الهمة بعد البصيرة خمسة اسئلة يسالها الله سبحانه وتعالى

عبدالرؤوف

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
22 ديسمبر 2018
المشاركات
1,338
نقاط التفاعل
3,708
النقاط
76
العمر
31
محل الإقامة
بسكرة
الجنس
ذكر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله اخواني اخواتي.


ما ساد الناس بفعالهم الا بعد بصيرة نفاذة تحراها العقل واتبعها المرء بالهمة والعزيمة فتسنم الواحد منهم العز والسؤدد
وعلو الهمة دليل قاطع على علو النفس وسموها وبالاحلام يظهر اصحاب الحِلم
من اصحاب الطيش والسفول

ما السبيل الى احياء الهمة فهناك من تبصر لكن لم يسعى ليكون عاليا في افعاله وخصاله؟
ومرحلة الشباب هي مرحلة الجد وهي المرحلة الذهبية فعن حفصة بنت سرين
قالت (يا معشر الشباب خذوا من انفسكم وانتم شباب ‘فإني والله ما رايت العمل الا في الشباب)
اي ان مرحلة الشباب هي مرحلة تأجج الهمم واستعارها في القلب فإن لم تعلو الهمة في هذا السن فإن ما ضاع لن يعوض ومرحلة الشباب لها سؤال خاص من الله سبحانه وتعالى ففي الحديث الذي جاء فيه ان هناك خمسة اسئلة يسالها الله سبحانه وتعالى عباده منها وشبابه فيم افناه
ومن اضاع شبابه في الملذات والشهوات يقلبها فقد جنى على نفسه
وعلى قول القائل
مآرب كانت للشباب في اهلها عِذابا فصارت في المشيب عَذابا .
من المسؤول عن تدني الهمم
هل هناك جهات مسؤولة بعينها
ام ان المحيط القريب والنفس تعاونتا على ضمور الهمم ؟
 
أممممممممممممممم موضوع مهم للغاية

يقول تعالى : " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ "
- وقال صلى الله عليه وسلم : ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز))
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : (لا تصغرنَّ همتكم؛ فإني لم أرَ أقعد عن المكرمات من صغر الهمم)
وقال ابن الجوزي : (من علامة كمال العقل علوُّ الهمة، والراضي بالدون دني)
- وقال ابن القيم : (فمن علت همته، وخشعت نفسه، اتصف بكلِّ خلق جميل، ومن دنت همته، وطغت نفسه، اتصف بكلِّ خلق رذيل)

سبحان الله كان قائد جيش المسلمين شاب قي السابعة عشر من عمره
و لم ينهزم خالد بن الوليد في معركة قط
و قال عمر ابن الخطاب انا مهاجر غدا
رضي اللهم عنهم جميعا

و قاد اجدادنا ثورة التحرير بالعصي و كانت الهمم عالية امام الحلف الاطلسي

تاولادنا حتى طريقة مشيهم لا توحي بأنهم رجال و لا طريقة لبسهم
و الرجل فيهم لا يسدد فواتير الغاز حتى تذهب والدته لسدادها

اعتقد الخلل في الاسرة و في التربية
 
زدتها رونقا وبهاء
بورك فيك
نعم ((احرص)) على ما ينفعك رائع جدا هذا الاستدلال العذب الزلال من اصفى
منبع .
الاسرة اما ان تدفع بأفرادها واما ان تعلمهم التكاسل في نيل المطالب
وفاقد الشيء ان تحسر عليه مكن من
منحه لمن يريد.
والله المستعان فأحلام العصافير طغت
على عقول اغلب الشباب فيعجبك جسم الواحد فيهم فتسأله من تريد ان تكون
فتراه اما يريد ان يكون حمارا فالفنان لغة هو الحمار واما لاعب كرة حتى القنوات تسعى للحط من الهمم فتجد
المسابقات في شيء تافه وعرض لكل تافه وابرازه وشغل الناس به
بدل التثقيف والدفع للامام
كأن الامر مدبر.
اسعدي مرورك شكرا.
 
آخر تعديل:
فإن تحسر بدل تحصر بعد مراجعة الرد تبين لي الخطأ
ولم امكن من تعديل الكلمة بسبب
(النت)
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك الله فيك على هذا الموضوع القيم
الهمة المحرك الأهم في حلقة الانجاز ان كانت عن بصيرة كما قلت... لأن المتأمل في أحوال الناس يجد البعض ضربوا أمثلة مبهرة في علو الهمة و الارادة لكن في أدنىء الأعمال على سبيل المثال ستيفن هوكينج سبحان الله! استنزافه لطاقته و مجهوداته حتى بعد اعاقته لم يوفر ذرة من وقته لكن فيم ؟ في اثبات الالحاد!
عندما نرى همة أهل الباطل في الدفاع عن الباطل و همة الكثير منا اليوم في الالتزام بالحق ( و ليس حتى في الدعوة اليه) نستحي
بينما سلفنا لم يكن هذا حالهم
لما أطالع أحيانا سيرهم أتساءل هل سيعود لأمة محمد أمثالهم !
نسأل الله من فضله و أن يرزقنا همم عالية و أن يجعلنا ممن ربى جيله على علو الهمة و الانجاز
الاشكال الذي أواجهه هو عدم قدرتي على الاستمرار بنفس قوة الهمة و لست ممن يلتزم بمقولة ( ما لا يدرك كله لا يترك جله ) بمجرد أن تسقط أول خرزة من العقد يلحقها الباقي تباعا...
و بالنسبة لاستغلال طاقة الشباب حقيقة معاشة التعلم في الصغر كالنقش في الحجر
أنصح بقراءة كتاب وصايا السلف للشباب للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله كتاب قيم
لكن اذا فاتت الانسان هاته المرحلة عليه أن لا يستسلم بأي حال فالكثير من العلماء و العظماء بدؤوا طريقهم في سن متأخرة مثلا سيبويه و الكسائي شيوخ النحاة في زمانهم لكنهم التحقوا به على كبر
 
