بحثت في قوقل ولقيت بعض الاشياء رح نوضعها لك ادا افادتك
وقتها نظمو عناصر البحث
مقدمة
مطلب اول ( يحتوي عنوان تندرج تحته عناصر )
مطلب ثاني
ومطلب ثالث ادا تطلب البحث
و الخاتمة
تناول الإسلامُ حياةَ البشر في مختلف نواحيها سواء أكانت روحيَّةً أم مادِّيَّةً، فلم يقتصر الإسلام على مجرَّد العقائد، والهداية الروحيَّة في الوقت الَّذي لم يغفلها؛ ((فهو الدِّين الخاتم الكامل لا يقتصر على شأن دون آخر، وإنَّما جاء بتوجيه عام سياسيٍّ، واجتماعيٍّ، واقتصاديٍّ، وهذا مايعبَّر عنه بمصطلح الإسلام دينٌ ودُنْيَا، أو أنَّه عقيدة وشريعة، أو أنَّه صالح لكلِّ زمان ومكان))[1]، بل لن يصلح الزَّمان والمكان إلا بالإسلام.
وبما أنَّ الإسلام جاء بمنهج شامل لعلاج كل المشاكل والأزمات، وعلى رأسها المشاكل الاقتصاديَّة، والَّتي كانت محدودة في الصَّدر الأوَّل من الإسلام، وذلك؛ لفقر البيئة، وتواضع الأنشطة الاقتصاديَّة كالرَّعي والتِّجارة، بالإضافة لقوَّة الوازع الدِّينيِّ في النُّفوس، فلا تجد غشًّا، ولا تدليسًا، ولا غبنًا، ولا احتكارًا.
ثُمَّ لمَّا توسَّعت المعاملات بين النَّاس وازدهرت التِّجارة والصِّناعة، وانفتحت المجتمعات والدُّول على بعضها البعض، وضعف الوازع الدِّينيُّ، والإيمان بالله، وظهور الحيل والخديعة في معاملات النَّاس؛ استجدت قضايا اقتصاديَّة تختلف تمامًا عمَّا عاشه سلف الأُمَّة كالشَّرِكات الحديثة، وبيوع الأسهم، والبورصات، والمعاملات المصرفيَّة، وغيرها، إضافةً إلى الحاجة لضبط معاملات النَّاس وعقودهم؛ لكي لا تُفْضِي إلى النِّزاع والخلاف؛ مِمَّا أدَّى إلى اهتمام العلماء بدراسة هذا العلم، وبحث قضاياه، ومعالجة مشكلاته.
وفي بداية القرن العشرين ظهرت مذاهبُ اقتصاديَّةٌ بثَّتها دول عظمى تريد الثَّروة واستعمار خيرات الشُّعوب، أشهرها والنِّظام الرَّأسماليُّ، والنِّظام الاشتراكيُّ، أمَّا النِّظام الإسلاميُّ فقد ضعف بسبب هيمنة الدُّول الأجنبيَّة على بلاد المسلمين، وإقصائهم للشَّريعة الإسلاميَّة من التَّطبيق والتَّحكيم في شؤون الحياة.
"فلم يظهر الاقتصاد الإسلاميُّ كعلم إلَّا في أواخر القرن الرَّابع عشر الهجريِّ، أو في النِّصف الثَّاني من القرن العشرين، وكانت الرَّغبة في إقامة نظام اقتصاديٍّ عصريٍّ يحفظ هُوِيَّةَ الأقطار الإسلاميَّة، ويحقِّق مصالحها وقوَّتها إثر انهيار الدَّولة العثمانيَّة" [2]، ومن هنا نشأ علم الاقتصاد الإسلاميِّ كعلمٍ مستقلٍّ اهتمَّ فيه الباحثون بتأليف الكتب، ونشر الأبحاث، ومناقشة الأفكار؛ ليتبلور لنا مصطلح علم الاقتصاد الإسلاميِّ.
ثانيًا: خَصَائِصُ الاقتِصَادِ الإِسْلَامِيِّ:
يتميَّز الاقتصاد الإسلاميُّ عن غيره من الأنظمة المختلفة بعدَّة خصائص فريدة ومتميِّزة تجعله صالحًا لكلِّ زمان ومكان، وهو النِّظام الَّذي يقوم على تطبيق أحكام الشَّريعة الإسلاميَّة في كافَّة أنواع المعاملات داخل النَّشاط الاقتصاديِّ.
