محب السلف
:: عضو منتسِب ::
الحمد لله الولي الحميد ، العظيم المجيد ، الفعّالِ لما يريد ، ذي العرش المجيد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مُقرٍّ له بالتوحيد ، منـزِّه له عن الشريك والنّديد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أولي الفضائل والمكارم وكل خُلق حميد ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد معاشر المؤمنين عباد الله : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه في السر والعلانية والغيب والشهادة مراقبة من يعلم أن ربّه يسمعه ويراه ، وتقوى الله جلّ و علا : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
عباد الله : اعلموا - رعاكم الله - أنّ أعظم المقاصد وأجلّ الغايات وأنبل الأهداف توحيدُ ربِّ الأرض والسماوات، والإقرار له جلّ وعلا بالوحدانية ، وإفراده جلّ وعلا بالذّل والخضوع والانكسار ، وإسلام الوجه له خضوعاً وتذللاً رغباً ورهباً ، خوفاً ورجاءً ، سُجوداً ورُكوعاً ، وإخلاصُ الدّين له جلّ وعلا ، والبراءةُ من الشرك كلِّه قليله وكثيره دقيقه وجليله ، فهذه - عباد الله - هي الغاية العظمى التي خُلق الخلق لأجلها وأُوجدوا لتحقيقها ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات:56] وهي الغاية التي أرسل الله جلّ وعلا لأجلها رسله الكرام وأنزل كتبه العظام ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل:36]، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25].
عباد الله : وبالتوحيد يحيا العبد حياة حقيقية ملؤها رضا الرحمن والفوز بالكرامة والإنعام ، وبدون التوحيد يحيا حياة بهيمة الأنعام ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ [الفرقان:44] إنّ فاقد التوحيد ميّت ولو كان يمشي على الأرض ، ومحقّق التوحيد هو الذي يحيا الحياة الحقيقية ، يقول الله جلّ وعلا: ﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [الأنعام:122] أي أحييناه بالإيمان والتوحيد ، ويقول جلّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال:24].
وبالتوحيد - عباد الله - أمن الأوطان وراحة الأبدان وسعادة الناس ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام:82] ، ويقول جلّ وعلا : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾ [النور:55].
وبالتوحيد - عباد الله - سعادة الإنسان وطمأنينته وراحته يقول الله جلّ وعلا : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:97]، ويقول جلّ وعلا: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه:123-124] ، ويقول جلّ وعلا: ﴿ طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾ [طه:1-2] أي إنما أنزلناه عليك لتسعد به ويسعد به من اتّبعك .
عباد الله : وبالتوحيد تنـزاح عن القلب الأوهام وتنطرد الوساوس والأفكار الرديئة ، ويحصل للقلب طمأنينته وراحته وهدوؤه وسكونه ،
يقول الله جل وعلا : ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ ﴾ وهذا توحيد الله ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾ [سورة الناس] ، وبالتوحيد - عباد الله - تنطرد الشياطين ولا تطيق البقاء في مكان يُصدع فيه بالتوحيد ، وإذا سمع الشيطان الأذان ولّى وله ضراط ، والأذان كلّه توحيد وتمجيد وتعظيم لله جل وعلا ، وآية الكرسي هي آية التوحيد وبيان براهينه وحججه ودلائله وبيناته ، وإذا قرأ المؤمن آية الكرسي إذا آوى إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظا ولا يقربه شيطان حتى يصبح .
وبالتوحيد - عباد الله - يسلم العبد بإذن الله من كيد الأشرار ؛ من السحرة والكهنة والعرافين ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحج:38] ، ﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم:47].
عباد الله : وبالتوحيد ينال العبد الخيرات كلِّها وسعادة الدنيا والآخرة ، فإن الله جلّ وعلا قضى في حكمه العظيم أنّ السعادة والنعيم إنما يكون لأهل الإيمان والتوحيد في دنياهم ، وفي قبورهم ، وفي أخراهم ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ [الانفطار:13].
