- إنضم
- 19 ماي 2011
- المشاركات
- 7,671
- نقاط التفاعل
- 11,989
- النقاط
- 356
- محل الإقامة
- أرض الله الواسعة
- الجنس
- أنثى
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
إلى من شاء الله ابتلاءهم بالشدائد والكروب.. وإلى من أراد تمحيصهم بالأسقام علام الغيوب.. فذاك مريض فقد صحته.. وآخر حار في معرفة سقمه وفهم علته.. وثالث خارت قواه وزالت بشاشته.. وهم- مع ذلك-...ذاكرون شاكرون، وصابرون محتسبون...تأملوا . فكم من نعمة لو أعطيها العبد كانت داءه، وكم من محروم من نعمة حرمانه شفاؤه.. { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم } [البقرة:216]
أخ/تي المريض/ة.. شفاك الله وعافاك، ومن كل سقم وبلاء حماك.. فهذه وقفات مطعمة بنور الوحي، ومعطرة بعبير الرسالة.. أسأل الله تعالى أن يجعل في ذكرها عزاء، وشفاء
الوقفة الأولى.. المتاع الزائل...
تلكم هي الدنيا التي اغتر بها كثير من الناس فجعلها منتهى أمله، وأكبر همه..وصفها ربها بقوله : { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب } [العنكبوت: 64] { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } [الحديد: 20].. وهي مع ذلك لا يدوم لها حال، إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا، وإن سرت يوما ساءت أياما ودهورا. لا يسلم العبد فيها من سقم يكدر صفو حياته، أو مرض يوهن قوته ويعكر بياته.. ومن يحمد الدنيا لعيش يسره فسوف لعمري عن قليل يلومهاوهكذا.. من عرف حقيقة الدنيا زهد فيها.. هانت عليه أكدارها ومصائبها.
الوقفة الثانية.. البلاء عنوان المحبة...
فالبلاء والأسقام إذا كانت فيمن أحسن ما بينه وبين ربه ورزقه صبرا عليها كانت علامة خير ومحبة. ومن تأمل سير الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام- وهم من أحب الخلق إلى الله- وجد البلاء طريقهم، والشدة والمرض ديدنهم..، يبتلى الرجل على حسن دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، وما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة »
لقد تأمل السلف هذه العبارة، وأدركوا ما فيها من إشارة.. فعدوا البلاء نعمة، والمرض والشدة بشارة..
الوقفة الثالثة.. البلاء طريق الجنة...
إن الأمراض والأسقام من جملة ما يبتلي الله تعالى به عباده، امتحانا لصبرهم، وتمحيصا لإيمانهم.. بل هي- لمن وفق لحسن التأمل والتدبر- نعمة عظيمة توجب الشكر.. قال تعالى: { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } [البقرة: 155- 157]. الله أكبر.. أي فضل بعد صلوات الرب ورحمته وهداه ؟
قال ابن أبي الدنيا: كانوا يرجون في حمى ليلة كفارة ما مضى من الذنوب. أخي الحبيب.. لعل لك عند الله تعالى منزلة لا تبلغها بعملك، فما يزال الله تعالى يبتليك بحكمته بما تكره ويصبرك على ما ابتلاك به، حتى تبلغ تلك المنزلة..فلم الحزن إذا؟!
الوقفة الرابعة.. الأجر الجاري...
من لطف الله تعالى ورحمته أنه لا يغلق بابا من أبواب الخير إلا فتح لصاحبه أبوابا.. فعلاوة على ما يكتب للمرضى من الأجر جزاء ما أصابهم من شدة ومرض وصبرهم عليه، لا يحرمهم ثواب ما اعتادوا فعله من الطاعات إذا قصروا عنها بسبب المرض.
الوقفة الخامسة.. لا بد للعسر من يسر...
