متهجئ الحرف
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 17 أوت 2016
- المشاركات
- 328
- نقاط التفاعل
- 1,131
- النقاط
- 141
- العمر
- 39
- محل الإقامة
- الأردن - عمّان
- الجنس
- ذكر
كتبت هذه القصة الطويلة ونشرتها عام 2012
واليوم أُعيد نشرها هُنا لنقرأ ونتفكر
القصة من جزأين
الجزء الأول
______________________________________
سندس
.
.
لم يكن ياسين مثل باقي أبناء جيله
فمنذُ لحظة تعرفي عليه شعرت بأنّ ملامحه تُخفي الكثير من الاندهاش الذي حفزني لاحقاً على تعرفي عليه ،
عيناه الرمليتان العميقتان وشعره الأسود الذي يرفعه إلى الأعلى بطريقةٍ توحي بشموخ وكبرياء وهندامه الأنيق الذي يسر النظر ، كل هذه الملامح
جعلتني أراه كغير كل الرجال .
لقد تعب ياسين في حياته فقد كان من أسرة فقيرة جداً ويسكن هو وأهله بيت من الصفيح في منطقة نائية تبعد عن العاصمة كثيراً ، ولم يكن أباه يصرف عليه ولا حتى يدفع مصاريف جامعته .
ياسين هو الشخص الوحيد من بين كل الرجال الذي جعلني أقتنع بأن الرجولة لاتكون محصورة في لقب ( ذكر ) بل تكون قولاً وفعلاً ، ولذا كنت أمني نفسي أن يكون ياسين من نصيبي وبالفعل تحقق هذا الأمر عندما بدأنا بـالتواعد في الجامعة ، فقد كنت أدرس أنا وياسين في جامعة واحدة وهناك تعرفت عليه .
.
.
.
خالــد
رغم الحياة الهانئة والرغيدة جداً التي وفرها أهلي لي إلاّ إنني لم أكن سعيد بتلك الحياة ..!!
ورغم أنني في مقتبل العمر وكل ما أطلبه يتحقق قبل أن يرتد طرفي إليّ ،
فأبي يمتلك شركة عقارات كبيرة أوكلت لها عطاءات الدولة لحُسن سمعتها وكفاءة العاملين فيها ، أنهالت الأموال على أبي وأخذ يجمع المال ويكدسه في البنوك ولا أدري لماذا أستمات أبي على المال بهذه الطريقة !
ظلت تساؤلات عديدة تدور في ذهني فأبي وأمي لم يرزقا بأبناء غيري ، كنت وحيداً وليس لي أصدقاء غير رفقاء السوء الذين كنت ألتقي بهم في البارات وتلك الحفلات الصاخبة وهذا لو أعتبرت أن هؤلاء هم رفقاء !!
كنت أسهر معهم كل ليلة حتى أنسى وحدتي وكآبتي من هذه الدنيا ، فمال أبي الوفير فشل بشكلٍ يثير الشفقة في إسعادي ...!
عندها أدركت أن المال هو من زينة الحياة كما قال الله عنه ، لكنه لن يكون سبباً أوحداً لجلب السعادة فكم فقير وبائس ومحتاج والسعادة تغمره
فـ السعادة لاتقاس بامال .
لقد كان عدم اهتمام أبي وأمي بي عقدة وحسرة ظلت تلازمني طيلة حياتي ، فمن مشاغل أبي وهوايته الجنونية في تكديس الأموال في البنوك إلى أمي سيدة المجتمع البرجوازية التي كانت مهووسة بالتسوق وإقامة الحفلات الخيرية هي وصديقاتها وتجعل ريعها للجمعيات الخيرية لتلميع صورهم في مرآة المجتمع المزيفة ، كانوا يهتمون بأنفسهم بطريقة بالغوا فيها ونسوا أن لهم ابناً وحيداً أنجبوه ....
لم أذكر يوماً أن أحتضني أحدهما إلا قليلاً وكأنهما مجبوران على ذلك ويريدان أن يتخلصا من هذا الحمل !
.
.
.
ياسين
مرت ليالي طويلة وشديدة السواد وأبي مازال لايستطيع الحراك فقد أصيب بـ مرض الديسك في ظهره بـ سبب عمله المتواصل في مصنع الكيماويات نهاراً وليلاً حتى يحصل على ضعف راتبه ويؤمن حياتنا لنعيش أنا وأخوتي في حياة كريمة ، فهذه الحياة صعبة وتحتاج إلى التعب الكثير
لتحيا بها غير محتاجاً كريم النفس .