.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك الله فيك على هذا الموضوع القيم
الهمة المحرك الأهم في حلقة الانجاز ان كانت عن بصيرة كما قلت... لأن المتأمل في أحوال الناس يجد البعض ضربوا أمثلة مبهرة في علو الهمة و الارادة لكن في أدنىء الأعمال على سبيل المثال ستيفن هوكينج سبحان الله! استنزافه لطاقته و مجهوداته حتى بعد اعاقته لم يوفر ذرة من وقته لكن فيم ؟ في اثبات الالحاد!
عندما نرى همة أهل الباطل في الدفاع عن الباطل و همة الكثير منا اليوم في الالتزام بالحق ( و ليس حتى في الدعوة اليه) نستحي
بينما سلفنا لم يكن هذا حالهم
لما أطالع أحيانا سيرهم أتساءل هل سيعود لأمة محمد أمثالهم !
نسأل الله من فضله و أن يرزقنا همم عالية و أن يجعلنا ممن ربى جيله على علو الهمة و الانجاز
الاشكال الذي أواجهه هو عدم قدرتي على الاستمرار بنفس قوة الهمة و لست ممن يلتزم بمقولة ( ما لا يدرك كله لا يترك جله ) بمجرد أن تسقط أول خرزة من العقد يلحقها الباقي تباعا...
و بالنسبة لاستغلال طاقة الشباب حقيقة معاشة التعلم في الصغر كالنقش في الحجر
أنصح بقراءة كتاب وصايا السلف للشباب للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله كتاب قيم
لكن اذا فاتت الانسان هاته المرحلة عليه أن لا يستسلم بأي حال فالكثير من العلماء و العظماء بدؤوا طريقهم في سن متأخرة مثلا سيبويه و الكسائي شيوخ النحاة في زمانهم لكنهم التحقوا به على كبر
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
امين.
سبحان الله وما حركني الا ذلك الكتاب
فإني قراته مساءً قبيل كتابة هذا المنشور
فإنه كتاب ماتع بحق جعلني افكر في الخلاص من السكون وفتور الهمة
احيانا تاتيني همة قوية وبعدها اصاب بالفتور وبحثت عن السبب فوجدته
اما معصية تسلب مني تلك الهمة
او اختبارا في ما مدى اسرارنا على الامر.
كما ذكرت من العيب ان يتعب اهل الباطل والشرور في كدهم لتوصيل افكارهم بينما نحن نقابلهم بفتور احيانا او انعدام همة في الصد والدفع احيانا اخرى
وما نيل المنى بالتمني وانما تؤخذ الدنيا غلابا.
فهيهات هيهات ان ينال المرء ما تمناه دون كد وجهد
فالله يقول في كتابه والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.
بورك فيك .
 
آخر تعديل:
ديدن ودندن يا صاحبي في الارجاء
واعلوا بالهمم لنعلوا كل مطية تسير الى اكبر عطية فيا صاحبي عقل لك اتم مفتاح هو
اتراك تنتعله ام تلعنه صباح مساء
فتعلق له مشنقة فتتبع كل داء
فما الدواء يشفي وما الجرعات تتناول
فما المرء الا بعقله يضيء عتمة هذه الدنية
فكن ذو حلم فالموت طالبك صباح او عشية
فما تحي فينا الا بأثرك ان تركته خلفك فأهل الخير احياء واهل السفول اموات وهم احياء
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله اخواني اخواتي.


ما ساد الناس بفعالهم الا بعد بصيرة نفاذة تحراها العقل واتبعها المرء بالهمة والعزيمة فتسنم الواحد منهم العز والسؤدد
وعلو الهمة دليل قاطع على علو النفس وسموها وبالاحلام يظهر اصحاب الحِلم
من اصحاب الطيش والسفول