فالنَّظام الاقتصاديُّ في الإسلام نظام مثاليٌّ، لا يقف عند حدود الوصف لما هو كائن، وإنَّما يهتمُّ بما يجب أنَّ يكون.
وفيما يلي عرض موجز لأهمِّ هذه الخصائص.
أَوَّلًا: الرَّبَّانِيَّةُ:
النِّظام الاقتصاديُّ في الإسلام نظامٌ ربَّانيُّ المصدر، فالوحي الإلهي - ممثلًا في القرآن والسُّنة - هو مصدر هذا النِّظام، ويأتي بعد ذلك مصادر التَّشريع الأُخرى كالإجماع، والقياس، والاجتهاد.
((وهذه الخاصِّيَّة - الرَّبَّانيَّة - لاتوجد في أيِّ مذهب اقتصاديٍّ آخر؛ فكلُّ المذاهب الاقتصاديَّة الأخرى من وضع البشر سواء استندت لديانات محرَّفة، أو نظريَّات وضعيَّة من استنباط البشر الَّذي يصيب، ويخطئ، ويتأثَّر بالفلسفات المعتنقة، والبيئة المحيطة.
وهذا النِّظام الاقتصاديُّ كذلك نظام ربَّانيُّ الهدف، حيث يتمثَّل مقصده في إشباع الحاجيات الأساسيَّة للإنسان، وتوفير الحاجيات الأساسيَّة للإنسان، وتوفير حدِّ الكفاية اللَّائق به؛ ليحيا حياة طيِّبة رغدة يتحقَّق فيها الإشباع المادِّيُّ، والرُّوحيُّ جنبًا إلى جنب)) [3].
وهذا بخلاف النُّظم الاقتصاديَّة الوضعيَّة الَّتي لا مقصد لها سوى تحقيق أقصى إشباع مادِّيٍّ ممكن، بدون أي اعتبار إلى الإشباع الرُّوحيِّ، فغايتها تحقيق اللَّذة، أو المنفعة المادِّيَّة، مع إهمال الجوانب الرُّوحيَّة الأخلاقيَّة.
((فالتِّجاريُّون هدفهم: الحصول على أكبر قدر من الذَّهب، والطَّبيعيُّون هدفهم: الانتفاع بالثَّروة الزِّراعيَّة، وقلَّلوا من شأن الصِّناعة والتِّجارة، والرَّأسماليُّون هدفهم: المنفعة، وإشباع الرَّغبات دون النَّظر إلى حلال أو حرام.
فلا مكان عندهم للمناهج الرَّبَّانيَّة، والقيم الأخلاقيَّة، والمعاني الإنسانيَّة)) [4].
ثَانِيًا: الرِّقَابَةُ المُزْدَوَجَةُ:
يخضع النِّظام الاقتصاديُّ في الإسلام لرقابتين: (بشريَّة- ذاتيَّة).
((فالرِّقابة البشريَّة وجدناها بعد الهجرة؛ فالرَّسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كان يراقب الأسواق بنفسه، وعندما فُتِحَتْ مَكَّةُ أرسل إليها مَنْ يراقب أسواقها؛ ومِنْ هنا ظهرت وظيفة المحتسب لمراقبة النَّشاط الاقتصاديِّ، إلى جانب الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وإحساس المسلم أنَّ الله أحلَّ كذا، وحرَّم كذا؛ يفرض رقابة ذاتيَّة.
ولذلك؛ رأينا سلوك المسلم في نشاطه الاقتصاديِّ كسلوكه في عبادته)) [5].
أمَّا ((النُّظم الاقتصاديَّة الوضعيَّة قد انفصلت عن الدِّين تمامًا، وأبعدته عن القيام بدور إيجابيٍّ في نظامها الاقتصاديِّ، ونتيجة لذلك؛ فإنَّ رقابة النَّشاط الاقتصاديِّ في ظلِّ هذه النُّظم مُوكَلَةً إلى السُّلطة العامَّة، تمارسها طبقًا للقانون، الأمر الَّذي يجعلها في النِّهاية عاجزة عن تحقيق جميع أهدافها؛ لعدم وجود رقابة أُخرى غيرها.
وآية ذلك ما هو مُشاهد في ظلِّ هذه النُّظم من تهرُّب الكثير من التزاماتهم، ومن القيود الَّتي تُفرض عليهم لمصلحة المجتمع كالضَّرائب، وذلك كلَّما غفلت الدَّولة، أو عجزت أجهزتها عن ملاحقتهم)) [6].
أمَّا في ظلِّ نظام الاقتصاد الإسلاميِّ: فإنَّه يوجد إلى جوار الرِّقابة الرَّسميَّة الَّتي تمارسها الدَّولة رقابة أخرى أشد وأكثر فاعلية هي رقابة الضَّمير المسلم، القائمة على الإيمان بالله، وعلى الحساب في اليوم الآخر، قال تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [سورة الحديد:4]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5]، وحيث يشعر الإنسان بأنَّه إذا ما انفلت من الرِّقابة البشريَّة؛ فإنَّه لا يستطيع الإفلات من الرِّقابة الإلهيَّة الَّتي أعدَّت له عذابًا أليمًا في حالة انحرافه.
فهو ينطلق أَوَّلًا من الرِّقابة الذَّاتيَّة الَّتي وضَّحها له النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سُئِل عن الإحسان في حديث جبريل المشهور فقال: ((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)) [7].
وهذا في حدِّ ذاته فيه أكبر ضمان لسلامة النَّشاط الاقتصاديِّ المتَّصف بالإنسانيَّة، والرَّحمة، والعدل.
ثَالِثًا: التَّوَازُنُ:
النِّظام الاقتصاديُّ الإسلاميُّ نظام وسطيٌّ ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، قوامه العدل والقسط، فلا طغيان ولا إخسار، ولا مكانَ فيه للتَّوازن المصنوع أو المغشوش، ولا توازنَ سوى لتوازن العدل والقسط، ((والوسطيَّة في مآلاتها هي التَّوازن، وهو التَّوازن بين المثاليَّة والواقعيَّة، وبين المادِّيَّة والرُّوحيَّة حيث يجمع بينهما، وبين مصلحة الفرد، ومصلحة الجماعة، ومصلحة الدَّولة، وبين مصلحة الأغنياء، ومصلحة الفقراء)) [8]، وَمِنْ مَظَاهِرِ تَوَازُنِهِ مَا يَلِي:
أ. الجَمْعُ بَيْنَ الثَّبَاتِ وَالتَّطَوُّرِ:
ففي الاقتصاد الإسلاميِّ ((أمور ثابتة لا تتغير مهما تغيَّر الزَّمان والمكان، كالأصول الاقتصاديَّة الَّتي وردت بنصوص القرآن والسُّنَّة، وهناك أمور متطوِّرة، وهي كيفيَّة إعمال وتطبيق هذه الأصول الإلهيَّة بحسب متطلِّبات الزَّمان والمكان)) [9].
والدِّين الإسلاميُّ هو الدِّين الخاتم الصالح لكلِّ زمان ومكان، فكان اقتصاده فيه من المرونة ما يجعله يتَّسع للأساليب المختلفة، والوسائل المتجدِّدة، والعرف مادام لا يتعارض مع أصل ثابت.
والقاعدة الشَّرعيَّة تقول: ((الأصل في العبادات الحظر إلَّا ما ورد عن الشَّارع تشريعه، والأصل في العادات الإباحة إلَّا ما ورد عن الشَّارع تحريمه)) [10] لذا؛ اتَّسع الاقتصاد الإسلاميُّ ليشمل ما يستجد من المعاملات المختلفة الَّتي خلت من الرِّبا والغرر الفاحش، ورأينا تغيُّرَ الفتوى تبعًا لتغيُّر الزَّمان والمكان، يُقال: هذا اختلاف زمان ومكان ليس اختلاف حجَّة وبرهان.
وهذه الخاصِّيَّة من خصائص الاقتصاد الإسلاميِّ وحده، فالمذاهب الاقتصاديَّة الأخرى ليس فيها شيء ثابت، بل هي نفسها تتغيَّر باختلاف كلِّ مُنظِّر جديد لكلِّ مذهب، وباختلاف كلِّ عصر ومكان تظهر فيه.
ففي الرأسمالية: نجد آدم سميث يختلف عن ريكاردو [11]، و ريكاردو يختلف عن مالتس [12]، وكينز [13] يكاد يعود للتجاريين الذين خالفهم آدم سميث، لذا رأينا من يسمون بالتجاريين الجدد.
والماركسيون يجعلون الاشتراكية مرحلة تسبق الشيوعية [14].
ورأينا الملكية العامة تجد لها مكانًا في النظام الرأسمالي، والملكية الخاصة تزحف إلى النظام الماركسي [15].
((وَازَنَ النِّظام الاقتصاديُّ الإسلاميُّ بين المادِّيَّة والرُّوحيَّة باعتبارهما مكوِّنات الإنسان ذاته، فلا يهمل الجوانب المادِّيَّة على حساب الجوانب الرُّوحيَّة، أو يهمل الجوانب الرُّوحية، ويقدِّس الجوانب المادِّيَّة النَّفعيَّة كما هو عليه الحال في النُّظم الوضعيَّة: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10]، حتَّى لا يقع الإنسان أسيرَ الرَّهبانيَّة، أو في سعير الشَّهوانيَّة المادِّيَّة)) [16].
((وذلك على النَّقيض من الأنظمة الاقتصاديَّة الوضعيَّة الَّتي ركَّزت على الجانب المادِّيِّ؛ حتَّى أصبح الهدف الوحيد للنَّشاط الاقتصاديِّ للإنسان المعاصر، دون مراعاةٍ أو التفاتٍ للقيم الأخلاقيَّة والرُّوحيَّة، إذ إنَّ الشُّيوعيَّة الماركسيَّة تُنكر الدِّين، وتعتبره أفيون الشُّعوب، وتركِّز على التَّطوُّر المادِّيِّ للحياة، وتمحو مشاعر الإخاء في النُّفوس البشريَّة، وتدعو إلى الصِّراع الطَّبقيِّ بين أفراد المجتمعات.
أمَّا الرَّأسماليَّة: فإنهَّا وإن كانت لا تُنكر الدِّين والأخلاق، إلَّا أنَّها قصرتها على نطاق الكنيسة، وأبعدتها عن القيام بدور إيجابيٍّ في نظامها الاقتصاديِّ، وَمِنْ ثَمَّ؛ فإنَّ التَّفاعل الإيجابيَّ والفعَّال بين النُّظم الدِّينيَّة والدُّنيويَّة ليس له وجود في المجتمع الرَّأسماليِّ أو الاشتراكيِّ))[17].
وَازَنَ الاقتصادُ الإسلاميُّ كذلك بين المصلحة الخاصَّةِ، والمصلحة العامَّةِ ((فكلٌّ منهما في نظر الإسلام أصلٌ يُرَاعَى، بحيث لا تهدر المصلحة العامَّة شأن النُّظم الفرديَّة، ولا تهدر المصلحة الخاصَّة شأن النُّظم الاجتماعيَّة، وإنَّما يُعْتَدُّ بالمصلحتين على درجة واحدة، ويحاول دومًا التَّوفيق بينهما)) [18].
فهو يوازن بين مصلحة الفرد، ومصلحة الجماعة، ((فيُعطي الفرد بالقدر الَّذي لا يَطْغَى على الجماعة، ويُعطي الجماعةَ بالقدر الَّذي لا تَطْغَى فيه على الفرد)) [19].
((إنَّ سيادة التَّوازن بالقسط في النِّظام الاقتصاديِّ الإسلاميِّ، وبما يتضمَّنه من التَّوازن بين الرُّوح والمادَّة، والدُّنيا والآخرة، والعبادة والمعاملة، والفرد والجماعة، والتَّنمية، والرِّعاية الاجتماعيَّة؛ يحقِّق السُّموَّ للمجتمع؛ فينجو من الإفراط الَّذي يمزِّقه، والتَّفريط الَّذي يضيِّعه، وتعلو فيه القيم، وتُحترم فيه الحوافز، والرَّغبات، والملكيَّات، والسَّعي نحو العمل الصَّالح، والَّذي يقود إلى الفلاح)) [20].
نظام لا يميل إلى الخيال، فهو واقعيٌّ في غاياته وطريقته؛ لأنَّه يستهدف في مبادئه الغايات الَّتي تنسجم مع واقع الإنسانيَّة.
فـ ((الاقتصاد الإسلاميُّ واقعيٌّ في مبادئه، ومنهجه، وأحكامه، ينظر إلى الواقع العمليِّ الَّذي يتَّفق مع طبائع النَّاس، ويُراعي دوافعهم، وحاجاتهم، ومشكلاتهم، لا يجنح إلى خيالٍ وأوهامٍ، ولا ينزل إلى دركٍ لا يتَّفق مع البشريَّة الَّتي كرَّمها اللهُ -عزَّ وجلَّ-)) [21].
بخلاف الأنظمة الاقتصاديَّة الأخرى، فالرَّأسمالية ((قدَّست الملكيَّة الفرديَّة، وظنَّت -خلافًا للواقع- أنَّ المصلحة الخاصَّة تحقِّق المصلحة العامَّة، وتركت باب الحرِّيَّة الاقتصاديَّة مفتوحًا بلا ضوابطَ أخلاقيَّة أو إنسانيَّة، وقدَّست المنفعة، كما نَحَت الاشتراكيَّة منحًى مخالفًا للواقع؛ فأهملت النَّزعة الفرديَّة، والفطرة الرَّبَّانيَّة للملكيَّة، وجعلت الفردَ أسيرًا لمطعمه، وملبسه، ومسكنه، وأعلنت حربها، وتوارت نحو ما سمَّته الحافزَ القوميَّ للإنتاج)) [22].
فهذه السِّمة المميِّزة للنِّظام الاقتصاديِّ جعلته يقف أمام كلِّ الأزمات الَّتي مرَّت بالعالم من ظهوره على يد النَّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بينما مُنِيَت الرَّأسماليَّة بالأزمة تلو الأخرى، وأوشكت الاشتراكيَّة على الفناء.
خَامِسًا: العَالَمِيَّةُ:
النِّظام الاقتصاديُّ الإسلاميُّ نظام عالميٌّ، وهذه العالميَّة تنبثق من عالميَّة الرِّسالة، الَّتي جاءت بمنهج الإسلام الشَّامل الَّذي يمثِّل النِّظام الاقتصاديُّ الإسلاميُّ أحدَ أجزائه، فلا يُمكن حصر نطاق النِّظام الاقتصاديِّ الإسلاميِّ على بيئة، أو مكان معيَّن، أو قوم محدَّدين كما هو الحال في نظام الاقتصاد التَّقليديِّ الَّتي ارتبطت بالبيئة المحيطة، والفلسفة المعتنقة، والهوى المتَّبع، وحتَّى الشَّرائع السَّابقة للشَّريعة الإسلاميَّة، ارتبط نزولها بقومها خاصَّةً، بينما أُنزلت الشَّريعة الإسلاميَّة للنَّاس كافَّة.
فهو الدِّين الخاتم الَّذي تميَّز بعالميَّته، ولهذا؛ جاء بأحكامٍ كلِّيَّة، ومبادئَ عامَّةٍ تُناسب كلَّ زمان ومكان، وجمع بين الثَّبات والمرونة، واتَّسع لاجتهادات المجتهدين، وجعل الأصل في المعاملات الإباحة ما لم يوجد ما يُعارض نصًّا، أو أصلًا ثابتًا، أو مقصدًا من مقاصد التَّشريع الإسلاميِّ، بينما نظرت المذاهب الاقتصاديَّة الوضعيَّة إلى البيئة الَّتي نشأت فيها، حتَّى إنَّهم فشلوا في وضع الحلول المناسبة لبيئاتهم.
((وقد ظهرت عالميَّة النِّظام الاقتصاديِّ الإسلاميِّ بصورة عمليَّة بعد حدوث الأزمة الماليَّة العالميَّة بالولايات المتَّحدة في العام 2008م، حيث تعدَّدت المطالبات في دول الغرب بالأخذ بالنِّظام الاقتصاديِّ الإسلاميِّ، وفي مقدِّمة ذلك الفاتيكان نفسه، فقد ذكرت صحيفة الفاتيكان الرَّسميَّة في عدد (6مارس 2009م) أنه: قد تقوم التَّعليمات الأخلاقيَّة الَّتي ترتكز عليها الماليَّة الإسلاميَّة بتقريب البنوك إلى عملائها بشكل أكبر من ذي قبل، فضلًا على أنَّ هذه المبادئ قد تجعل هذه البنوك تتحلَّى بالرُّوح الحقيقيَّة المفترض وجودها بين كلِّ مؤسَّسة تقدِّم خدمات ماليَّة)) [23].
فالنِّظام الاقتصاديُّ الإسلاميُّ أثبتت التَّجارب المختلفة، والأزمات المتوالية أنَّه هو العلاج الأمثل، والنِّظام الأفضل لمعالجة القصور، والقضاء على المشاكل، والأزمات الاقتصاديَّة؛ فكلُّ الأنظمة الاقتصاديَّة الوضعيَّة -دون استثناء – لم يأتوا بما يصلح للنَّاس حتَّى في الحدود الإقليميَّة، شأن أيِّ نظامٍ وضعيٍّ لا يستمدُّ من حكيم خبير.
[1] ذاتيَّة السِّياسة الاقتصاديَّة الإسلاميَّة، وأهمِّيَّة الاقتصاد الإسلاميِّ، الدُّكتور مُحَمَّد شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ، سلسلة الاقتصاد الإسلاميُّ، مكتبة الأنجلو المصريَّة، القاهرة، سنة 1978م، ص85.
[2] الاقتصاد الإسلاميُّ بين منهاجيَّة البحث وإمكانية التَّطبيق/ د. عبد الرَّحمن يسري أحمد، ص15،ط 2، 1420هـ، المعهد الإسلاميُّ للبحوث والتَّدريب.
[3] الاقتصاد الإسلاميُّ مدخل ومنهج/ د. أشرف محمد دوابه، مرجع سابق،ص52-53 بتصرُّف.
[4] موسوعة القضايا الفقهيَّة المعاصرة، والاقتصاد الإسلامي، أ.د. علي أحمد السالوس ص:22 بتصرُّف، ط11، سنة2008م-1428هـ، مكتبة التِّرمذي القاهرة- مصر.
[5] المرجع السابق ص:23.
[6] النِّظام الاقتصاديُّ في الإسلام –مبادئه وأهدافه– د. فتحي أحمد عبدالكريم، ود. مُحَمَّد العسَّال، ص 26، الطَّبعة الثَّامنة 1413هـ، مكتبة وهبة– القاهرة.
[7] صحيح البخاري، مُحَمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البُخَارِي (ت 256هـ) كتاب بدء الوحي، باب سؤال جبريلَ النَّبيَّ عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم السَّاعة، وبيان النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له، حديث رقم (50) ج1 ص19،ط1، 1407هـ، دار الشعب - القاهرة
[8] المدخل إلى الاقتصاد الإسلاميِّ، أ.د. علي محيي الدِّين القره داغي، ص156،جـ1، دار البشائر الإسلاميَّة، بيروت- لبنان، ط2، سنة 1431هـ.
[9] المذهب الاقتصاديُّ في الإسلام، د. مُحَمَّد شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ، ص 95، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، سنة 2010م.
[10] رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة، عبد الرَّحمن السعدي ص 106، ط1، سنة 1418هـ، دار ابن حزم، بيروت- لبنان.
[11] دافيد ريكاردو 1772 - 1823م قام بشرح قوانين توزيع الدخل في الاقتصاد الرأسمالي، وله النظرية المعروفة باسم قانون تناقص الغلة ويقال بأنه كان ذا اتجاه فلسفي ممتزج بالدوافع الأخلاقية لقوله: "إن أي عمل يعتبر منافياً للأخلاق ما لم يصدر عن شعور بالمحبة للآخرين "انظر: الموسوعة الميسَّرة في الأديان، والمذاهب، والأحزاب المعاصرة، بإشراف مانع بن حماد الجهني، دار النَّدوة العالميَّة للطِّباعة، والنَّشر، والتَّوزيع، الرِّياض، ط4، 1420هـ، (2/911).
[12] توماس روبرت مالتوس (1766 - 1834م). اقتصادي بريطاني، اشتهر بمقالته عن مبادئ علم السكان سنة 1798م. وتقوم فكرته الأساسية في هذا الكتاب على أن أعداد السكان في العالم تميل إلى الزيادة، بينما كميات الطعام تقل. كما كان يعتقد أن الحروب والأمراض ستفتك بالأعداد الزائدة من البشر، ما لم يتم تحديد النسل. انظر: الموسوعة العربيَّة الميسَّرة، مجموعة من الباحثين، ج 22، ص 111، ط3، 2009، المكتبة العصريَّة، بيروت.
[13] جون مَاينرد كينز (1883-1946م). أبرز رجال الاقتصاد الذين تؤخذ آراؤهم في الاقتصاد بعين الاعتبار. يحتل كتابه النظرية العامة في التوظيف والفائدة والمال (1936م) مكانة لائقةً به بين كتب الاقتصاد المهمة. وقد غيّر هذا الكتاب نظريات وسياسات اقتصادية كثيرة، كما أنه يُعد أساسًا للسياسات الاقتصادية لعديد من الدول الرأسمالية في الوقت الحاضر. انظر: الموسوعة العربيَّة الميسَّرة، مجموعة من الباحثين، ج 20، ص394.
[14] وعلى الرغم من كونهم مدرسة واحدة، لكنهم يختلفون في تحديث النظريات.
[15] موسوعة القضايا الفقهيَّة المعاصرة، والاقتصاد الإسلامي، أ.د. علي أحمد السالوس ص:23، مرجع سابق.
[16] الاقتصاد الإسلاميُّ مدخل ومنهج/ د. أشرف محمد دوابه، ص 58، مرجع سابق.
[17] خصائص الاقتصاد الإسلاميِّ، د. عمر بن فيحان المرزوقي ص60مجلة "الشَّريعة والدِّراسات الإسلاميَّة"، الكويت، العدد الخامس والأربعون، السَّنة الحادية عشرة.
[18] المذهب الاقتصاديُّ في الإسلام، د. مُحَمَّد شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ، ص 97، مرجع سابق.
[19] الإسلام والمذاهب الاقتصاديَّة المعاصرة، يوسف كمال، ص 144، ط1،سنة 1407هـ، دار الوفاء للطِّباعة، والنَّشر، والتَّوزيع، الأسكندرية.
[20] الاقتصاد الإسلاميُّ مدخل ومنهج/ د. أشرف مُحَمَّد دوابه، ص59، مرجع سابق.
[21] موسوعة القضايا الفقهيَّة المعاصرة، والاقتصاد الإسلامي، أ.د. علي أحمد السَّالوس ص26 .
[22] الاقتصاد الإسلاميُّ مدخل ومنهج/ د. أشرف محمد دوابه، ص59، مرجع سابق.
الفكر الاقتصادي عبارة عن بيان نقدي لتطور الافكار، باحثاً في أصلها كاشفاً عن دوافعها وموضحاً لعلاقاتها التبادلية وواضعاً اجراءات عملية للافادة من القوانين المكتشفة والاقرار على النظام، والمذهب الواجب اتباعه ومن هنا نستنتج ان عناصر الفكر ثلاثة (النظرية الاقتصادية والسياسة الاقتصادية والمذهب الاقتصادي)
فان المصادر هذه تقسم الى مجموعتين: الأولى مصادر رئيسية أو اساسية وتضم القرآن الكريم والسنة النبوية والاجماع والقياس. والقرآن الكريم ليس هو بمثابة الدستور كما يراه البعض دائما برأينا انه الاطار الايديولوجي والفلسفي للناس جميعاً (للبشرية) والسنة النبوية جاءت لتوضح الغموض وتحدد المطلق وتخصص المجمل وتفسر العام في القرآن الكريم، والاجماع والقياس لابد وأن يستندا على أدلة شرعية نابعة من القرآن الكريم أو السنة النبوية واليوم سنتطرق الى المصادر الفقهية التبعية (الثانوية) وهذا لايعني انها قليلة الأهمية أو ان استخداماتها نادرة أو قليلة خاصة في حالة المعاملات والتي هي غرض لها، بل العكس هو الصحيح، فهي كالقياس تعد من اغزر المصادر الفقهية ولكن قيمتها الاعتبارية تأتي بعد المصادر الاساسية وهي خمسة مصادر. ـ الاستحسان: وهو بناء الاحكام الفقهية على عكس قاعدة القياس، بشكل عام، وبتعبير أدق هو التخلي عن حكم النظائر (كما هو الحال في القياس) الى حكم آخر أقوى في القضية الفقهية يقتضي هذا التحول، ويقسم الاستحسان بدوره الى قسمين الاستحسان القياسي واستحسان الضرورة. ان الاستحسان القياسي هو ترك حكم القياس الظاهر الى حكم آخر اقوى حجة وأدق استنتاجاً وأبعد نظراً مثال الدين المشترك، اذا قبض منه احد الدائنين مقدار حصة لا يحق له الاختصاص بها بل الى شريكه أو شركائه في الدين وللشركاء ان يطالبوا بحصتهم، ولكن اذا هلك هذا المقبوض بيد القابض قبل ان يأخذ الشريك الثاني حصته، فان القياس يقضي الى الهلاك والاتلاف على الباقي (من الدائنين) في معنى الشراكة، ولكن في الاستحسان فان المال الهالك في يد القابض، هالك من حصته فقط، ذلك لانه في الاصل لم يكن ملزما بمشاركة القابض فيما قبض بل له ان يلاحق المدين بحصته ويترك النقود للقابض. والنوع الثاني استحسان الضرورة: هو ما ترك فيه حكم القياس الظاهر بسبب ضرورة موجبة أو طبقاً لمصلحة أو سداً لحاجة أو دفعاً لحرج، ومن امثلة ذلك ان ربا الفضل في الاسلام ينتج عن كل زيادة في الوزن أو الحجم أو العدد عن مقدار الأصل وبالطبع هذا النوع من الربا غير جائز بل وكل اشكال الربا «أحل الله البيع وحرم الربا»، لكن بعض الفقهاء ومنهم الحنفية، اجازوا اقراض الخبز من الجيران بغض النظر عن الحجم أو الوزن اذا كان بحدود الشكل المتعارف عليه، وذلك استحساناً على خلاف القياس نظراً لضرورة وحاجة الناس الى هذا الشيء مع انتفاء فكرة الربا، حيث ان هذا التفاوت يعد من الامور التافهة بحكم العرف والعادة. ـ الاستصلاح أو قاعدة المصالح المرسلة: هو بناء الاحكام الفقهية على مقتضى المصالح المرسلة، والمصالح عكس المفاسد وقد تكون خاصة أو عامة لافرق في ذلك، والمصالح والمفاسد مفهومان نسبيان ولا يؤخذ بهما اعتباطاً أو على علاتهما والا لاختلط الحابل بالنابل، ولابد لهما ايضاً من سند شرعي والاخذ بعين الاعتبار مصلحة المجتمع اولاً والجماعة ثانياً والفرد اخيراً، وكذلك يجب الموازنة بين المصالح ونتائجها، اذ هدف المصالح في الشرع الاسلامي ينحصر في ثلاث مجموعات وهي: ـ الضروريات: وتشمل خمسة امور: الدين والنسل والنفس والعقل والمال والحفاظ عليها وصيانتها والدفاع عنها واجب على الفرد والمجتمع على السواء. ـ الحاجيات: وهي تلك الامور التي لاتتوقف عليها صيانة تلك الضروريات بل تتطلبها الحاجة ويستطيع ان يستغنى الانسان عنها ولكن بشيء من التعب والحرمان، مثل تحسين المستوى المعاشي للفرد، تقليص السفر والسياحة. ـ التحسينات أو التكمليات: وهي كل نشاط انساني اقتصادي أو غيره يعد مراعاته والتقيد به من مكارم الاخلاق ومحاسن العادات، عدم التبذير في الانفاق، وآداب الطعام. والسؤال الذي يطرح نفسه متى يستخدم الاستصلاح في بناء الاحكام؟ ومتى تدعو الحاجة اليه؟ ان ذلك يصح عندما يؤدي الأمر الى جلب المصالح ودرء المفاسد، في احيان كثيرة يكون تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي للصالح العام كفرض الضرائب، أو استملاك بعض الثروات أو حتى تأميم بعض الاموال، هو بهدف المصلحة العامة، اما درء المفاسد يعني تجنب الاعمال التي تؤدي الى ضرر مادي أو خلقي مقرر في الشرع. ـ سد الذرائع: قاعدة فقهية هامة، تعني منع الوسيلة أو الوسائل «وان كانت صحيحة» التي تؤدي الى نتيجة غير سوية فهناك الكثير من الامور والاعمال التي تستخدم كطريق للوصول الى أمر ممنوع رغم انها مبرره وشرعية، وهذا ما يسمى بلغة القانون والفقه ايضا «التحايل على القانون» فمثلاً منع الوصية لوارث كي لا تتخذ ذريعة الى تفضيل وارث على آخر، وفي المعاملات والاقتصاد قد يقدم أحد أو بعض البائعين على الترخيص في أسعار بضاعته ويغالي في ذلك، فهذا العمل يصبح غير جائز بحسب هذا المبدأ ولو ان فيه نفعاً عاماً، لكنه يعد وسيلة أو ذريعة للاضرار بالآخرين. ـ تغير الاحكام بتغير الازمان: قاعدة فقهية يمكن العمل بها وللصالح العام، ومرة ثانية فان الاسلام يرد على معارضيه، بانه دين الحياة ودين التطور وليس دين الجمود والتقوقع، والمثل الصارخ فقه الامام الشافعي رحمه الله، في مصر يختلف عن فقهة في المدينة ومكة، وما ذلك الا لاختلاف الظروف واختلاف الاحوال ولكن لا يعني ذلك الخروج على الادلة الشرعية، أو المصادر الفقهية الاساسية. ـ العرف: هو عادة جمهور قدم على فعل أو عمل معين، وفي القرآن الكريم «خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين» والاسلام يقر العرف الحسن وينبذ العرف السيء. وهنالك الكثير من الاعراف التجارية المحمودة في المعاملات وفي النشاط الصناعي ايضا يمكن الاستعانة بها، ويعد العرف احد أهم مصادر القانون الوضعي.