أصبح أبي غير قادر على متابعة عمله وكنت حينها أتممت تسجيلي
بالجامعة ذات التكاليف التي التي لا أقدر عليها ولا حتى أبي الفقير صاحب الخمسين عاماً .
رأيت لون الحياة بدأ يتشح بالسواد وكأنها أعلنت الحداد على حالتي ، ولكن قلت في نفسي يجب أن يكون هناك حلاً فقررت أن أجد عملاً يساعدني على تكاليف الجامعة ومساعدة أهلي ، وبدت تلك الأيام تسير ببطء شديد
( ربما أكون أولا أكون ) كنت أظل أردد هذه الكلمات في خلجات صدري ، ومضت تلك الأيام ومرت سنتان على دراستي بالجامعة وفي أحد الأيام كنت في مكتبة الجامعة فقد كنت أحب قراءة كتب القصص والروايات التي تنشد هدفاً في مضمونها ولا يهم إن كانت رومانسية أو علمية أو حتى نفسية ، وكنت أحزن كثيراً عندما أقرأ رواية أو قصة وأجد أن ليس بها أي هدف .
في لحظات شعرت بصكيك باب الجامعة الذي كان يحدث صوتاً مزعجاً وتبعثر ذهني لأجد ريــــــــــح فــــــــــــــرح قادمة باتجاهي ....
كـــانت ســنــدس ...
هي سندس تلك الفتاة ذات الوجه البراق والعطر الباريسي التي كان كل من
بالجامعة يصفها بالغرور والعلياء عليهم لإنها جميلة والحق يقال لقد كانت سندس كبدر مكتمل الجمال ..
جلست بجانبي وراحت ترمقني بنظراتها الفاتنة في محضر الصمت وأول ماتحدثت به عندما قالت أنها لاتحب قراءة الكتب وطلبت مني أن نذهب خارج الجامعة ونتحدث في مقهي البيكاديلي الراقي ، فوافقت بدون تفكير و وجدتني منقاد لها بشكل بعث القلق بنفسي لاحقاً .
جلسنا وبدأنا بارتشافٍ جميل لقهوتنا وكنّا نبادل بعضنا نظرات كلها حيرة وقلق وهناك دار بيننا حوار طويل .!
.
.
.
سندس
رغم أن أكثر من شاب في الجامعة حاولوا كسر غروري وتجريحي
بكلامٍ قبيح إلا أنني ظللت متماسكة ولم أجد من فيهم من يجعلني أتوسم في الرجال عنصر الجمال اللاّ ظاهر إلاّ ياسين الذي تعرفت عليه في مكتبة الجامعة ، كنت أشعر أنه رجل الأرض الذي أبحث عنه منذ سنين ولا أنسى ماحييت عندما تحدثنا في مقهي البيكاديلي الذي أصبح يحبه ياسين لاحقاً ...
وقتها صارحته أنني معجبة فيه .. نظر إليّ وصمت للحظات وطال في صمته وهذا هو الغريب ....!
أردت حسم الموقف حينها فسألته ( ألست معجباً بي ، ألا ترى كم هو جمالي) ؟؟؟؟؟
عنده نظر إليّ ياسين وأجاب بكل ثقةٍ
( لا تعنيني الأشكال الهندسية للجمال بقدر مايعنيني جمال الروح ) !
يا ألهي .... رده كان مدهشاً يخفي ورائه فلسفة عميقة وقناعة جميلة ، إذ أنه من النادر جداً أن نجد رجلاً لايهمه شكل المرأة الخارجي ومظهرها خاصة عندما يكون شاباً في أول العمر ، فـكل الرجال يهمهم شكل المرأة وجسدها ومن النادر من ينظروا إلى روحها أو يدركوا أعماقها!
ياسين هو الرجل الوحيد الذي كسر هذه القاعدة بقناعاتي وبدا ليس
كأشباه الرجال بل هو سيد الرجال جميعاً .