ما السبيل الى احياء الهمة فهناك من تبصر لكن لم يسعى ليكون عاليا في افعاله وخصاله؟
ومرحلة الشباب هي مرحلة الجد وهي المرحلة الذهبية فعن حفصة بنت سرين
قالت (يا معشر الشباب خذوا من انفسكم وانتم شباب ‘فإني والله ما رايت العمل الا في الشباب)
اي ان مرحلة الشباب هي مرحلة تأجج الهمم واستعارها في القلب فإن لم تعلو الهمة في هذا السن فإن ما ضاع لن يعوض ومرحلة الشباب لها سؤال خاص من الله سبحانه وتعالى ففي الحديث الذي جاء فيه ان هناك خمسة اسئلة يسالها الله سبحانه وتعالى عباده منها وشبابه فيم افناه
ومن اضاع شبابه في الملذات والشهوات يقلبها فقد جنى على نفسه
وعلى قول القائل
مآرب كانت للشباب في اهلها عِذابا فصارت في المشيب عَذابا .
من المسؤول عن تدني الهمم
هل هناك جهات مسؤولة بعينها
ام ان المحيط القريب والنفس تعاونتا على ضمور الهمم ؟
المؤمن الحقيقي دائمااااااا مرفوووع الهمم (الإنسان نفسه هو المسؤول عمّـا يكون فيه وليس غيره ابدااااااااا ..) ألا يكفينا الإرادة الحرة والعقل النّعمة التي رزقنا الله بِهِمَــــــــــــــــــــــا.

اللهم كُن في عون عبادك الصالحين أهل الخير ..وارفع هممهم دائمااااااااا وابداااااااا وفي كل الظرووووووف ... آمين .

تقبل مروري اخي...


شكـــــــــــــــــــــــــرََا جزيــــــــــلاََ على طرح هدا الموضوع القيّـــم للنقاش.


خالص تحياتي احترامي وتقديري,



ســــــــــــــــــــــــــــلام.
 
المؤمن الحقيقي دائمااااااا مرفوووع الهمم (الإنسان نفسه هو المسؤول عمّـا يكون فيه وليس غيره ابدااااااااا ..) ألا يكفينا الإرادة الحرة والعقل النّعمة التي رزقنا الله بِهِمَــــــــــــــــــــــا.

اللهم كُن في عون عبادك الصالحين أهل الخير ..وارفع هممهم دائمااااااااا وابداااااااا وفي كل الظرووووووف ... آمين .

تقبل مروري اخي...


شكـــــــــــــــــــــــــرََا جزيــــــــــلاََ على طرح هدا الموضوع القيّـــم للنقاش.


خالص تحياتي احترامي وتقديري,



ســــــــــــــــــــــــــــلام.
بورك فيك يا طيب نفثت درا
ولك كل تحية طيبة بارك الله فيك وجزاك خيرا.
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ماشاء الله لا قوة الا بالله تبارك الذي بيده الملك
بارك الله فيك وجزاك كل خير وجعل كل حرف خطته يمناك في ميزان حسناتك
بارك الله لك في دينك وعرضك ومالك ودنياك ورزقك بما تحب في ما يحب ويرضى لك
بارك الله في من ربياك ورزقهما واياك الفردوس الاعلى
اللهم اميييين يارب العالمين


موضوع مهم جدا سلمت يمناك للطرح الجميل والمميز وهذا اقل ما يقال
نسال الله التوفيق وعلو الهمة لكل مافيه خير خاصة لديننا اللهم امين يااارب


المقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه ورقة أحببت أن أجعلها تنبيهاً لأصحاب الهمم العالية، واستنهاضاً وتحريكاً لمن قصرت بهم هممهم عن الحرص على معالي الأمور، وقد راعيت فيها الإيجاز، وحرصت على وضوح الفكرة –قدر المستطاع- والله أسأل أن يجعل كل ذلك خالصاً لوجهه الكريم.

تعريف علو الهمة:
الهمة في اللغة : ما هم به من الأمر ليفعل .
الهمة في الاصطلاح : الباعث على الفعل ، وعرف بعضهم علو الهمة بأنه : استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور . قال الشاعر مصوراً طموح المؤمن

إذا كنت في أمر مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم


وعرف ابن القيم علو الهمة بقوله :
"علو الهمة ألا تقف -أي النفس- دون الله وألا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلاً منه ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا يرضى بمساقطهم ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم ، فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات"(1).

الحث على علو الهمة والتحذير من سقوطها:
قال الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه: "لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته"(2).
وقال ابن القيم: "لا بد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه"(3).
وقال ابن نباتة رحمه الله:

حاول جسيمات الأمور ولا تقل *** إن المحامــد والعلى أرزاق
وارغب بنفسك أن تكون مقصرا *** عن غاية في الطلاب سباق


أقسام الهمة:
تُقَسَّم الهمة تقسيمين فتقسم من حيث الرفعة وضدها إلى عالية وساقطة.
وتقسم من حيث الاستعداد الفطري إلى وهبية ومكتسبة.
وليس معنى أن منها ما هو فطري أنها لا سبيل لزيادة رفعتها بل هي مثل باقي الصفات العقلية والخلقية كالذكاء والذاكرة وحسن الخلق . قال ابن القيم: "وقد عرفت بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات فإذا حثثت سارت ومتى رأيت في نفسك عجزاً فَسَلِ المنعم أو كسلاً فالجأ إلى الموفق ، فلن تنال خيراً إلا بطاعته ، ولن يفوتك خير إلا بمعصيته"(4).

مراتب الهمم:
عن أبي كبشة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه ما نقص مال من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، أو كلمة نحوها، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه قال: إنما الدنيا لأربع نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعلمت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح"(5).
وعلى نحو هذا التقسيم والتمثيل النبوي ينقسم الناس وتتفاوت منازلهم في الهمة:

1 – منهم من يطلب المعالي بلسانه وليس لـه همة في الوصول إليها ويصدق عليه قول الشاعر:
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

2 – ومنهم من لا يطلب إلا سفاسف الأمور ودناياها ويجتهد في تحصيلها ، وهذا –إن اهتدى– يكون سباقاً للخيرات: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".

3 – وفريق ساقط الهمة يهوى سفاسف الأمور ويقعد به العجز عنها، فهو من سقط المتاع وهو كمن وصف الشاعر:
إني رأيت من المكارم حسبكم *** أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا
فإذا تذوكرت المكارم يوما *** في مجلس أنتم به فتقنعوا(6)

4 – وأعلى الهمم همة من تسمو مطالبه إلى ما يحبه الله ورسوله فهنيئاً له ومن أمثالهم الأسلمي وعكاشة بن محصن وبين كل مرتبتين مراتب كثيرة تتفاوت فيها الناس تفاوتاً بينا.
وإذا استعرضنا التاريخ نجد أن العلية من الناس والقادة الذين تركوا أثرهم في التاريخ هم أصحاب الهمم العالية .

ومن أمثلتهم في القديم :

1 – ربيعة بن كعب الأسلمي الذي قال لـه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سل" فقال: أسألك مرافقتك في الجنة... (7).

2 – عكاشة بن محصن بادر فقال : "ادع الله أن يجعلني منهم ...".
3 – أبو بكر الذي قال: "ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعي أحد من تلك الأبواب كلها ، قال نعم وأرجوا أن يكون منهم ...".

4 – أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـه: "ألا تسألنِ من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله فنَزع نَمِرَةً كانت على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى نمل يدب عليها فحدثني حتى إذا استوعب حديثه قال اجمعها فصرها إليك فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني"(8).

5 – قصة ابن عباس مع صاحبه الأنصاري الذي طلب منه ابن عباس أن يرافقه في جمع العلم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن حسن في كتابه الهمة طريقك إلى القمة ص 21 – 22 : "وترى اليوم من تفاوت الهمم أمراً عجباً، ... فإذا اطلع المرء على أحوال الخاصة من المسلمين وهم طلاب العلم والدعاة وباقي الملتزمين بشرع الله الحريصين عليه سيصاب بالدهشة لما يراه من فتور الهمم ... فمنهم من إذا اطلع ساعة أو ساعتين في اليوم ظن أنه قد أتى بما لم يأت به الأوائل ومنهم من إذا خرج لزيارة فلان من الناس بقصد الدعوة يظن أنه قد قضى ما عليه من حق يومه ، ومنهم من تتغلب عليه زوجه وعياله فيقطع عامة وقته في مرضاتهم ، ومنهم من اقتصر في تحصيل العلم على سماع بعض الأشرطة ، وحضور محاضرة أو اثنتين في الأسبوع أو الشهر ، ومنهم من غلب عليه الركون إلى الدنيا والتمتع بمباحاتها تمتعاً يفضي به إلى نسينا المعاني العلية ، ومنهم من يقضي عامة وقته متشبعاً لقطات إخوانه ومطلعاً على ما يزيد علمه رسوخاً في هذا المجال ... ولا أزعم أن جمهور الصحوة قد فاتهم أن يكونوا ممن يجمع الشمل ويقصر الاعتذار والشكاية ويصبح نموذجاً يحتذى به ، ولكن أقول جازماً بأنهم – إلا القليل – لم يستثمروا هممهم حق الاستثمار ، ولم يحاولوا أن يرتقوا بأنفسهم حق الارتقاء".

ومن أمثلة هذا الرهط القليل حسن البناء الذي سأله مدرسه عن أعجب بيت قالته العرب إليه فقال قول طرفة :

إذا القوم قالوا: من فَتىً؟ خِلْتُ أنني *** عُنِيتُ فَلَمْ أكْسَلْ ولم أتَبَلَّدِ

وأوى ليلة إلى فراشه بعد نصب شديد فأخذ ورقة وقلما وجعل يكتب مقالاً ينشره في الجريدة فدخل عليه أحد المقربين منه المشفقين عليه فوعظه في نفسه فرد عليه في ذلك أجمل رد.
وهذا الشيخ ابن باز قضى خمسين سنة من عمره الوظيفي لم يتمتع بإجازة ، وذلك الشيخ: غلال الفاسي يقول:

أبعد بلوغي خمس عشرة ألعب *** وألهو مع اللاهين حولي وأطرب
ولي نظر عالٍ ونفس أبية *** مقاماً على هَامِ المَجَرَّةِ تَطْلُبُ

ثمرات الهمة العالية:

(1) تحقيق كثير من الأمور التي يعدها عامة الناس خيالاً يتحقق
ومن أمثلة ذلك بناء أمة مؤمنة في الجزيرة العربية التي يشيع فيها الجهل والشرك وذلك في فترة وجيزة ، وابن ياسين استطاع أن يقود بعصابة قليلة من أصحابه المربِّيين دولة انتصرت على جيوش الأسبان بعد استشهاده ، والإمام حسن البنا نادى في أمته الميتة بأمور اعتبرت من الخيالات وهو القائل: "أحلام الأمس حقائق اليوم وأحلام اليوم حقائق الغد"(9).

(2) الوصول إلى مراتب عليا في العبادة والزهد.
قال معاذ رضي الله عنه على فراش الموت: "اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا ولا طول المكث فيها لجري (لعله لكري) الأنهار ولا لغرس الأشجار ، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل وظمأ الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر"(10).

(3) البعد عن سفاسف الأمور ودناياها:
لما فرَّ عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس من العباسيين أهديت إليه جارية جميلة فنظر إليها وقال: "إن هذه من القلب والعين بمكان وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عن ما أطلبه ظلمت همتي ، ولا حاجة لي بها الآن وردها على صاحبها"(11).

(4) صاحب الهمة العالية يعتمد عليه وتناط به الأمور الصعبة وتوكل إليه:
وهذا أمر مشاهد معروف فإن المديرين والرؤساء عادة يطمحون للعمل مع صاحب الهمة العالية ويستعدون للتضحية معه حتى ولو كلفهم ذلك الكثير. وقد قيل: "ذو الهمة وإن حط نفسه تأبى إلا العلو، كالشعلة من النار يخفيها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً"(12).

(5) صاحب الهمة العالية يستفيد من حياته أعظم استفادة وتكون أوقاته مثمرة بناءة.
وقال الإمام ابن عقيل الحنبلي : إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح"(13).
وكان الإمام النووي يقرأ كل يوم اثني عشر درساً شرحاً وتصحيحاً ، ويقول لتلميذه بارك الله في وقتي(14).
ويقول د. مَارْدِن: "كل رجل ناجح لديه نوع من الشباك يلتقط به نحاتات وقراضات الزمان ، ونعني بها فضلات الأيام والأجزاء الصغيرة من الساعات مما يكنسه معظم الناس بين مهملات الحياة . وإن الرجل الذي يَدَّخِرُ كل الدقائق المفردة وأنصاف الساعات والأعياد غير المنتظرة والفسحات التي بين وقت وآخر ، والفترات التي تنقضي في انتظار أشخاص يتأخرون عن مواعيد مضروبة لهم ، ويستعمل كل هذه الأوقات ويستفيد منها ليأتي بنتائج باهرة يدهش لها الذين لم يفطنوا لهذا السر العظيم الشأن"(15).

(6) صاحب الهمة العالية قدوة للناس .

(7) تغيير طريقة حياة الشعوب والأفراد :

يقول الشيخ محمد الخضر حسين: "يسموا هذا الخلق بصاحبه إلى النهايات من معالي الأمور فهو الذي ينهض بالضعيف فإذا هو عزيز كريم، ويرفع القوم من السقوط ويبدلهم بالخمول نباهة وبالاضطهاد حرية وبالطاعة العمياء شجاعة أدبية ... أما صغير الهمة فإنه يَيْصُر بخصومه في قوة وسطوة فيذوب أمامهم رهبة، ويطرق إليهم رأسه حطة ثم لا يَلْبَثُ أن يسير في ركبهم ويسابق إلى حيث تحط أهواؤهم"(16).

وسائل ترقية الهمة :
1 – المجاهدة :
قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا".

2 – الدعاء الصادق والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى.

3 – اعتراف الشخص بقصور همته.

وهذا يستلزم أيضاً أن لا ينكر أنه قادر على تغيير همته وتطويرها إلى الأحسن.

4 – قراءة سيرة السلف الصالح.
يقول ابن القيم: "... ولقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النظامية فإذا هو يحتوي على نحو ستة آلاف مجلد وفي ثبت كتب أبي حنيفة وكتب الحميدي و... فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم وقدر هممهم وحفظهم وعبادتهم وغرائب علومهم ما لا يعرفه من لم يطالع فصرت أستزري ما الناس فيه وأحتقر همم الطلاب ولله الحمد"(17).
وقال محمد بن علي الأسلمي: قمت ليلة سَحراً لآخذ النوبة على ابن الأَخْرَمِ فوجدت قد سبقني ثلاثون قارئاً ولم تدركني النوبة إلى العصر(18).

5 – مصاحبة صاحب الهمة العالية.

6 – مراجعة جدول الأعمال اليومي ومراعاة الأولويات والأهم فالمهم.

7 – التنافس والتنازع بين الشخص وهمته.

ومعنى ذلك أن على مريد تطوير همته أن يحمل نفسه أعباءً وأعمالاً يومية لم تكن موجودة في حياته بحيث يحدث نوع من التحدي داخل النفس، ويجب أن تكون هذه الإضافة مدروسة بعناية وإحكام حتى لا يصاب الشخص بالإحباط.

8 – الدأب في تحصيل الكمالات والتشوق إلى المعرفة
يقول عمر بن عبد العزيز رحمهُ الله: "إن نفسي تواقة وإنها لم تعط من الدنيا شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه..." (19).

9 – الابتعاد عن كل ما من شأنه الهبوط بالهمة وتضييعها
مثل :
أ – كثرة الزيارات للأقارب بدون هدف شرعي صحيح ولا غرض دنيوي فيه فائدة معتبرة .
ب – كثرة الزيارات للأصحاب فيكثر المزاح وتقل الفائدة .
ج – الانهماك في تحصيل المال بدعوى التجارة وحيازة المال النافع للإسلام وأهله ، ثم ينقلب الأمر إلى تحصيل محض للدنيا وانغماس فيها .
د – تكليف الموظف نفسه بعملين صباحي ومسائي دون ضرورة لذلك .
هـ - كثرة التمتع بالمباحات .
و – الاستجابة للصوارف الأصرية استجابة كلية أو شبه كلية .
يقول محمد بن حسن موسى: "وقد دخلت علينا في حياتنا الأسرية كثير من التقاليد الغريبة في أمر الاحتفاء الزائد بالأهل والأولاد ودعوى ضرورة بناء مستقبلهم وغير ذلك مما حاصله نسيان الكفالة الإلهية والضمان الرباني"(20).

ز – التسويف قال الشاعر :
ولا أؤخر شغل اليوم عن كسلٍ *** إلى غدٍ إن يوم العاجزين غَدُ

ح – الكسل والفتور .
قال الصاحب: "إن الراحة حيث تعب الكرام أوْدَع لكنها أوضع والقعود حيث قام الكرام أسعل لكنه أسفل" (21) وقال الشاعر:

كأن التواني أنكح العجز بنته *** وساق إليها حين أنكحها مهرا
فراشاً وطيئاً ثم قال له اتكئ *** فَقُصْراكما لا شك أن تلدا فقرا

ط – مُلاحظة الخلق وتقليدهم والائتساء بهم ، فأكثر الخلق مفرطون .

مظاهر علو الهمة :
1 – تحرقه على ما مضى من أيامه وكأنه لم يكن قط صاحب الهمة المتألق المنجز لكثير من الأمور .
2 – كثرة همومه وتألمه لحالة المسلمين .
3 – موالاته النصيحة وتقديم الحلول والاقتراحات لمن يرجو منهم التغيير والإصلاح.
4 – طلبه للمعالي دائماً .
5 – كثرة شكواه من ضيق الوقت .
6 – قوة عزمه وثبات رأيه وقلة تردده ، فهو إذا قرر أمراً راشداً لا يسرع بنقضه ، بل يستمر فيه ويثبت عليه حتى يقضيه ويجني ثمرته ، ولا شك أن كثرة التردد ونقض الأمر من بعد إبرامه من علامات تدني الهمة.

لكل إلى شأو العُلا حركات *** ولكن قليل في الرجال الثبات

كيفيَّة استثمار همم الناس :
للناس ثلاثة أقسام :
1 – قسم ضائع مضيع يترك إلى حين إفاقته .

2 – قسم محافظ على الفرائض .

- فهذا القسم إن كان من أهل اليسار والغنى يوجه إلى المشاركة والتنافس في أعمال الخير العامة مثل بناء المساجد وإغاثة المنكوبين ومساعدة الجمعيات والهيئات الإسلامية الخيرية .
- إن كانوا من ذوي الدخول المتوسطة يوجهون إلى سماع الدروس والخطب التي يعدها خطباء مرموقون .
- توجيه الشباب وتحميسهم للمشاركة في الجهاد .
- التوضيح والتنبيه والقيام بالنصيحة وبيان أن باستطاعتهم توجيه جهودهم إلى ما هو أنفع .
- توجيههم للقراءة النافعة .

3 – قسم – وهو المعول عليه بعد الله سبحانه وتعالى – ملتزم بدينه ومحافظ عليه يطمح إلى القيام بما يجب عليه
وهذا يوجه إلى :
- الانتساب إلى جمعية أو هيئة لها برنامج عمل محدد .
- الانتساب إلى جماعة إسلامية صالحة من الجماعات المنتشرة في العالم الإسلامي تعمل بجد وإخلاص لإقامة دين الله سبحانه وتعالى .
- توعية الشخص المنصوح بأن يختار لنفسه مجالاً يبدع فيه .

محاذير أمام أهل الهمم العالية :
1 – صاحب الهمة العالية تحلق به همته دائماً فتأمره بإنجاز كثير من الأعمال المتداخلة في وقت واحد فليطعها بقدر ولا يستبعد ما تأمره به وفي الوقت نفسه لا يَقُمْ به كلِّه بل يأخذ منه بقدر ما يعرف من إسعاف همته له بالقيام به .

2 – صاحب الهمة العالية معرض لنصائح تثنيه عن همته وتحاول أن تذكره دائماً بأنه ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ... فالحصيف لا يلتفت إلى هذه النصائح إلا بقدر .
قال ابن نباتة السعدي :

أعاذلتي على إتعاب نفسي *** ورعيي في الدجى روض السهادِ
إذا شام الفتى برق المعالي *** فأهون فائت طيب الرقادِ

3 – صاحب الهمة معرض لسهام العين والحسد فعليه بالأذكار المأثورة ليدرأ عن نفسه ما قد يصيبه .

4 – صاحب الهمة تعتريه فترْة وضعف قليل لما يراه من تدني همم غالب الخلق فلا يحزن وليوطن نفسه على الإحسان والنصيحة .

5 – أهل الهمة العالية قد يكونون مفرطين في بعض الأمور التي ربما لا يرون فيها تعلقاً مباشراً بعلو هممهم مثل حقوق الأهل والأقارب ، فعلى من أصيب بشيء من ذلك أن يصلحه ولو بالقدر الذي يبعد عنه سهام اللائمين .

6 – قد تؤدي الهمة العالية بصاحبها إلى التحمس الزائد فيستعجل ويرتكب من الأخطاء ما كان يمكن تلافيه بقليل من التعقل وحساب العواقب ، وعلى من وقع في مثل هذا أن يعرف السنن الكونية ، وأن الأمر لا يحسم بين عشية وضحاها .

7 – أهل الهمة العالية قد يتعرضون لإثارة الخلافات الفقهية بينهم فينتج عن ذلك الذم والمقت ومن أمثلة ذلك التعرض للجماعات الإسلامية العاملة في الساحة ، ومن أصبح ذلك ديدنه فستتخلف همته وتقعد به عن معالي الأمور .

8 – قد يتعرض صاحب الهمة إلى عدم المداومة مع أن أبرز سمات صاحب الهمة العالية المداومة وعدم الانقطاع وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل"(22).

فهمة متوسطة العلو تدوم خير من همة عزيمة متقطعة يقول أبو المواهب بن صَرْصَرَى : لم أَرَ مِثْل أبي القاسم ابن عساكر ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة من لزوم الصلوات في الصف الأول إلا من عذر والاعتكاف في شهر رمضان وعشر ذي الحجة وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور فقد أسقط عن نفسه ذلك ... (23).
وقال أبو العباس ثعلبٌ: "ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس لغة ولا نحو خمسين سنة"(24).
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من أهل الهمة العالية وأن يبارك لنا في أوقاتنا وأعمالنا .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .
هذه الورقات ملخصة من كتاب الهمة طريق إلى القمة للشيخ محمد بن حسن بن عقيل موسى ، أجزل الله له المثوبة وبارك في وقته وعمله .


المصدر: Úáæ ÇáåãÉ

 
علو الهمة
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً رسول الله.

وبعد:
فإن من الخصال الجميلة، والخلال الحميدة، والأخلاق العالية الرفيعة: الهمة العالية، والناس إنما تعلو أقدارهم، وترتفع منازلهم بحسب علو هممهم وشريف مقاصدهم، قال بعضهم: علو الهمة هو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمـور، ومعنى ذلك: أن المؤمن لا تنتهي إنجازاته في أمور دينه ودنياه، بل كلما انتهى من إنجاز سعى إلى آخر، وهكذا حال صاحب الهمة العالية.

وقد حثَّ سبحانه عباده على علوِّ الهمة، والمسارعة إلى الخيرات، والتنافس في أعالي الدرجات،
قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]،
وقال تعالى: ﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾ [الصافات: 61]،
وقال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].

وبيَّن تعالى فضل المجاهدين أصحاب الهمم العالية، على القاعدين المُؤثِرِين للراحة والدَّعَة،
فقال: ﴿ لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [النساء: 95]،
وقال تعالى : ﴿ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [الحديد: 10].

روى الإمـام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ)).

وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه كما روى الطبراني في الكبير من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما: ((إِنَّ اللهَ تَعَالَى: يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُوِر وَأَشرَافَهَا، وَيَكَرهُ سَفْسَافَهَا))، أي: الحقير الرديء منها.

وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أعلى الناس همة،
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]،
وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يمتثل لهذا التوجيه الرباني الكبير، فيقوم حتى تتفطر قدماه، وفي النهار جهاد ودعوة وقيادة للأمة، وكان في بيته تسع نسوة يقوم على شؤونهن، وكان يضع الحجر على بطنه من الجوع، وتمرُّ الليالي تلو الليالي لا يوقد في بيت رسول الله نار، إن هو إلا الأسودان – التمر والماء – لقد ولَّى عهد النوم والراحة،
قال تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8].

وكان عليه الصلاة والسلام يحث أصحابه على الهمة العالية والمسابقة إلى الدرجات العالية،
روى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في غزوة بدر، قال: فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لاَ يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ))، فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ))، قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ؟! قَالَ: ((نَعَمْ)). قَالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟!)). قَالَ: لاَ وَاللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِلاَّ رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: ((فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا))، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ.

ومن الأمثلة على الهمة العالية:

ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه – وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء – يعني المشركين – ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أُحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قُتل وقد مَثَّل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته بِبِنَانِه.

قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ إلى آخر الآية [الأحزاب: 23].

وعلو الهمة على قسمين:
الأول: رجل يشعر بأن فيه الكفاية لعظائم الأمور، ويجعل هذه العظائم همته، وهذا ما يسمى (عظيم الهمة، أو عظيم اليقين).