هذه سنة الله تعالى في خلقه..ما جعل عسرا إلا جعل بعده يسرا. . والأمراض مهما طالت وعظمت لا بد لأيامها أن تنتهي، ولا بد لساعاتها- بإذن الله- أن تنجلي.. ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج
قال وهب بن منبه: لا يكون الرجل فقيها كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمة ويعد الرخاء مصيبة، وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء وصاحب الرخاء ينتظر البلاء.. قال تعالى : { فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا} [الشرح:5-6].
الوقفة السادسة..غنيمة المرض...
لو تأمل المريض فوائد مرضه وحسناته ما تمنى زواله.. فبالرغم مما فيه من تكفير للسيئات، ورفع للدرجات، وكتابة أجر ما كان يعمل، من الصالحات، فيه أيضا فرصة عظيمة لمن وفق لاستغلال الأوقات.. فالمريض يحصل له في حال مرضه من أوقات الفراغ ما لا يحصل له فيما سواه. فاحرص- رعاك الله- على استغلال أوقاتك فيما يقربك من الله تعالى، من قراءة للقرآن وحفظه، وطلب للعلم، واستزادة من النوافل، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ودعوة إلى الله.. واعلم- شفاك الله وعافاك- أن المسلم مأمور باتباع أوامر الله تعالى في سرائه وضرائه، وفي حال صحته وبلائه..
الوقفة السابعة.. النعم المغبونة...
لا يقدر نعم الله تعالى إلا من فقدها.. وكأني بك وقد أنهك المرض جسدك، وأذهب السقم فرحك،. فالصحة من أجل النعم التي أنعم الله تعالى بها علينا، لا يقدرها إلا المرضى.. وهكذا.. فكم من النعم قد غفلنا عنها، وكم من النعم قد قصرنا بواجب شكرها.. وأجلّ تلك النعم وأعظمها.. نعمة الإيمان والهداية.. فكم من الناس قد غبنها، فلم يقوموا بواجب شكرها، وتكاسلوا عن الاستقامة عليها.. وحين تلوح لك بوادر الشفاء.. وتسعد ببدء زوال البلاء، اقدر لهذه النعم قدرها، واعرف فضل وكرم منعمها، وتدبر حالك عند فقدها أو نقصها، فأعلن بذلك توبة نصوحا من تقصيرك في شكر كل نعمة، وتفريطك في استعمالها فيما يرضي ذا الفضل والمنة. بل اجعل توبتك الآن.. نعم، الآن.. عل هذه التوبة أن تكون سببا في رفع ما أنت فيه من كربة، ودفع ما تعانيه من شدة.. قال علي- رضي الله عنه-: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.. وإن لم يكتب لك من مرضك شفاء، فنعم ما يختم العمر به توبة صادقة..
الوقفة الثامنة.. لكل داء دواء...
من رحمة الله تعالى أن المرض مهما بلغ من الشدة والعناء، وشاء الله للعبد الشفاء، يسر له دواء ناجعا، وعلاجا نافعا.. . منها.. حسن التوكل على الله والالتجاء إليه وحسن الظن به..
فهذا خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم يصدع في يقين الواثق: { وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء: 80]. فلا شافي إلا الله، ولا رافع للبلوى إلا هو سبحانه.. والراقي والرقية والطبيب والدواء أسباب قد يسر الله تعالى بها الشفاء.. فاجعل توكلك على الله وتعلقك به لتظفر بالصحة والعافية في الدنيا، والسلامة والفوز في الآخرة.. فإذا ابتليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله ، وهو سبحانه حكيم عليم لا يفعل شيئا عبثا، ورحيم تنوعت رحماته، لا يقضي قضاء إلا كان خيرا للعبد، . ومنها التدواي بالرقى الشرعية من الكتاب والسنة.. قال تعالى { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء: 82]. فاحرص- شفاك الله- على رقية نفسك بالقرآن وما ورد في السنة النبوية، فهي من أنفع الأسباب لزوال العلة، وكشف الكربة.. وذلك كقراءة سورة الفاتحة، والبقرة، والإخلاص، والمعوذتين.. وغيرها، والقرآن كله شفاء ورحمة..
. لكن الأدعية والرقى تريد قلبا خاشعا، وذلا صادقا، ويقينا خالصا، لا ترديدا على سبيل التجربة والاختبار.. ومنها.. الدعاء... علاوة على ما ذكر من الأدعية والرقى فإن دعاء الله تعالى والالتجاء إلي من أعظم ما ينفع.. بل قد يكون هدف الكربة ومقصدها، قال تعالى : { فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون} [الأنعام: 42]. أما خطر ببالك أنه سبحانه ابتلاك بهذا المرض ليسمع صوتك، وأنت تدعوه، ويرى تضرعك وأنت ترجوه.. فارفع يديك وأسل دمع عينيك، وأظهر فقرك وعجزك، واعترف بذلك وضعفك، تفز برضى ربك وتفريج كربك.. ومنها.. الاستعانة بالصلاة.. قال تعالى: { واستعينوا بالصبر والصلاة..} [البقرة: 45]. ومنها.. الإكثار من الصدقة.. ومنها.. التداوي بما ورد أنه شفاء.. كالعسل والحبة السوداء وماء زمزم والحجامة.. ومنها.. التداوي بما أحله الله من الأدوية المباحة..
الوقفة التاسعة.. إحذر مزالق الشيطان..
فاحرص على كتم آلامك وأحزانك، واحذر من إشاعة مرضك، والتحدث به على سبيل الشكوى والاعتراض.. لا على سبيل الإعلام والإخبار..
قال معروف الكرخي: إن الله ليبتلي عبده المؤمن بالأسقام والأوجاع، فيشكو إلى أصحابه فيقول الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي ما ابتليتك بهذه الأوجاع والأسقام إلا لأغسلك من الذنوب فلا تشكني.
• إضاعة الأوقات فيما لا ينفع، أو فيما يسخط الله من استماع أو نظر أو فعل محرم..
• التهاون في ستر العورات..
• التداوي بالمحرمات.. .
ومن أشد هذه المحرمات.. إتيان السحرة والكهنة،
وهو طريق الخزي والمحق في الدنيا، والخسارة والذلة في الآخرة..
ولئن يصبر العبد على مرارة المرض وشدته خيرا له من أن يسلك طريقا يفضي به إلى النار
الوقفة العاشرة..من أحكام المرضى...
الطهارة...
• يجب على المريض أن يتطهر بالماء بأن يتوضأ من الحدث الأصغر، ويغتسل من الحدث الأكبر، فإن لم يستطع ذلك لعجزه أو لخوفه من زيادة المرض أو تأخر برئه تيمم، وذلك بأن يضرب بيده على تراب طاهر له غبار ضربة واحدة، ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه، وكفيه براحتيه.
والعاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء لقوله تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16].
• إن كان مرضه يسيرا لا يخاف من استعمال الماء معه تلفا، ولا مرضا مخوفا، ولا إبطاء بريء، ولا زيادة ألم، ولا شيئا فاحشا، كصداع وألم ضرس، ونحوهما، كان بإمكانه استعمال الماء الدافيء ولا ضرر عليه فلا يجوز له التيمم.
• إن كان لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء جاز له التيمم. فإن كان لا يستطيع التيمم يممه غيره.
• إذا كان المريض في محل لم يجد ماء ولا ترابا ولا من يحضر له الموجود منهما، فإنه يصلي على حسب حاله.
• إن تلوث بدنه أو ملابسه أو فراشه بالنجاسة ولم يستطع إزالتها أو التطهر منها، جاز له الصلاة على حالته التي هو عليها ولا إعادة عليه.
• لا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بأي حال من الأحوال بسبب عجزه عن الطهارة أو إزالة النجاسة أو عدم توفر الماء أو التراب.
• من به جروح أو حروق أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء فأجنب جاز له التيمم، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك، وتيمم للباقي.
