النشأة : إخوان الصفاء وخلان الوفاء ويعرفون أيضا أهل العدل وأبناء الحمد وهي إمتداد للحركة الباطنية الإسماعيلية (الشيعية)، نشأت في منتصف القرن الرابع الهجري (القرن العاشر ميلادي) بالبصرة ما بين سنتي 334 ـ 373 هـ [1]، لها دين مزيج بين الإسلام والوثنية[2].
و هم جمع من العلماء آنذاك صنفوا مجموعة من الرسائل اعتبروها مذهبا، زعموا أنهم بعدما دنست الشريعة بالضلالات والجهالات، لابد من سبيل آخر يقرب من الفوز برضوان الله سبحانه وتعالى ولا يكون ذلك إلا بالفلسفة والحكمة، فمتى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة الإسلامية فقد يحصل الكمال، فصنفوا اثنين وخمسين رسالة في جميع أجزاء الفلسفة علميا وعمليا وأفردوا لها فهرسة وسموها برسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء[3].
.
.
.
يتبع
اختلف الناس في أسماء من صنفوا هذه الرسائل، ولعل هذا الاختلاف يعود إلى السرية التامة التي أحاط بها إخوان الصفا أنفسهم في تطوير نظام حركتهم الهدامة وهو ما يعرف في التاريخ الإسلامي (بالتقية)، وهو أسلوب استعمله الرافضة والفرق الباطنية للتعمية عن أخبارها وعدم الاهتداء إلى أعضائها، فظهور الرسائل وانتشارها بين الوراقين وفي المجالس الأدبية والعلمية، تلك غاية كانت ضمن سياق خطة مؤلفيها لإثارة لغط واسع في الأوساط العلمية وبين جمهور الناس عن شخصيات المصنفين، بالإضافة إلى تأثير نفسي لدى المتلقي يفرض عليه البحث وراء سرِّ هؤلاء من خلال قيادته إلى قراءة الرسائل، ومن ثم التأثر والتفاعل مع ما ورد فيها من أفكار وآراء.
يقول أبو حيان التوحيدي أنه اثناء منادمته وزير صمصام الدولة البويهي أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن سعدان بلغه أن مؤلفي رسائل إخوان الصفاء هم:
01 ـ زيد بن رفاعة : وهو زيد بن عبد الله بن مسعود بن رفاعة أو الخير الهاشمي كان له ذكاء غالب وذهن وقاد ومتسع في قول النظم والشعر مع الكتابة البارعة في الحساب والبلاغة، حفظ أيام الناس وسماع المقالات، وتبصر في الآراء والديانات وتصرف في كل فن إما الشدو الموهمواما بالتوسط المفهمواما بالتناهي المفحم. [1] قال عنه الامام الذهبي "أبو الخير لا صحبه الله بخيرا له كتاب أربعين حديثا باطلة"، وقال عنه ابن حجر العسقلاني معروف بوضع الحديث على فلسفة فيه، وكان معاصرا للصاحب ابن عباد .
02ـ أبو سليمان محمد بن هارون البيستي المعروف بالمقدسي
هكذا ذكره التوحيدي، وكذلك الشهرزوري والبيهقي وقد وضعه الشهرستاني بين فلاسفة الإسلام من طبقة الكندي والفارابي.
03ـ أبو أحمد المهرجاني هو شاعر متوسط الطبقة من أهالي البصرة، له في العروض تصانيف، كان سيء المذهب متظاهراً بالإلحاد، غير كاتم له، ولم يتزوج قط، كان قوي الطبقة في الفلسفة وعلوم الأوائل مات سنة 403 هـ .
04 ـ أبو الحسن علي بن هارون الزنجاني
هناك بعض الاختلاف في اسم والده، ونسبته، ففي بعض النسخ من الإمتاع والمؤانسة جاء "الريحاني" بدل الزنجاني.
05 ـ أبو الحسن العوفي: هو من أهل البصرة يذكر صاحب كتاب كشف الضنون أنه العوقي لا العوفي ويذكر أن رسالة في أقسام الموجودات وتفسيره بأنها للعوفي، ويذكر أنه من جملة الفلاسفة أنذاك.
ولم أعثر على ترجمة للبقية إلا ما جاء في كشف الظنون كما سبق الإشارة إليه.
يعتمد نظام إخوان الصفاء على السرية التامة في دعوتهم ويؤخذ على العضو الجديد الذي ينتسب إليهم أن يكون مضحيا بنفسه، تابعا لرئيسه ومطيعا له حتى الموت ويخضع هذا النظام إلى نظامي المراتب والمجالس.
يقضي نظامهم بأن يجتمعوا كل إثني عشر يوما مرة واحدة، في مكان آمن يتفقون عليه مسبقا، يبرُزُ لهم الرئيس في هيئة جليلة يرتدي ثيابا خاصة لهذه المناسبة، فإذا واجههم يتلو عليهم من حكمته حسب ما تتسع إليه أذهانهم، ولا يقتصر على ذلك بل يتتبع كل عضو في حياته ويمتحن إيمانه في أمور دنياه مثل الابتعاد عن أهله وتكليفه بمهام صعبة يتأكد من خلاله على استعداده للتضحية في سبيل الجماعة.
