ظاهرة بات العالم كله يشتكي منها ويعاني من ويلاتها , ويبحث المهتمون فيه بالعملية التربوية وبنشأة الأجيال سبل علاجها لخطورتها , وذلك منذ وقت طويل , وتلقى تلك الظاهرة اهتماما غير عادي من المهتمين بقضايا ومشكلات التربية التعليم في جميع أنحاء العالم ، حيث أن هذه المشكلة تعتبر سببا هاما ومؤثرا في تعثر الكثير من الطلاب دراسيا , وقد تدفع بالبعض إلى كُره الدراسة وتركها بالكلية , ألا وهي ظاهرة العنف الشديد في المدارس بين الطلاب والذي بلغ حدا من التوحش لدرجة أن العالم تعامل معه باسم توصيفي جديد وسماه "ظاهرة التنمر" , كدلالة على تحول السلوك الإنساني لسلوك مشابه للسلوك الحيواني في التعامل في الغابة , حيث لا بقاء لضعيف ولا احتكام إلا للغة القوة الوحشية دونما مراعاة لخلق قويم أو لسلوك فاضل .
ولا ينفصل مجتمعنا العربي والإسلامي الآن ولا نستطيع أيضا عزله عن المجتمع العالمي في ظل هذا التقارب الشديد بين الأفكار والمشكلات التي سرعان ما تجوب الكرة الأرضية في دقائق معدودات , وأصبح ما يعانيه الغرب بالذات من مشكلات سلوكية وتربوية ينتقل بالضرورة إلى كل مكان في وقت قصير وتأثير بالغ , وخاصة إن لم ينتبه المربون في الأسر والمدارس على ما تحمله تلك الظواهر السلبية من تداعيات .
تعريف ظاهرة التنمر
يمكننا أن نستخلص تعريفا شبه جامع للتنمر من خلال الإطلاع على كتابات المتخصصين الغربيين الذين سبقونا برصد هذه الظاهرة في بلدانهم , فنقول : " إن التنمر هو ذلك السلوك العدواني المتكرر الذي يهدف إلى إيذاء شخص آخر جسديا أو معنويا من قِبل شخص واحد أو عدة أشخاص وذلك بالقول أو الفعل للسيطرة على الضحية وإذلالها ونيل مكتسبات غير شرعية منها" .
ربما لا يشعر الكثير من الآباء والأمهات أو حتى من المسئولين التربويين في المدارس بمدى المشكلة التي يقع فيها أبناؤهم أو طلابهم كضحايا للتنمر إلا بعد فترة طويلة نسبيا , وذلك كنتيجة لوقوع هؤلاء الأبناء تحت ضغط شديد وإرهاب مادي أو معنوي لا يسمح لهم حتى بمجرد إظهار الشكوى أو إعلان ما يتعرضون له حتى لا ينالهم مزيد من الأذى على يد هؤلاء المتنمرين .
ولا تقتصر تلك المشكلة على صفوف ومدارس البنين فقط – رغم شيوعها النسبي فيهم – إلا أنها موجودة أيضا في مدارس البنات ولكن بحدة وصورة تناسب شخصياتهن , وتكون فيها الفتاة الضحية أكثر تحملا وأكثر استعدادا لكتم ما تعانيه نظرا للطبيعة الأنثوية الضعيفة – في بنات جنسهن جميعا - التي حباهن الله بها .
ومخطئ من يتناول بحث الظاهرة حول كونها فقط مشكلة للضحية الواقع عليه الضرر فحسب , فللمشكلة صورتان مؤثرتان تأثيرا شديدا على المجتمعات , فالصورة الأولى - وهي الأَولى بالطبع بالاهتمام وبالعلاج وإيجاد سبل الحل - وهي صورة الضحية التي يقع عليها الفعل الإكراهي المؤلم , لكن الصورة الأخرى وهي صورة الطفل أو مجموعة الطلاب المتنمرين الذين يتخذون صورة العنف سلوكا ثابتا في تعاملاتهم , إنها صورة ضحية آخرى من نوع مغاير ووجوده أشد خطرا على المجتمع من الصورة الأولى , فكلاهما ضحية , وكلاهما يحتاج للعلاج النفسي والسلوكي , وكلاهما لابد من تخليصه من ذلك الضرر , وخاصة أنهما معا يشكلان عنصري بناء الأمة المستقبلي , فالمعتدِي والمعتدَى عليه عضوان أساسيان في كل المجتمعات , وإذا أهملنا الطفل المعتدِي ولم نقومه - تربويا وسلوكيا – سنعرض أطفالا آخرين للوقوع في نفس المشكلة , وسيساهم هذا في استشراء تلك الظاهرة بصورة أكبر في المجتمع , ذلك مع ضرورة صب جل اهتمامنا على الطفل الضحية الذي وقع تحت إهمال الكثيرين .