• المريض المصاب بسلس البول أو استمرار خروج الدم أو الريح، ولم يبرأ بمعالجته، عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن تيسر، ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول أو الدم في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته. وما خرج في الوقت من البول فلا يضره بعد وضوءه إذا دخل الوقت.
وله أن يفعل في الوقت ما تيسر من صلاة وقراءة في مصحف حتى يخرج الوقت فإذا خرج الوقت وجب عليه أن يعيد الوضوء، أو تيمم إن كان لا يستطيع الوضوء.
• إن كان عليه جبيرة يحتاج إلى بقائها مسح عليها في الوضوء والغسل، وغسل بقية العضو، وإن كان المسح على الجبيرة أو غسل ما يليها من العضو يضره كفاه التيمم عن محلها وعن المحل الذي يضره غسله.
• يبطل التيمم بكل ما يبطل الوضوء وبالقدرة على استعمال الماء أو وجوده إن كان معدوما.. والله أعلم.
الصلاة..
أجمع أهل العلم على أن من لا يستطيع القيام له أن يصلي جالسا، فإن عجز عن الصلاة جالسا صلى على جنبه مستقبلا القبلة بوجهه، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن، فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقيا.
• من قدر على القيام وعجز عن الركوع و السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائما فيومىء بالركوع، ثم يجلس ويومىء بالسجود.
• إن كان بعينه مرض، فقال ثقات من الأطباء: إن صليت مستلقيا أمكن مداواتك وإلا فلا، فله أن يصلي مستلقيا.
• من عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما، ويجعل السجود أخفض من الركوع، وإن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود.
• إن لم يمكنه أن يحني ظهره حتى رقبته، وإن كان ظهره متقوسا فصار كأنه راكع، فمتى ما أراد الركوع زاد في إنحنائه قليلا، ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر من الركوع ما أمكنه ذلك.
• من لم يقدر على الإيماء برأسه كفاه النية والقول.
• متى قدر المريض في أثناء الصلاة على ما كان عاجزا عنه، من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء، انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته.
• إذا نام عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها متى استيقظ أو ذكر.
• لا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال، بل يحرص عليها أيام مرضه أكثر من أيام صحته، فلا يجوز له ترك الصلاة المفروضة حتى يفوت وقتها لو كان مريضا ما دام عقله ثابتا، بل عليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته، فإذا تركها عامدا وهو عاقل مكلف يقوى على أدائها أو إيماء بها فهو آثم، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى كفره بذلك.. وهو الصحيح.
• إن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو جمع تأخير، حسبما تيسر له.. والله أعلم.
الصيام..
• للمريض مع الصوم ثلاث حالات:
- أن لا يشق عليه الصوم ولا يضره فيجب عليه الصوم.
- أن يشق عليه الصوم فيكره له أن يصوم.
- أن يضره الصوم فيحرم عليه أن يصوم.
• إذا كان لا يمكنه القضاء لكون مرضه مما لا يرجى برؤه أطعم عن كل يوم مسكينا. أما إن كان يمكنه القضاء فيصوم بعدد الأيام التي أفطرها بسبب المرض.
• يفسد صومه إذا صام بكل ما في معنى الأكل والشرب كحقن الإبر المغذية، وحقن الدم...، أما الإبر التي لا تغذي فلا تفطر سواء استعملها في العضلات أم الوريد، وسواء وجد طعمها في حلقه أم لم يجده.
• القيء إن قصده أفطر، وإن قاء من غير قصد لم يفطر.
• يجوز للصائم قلع ضرسه أو مداواة جرحه، والتقطير في عينه أو أذنيه، أو أن يبخ في فمه ما يخفف عنه ضيق التنفس، ولا يفطر بذلك.. والله أعلم.
أخي المريض..
شفى الله سقمك، وعظم أجرك، وغفر ذنبك، ورزقك العافية في دينك وبدنك..
انتظروني في مواضيع اخرى بحول الله
دمتم في رعاية الله
إلى من شاء الله ابتلاءهم بالشدائد والكروب.. وإلى من أراد تمحيصهم بالأسقام علام الغيوب.. فذاك مريض فقد صحته.. وآخر حار في معرفة سقمه وفهم علته.. وثالث خارت قواه وزالت بشاشته.. وهم- مع ذلك-...ذاكرون شاكرون، وصابرون محتسبون...تأملوا . فكم من نعمة لو أعطيها العبد كانت داءه، وكم من محروم من نعمة حرمانه شفاؤه.. { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم } [البقرة:216]
أخ/تي المريض/ة.. شفاك الله وعافاك، ومن كل سقم وبلاء حماك.. فهذه وقفات مطعمة بنور الوحي، ومعطرة بعبير الرسالة.. أسأل الله تعالى أن يجعل في ذكرها عزاء، وشفاء
الوقفة الأولى.. المتاع الزائل...
تلكم هي الدنيا التي اغتر بها كثير من الناس فجعلها منتهى أمله، وأكبر همه..وصفها ربها بقوله : { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب } [العنكبوت: 64] { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } [الحديد: 20].. وهي مع ذلك لا يدوم لها حال، إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا، وإن سرت يوما ساءت أياما ودهورا. لا يسلم العبد فيها من سقم يكدر صفو حياته، أو مرض يوهن قوته ويعكر بياته.. ومن يحمد الدنيا لعيش يسره فسوف لعمري عن قليل يلومهاوهكذا.. من عرف حقيقة الدنيا زهد فيها.. هانت عليه أكدارها ومصائبها.
الوقفة الثانية.. البلاء عنوان المحبة...
فالبلاء والأسقام إذا كانت فيمن أحسن ما بينه وبين ربه ورزقه صبرا عليها كانت علامة خير ومحبة. ومن تأمل سير الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام- وهم من أحب الخلق إلى الله- وجد البلاء طريقهم، والشدة والمرض ديدنهم..، يبتلى الرجل على حسن دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، وما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة »
لقد تأمل السلف هذه العبارة، وأدركوا ما فيها من إشارة.. فعدوا البلاء نعمة، والمرض والشدة بشارة..
الوقفة الثالثة.. البلاء طريق الجنة...
إن الأمراض والأسقام من جملة ما يبتلي الله تعالى به عباده، امتحانا لصبرهم، وتمحيصا لإيمانهم.. بل هي- لمن وفق لحسن التأمل والتدبر- نعمة عظيمة توجب الشكر.. قال تعالى: { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } [البقرة: 155- 157]. الله أكبر.. أي فضل بعد صلوات الرب ورحمته وهداه ؟
قال ابن أبي الدنيا: كانوا يرجون في حمى ليلة كفارة ما مضى من الذنوب. أخي الحبيب.. لعل لك عند الله تعالى منزلة لا تبلغها بعملك، فما يزال الله تعالى يبتليك بحكمته بما تكره ويصبرك على ما ابتلاك به، حتى تبلغ تلك المنزلة..فلم الحزن إذا؟!
الوقفة الرابعة.. الأجر الجاري...
من لطف الله تعالى ورحمته أنه لا يغلق بابا من أبواب الخير إلا فتح لصاحبه أبوابا.. فعلاوة على ما يكتب للمرضى من الأجر جزاء ما أصابهم من شدة ومرض وصبرهم عليه، لا يحرمهم ثواب ما اعتادوا فعله من الطاعات إذا قصروا عنها بسبب المرض.
الوقفة الخامسة.. لا بد للعسر من يسر...
هذه سنة الله تعالى في خلقه..ما جعل عسرا إلا جعل بعده يسرا. . والأمراض مهما طالت وعظمت لا بد لأيامها أن تنتهي، ولا بد لساعاتها- بإذن الله- أن تنجلي.. ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج
قال وهب بن منبه: لا يكون الرجل فقيها كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمة ويعد الرخاء مصيبة، وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء وصاحب الرخاء ينتظر البلاء.. قال تعالى : { فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا} [الشرح:5-6].
الوقفة السادسة..غنيمة المرض...
لو تأمل المريض فوائد مرضه وحسناته ما تمنى زواله.. فبالرغم مما فيه من تكفير للسيئات، ورفع للدرجات، وكتابة أجر ما كان يعمل، من الصالحات، فيه أيضا فرصة عظيمة لمن وفق لاستغلال الأوقات.. فالمريض يحصل له في حال مرضه من أوقات الفراغ ما لا يحصل له فيما سواه. فاحرص- رعاك الله- على استغلال أوقاتك فيما يقربك من الله تعالى، من قراءة للقرآن وحفظه، وطلب للعلم، واستزادة من النوافل، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ودعوة إلى الله.. واعلم- شفاك الله وعافاك- أن المسلم مأمور باتباع أوامر الله تعالى في سرائه وضرائه، وفي حال صحته وبلائه..
الوقفة السابعة.. النعم المغبونة...
لا يقدر نعم الله تعالى إلا من فقدها.. وكأني بك وقد أنهك المرض جسدك، وأذهب السقم فرحك،. فالصحة من أجل النعم التي أنعم الله تعالى بها علينا، لا يقدرها إلا المرضى.. وهكذا.. فكم من النعم قد غفلنا عنها، وكم من النعم قد قصرنا بواجب شكرها.. وأجلّ تلك النعم وأعظمها.. نعمة الإيمان والهداية.. فكم من الناس قد غبنها، فلم يقوموا بواجب شكرها، وتكاسلوا عن الاستقامة عليها.. وحين تلوح لك بوادر الشفاء.. وتسعد ببدء زوال البلاء، اقدر لهذه النعم قدرها، واعرف فضل وكرم منعمها، وتدبر حالك عند فقدها أو نقصها، فأعلن بذلك توبة نصوحا من تقصيرك في شكر كل نعمة، وتفريطك في استعمالها فيما يرضي ذا الفضل والمنة. بل اجعل توبتك الآن.. نعم، الآن.. عل هذه التوبة أن تكون سببا في رفع ما أنت فيه من كربة، ودفع ما تعانيه من شدة.. قال علي- رضي الله عنه-: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.. وإن لم يكتب لك من مرضك شفاء، فنعم ما يختم العمر به توبة صادقة..
الوقفة الثامنة.. لكل داء دواء...
من رحمة الله تعالى أن المرض مهما بلغ من الشدة والعناء، وشاء الله للعبد الشفاء، يسر له دواء ناجعا، وعلاجا نافعا.. . منها.. حسن التوكل على الله والالتجاء إليه وحسن الظن به..
فهذا خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم يصدع في يقين الواثق: { وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء: 80]. فلا شافي إلا الله، ولا رافع للبلوى إلا هو سبحانه.. والراقي والرقية والطبيب والدواء أسباب قد يسر الله تعالى بها الشفاء.. فاجعل توكلك على الله وتعلقك به لتظفر بالصحة والعافية في الدنيا، والسلامة والفوز في الآخرة.. فإذا ابتليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله ، وهو سبحانه حكيم عليم لا يفعل شيئا عبثا، ورحيم تنوعت رحماته، لا يقضي قضاء إلا كان خيرا للعبد، . ومنها التدواي بالرقى الشرعية من الكتاب والسنة.. قال تعالى { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء: 82]. فاحرص- شفاك الله- على رقية نفسك بالقرآن وما ورد في السنة النبوية، فهي من أنفع الأسباب لزوال العلة، وكشف الكربة.. وذلك كقراءة سورة الفاتحة، والبقرة، والإخلاص، والمعوذتين.. وغيرها، والقرآن كله شفاء ورحمة..
. لكن الأدعية والرقى تريد قلبا خاشعا، وذلا صادقا، ويقينا خالصا، لا ترديدا على سبيل التجربة والاختبار.. ومنها.. الدعاء... علاوة على ما ذكر من الأدعية والرقى فإن دعاء الله تعالى والالتجاء إلي من أعظم ما ينفع.. بل قد يكون هدف الكربة ومقصدها، قال تعالى : { فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون} [الأنعام: 42]. أما خطر ببالك أنه سبحانه ابتلاك بهذا المرض ليسمع صوتك، وأنت تدعوه، ويرى تضرعك وأنت ترجوه.. فارفع يديك وأسل دمع عينيك، وأظهر فقرك وعجزك، واعترف بذلك وضعفك، تفز برضى ربك وتفريج كربك.. ومنها.. الاستعانة بالصلاة.. قال تعالى: { واستعينوا بالصبر والصلاة..} [البقرة: 45]. ومنها.. الإكثار من الصدقة.. ومنها.. التداوي بما ورد أنه شفاء.. كالعسل والحبة السوداء وماء زمزم والحجامة.. ومنها.. التداوي بما أحله الله من الأدوية المباحة..
الوقفة التاسعة.. إحذر مزالق الشيطان..
فاحرص على كتم آلامك وأحزانك، واحذر من إشاعة مرضك، والتحدث به على سبيل الشكوى والاعتراض.. لا على سبيل الإعلام والإخبار..
قال معروف الكرخي: إن الله ليبتلي عبده المؤمن بالأسقام والأوجاع، فيشكو إلى أصحابه فيقول الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي ما ابتليتك بهذه الأوجاع والأسقام إلا لأغسلك من الذنوب فلا تشكني.
• إضاعة الأوقات فيما لا ينفع، أو فيما يسخط الله من استماع أو نظر أو فعل محرم..
• التهاون في ستر العورات..
• التداوي بالمحرمات.. .
ومن أشد هذه المحرمات.. إتيان السحرة والكهنة،
وهو طريق الخزي والمحق في الدنيا، والخسارة والذلة في الآخرة..
ولئن يصبر العبد على مرارة المرض وشدته خيرا له من أن يسلك طريقا يفضي به إلى النار
الوقفة العاشرة..من أحكام المرضى...
الطهارة...
• يجب على المريض أن يتطهر بالماء بأن يتوضأ من الحدث الأصغر، ويغتسل من الحدث الأكبر، فإن لم يستطع ذلك لعجزه أو لخوفه من زيادة المرض أو تأخر برئه تيمم، وذلك بأن يضرب بيده على تراب طاهر له غبار ضربة واحدة، ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه، وكفيه براحتيه.
والعاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء لقوله تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16].
• إن كان مرضه يسيرا لا يخاف من استعمال الماء معه تلفا، ولا مرضا مخوفا، ولا إبطاء بريء، ولا زيادة ألم، ولا شيئا فاحشا، كصداع وألم ضرس، ونحوهما، كان بإمكانه استعمال الماء الدافيء ولا ضرر عليه فلا يجوز له التيمم.
• إن كان لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء جاز له التيمم. فإن كان لا يستطيع التيمم يممه غيره.
• إذا كان المريض في محل لم يجد ماء ولا ترابا ولا من يحضر له الموجود منهما، فإنه يصلي على حسب حاله.
• إن تلوث بدنه أو ملابسه أو فراشه بالنجاسة ولم يستطع إزالتها أو التطهر منها، جاز له الصلاة على حالته التي هو عليها ولا إعادة عليه.
• لا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بأي حال من الأحوال بسبب عجزه عن الطهارة أو إزالة النجاسة أو عدم توفر الماء أو التراب.
• من به جروح أو حروق أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء فأجنب جاز له التيمم، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك، وتيمم للباقي.
