الفرص التي لا تعوض!!؟
د.محمد بن إبراهيم النعيم
كثيرا ما نسمع ونقرأ في مختلف الوسائل الإعلامية بعض الإعلانات، والدعايات التجارية عن عقارات أو معارض أو مجمعات تجارية فيها من التنزيلات والتخفيضات التي قد تشد الأنظار، لا سيما إذا رافقها بعض العبارات الملفتة للنظر كقولهم: (لا تدع الفرصة تفوتك)، وقولهمفرصة العمر)، وقولهمآخر فرصة)، وقولهمفرصة لا تعوض)، وقولهمحقق أحلامك، ولا تدع الفرصة تفوتك)، وقولهماغتنم الفرصة الأخيرة)، وقولهم: (اغتنم الفرصة وتسوق قبل انتهاء فترة العرض)، ونحوها من كلمات وعبارات تجارية رنانة.
إننا نجد كثيرا من الناس قَصر وحجّر استخدام كلمةالفرصة) على النواحي المادية، وقلما أن تستخدم في مكانها الحقيقي، لتمثل فرصة العمر على حقيقتها، وأقصد أن تستخدم كلمة الفرصة لأمر الآخرة.
إن في حياة المسلم فرصا كثيرة لكسب الخير: قد لا تعوض البتة طوال الحياة، وكثير من الناس لا يلتفتون إلى ذلك.
فهناك فرص قد لا تتكرر في حياتنا، فهلا انتبهنا لذلك!!؟.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»([1]).
قوله صلى الله عليه وسلم:" اغتنم خمسا قبل خمس"، أي: اظفر على وجه المغالبة وقهر النفس خمس نِعَمٍ قبل خمس محن)، فإن النعمة لا تدوم على ما هي عليه في جميع الأحوال؛ لأنه كما يقال:" من المحال دوام الحال"، فالشباب يبلى ويذبل، والصحة تضعف وتنكمش، والمال ظِلٌ زائلٌ سرعان ما يذهب ويزول وينتقل من موروث إلى وارث، والفراغ نعمة من النعم التي يُغبن فيها الإنسان، وسرعان ما تأتي الشواغل على حين غفلة، فيجد المرء نفسه عاجزا عن تحقيق مآربه وأحلامه!!؟؛ بل وحتى الواجبات التي عليه؛ لفوات وقت الفراغ، وضياع الفرصة التي لم يغتنمها!!؟.
والحياة أنفاس معدودة تنقطع بالموت في وقت ربما لا يكون في الحسبان، فيندم المرء على ضياع العمر فيما لا ينفع، ولا يجديه ذلك الندم شيئا!!؟.
فالفرصة إذا لم تُنتهز، فهي غُصة، قال خالد بن معدان:" إذ فُتح لأحدكم باب خير، فليسرع إليه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه!!؟".
فاغتنم كما يقول لك الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم:"اغتنم خمس فرص قبل فواتها!!؟".
و" أول تلك الفرص: أن تغتنم شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ"، أن تغتنم هذا القدر من العمر فيما ينفعك في دينك ودنياك، ولا تضيعه في اللهو والعبث والشهوات.
إن الشباب هو: زمن العمل الجاد، لأنه:" فترة قوة بين ضعفين: ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة"، والشباب هو: وقت القدرة على الطاعة على تمامها، والشباب ضيف سريع الرحيل، فإن لم يغتنمه العاقل: تقطعت نفسه بعده حسرات!!؟.
إن الواحد منا يمرُ بعدة مراحل طوال حياته، فمرحلة الطفولة ثم مرحلة الشباب ثم مرحلة الكهولة ثم مرحلة الشيخوخة.
ولقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم بأن تكون مرحلة الشباب في حياة الفرد مليئة بالطاعات، ومرحلة الشباب هي التي لا يتجاوز فيها العمر على ثلاثين سنة، وما زاد عن ذلك حتى أربعين سنة يسمى المرء فيها كهلا، فالذي تجاوز الثلاثين سنة ولم ينشأ على طاعة الله: فاتته فرصة عظيمة هي:" الاستظلال تحت ظل عرش الرحمن يوم القيامة"؛ يوم تدنو الشمس من الخلائق بمقدار ميل، فيغرق الناس في العرق على قدر أعمالهم.
قال صلى الله عليه وسلم:" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: شاب نشأ بعبادة الله..."([2]) .
فيا حسرة الرجل منا الذي تجاوز الثلاثين عاما، ومرت عليه مرحلة الشباب، ولم ينشأ على طاعة الله، إنها فرصة فاتت، ولن تعوض!!؟.
أخي المسلم:
إذا فاتتك هذه الفرصة التي لن تعوض البتة، فلا يفتك أن تعلق قلبك بالمساجد، وأن تخفي صدقتك كي لا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك، وأن تفيض عينك عند ذكر الله خاليا؛ كي لا تُحرم من الاستظلال تحت ظل عرش الرحمن.
للامانة منقول للافادة