تعلقت به وأحببته كثيراً لإنه أصبح يحبني وأخبرني أنه سيتزوجني عندما ننهي دراستنا ويجد عملاً جيداً وبدأنا نرسم أحلامنا معاً بألوان زاهية ونقاء قلوب عشاق طاهرة ، كنا نلتقي كل يوم وعندما أراه يهل عليّ كمطلع شمس لـيظل قلبي يخفق له ويهتف بــاسمه ...
وعدت ياسين بـأن أكون له وحده وأشاركه حياته فكان هذا وعداً صادقاً.
.
.
.
خالــد
مع كثرة غياب أهلي عنّي واهتمامهم بـأنفسهم كان لديّ فراغ قاتل ولم أعرف أين أذهب به ، ورغم عدم ذهابي للجامعة كثيراً إلا أنني في يوم قررت الذهاب من شدة الفراغ وقدت سيارتي بسرعة جنونية في الجامعة حتى صدمت شاباً ، وفي هذه اللحظة شعرت أنني سـأذهب للسجن ...
نزلت من سيارتي وحاولت إسعاف هذا الشاب فـوجدته ملقياً على الأرض وكان يردد ( الحمدلله على كل شيء ) عندها تنفست الصعداء وشعرت أن الضربة لم تكن قوية وذلك لإنني أستخدمت كوابح السيارة بـكل قوة قبل اصطدامي به ، مددت يدي له وأخبرته أنني سآخذه للمشفى حتى أطمئن عليه فـرفض بشدة وقال أنه بخير ، ورغم هذا لم أتركه يذهب وأخذته إلى
بيتنا فـرأى ما رأى من جمال وترف وأنبهر كثيراً ، وتلت هذه المرة عدة مرات أتى فيها إلى بيتي ، ومنذ تلك الأيام وأصبح ياسين صديقي الصدوق وكان أول صديق وآخر صديق ...!!!!
تعرفي عليه جعلني أذهب للجامعة بــشكل دائم وحتى أنه عرفني على حبيبته سندس الجميلة ذات يومٍ في الجامعة وكنت مذهولا بـجمالها ، وحدث شيئ لم أكن أتوقعه فقد كان لزاماً على ياسين أن يذهب إلى عمله كل مساء
فـتركنا أنا وسندس وحدنا في الجامعة وذهب ياسين مضطراً ، ولا أدري لماذا شعرت في هذه اللحظة أن سندس ستكون لي رغم أنها حبيبة ياسين صديقي
!!!
تماديت في الأمر وأخبرتها أنني معجب بها ولدي مال وفير وأستطيع أن أسعدكِ بــحياة فارهة تحققين فيها كل أمانيكِ ورغباتكِ و واصلت كلامي وأخبرتها أن ياسين فقير جداً ولا يستطيع أن يتخلى مسؤوليته تجاه أهله
فـهو معيلهم وهما محتاجون إليه بـسبب مرض أبيه ...
تفاجأت سندس من كلامي ورمقتني بنظرات فهمت مغزاها ، ولكني لم أتمالك نفسي أمام جمالها وسطوتها الأنثوية وحسدت ياسين عليها وتابعت كلامي معها وطلبت يدها للزواج وأخبرتها بأنني جاد وليس مثل ياسين الذي فرصته بــزواجه منكِ معدومة إن لم تكن مستحيلة ...
وجدتها أستسلمت لـكلماتي التي جاءت على وتر حساس فـسندس هي أيضاً من عائلة فقيرة وتدرس بالجامعة على نفقة الدولة لإنها حصلت على معدل عالي قبل الجامعة ، وكل ماقالته بعد وقت من الصمت المعبر
( أمهلني وقتاً أفكر ) !
.
.
.
ياسين
منذ أن عرفت خالد على سندس لم أراها في ذلك الوقت وحتى أنها انقطعت عن الجامعة وعندما كنت أتصل بها كانت تتحجج بـالمرض ومساعدة أمها في شؤون البيت ، ووجدتها تغيرت كل طباعها فجأة فلم تعد تخبرني بشوقها الجامح وللمرة الأولى منذ أن عرفتها شعرت بـأن سندس لن تكون لي ، غير أني لم أكن أعرف أسباب هذا الجفاء المفاجئ ....!