• المريض المصاب بسلس البول أو استمرار خروج الدم أو الريح، ولم يبرأ بمعالجته، عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن تيسر، ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول أو الدم في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته. وما خرج في الوقت من البول فلا يضره بعد وضوءه إذا دخل الوقت.
وله أن يفعل في الوقت ما تيسر من صلاة وقراءة في مصحف حتى يخرج الوقت فإذا خرج الوقت وجب عليه أن يعيد الوضوء، أو تيمم إن كان لا يستطيع الوضوء.
• إن كان عليه جبيرة يحتاج إلى بقائها مسح عليها في الوضوء والغسل، وغسل بقية العضو، وإن كان المسح على الجبيرة أو غسل ما يليها من العضو يضره كفاه التيمم عن محلها وعن المحل الذي يضره غسله.
• يبطل التيمم بكل ما يبطل الوضوء وبالقدرة على استعمال الماء أو وجوده إن كان معدوما.. والله أعلم.
الصلاة..
أجمع أهل العلم على أن من لا يستطيع القيام له أن يصلي جالسا، فإن عجز عن الصلاة جالسا صلى على جنبه مستقبلا القبلة بوجهه، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن، فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقيا.
• من قدر على القيام وعجز عن الركوع و السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائما فيومىء بالركوع، ثم يجلس ويومىء بالسجود.
• إن كان بعينه مرض، فقال ثقات من الأطباء: إن صليت مستلقيا أمكن مداواتك وإلا فلا، فله أن يصلي مستلقيا.
• من عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما، ويجعل السجود أخفض من الركوع، وإن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود.
• إن لم يمكنه أن يحني ظهره حتى رقبته، وإن كان ظهره متقوسا فصار كأنه راكع، فمتى ما أراد الركوع زاد في إنحنائه قليلا، ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر من الركوع ما أمكنه ذلك.
• من لم يقدر على الإيماء برأسه كفاه النية والقول.
• متى قدر المريض في أثناء الصلاة على ما كان عاجزا عنه، من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء، انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته.
• إذا نام عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها متى استيقظ أو ذكر.
• لا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال، بل يحرص عليها أيام مرضه أكثر من أيام صحته، فلا يجوز له ترك الصلاة المفروضة حتى يفوت وقتها لو كان مريضا ما دام عقله ثابتا، بل عليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته، فإذا تركها عامدا وهو عاقل مكلف يقوى على أدائها أو إيماء بها فهو آثم، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى كفره بذلك.. وهو الصحيح.
• إن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو جمع تأخير، حسبما تيسر له.. والله أعلم.
الصيام..
• للمريض مع الصوم ثلاث حالات:
- أن لا يشق عليه الصوم ولا يضره فيجب عليه الصوم.
- أن يشق عليه الصوم فيكره له أن يصوم.
- أن يضره الصوم فيحرم عليه أن يصوم.
• إذا كان لا يمكنه القضاء لكون مرضه مما لا يرجى برؤه أطعم عن كل يوم مسكينا. أما إن كان يمكنه القضاء فيصوم بعدد الأيام التي أفطرها بسبب المرض.
• يفسد صومه إذا صام بكل ما في معنى الأكل والشرب كحقن الإبر المغذية، وحقن الدم...، أما الإبر التي لا تغذي فلا تفطر سواء استعملها في العضلات أم الوريد، وسواء وجد طعمها في حلقه أم لم يجده.
• القيء إن قصده أفطر، وإن قاء من غير قصد لم يفطر.
• يجوز للصائم قلع ضرسه أو مداواة جرحه، والتقطير في عينه أو أذنيه، أو أن يبخ في فمه ما يخفف عنه ضيق التنفس، ولا يفطر بذلك.. والله أعلم.
أخي المريض..
شفى الله سقمك، وعظم أجرك، وغفر ذنبك، ورزقك العافية في دينك وبدنك..
انتظروني في مواضيع اخرى بحول الله
دمتم في رعاية الله