نسأل الله جلّ وعلا أن يحينا موحِّدين لله ، مخلصين الدّين له ، مؤمنين به جل في علاه ، معظمين لجنابه ، وأن يعيذنا أجمعين من الشّرك كله دقيقه وجليله وقليله وكثيره .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد عباد الله : فإنَّ توحيد الله جلّ وعلا هو أوْلى أمرٍ وأعظم أمر ينبغي أن يذكّر به الناس قال الله تعالى : ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات:56]. والعبد بينه وبين نفسه يحتاج إلى تقوية إيمانه وتجديد إسلامه وتقوية صلته بربِّه جلّ وعلا قال صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ الإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الخَلِق ، فَاسْألُوا اللهَ أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ )) . وفي خضم الفتن الصارفة والأهواء الجارفة والفتن العاصفة يحتاج الناس إلى التأكيد على التوحيد ، ويحتاج الصغار إلى أن ينشّئوا عليه تنشئة عظيمة جليلة ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان:13] .
عباد الله : واعلموا - رعاكم الله - أن هذه الحياة دار ممرٍّ وليست بدار قرار ، وأن الجزاء على الأعمال يوم لقاء الله ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء:88-89] ؛ سليمٍ من الشرك، وسليمٍ مما يُسخط الله جلّ و علا.
والكيِّس من عبادِ الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله ، و خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة . وصلوا وسلموا- رعاكم- الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وارضّ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبي الحسنين علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنّك و كرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين ودمِّر أعداء الدين واحم حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهمّ آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن يخافك ويخشاك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، زكِّها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها. اللّهم أعنّا ولا تعِن علينا ، وانصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا ، واهدنا ويسِّر الهدى لنا ، وانصرنا على من بغى علينا.
اللهمّ اجعلنا لك ذاكرين ، لك شاكرين ، إليك أوّاهين منيبين ، لك مخبتين لك مطيعين . اللهم تقبَّل توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وثبِّت حجّتنا ، وسدِّد ألسنتنا ، وأجب دعوتنا ، واسلل سخيمة صدورنا. اللّهمّ وأصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا واجعلنا مباركين أينما كنا.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجله ، أوله وآخره ، سره وعلنه. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ربَّنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ) وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ( .
أما بعد معاشر المؤمنين عباد الله : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه في السر والعلانية والغيب والشهادة مراقبة من يعلم أن ربّه يسمعه ويراه ، وتقوى الله جلّ و علا : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
عباد الله : اعلموا - رعاكم الله - أنّ أعظم المقاصد وأجلّ الغايات وأنبل الأهداف توحيدُ ربِّ الأرض والسماوات، والإقرار له جلّ وعلا بالوحدانية ، وإفراده جلّ وعلا بالذّل والخضوع والانكسار ، وإسلام الوجه له خضوعاً وتذللاً رغباً ورهباً ، خوفاً ورجاءً ، سُجوداً ورُكوعاً ، وإخلاصُ الدّين له جلّ وعلا ، والبراءةُ من الشرك كلِّه قليله وكثيره دقيقه وجليله ، فهذه - عباد الله - هي الغاية العظمى التي خُلق الخلق لأجلها وأُوجدوا لتحقيقها ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات:56] وهي الغاية التي أرسل الله جلّ وعلا لأجلها رسله الكرام وأنزل كتبه العظام ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل:36]، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25].
عباد الله : وبالتوحيد يحيا العبد حياة حقيقية ملؤها رضا الرحمن والفوز بالكرامة والإنعام ، وبدون التوحيد يحيا حياة بهيمة الأنعام ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ [الفرقان:44] إنّ فاقد التوحيد ميّت ولو كان يمشي على الأرض ، ومحقّق التوحيد هو الذي يحيا الحياة الحقيقية ، يقول الله جلّ وعلا: ﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [الأنعام:122] أي أحييناه بالإيمان والتوحيد ، ويقول جلّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال:24].
وبالتوحيد - عباد الله - أمن الأوطان وراحة الأبدان وسعادة الناس ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام:82] ، ويقول جلّ وعلا : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾ [النور:55].