جاءت سندس إلى الجامعة بعد مدةٍ طويلة وكانت هذه المرة آخر مرة ألتقيها فيها ، جاءت لـتخبرني بـكل استخفاف وضمير مزيف وخداع ونكث للعهود والوعود بأنها سـتتزوج من خالد الذي يمتلك أهله بنكاً من المال ، كانت صدمة قوية جعلتني أتخرج بـشهادة من هذه الحياة غير الشهادة التي حصلت عليها من جامعتي ...!
بدأت أذكرها بـكل وعودها لي وتلك الأحلام الجميلة والأماني المعلقة التي حلمنا بها وحبي لها .. عندها ردت عليّ قائلة بأن حبي وكل تلك الأماني والوعود لن تحقق رغباتها وأنني فقير جداً ولا أقدر أن أسعدها .
تركتها ورجعت بيتي وشعرت كـأنني أختنق وبقيت في بيتنا أيام عديدة وأنا حبيس غرفتي أبكي وأنحب كالأرامل ولم تجف دموعي مدة طويلة من تلك الخديعة ، فقد شعرت بـتفاهة الحب الذي يبيعنا لأننا فقـــــــــــراء !
.
.
.
سندس
صُدم ياسين من ماصرحت به إليه ولم أراه بعدها ، وفي هذه الأثناء تقدم خالد خطبتي بـرفقة أباه وأمه وفرحوا أهلي بــهذا الأمر لإنه من عائلة ثرية طبعاً ، ولا أدري لماذا ظل هناك إحساس بــداخلي بـأن خالد سـيغدر بي يوماً ما مثلما فعل مع صديقه ياسين حبيبي الأسبق ، ورغم هذا الإحساس لم أمانع زواجي من خالد فــتزوجني ومرت سنة واحدة على زواجنا عيشني فيها خالد بــكل أنواع العذاب ، فقد تبين لي لاحقاً خلال عشرتي به أنه لايحب أحداً من بني البشر حتى أمه وأباه بـسبب عقدته من أهله لإنهما لم يكونا يهتمان به ، سألته ذات يوم لماذا تزوجتني فـأجاب أنه لم يستطع رؤية ياسين ذالك الفقير المعدم حسب ماقاله أن يظفر بي !
هو الحسد عندمل يعتمل في النفس البشرية فـيحولها إلى كتلة بلا مشاعر وأحاسيس ، لم أستطع أن أكمل حياتي مع خالد فقد كان يضربني بشدة ولا يتركني أذهب إلى بيت أهلي ولا لأي مكان ودائماً كان يناديني بـأقبح الكلمات ، عندها شعرت أنني أستحق كل هذا وأقتنعت تماماً بـأنه عقاب من الله
لــخيانتي لـياسين ونكث كل عهودي و وعودي بــسبب البحث عن سعادة زائفة ...
طلبت الطلاق من خالد فـوافق فوراً ولكنه كان يحضر رداً صعقني به ولا أنسى ماقاله أبداً .. بـأن من يغدر بحبيبه فـهذا نصيبه من العذاب والخزي !!
.
.
.
ياسين
عندما نحب نوهب قلوبنا لـمن نحب ولايهمنا إن كنا سـنشقى في حبهم أم لا ....... !
وهذا ماحصل معي بـسبب خيانة سندس وخالد ، أصبحت أكره كل شيء ولم تعد لي رغبة بــالحياة حتى مضى وقت طويل وشعرت أنني أنهك نفسي ويكفيني حزناً ونواحاً فــلن تقف الحياة عند من يبيع ضميره ويكشف القناع عن وجهه لــيرينا ماتخفي كواليسه .
أصبحت أجتهد بدراستي وإعالة أهلي حتى مضت سنين وعندما تخرجت من الجامعة تعينت في جريدة مشهورة فقد درست الصحافة والإعلام وبدأت أتدرب ليلاً ونهاراً ومرت سنوات من الجهد والتعب وأتقيت في فكري وأصبحت أكتب مقالات في الجريدة وكنت بـحاجة لأجعل من حياتي شكلاً أجمل ، فـتذكرت أمنيتي القديمة وحلمي بـكتابة رواية ونشرها ، وبـالفعل بدأت وتحمست وتعجبت من تلك الطاقة التي دبت في عروقي فـتناسيت ماحدث وقلت في نفسي أننا بني البشر لولا النسيان ما كان لأصبنا بـالجنون ...!
ها أنا على طريق كتابة اول فصول الرواية ....!
_____________________________________________________
آخر تعديل بواسطة المشرف: