من أين جاءت كل هذه الرمال من حولنا؟
الصغير محمد الغربي
عندما تفتح عينيك صباحا لا بد أن تقع عيناك على شيء منها، بداية من شاشة هاتفك الجوال وزجاج نافذتك والأرصفة التي تسير عليها، وصولا للشواطئ والصحراء الممتدة إلى مساحات شاسعة من اليابسة. إنها الرمال التي تشكل -بمكونها الرئيسي ثاني أكسيد السيليكون أو السيليكا- 60% من قشرة الأرض. فمن أين أتت كل هذه الكميات الهائلة؟
عدد حبات الرمال
الرمل هو مادة حبيبية تغطي الشواطئ وأحواض الأنهار والصحاري في العالم، وتضرب بها الأمثال للدلالة على الكثرة منذ القدم، وألف أرخميدس الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد رسالة بعنوان "حساب الرمل"، حاول فيها حساب عدد حبات الرمل التي تملأ الكون، وطوّر لذلك علم الأعداد، وقام بحساب حجم الكون.
ورغم عبقريته التي تجلت في محاولته القيام بهذه العملية الرياضية، فإن حساباته كانت بعيدة عن الواقع لغياب معطيات كافية عن الكون وأبعاده الحقيقية.
فمن أين يأتي هذا العدد الذي لا يحصى من حبيبات الرمل على الأرض؟ وللإجابة عن هذا السؤال، يتعين إلقاء نظرة فاحصة على هذه الجسيمات المثيرة للاهتمام.
مصادر الرمال
يتألف الرمل من مواد ومعادن تختلف نسبها بتغير الموقع، مما يجعلها تأخذ ألوانا مختلفة؛ كالأبيض والأسود والأخضر وحتى الوردي. وعند النظر إليها عبر عدسة مكبرة، يمكنك رؤية آلاف الحبيبات ذات الأحجام والأشكال المتباينة. ويعد ثاني أكسيد السيليكون -في شكل الكوارتز- المكون الأكثر شيوعا للرمال، إلى جانب مواد معدنية.
تنجم الرمال في أغلبها عن تفتت الصخور بفعل عمليات التعرية الناتجة عن العوامل الجوية كالأمطار وتغير درجات الحرارة على مدى ملايين السنين. ونقلت الأنهار والرياح جسيمات الكوارتز إلى أماكن مختلفة، مشكلة كثبانا رملية قارية. أما الرمل العضوي فيتشكل من الأصداف والهياكل العظمية للكائنات البحرية الحية وبقايا الشعاب المرجانية.
التفسير في الفضاء
لكن المصادر المعروفة للسيليكا قد لا تكفي لتفسير وجود هذا الكم الهائل منها، سواء داخل القشرة الأرضية أو على سطح اليابسة؛ لذلك وجّه الباحثون أنظارهم نحو الفضاء، لعلهم يجدون إجابة شافية لهذا اللغز، خاصة أن البحوث العلمية السابقة لتركيبة الكواكب الداخلية للمجموعة الشمسية تؤكد احتواءها جميعا على نسب مختلفة من السيليكيات، وهي مركبات مؤلفة من السيلكون والأكسجين ومعادن أخرى.
"نحن أبناء النجوم". هكذا قال عالم الفلك كارل ساغان يوما ما؛ فكل العناصر الكيميائية -عدا الهيدروجين- نشأت خلال الدورة الرئيسية لحياة النجوم أو أثناء انفجارها في شكل سوبرنوفا (مستعر أعظم) بما في ذلك عنصرا السيليكون والأكسيجين المكونين للسيليكا.
ويعتقد العلماء أن هذين العنصرين المتواجدين في الغبار المقذوف خلال الانفجارات النجمية قد أسهما في تشكل وتطور المجموعة الشمسية، فقد كوّنا مركبات سيليكيات معقدة كثيرة تراكمت في الكواكب الداخلية الصلبة. ثم تفاعلت مع معادن أخرى لتشكيل القشرة الأرضية.
لكن دراسات فلكية جديدة ذهبت إلى أبعد من ذلك بتأكيدها أن السيليكا تكونت أثناء الانفجارات النجمية؛ إذ كشف باحثون مؤخرا وجود السيليكا في بقايا مستعرين أعظمين بعد تحليل الطيف الضوئي المنبعث منهما. ولأول مرة قدّر العلماء كمياتها ووجدوا أنها كافية لتشكيل ما يزيد على نصف القشرة الأرضية، وبما يفسر أيضا انتشارها في جميع أرجاء الكون.
من المدهش التفكير في أن هذه الحبيبات الرملية الصغيرة التي تشاهدها حولك، سواء كان ذلك أثناء نزهة صحراوية بين كثبان رمال الكوارتز، أو أثناء تأمل شاشة هاتفك، قد شهدت جميع الأحداث العظيمة في تاريخ الكون؛ فنحن جميعا على اتصال وثيق بالغبار الناتج عن انفجار السوبرنوفا قبل مليارات السنين.
المصدر : الجزيرة للعلوم
الصغير محمد الغربي
عندما تفتح عينيك صباحا لا بد أن تقع عيناك على شيء منها، بداية من شاشة هاتفك الجوال وزجاج نافذتك والأرصفة التي تسير عليها، وصولا للشواطئ والصحراء الممتدة إلى مساحات شاسعة من اليابسة. إنها الرمال التي تشكل -بمكونها الرئيسي ثاني أكسيد السيليكون أو السيليكا- 60% من قشرة الأرض. فمن أين أتت كل هذه الكميات الهائلة؟
عدد حبات الرمال
الرمل هو مادة حبيبية تغطي الشواطئ وأحواض الأنهار والصحاري في العالم، وتضرب بها الأمثال للدلالة على الكثرة منذ القدم، وألف أرخميدس الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد رسالة بعنوان "حساب الرمل"، حاول فيها حساب عدد حبات الرمل التي تملأ الكون، وطوّر لذلك علم الأعداد، وقام بحساب حجم الكون.
ورغم عبقريته التي تجلت في محاولته القيام بهذه العملية الرياضية، فإن حساباته كانت بعيدة عن الواقع لغياب معطيات كافية عن الكون وأبعاده الحقيقية.
فمن أين يأتي هذا العدد الذي لا يحصى من حبيبات الرمل على الأرض؟ وللإجابة عن هذا السؤال، يتعين إلقاء نظرة فاحصة على هذه الجسيمات المثيرة للاهتمام.
ثاني أكسيد السيليكون المكون الأكثر شيوعا للرمال إلى جانب مواد معدنية (غيتي) |
يتألف الرمل من مواد ومعادن تختلف نسبها بتغير الموقع، مما يجعلها تأخذ ألوانا مختلفة؛ كالأبيض والأسود والأخضر وحتى الوردي. وعند النظر إليها عبر عدسة مكبرة، يمكنك رؤية آلاف الحبيبات ذات الأحجام والأشكال المتباينة. ويعد ثاني أكسيد السيليكون -في شكل الكوارتز- المكون الأكثر شيوعا للرمال، إلى جانب مواد معدنية.
تنجم الرمال في أغلبها عن تفتت الصخور بفعل عمليات التعرية الناتجة عن العوامل الجوية كالأمطار وتغير درجات الحرارة على مدى ملايين السنين. ونقلت الأنهار والرياح جسيمات الكوارتز إلى أماكن مختلفة، مشكلة كثبانا رملية قارية. أما الرمل العضوي فيتشكل من الأصداف والهياكل العظمية للكائنات البحرية الحية وبقايا الشعاب المرجانية.
التفسير في الفضاء
لكن المصادر المعروفة للسيليكا قد لا تكفي لتفسير وجود هذا الكم الهائل منها، سواء داخل القشرة الأرضية أو على سطح اليابسة؛ لذلك وجّه الباحثون أنظارهم نحو الفضاء، لعلهم يجدون إجابة شافية لهذا اللغز، خاصة أن البحوث العلمية السابقة لتركيبة الكواكب الداخلية للمجموعة الشمسية تؤكد احتواءها جميعا على نسب مختلفة من السيليكيات، وهي مركبات مؤلفة من السيلكون والأكسجين ومعادن أخرى.
"نحن أبناء النجوم". هكذا قال عالم الفلك كارل ساغان يوما ما؛ فكل العناصر الكيميائية -عدا الهيدروجين- نشأت خلال الدورة الرئيسية لحياة النجوم أو أثناء انفجارها في شكل سوبرنوفا (مستعر أعظم) بما في ذلك عنصرا السيليكون والأكسيجين المكونين للسيليكا.
انفجارات النجوم بعد موتها (سوبرنوفا) تقذف الغبار النجمي الذي يسهم في تطور الكواكب (رويترز) |
لكن دراسات فلكية جديدة ذهبت إلى أبعد من ذلك بتأكيدها أن السيليكا تكونت أثناء الانفجارات النجمية؛ إذ كشف باحثون مؤخرا وجود السيليكا في بقايا مستعرين أعظمين بعد تحليل الطيف الضوئي المنبعث منهما. ولأول مرة قدّر العلماء كمياتها ووجدوا أنها كافية لتشكيل ما يزيد على نصف القشرة الأرضية، وبما يفسر أيضا انتشارها في جميع أرجاء الكون.
من المدهش التفكير في أن هذه الحبيبات الرملية الصغيرة التي تشاهدها حولك، سواء كان ذلك أثناء نزهة صحراوية بين كثبان رمال الكوارتز، أو أثناء تأمل شاشة هاتفك، قد شهدت جميع الأحداث العظيمة في تاريخ الكون؛ فنحن جميعا على اتصال وثيق بالغبار الناتج عن انفجار السوبرنوفا قبل مليارات السنين.
المصدر : الجزيرة للعلوم