وبالتوحيد - عباد الله - سعادة الإنسان وطمأنينته وراحته يقول الله جلّ وعلا : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:97]، ويقول جلّ وعلا: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه:123-124] ، ويقول جلّ وعلا: ﴿ طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى﴾ [طه:1-2] أي إنما أنزلناه عليك لتسعد به ويسعد به من اتّبعك .
عباد الله : وبالتوحيد تنـزاح عن القلب الأوهام وتنطرد الوساوس والأفكار الرديئة ، ويحصل للقلب طمأنينته وراحته وهدوؤه وسكونه ،
يقول الله جل وعلا : ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ ﴾ وهذا توحيد الله ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾ [سورة الناس] ، وبالتوحيد - عباد الله - تنطرد الشياطين ولا تطيق البقاء في مكان يُصدع فيه بالتوحيد ، وإذا سمع الشيطان الأذان ولّى وله ضراط ، والأذان كلّه توحيد وتمجيد وتعظيم لله جل وعلا ، وآية الكرسي هي آية التوحيد وبيان براهينه وحججه ودلائله وبيناته ، وإذا قرأ المؤمن آية الكرسي إذا آوى إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظا ولا يقربه شيطان حتى يصبح .
وبالتوحيد - عباد الله - يسلم العبد بإذن الله من كيد الأشرار ؛ من السحرة والكهنة والعرافين ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحج:38] ، ﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم:47].
عباد الله : وبالتوحيد ينال العبد الخيرات كلِّها وسعادة الدنيا والآخرة ، فإن الله جلّ وعلا قضى في حكمه العظيم أنّ السعادة والنعيم إنما يكون لأهل الإيمان والتوحيد في دنياهم ، وفي قبورهم ، وفي أخراهم ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ [الانفطار:13].
نسأل الله جلّ وعلا أن يحينا موحِّدين لله ، مخلصين الدّين له ، مؤمنين به جل في علاه ، معظمين لجنابه ، وأن يعيذنا أجمعين من الشّرك كله دقيقه وجليله وقليله وكثيره .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد عباد الله : فإنَّ توحيد الله جلّ وعلا هو أوْلى أمرٍ وأعظم أمر ينبغي أن يذكّر به الناس قال الله تعالى : ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات:56]. والعبد بينه وبين نفسه يحتاج إلى تقوية إيمانه وتجديد إسلامه وتقوية صلته بربِّه جلّ وعلا قال صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ الإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الخَلِق ، فَاسْألُوا اللهَ أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ )) . وفي خضم الفتن الصارفة والأهواء الجارفة والفتن العاصفة يحتاج الناس إلى التأكيد على التوحيد ، ويحتاج الصغار إلى أن ينشّئوا عليه تنشئة عظيمة جليلة ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان:13] .
عباد الله : واعلموا - رعاكم الله - أن هذه الحياة دار ممرٍّ وليست بدار قرار ، وأن الجزاء على الأعمال يوم لقاء الله ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء:88-89] ؛ سليمٍ من الشرك، وسليمٍ مما يُسخط الله جلّ و علا.
والكيِّس من عبادِ الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله ، و خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة . وصلوا وسلموا- رعاكم- الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وارضّ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذي النورين ، وأبي الحسنين علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنّك و كرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين ودمِّر أعداء الدين واحم حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهمّ آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن يخافك ويخشاك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، زكِّها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها. اللّهم أعنّا ولا تعِن علينا ، وانصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا ، واهدنا ويسِّر الهدى لنا ، وانصرنا على من بغى علينا.
اللهمّ اجعلنا لك ذاكرين ، لك شاكرين ، إليك أوّاهين منيبين ، لك مخبتين لك مطيعين . اللهم تقبَّل توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وثبِّت حجّتنا ، وسدِّد ألسنتنا ، وأجب دعوتنا ، واسلل سخيمة صدورنا. اللّهمّ وأصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا واجعلنا مباركين أينما كنا.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجله ، أوله وآخره ، سره وعلنه. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ربَّنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ) وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ( .