لنسيان الذكريات المؤلمة ركز عليها.. كيف ذلك؟
النسيان يستهلك من قوة الدماغ أكبر مما يستهلكه التذكر (دويتشه فيله)
فكرت المهدي
كلنا نرغب بنسيان ما نمر به من أحداث مؤلمة، والبعض يأمل في أن يكون ما يعايشه من ألم مجرد حلم يستفيق منه دون أن يبقى له أي أثر في الذاكرة، وكعادتنا نسعى إلى الانشغال والتجاهل ومقاومة الحدث نفسه كي لا نتذكر؛ ولكن للعلم رأيا آخر كما يقول الباحثون.
يريح النسيان العقل من الإرهاق نتيجة التفكير الزائد، كما أنه يتيح لنا التحرر من التجارب والعواطف المؤلمة التي لا نفضل تذكرها، ولهذا فهو يشكل مجال اهتمام رئيسيا لعلماء الأعصاب.
لقد أظهرت عقود من البحث أن لدينا القدرة على نسيان شيء ما طواعية، ولكن كيف تقوم أدمغتنا بذلك؟ لا يزال هذا موضع تساؤل.
النسيان المتعمد
بحثت دراسة حديثة مشتركة بين قسم علم النفس في معهد علم الأعصاب بجامعة تكساس في أوستن، وقسم الأمراض العصبية في جامعة بنسلفانيا نشرت بتاريخ 11 مارس/آذار 2019 في مجلة العلوم العصبية، عما يحتاجه دماغ الإنسان كي يتمكن من محو ذكرياته المؤلمة أو غير المرغوب بها.
وتشير الدراسة إلى أن فعل النسيان المتعمد يتعلق بزيادة ارتباط المخ بتلك المعلومات غير المرغوب فيها والتي يرغب بنسيانها، بمعنى آخر لكي تنسى شيئا ما فأنت تحتاج فعلا إلى أن تركز عليه.
وقد خلصت الدراسة إلى وجود علاقة طردية بين المستوى المعتدل لنشاط الدماغ وآلية النسيان، وأنه عندما يكون النشاط الدماغي قويا فإنه يؤدي إلى تنشيط الذاكرة ويقلل من احتمالية النسيان، وفي حال كان النشاط الدماغي ضعيفا فسيكون كل من التذكر والنسيان ضعيفا، وبهذا فإن الأمر يرتبط بالحالة الوسطية المعتدلة من النشاط الدماغي حيث تكون فعالية النسيان مثلى.
وبحثت الدراسات السابقة عن علاقة دور الدماغ في القشرة الأمامية ومركز الذاكرة ومنطقة الحصين -وهو ارتفاع مطول دائري يظهر في القرن الصدغي للبطين الوحشي للدماغ- في فعل النسيان المتعمد.
وفي هذه المرة، راقب فريق العمل في دراسته جزءا مختلفا من الدماغ يسمى القشرة الصدغية البطنية، وهي المنطقة المسؤولة عن معالجة وتصنيف المحفزات البصرية.
تجربة مفتعلة
وأجريت التجربة على 24 شابا يتمتعون بصحة جيدة، بحيث عرضت عليهم صور لمناظر طبيعية وصور لوجوه من جنسيات مختلفة، وتمت برمجة تلك الصور بحيث وجه بعضها للنسيان وبعضها للتذكر، وخلال التجربة تمت مراقبة نشاط كل من المشاركين من خلال آلات التصوير بالرنين المغناطيسي.
عندما فحص الباحثون النشاط في القشرة الصدغية البطنية، وجدوا أن فعل النسيان يستهلك قوة الدماغ إلى حد كبير مقارنة بالجهد المطلوب لفعل التذكر، وبالتالي يرتبط بمعدل نشاط الدماغ.
وعلق فريق البحث في ورقته البحثية بأن "الصور التي برمجت للنسيان أظهرت مستويات أعلى من المعالجة في القشرة الصدغية البطنية مقارنة بالصور التي بُرمجت للتذكر، وبالتالي فإن الصور التي وجهت للنسيان قد استهلكت قوة دماغية أعلى ونشاطا دماغيا أعلى مقارنة بما تم توجيهه للتذكر".
وقد كانت فعالية النسيان ممتازة عند معدلات النشاط الدماغية المعتدلة، مقارنة مع تلك التي تطلبت نشاطا دماغيا عاليا أو منخفضا.
وبطبيعة الحال فإن نسيان صور محددة عند الطلب في ظروف تجربة مخبرية مفتعلة يختلف تماما عن التحرر من الذكريات المؤلمة التي تحدث في العالم الواقعي.
يقول الباحثون إن آليات النسيان والتذكر يمكن أن تكون نفسها سواء في الحياة الواقعية أو المخبرية، ويمكن أن يكون لاكتشاف كيفية تفعيلها فائدة كبيرة لكل من ينشد النسيان في العالم، خاصة أن هذا الاكتشاف بالتحديد يتحدى حدسنا الطبيعي في ميلنا لتجاهل ما يحزننا من أحداث، بدلا من التركيز عليها والاهتمام بها حتى نتمكن من نسيانها سريعا.
المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية
فكرت المهدي
كلنا نرغب بنسيان ما نمر به من أحداث مؤلمة، والبعض يأمل في أن يكون ما يعايشه من ألم مجرد حلم يستفيق منه دون أن يبقى له أي أثر في الذاكرة، وكعادتنا نسعى إلى الانشغال والتجاهل ومقاومة الحدث نفسه كي لا نتذكر؛ ولكن للعلم رأيا آخر كما يقول الباحثون.
يريح النسيان العقل من الإرهاق نتيجة التفكير الزائد، كما أنه يتيح لنا التحرر من التجارب والعواطف المؤلمة التي لا نفضل تذكرها، ولهذا فهو يشكل مجال اهتمام رئيسيا لعلماء الأعصاب.
لقد أظهرت عقود من البحث أن لدينا القدرة على نسيان شيء ما طواعية، ولكن كيف تقوم أدمغتنا بذلك؟ لا يزال هذا موضع تساؤل.
النسيان المتعمد
بحثت دراسة حديثة مشتركة بين قسم علم النفس في معهد علم الأعصاب بجامعة تكساس في أوستن، وقسم الأمراض العصبية في جامعة بنسلفانيا نشرت بتاريخ 11 مارس/آذار 2019 في مجلة العلوم العصبية، عما يحتاجه دماغ الإنسان كي يتمكن من محو ذكرياته المؤلمة أو غير المرغوب بها.
وتشير الدراسة إلى أن فعل النسيان المتعمد يتعلق بزيادة ارتباط المخ بتلك المعلومات غير المرغوب فيها والتي يرغب بنسيانها، بمعنى آخر لكي تنسى شيئا ما فأنت تحتاج فعلا إلى أن تركز عليه.
وقد خلصت الدراسة إلى وجود علاقة طردية بين المستوى المعتدل لنشاط الدماغ وآلية النسيان، وأنه عندما يكون النشاط الدماغي قويا فإنه يؤدي إلى تنشيط الذاكرة ويقلل من احتمالية النسيان، وفي حال كان النشاط الدماغي ضعيفا فسيكون كل من التذكر والنسيان ضعيفا، وبهذا فإن الأمر يرتبط بالحالة الوسطية المعتدلة من النشاط الدماغي حيث تكون فعالية النسيان مثلى.
وبحثت الدراسات السابقة عن علاقة دور الدماغ في القشرة الأمامية ومركز الذاكرة ومنطقة الحصين -وهو ارتفاع مطول دائري يظهر في القرن الصدغي للبطين الوحشي للدماغ- في فعل النسيان المتعمد.
وفي هذه المرة، راقب فريق العمل في دراسته جزءا مختلفا من الدماغ يسمى القشرة الصدغية البطنية، وهي المنطقة المسؤولة عن معالجة وتصنيف المحفزات البصرية.
النسيان المتعمد لبعض الذكريات المؤلمة يزيد من ارتباط المخ بها (دويتشه فيله) |
وأجريت التجربة على 24 شابا يتمتعون بصحة جيدة، بحيث عرضت عليهم صور لمناظر طبيعية وصور لوجوه من جنسيات مختلفة، وتمت برمجة تلك الصور بحيث وجه بعضها للنسيان وبعضها للتذكر، وخلال التجربة تمت مراقبة نشاط كل من المشاركين من خلال آلات التصوير بالرنين المغناطيسي.
عندما فحص الباحثون النشاط في القشرة الصدغية البطنية، وجدوا أن فعل النسيان يستهلك قوة الدماغ إلى حد كبير مقارنة بالجهد المطلوب لفعل التذكر، وبالتالي يرتبط بمعدل نشاط الدماغ.
وعلق فريق البحث في ورقته البحثية بأن "الصور التي برمجت للنسيان أظهرت مستويات أعلى من المعالجة في القشرة الصدغية البطنية مقارنة بالصور التي بُرمجت للتذكر، وبالتالي فإن الصور التي وجهت للنسيان قد استهلكت قوة دماغية أعلى ونشاطا دماغيا أعلى مقارنة بما تم توجيهه للتذكر".
وقد كانت فعالية النسيان ممتازة عند معدلات النشاط الدماغية المعتدلة، مقارنة مع تلك التي تطلبت نشاطا دماغيا عاليا أو منخفضا.
وبطبيعة الحال فإن نسيان صور محددة عند الطلب في ظروف تجربة مخبرية مفتعلة يختلف تماما عن التحرر من الذكريات المؤلمة التي تحدث في العالم الواقعي.
يقول الباحثون إن آليات النسيان والتذكر يمكن أن تكون نفسها سواء في الحياة الواقعية أو المخبرية، ويمكن أن يكون لاكتشاف كيفية تفعيلها فائدة كبيرة لكل من ينشد النسيان في العالم، خاصة أن هذا الاكتشاف بالتحديد يتحدى حدسنا الطبيعي في ميلنا لتجاهل ما يحزننا من أحداث، بدلا من التركيز عليها والاهتمام بها حتى نتمكن من نسيانها سريعا.
المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية