياسية الداخلية: ومنها
1. ضعف الأيديولوجيا التنموية : تخضع عملية التغير للسياسة الداخلية للدولة للأيديولوجيا التي تتبناها الدولة. فالأيديولوجيا غير الواضحة أو المترددة، تنعكس على السياسة والنهج التنموي للدولة، فخطط التنمية تصاغ في اطار أيديولوجي سياسي، إعدادا وتطبيقا واشرفا.
وعدم أخذ بعض السياسات بالتخطيط التنموي والاجتماعي، يؤدي الى بطء التغير، وذلك لقصور ادراك بعض السياسيين لعماية التنمية، أو لعدم وضوح الأيديولوجيا التنموية لديهم.
2. تعدد القوميات والأقليات داخل المجتمع: حيث أن أي تغير اجتماعي قد يتعرض مع مصالح بعض القوميات أو الأقليات في المجتمع، مما يجعلهم يعارضون فكرة التغير، في حين أن المجتمعات المتجانسة تكون عملية التغير فيها أفضل وأسهل، بسبب تقبل عملية التغير الاجتماعي.
3. عدم الاستقرار السياسي: بحيث يؤدي الى صرف جهود الدول الى إعادة استتباب الأمن ، وتنمية المجتمع. كما أن عدم الاستقرار السياسي يؤدي الى هجرة العقول المبدعة نحو الخارج، مما يحرم بلدانهم من جهودهم، أو قد تكون داخل بلدانهم لكن كقوى معطَّلة، لا تسهم في تحقيق التغير الاجتماعي.
ثانياً: العوائق السياسية الخارجية: وهي في الغالب مفروضة من خارج المجتمع ومنها:
1. السياسة الإمبريالية(الاستعمارية): من المعلوم أن القوى الاستعمارية تحارب كل تغير إيجابي قيد يحدث في البلدان التي تستعمرها، كما أن تلك القوى الاستعمارية تفرض سياسة تتلاءم مع وجودها، وهي سياسات تناقض مصالح الشعوب المقهورة، هذا فضلا عن فرض ثقافتها وحضارتها ، والعمل على تفرقة أبناء المجتمع، وإثارة الحروب الداخلية. الأمر الذي يعيق عملية التغير الاجتماعي.
2. الحروب الخارجية: فالحروب الخارجية تستنزف موارد مادية هائلة يكون المجتمع في حاجة ماسة إليها من أجل إحداث التنمية. بالإضافة الى تدمير الحروب الموارد البشرية والمادية، مما يدخل البدان المتحاربة في مشاكل اجتماعية واقتصادية، تشغلها عن النهوض بمستوى معيشة أفرادها، وتقود تلك البلدان الى التخلف في نهاية الأمر.
المحاضرة الثالثة
التغير الاجتماعي في المجتمع السعودي :
يعتبر التغير سمه من سمات الحياة وظاهرة طبيعية وعملية مستمرة ودائمة تحدث في جميع المجتمعات الإنسانية في كل زمان ومكان، والمجتمع السعودي جزء مهم من المجتمع الدولي يؤثر فيه ويتأثر به، وله صلات مباشرة وقوية مع العالم الخارجي فرضتها العلاقات التجارية والاقتصادية والإعلامية والعلمية، وقد انفتح المجتمع السعودي على المجتمع الدولي والعالمي انفتاحاً كبيراً ، فحدثت بعض التغيرات والتطورات في حياة المجتمع سواء على صعيد العلاقات الاجتماعية أو على مستوى الأسرة أو السكن أو سلوك الأفراد وتحولهم إلى سلوك استهلاكي تفاخري ومظهري ، ويمكن أن نرصد بعض هذه التغيرات كما يأتي :
أولا: التغيرات الاجتماعية :
في مجال التنظيم الاجتماعي: يرى بعض الباحثين بأن التنظيم الاجتماعي بمجتمع شبة الجزيرة كان يقوم قديماً على التنظيم القائم على النظام القبلي العشائري، وكذلك على العادات القبلية التي تحكم أنماط السلوك الاجتماعي للأفراد ثم أصبح (بعد قيام الدولة السعودية ) الولاء للدولة من قبل الأفراد، وصارت المعايير التي تحكم العلاقات بين الأفراد تنطلق من المصلحة العامة للدولة والمجتمع في ظل الشريعة الإسلامية .
مجال دور المرأة في المجتمع: طرأ على دور المرأة في المجتمع السعودي تغيرا واضحا, فقد كان دورها قاصراً على الأعمال المنزلية وإنجاب الأطفال وتربيتهم. ومع التطور الحضاري والتقدم الاقتصادي, ونتيجة التغير في المفاهيم الثقافية تحول دور المرأة إلى الإسهام في الإنتاج والخدمات، وخرجت لتعمل في بعض المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية وأحدث ذلك تغيراً في النظام الأسري .
ومن نتائج خروج المرأة إلى ميدان العمل وانشغال الأب في أداء مسؤولياته وفي أعماله التجارية وغيرها صارت الاسرة غير متماسكة اجتماعياً، وتقلصت سلطة الأب ودخل إلى محيط الأسرة ( الخدم والسائقون) الذين أصبحوا بشكل أو بآخر يؤثرون في سير الحياة اليومية – فقد بدأت بعض الأسر السعودية تستخدم هذه العمالة الوافدة بدافع الحاجة للمساعدة في تصريف شؤون الأسرة أو نوعا من الوجاهة الاجتماعية.
في مجال الاعمال التجارية والصناعية والزراعية: فنتيجة للازدهار الاقتصادي وما طرأ على المجتمع السعودي من طفرة اقتصادية غيرت بعض المفاهيم الاجتماعية وبعض أنماط السلوك الاجتماعي اتجه الناس نحو الأعمال الاقتصادية والتجارية والصناعية والزراعية وشهدت المملكة ولادة العديد من المؤسسات الاقتصادية والتجارية والصناعية والزراعية التي أدت إلى مزيد من الحاجة إلى الأيدي الفنية العاملة والخبراء والمهندسين والأطباء الأمر الذي أتاح استقدام مئات الألوف من الأسر الأجنبية لتعيش بين ظهراني الأسر السعودية ولقد أوجد ذلك فرصة نادرة قد لا تحدث في أي مجتمع آخر للتفاعل بين الأسر السعودية والأسر الأجنبية .
في مجال السفر والسياحة: من التغيرات الاجتماعية ازدياد حركة السفر إلى داخل وخارج البلاد وانفتحت الأسرة السعودية على المجتمعات الغربية والشرقية على حد سواء فاكتسبت بذلك بعض السلوكيات والعادات التي قد لا يتفق والمبادئ الإسلامية مثل حفلات أعياد الميلاد وغيرها.
ثانياً : التغيرات في مجال التعليم :
مجال التعليم الحكومي: بذلت حكومة المملكة العربية السعودية جهودا كبيرة للنهوض بقطاع التعليم، ففي السابق لم يكن للتعلـيم الرسمي وجود يذكر، عـلاوة على تفشي الأمية بشكل خطير يكاد لا يكون له نظير في أي مكان آخر، ولم يكن سكان المملكة الذين حصلوا في ذلك الوقت على قسط من التعليم الرسمي الحديث يعّدون بضع مئات، ومع بداية الأربعينيات من القرن الماضي، بدأ الاهتمام بقطاع التعليم بإنشاء المدارس ونشرها في مختلف مناطق المملكة ومدنها وهجرها أما التعليم الجامعي فقد انطلقت إشارته الأولى بكلية الشريعة في مكة المكرمة ثم كلية الشريعة في الرياض ثم كلية اللغة العربية في الرياض، وفي عام 1957م بإنشاء جامعة الملك سعود، ثم تزايد الاهتمام بالتعليم العالي في المملكة العربية السعودية وقفز قفزات هائلة، بلغت ذروتها في العام 1430هـ، وكان من أبرز مظاهرها: زيادة عدد الجامعات وزيادة أعداد الطلاب والطالبات.
ولا شك أن هذا التطور السريع في مجال التعليم كانت له آثار كبيرة في حياة المجتمع بعد ذلك وأدى إلى حدوث عدد من التغيرات منها:
برزت على السطح ظاهرة الهجرة إلى المدن ، فانسحبت نسبة كبيرة من العاملين في قطاعات الزراعة والرعي إلى العمل الوظيفي والإداري والمهني في المدن والمصانع الكبرى .
أحدث التعليم تغيراً ملحوظاً في أوضاع المرأة سواء في نظر المجتمع أو في نظرتها لنفسها ، فأصبحت المرأة بعد التعليم قوة عصرية وقوة اقتصادية عن طريق نزولها إلى ميدان العمل وتزايد قدرتها على الإسهام في ميزانية الأسرة .
كما أن التعليم قد أفاد المجتمع السعودي من ناحية قدرته على التعامل المباشر مع مستحدثات العصر في مجالات العمل والإنتاج والتقنية .
ثالثاً : التغيرات الاقتصادية بعد اكتشاف البـترول :
مع اكتشاف البترول في المملكة العربية السعودية وإنتاجه اقتصادياً بكميات كبيرة أمكن التمييز بين مرحلتين من مراحل التطور في المملكة العربية السعودية؛ مرحلة ما قبل البترول ومرحلة ما بعد البترول، لقد كان لاكتشاف البترول وإنتاجه اقتصادياً آثار مهمة جداً سواء اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً، ويمكننا القول دون مبالغة : إن التعليم وظهور البترول كانا وراء هذه الانطلاقة التنموية الكبيرة في أرجاء المملكة العربية السعودية ، لقد كانت التنمية الاقتصادية والاجتماعية هما الركيزة التي اعتمدت عليها حكومات المملكة المتتابعة منذ ظهور الدولة السعودية على يد مؤسسها الأول الملك عبد العزيز يرحمه الله إلى وقتنا الحاضر .
لقد تطور اقتصاد المملكة من مجرد اقتصاد يعتمد في نسبة كبيرة جداً من موارده على بعض الرسوم والمنتجات الداخلية إلى اقتصاد بترولي قوي قادر على منح التنمية الاقتصادية دفعة قوية تعمل على التقدم في جميع المجالات من خلال خطط علمية للتنمية، والواقع أن عائد البترول كان أساس التنمية في المملكة العربية السعودية ، بل إن ميزانيات خطط التنمية التي كانت تعتمدها الحكومة السعودية خلال المراحل السابقة كانت تتناسب طردياً مع عوائد البترول خلال مراحل الخطط .
بعض الجوانب السلبية للثروة البترولية :
هجرة الأيدي العاملة والسكان من الريف إلى المدينة، وزيادة الازدحام في المدن، وارتفاع الاستهلاك الترفي (التفاخري) وزيادة الاعتماد على الاستيراد من الخارج، وبروز ظاهرة العمالة الوافدة، بما قد يكون لها من آثار جانبية قد تضر بمستقبل البلاد لو لم تتدارك بتوفير عمالة وطنية مدربة والاعتماد على أبناء البلاد الموجودين بها بصفة دائمة.
بعض الجوانب الإيجابية للثروة البترولية :
زيادة الأهمية النسبية إلى منطقة الخليج مما جعلها منطقة مهمة في نظر عدد من دول العالم الذي يعتمد في اقتصاده على البترول.
زيادة الرفاهية لجميع فئات المجتمع ودعم الاستقرار الاجتماعي في مواجهة التغيرات الاجتماعية السريعة .
عوائد البترول مكّنت الحكومة السعودية من الانطلاق بسرعة وبقوة لتحقيق التنمية الاقتصادية، وتوسيع القاعدة الإنتاجية عن طريق تحويل الاقتصاد من معتمد على البترول فقط إلى معتمد على موارد أخرى .
رابعاً: البناء المهني والحراك الاجتماعي :
تغيرت التركيبة المهنية بشكل جذري لأبناء البلاد .
إتاحة الفرصة لكثير من أبناء البلاد من التقدم في السلم الوظيفي نحو المراكز العليا .
تغير نمط الإنتاج الزراعي .
ظهرت فئات وشرائح اجتماعية جديدة في المجتمع .
تغيرات في شبكة العلاقات الاجتماعية وظهور بعض القيم والمفاهيم الجديدة و اندثرت بعض العادات والقيم التقليدية .
خامساً: تغير النظام القرابي :
أصبحت كثير من وظائف القبيلة أو العشيرة جزء من مهام الدولة.
تقلصت دائرة النظام القرابي .
تقلص شكل الأسرة الممتدة البسيطة وبرزت الأسر الزواجية.
انتشرت ظاهرة الزواج بين السكان من مختلف مناطق المملكة .
سادسا: النسق الترويحي :
يقضي الشباب السعودي أوقات الفراغ في لعب كرة القدم، ومشاهدة التلفاز، والرحلات البرية.
أما الفتاة السعودية تنتهج سياسة تضييع الوقت باستخدام الهاتف، أو مشاهدة التلفاز، أو للخروج للأسواق بشكل متكرر بدون حاجة.
أما المسنون فإنهم يعانون من الفراغ،وأنه يوجد مكان واحد بالمملكة للترويح عن المسنين هو مركز الأمير سلمان الاجتماعي بمدينة الرياض.
التغير الاجتماعي
المحاضرة الأخيرة
تعريف التغير الاجتماعي
صفات التغير الاجتماعي ومجالاته
مصادر التغير الاجتماعي وآلياته
مصطلحات التغير الاجتماعي (التقدم، التطور، النمو، التنمية الاجتماعية)
ــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة الاجتماعية للتغير الاجتماعي.
صعوبة دراسة التغير الاجتماعي (طبيعة الظاهرة الاجتماعية، موقف الباحثة منها)
تفسير عملية التغير الاجتماعي
التغير بين المجتمع الريفي والحضري.
التغير الاجتماعي والتغير الثقافي.
التغير الاجتماعي قديما وحديثا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
نظريات التغير الاجتماعي:
نظريات التقدم الاجتماعي( جان جاك روسو، كوندرسيه، أوجست كونت)
نظرية الدورة الاجتماعية (ابن خلدون، فيكو) .
نظرية التطور الاجتماعي (هربرت سبنسر ).
النظريات العاملية :
نظرية العامل التكنولوجي.
نظريةالعامل الديموغرافي.
نظرية العامل الأيكولوجي.
نظرية العامل الاقتصادي.
نظرية العامل الثقافي ..... نظرية الانتشار الثقافي
نظرية الارتباط الثقافي
نظرية الصراع الثقافي
النظريات المعاصرة في التغير الاجتماعي
النظرية الوظيفية والتغير الاجتماعي.
النظريات التحديثية في التغير الاجتماعي
معوقات التغير الاجتماعي.
العوائق الاجتماعية .
العوائق الاقتصادية .
العوائق الأيكولوجية .
العوائق السياسية.
مظاهر التغير على المجتمع السعودي
التغيرات الاجتماعية .
التغيرات في مجال التعليم .
التغيرات الاقتصادية بعد اكتشاف البـترول .
البناء المهني والحراك الاجتماعي .
النظام القرابي .