تقسم إخوان الصفاء إلى ثلاث طبقات لكل فئة مباحثها وهمومها وقضاياها التي تتناقش فيها:
ـ الطبقة الأولى:شبان تتراوح أعماره بين خمسة عشرة و ثلاثين سنة، يطلب منهم أن ينقادوا لأساتذتهم إنقيادا تاما، أكثر ما تتناقش وتتجادل فيه علم النفس والحس والمحسوس والعقل والمعقول والنظر في الكتب الإلهية والتنزيلات النبوية ويتذاكرون أيضا الحساب والهندسة والنجوم.
كان إخوان الصفاء حريصين على نشر دعوتهم بين الشباب دون الشيوخ لقناعتهم أن نفوس الشباب مثل ورق أبيض نقي لم يكتب عليه شيء، فتستقر الدعوة في نفوسهم وتتمكن ".. فينبغي لك أيها الأخ ألا تشغل بإصلاح المشايخ الهرمة الذين اعتقدوا من الصبا آراء فاسدة، وعادات رديئة، وأخلاقا وحشية، فإنهم يتبعونك ثم لا ينصلحون، وإن صلحوا قليلا فلا يفلحون، ولكن عليك بالشباب السالمي الصدور، الراغبين في الآداب، المبتدئين بالنظر في العلوم" إذ يكون بذلك خلق جيلًا جديدًا لا يعرف الهوى والجدل، غير متعصب على المذهب، ويستدل الإخوان لوجهة نظرهم هذه، بأن الله تعالى "ما بعث نبيًا إلا وهو شاب، ولا أعطى لعبد حكمة إلا وهو شاب، كما ذكرهم ومدحهم فقال عز وجل "إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى"
ـ الطبقة الثانية:رجال بين الثلاثين والأربعين تفتح لهم أبواب الحكمة الدنيوية ويتلقون معرفة بالاشياء بطريق الرمز.
ـ الطبقة الثالثة:اذا قارب أحدهم الخمسين إرتقى إلى الطبقة العليا وصار يشهد حقائق الأشياء على ماهية عليه كالملائكة المقربين ففي مقامه هذا يكون فوق الطبيعة والشريعة والناموس[1]
ـ الطبقة الرابعة:مرتبة من يزيد عن الخمسين سنة وهي أعلى المراتب في نظرهم، ومن يصل إليها يكون فوق الطبيعة والناموس، ويكون اذا كشف يستطيع أن يشاهد به أحوال القيامة من البعث والنشور والحساب والميزان [2]
[1] الرسائل ص4 طبعة مصر 1928.
[2] اخوان الصفا عمر الدسوقي ص 76
تتكون رسائل إخوان الصفاء من إثنين وخمسين رسالة في جميع أجزاء
الفلسفة علميا وعمليا وقسموها إلى أربعة أقسام
ـ الرسائل الرياضية التعليمية وعدد أربع عشرة رسالة
ـ الرسائل الجسمانية الطبيعة وعددها سبع عشرة رسالة
ـ الرسائل النفسانية العقلانية وعددها عشرة رسائل
ـ الرسائل الناموسية الإلهية والشرعية وعددها إحدى عشرة رسالة
يقولون في رسائلهم" وأعلم يا أخي أننا قد عملنا إحدى وخمسين رسالة في فنون الآداب وغرائب العلوم وطرائف الحكم إذا نظر فيها إخواننا وسمع قراءتها أهل شيعتنا وعرفوا حقيقة ما هم مقرون به من تفضي بيت أهل النبي صلى الله عليه وسلم لإنهم خزان علم الله"[1]
يعتبرون رسائلهم مقدسة عن الإسماعيلية لدرجة تصل إلى منزلة القرآن الكريم ويزعم أحد دعاتهم المعاصرين الدكتور حسين الهمذاني وهو من الشيعة الإسماعيلية الطيبية أن القرآن الكريم كتاب العامة، ورسائل إخوان الصفاء كتاب الأئمة.[2]
ويقول إبراهيم السيفي داعية الإسماعيلية الطيبية المطلق المتوفى سنة 1236 في كتابه (تحفة رسائل الإخوان)، سمعت بعض الإخوان يقول رسائل إخوان الصفاء هي القرآن بعد القرآن، وهي قرآن العلم، كما أن القرآن قرآن الوحي، وهي قرآن الإمامة وهو قرآن النبوة".[3]
رسائل إخوان الصفاء إشترك في تأليفها جماعة من العلماء تتباين في معارفهم وأساليبهم. [4]
من هو الرجل الكامل عند إخوان الصفاء؟
ـ فارسي النسب
ـ عربي الدين
ـ عراقي الآداب
ـ عبراني المخبر
ـ مسيحي المنهج
ـ شامي النسك
ـ يوناني العلم
ـ هندي البصيرة
ـ صوفي السيرة
ـ فلكي الأخلاق
ـ رباني الرأي
ـ إلهي المعارف
[1] إخوان الصفاء ص 233
ـ يقول الدكتور جبور عبد النور: إخوان الصفاء علويون باطنيون وإسماعيليون ومعتزلة وفيثاغورثيون وأفلاطونيون ومجوس وإن في نفوسهم ميلا للوثنية[1] ، لأن هذا الخليط من العقائد والفلسفات هو مصدر العقائد الإسماعيلية، فالكتاب الإسماعيليون يستشهدون بأقوال الأنبياء والفلاسفة جنبا إلى جنب، لاعتبارهم في مصاف الأنبياء.[2]
ـ و يقول المستشرق كوريان: لم يكن إخوان الصفاء جماعة ألف بين قلوبهم المذهب الشيعي وحسب، بل كانوا جماعة فكرية ذات نزعة إسماعيلية خاصة بالرغم من أن كتباتهم الحذرة لا تكشف عن الأمر إلا لأولي العلم والإدراك، وإذا ثبت عندنا أن عدة نسخ من رسائلهم كانت توزع سرا في المساجد، فالغرض منها برأي التعليم الإسماعيلي توعية من له القدرة على المعرفة بأن هناك أمور وراء الشريعة.[3]
ـ ويقول الدكتور محمد أحمد الخطيب أن علاقة إخوان الصفاء بالإسماعيلية لا تشوبها شائبة، فجميع الشواهد التاريخية والفكرية التي تغص بها الرسائل تؤيد هذه العلاقة، لعدة شواهد أهمها إقرارهم بوجود علوم سرية توارثها أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعتبارهم خزنة علم الله، ودعوتهم إلى إمام مستور، والحديث عن دور الكشف ودور الستر للأئمة، وهذه الأمور كلها من عقائد الإسماعيلية.[4]
إضافة إلى أن الإسماعيلية النزارية أو المستعلية رغم خلافهم إلا أنهم يعظمون الرسائل ويقدسونها، كما أوضح أغاخان زعيم الإسماعيلية النزارية، أن الحشاشين المعروفين بغلوهم كانت الرسائل تدرس في قلاعهم.
ـ ويضيف المستشرق (ماكدونالد) حين استولى المغول على قلعة آلموت وجدوها غنية برسائل إخوان الصفاء وبآلات هندسية ورياضية وفلكية من كل نوع، إذ أن ما تخفيه هذه الرسائل في طياتها هي الآراء الخفية للفاطميين والحشاشين والقرامطة والدروز.[5]
ـ لقد أقر إخوان الصفاء على أنفسهم بالتشيع في غير موضع من رسائلهم فمن ذلك قولهم بعد كلامهم عن الرسائل وعددها والسبب الذي دعاهم لكتابتها (لكيما إذا نظر فيها إخواننا وسمع قراءتها أهل شيعتنا، وفهموا بعض معانيها، وعرفوا ما هم مقرون به، من تفضيل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم خزان علم الله، و وارثوا علم النبوات، تبين له ما يعتقدون فيهم من العلم، والفهم، التمييز، والبصيرة في الأفاق) [6]
ومنها (وأعلم يا أخي بأن لكل نفس من المؤمنين أبوين في عالم الأرواح كما أن لأجسادهم أبوين في عالم الأجساد، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه، أنا وأنت يا علي أبوا هذه الأمة، وهذه الأبوة روحانية لا جسدية)[7]
[1] إخوان الصفاء – جبور عبد النور
[2] الحركات الباطنية في العالم الإسلامي محمد أحمد الخطيب ص176
التقية هي أحد المبادئ المشهورة عند الشيعة وفي القرآن (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة)[1] ومعناها أن يحافظ المرء على عرضه أو على نفسه أو ماله مخافة عدوه، فيظهر غير ما يضمر، فهي مُدَاراةٌ وكتمان وتظاهر بغير الحقيقة.
والتقية عند الشيعة هي جزء من نظامهم السري وتعاليمهم في سبيل الوصول إلى الخلافة، فإذا أراد إمام الخروج والثورة على الخليفة وضع لذلك نظاما وتدابير وأعلم أصحابه بذلك فتكتموه، و أظهروا له الطاعة حتى يتم لهم المراد فعملهم هذا تقية، وقد روى الكليني في التقية أخبار عن ابي عبد الله انه قال (تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له) ويعتمد على قوله تعال( أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا)[2] أي بما صبروا على التقية.[3]
ـ وقد قال إخوان الصفاء عن التقية مثل ما قال الشيعة (ثم اليوم الرابع يوم الحزن والكآبة، يوم رجوعنا إلى كهفنا وكهف التقية والإستتار، فيكون الأمر مثل ما نحن عليه في وقتنا إلى وقت البروز)[4]