الثاني: رجل فيه الكفاية لعظائم الأمـور، ولكنه يحتقر نفسه فيضع همه في سفاسف الأمور وصغائرها، وهذا ما يسمى صغير الهمة؛


ومن الأمثلة على علو الهمة:

ما قاله مسروق عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: والله ما أُنزلت آية، إلا وأنا أعلم فيم نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني، تبلغه المطايا، لأتيته.

وكان الإمام البخاري يقوم في الليلة الواحدة ما يقارب عشرين مرة، لتدوين حديث أو فكرة.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: رحلت في طلب السُّنَّة إلى الثغور والشامات والسواحل، والمغرب والجزائر، ومكة والمدينة، واليمن، وخراسان وفارس، وقال: حججت خمس حجات: منها ثلاث حجج راجلاً من بغداد إلى مكة.

وقال ابن الجوزي: طاف الإمام أحمد بن حنبل الدنيا مرتين، حتى جمع المسند وفيه ثلاثون ألف حديث، وقال أيضاً: ولو أني قلت: طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعد في الطلب، فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب ولله الحمد[5]. ا هـ.

وقال ابن الجوزي – في ترجمة الطبراني - : هو العلامة سليمان بن أحمد مُسنِد الدنيا، زادت مؤلفاته على خمسة وسبعين مؤلفاً، سئل عن كثرة أحاديثه؟! فقال: كنت أنام على الحصير ثلاثين سنة.

ومن الأمثلة على علو الهمة في وقتنا المعاصر:

ما أخبرني به أحد الإخوة أن هناك أعمى وأصم وأبكم لا تفوته تكبيرة الإحرام، والعجيب أن الذي يقوده إلى المسجد ابنه وهو أصم وأبكم، ومع ذلك: الاثنان عندهما همة عالية للمبادرة إلى بيوت الله، والصلاة مع الجماعة، مع أنهما معذوران شرعاً.

قال ابن القيم رحمه الله وهو يتحدث عن الهمة: فكيف يحسن بذي همة قد أزاح الله عنه علله، وعرفه السعادة والشقاوة أن يرضى بأن يكون حيواناً، وقد أمكنه أن يصير إنساناً، وبأن يكون إنساناً وقد أمكنه أن يكون ملكاً، وبأن يكون ملكاً وقد أمكنه أن يكون ملكاً في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فتقوم الملائكة في خدمته، وتدخل عليهم من كل باب، قال تعالى: ﴿ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24].

وهذا الكمال إنما يُنَالُ بالعلم ورعايته والقيام بموجبه, وأعظم النقص نقص القادر على التمام وحسرته على تفويته، فَثَبَتَ أنه لا شيء أقبح بالإنسان من أن يكون غافلاً عن الفضائل الدينية، والعلوم النافعة، والأعمال الصالحة، فمن كان كذلك فهو من الهمج الرعاع الذين يكدرون الماء ويقلون، إن عاش عاش غير حميد، وإن مات مات غير فقيد، وفقدهم راحة للبلاد والعباد، ولا تبكي عليهم السماء، ولا تستوحش لهم الغبراء.

الخلاصة:


أنه ينبغي للمؤمن أن تكون همته عالية، يسعى إلى معالي الأمـور وفيما يصلحه من أمر دينه ودنياه، وأن يبذل في ذلك الغالي والنفيس، وألا يكون ضعيف الهمة يحب الراحة والكسل، فإنه بقدر الكد تكتسب المعالي، ومن طلب العلا سهر الليالي.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/social/0/20945/#ixzz5lwFTafDj

للمزيد من الافاذة باذن الله :

أرجو تقبل مروري

في انتظار المزيد من مواضيعك الجميلة الطيبة الهادفة
تحياتي احترامي وتقديري لشخصكم الكريم الطيب
في امان الله وحفظه
 
علو الهمة
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً رسول الله.

وبعد:
فإن من الخصال الجميلة، والخلال الحميدة، والأخلاق العالية الرفيعة: الهمة العالية، والناس إنما تعلو أقدارهم، وترتفع منازلهم بحسب علو هممهم وشريف مقاصدهم، قال بعضهم: علو الهمة هو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمـور، ومعنى ذلك: أن المؤمن لا تنتهي إنجازاته في أمور دينه ودنياه، بل كلما انتهى من إنجاز سعى إلى آخر، وهكذا حال صاحب الهمة العالية.

وقد حثَّ سبحانه عباده على علوِّ الهمة، والمسارعة إلى الخيرات، والتنافس في أعالي الدرجات،
قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]،
وقال تعالى: ﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾ [الصافات: 61]،
وقال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].

وبيَّن تعالى فضل المجاهدين أصحاب الهمم العالية، على القاعدين المُؤثِرِين للراحة والدَّعَة،
فقال: ﴿ لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [النساء: 95]،
وقال تعالى : ﴿ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [الحديد: 10].

روى الإمـام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ)).

وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه كما روى الطبراني في الكبير من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما: ((إِنَّ اللهَ تَعَالَى: يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُوِر وَأَشرَافَهَا، وَيَكَرهُ سَفْسَافَهَا))، أي: الحقير الرديء منها.

وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أعلى الناس همة،
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]،
وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يمتثل لهذا التوجيه الرباني الكبير، فيقوم حتى تتفطر قدماه، وفي النهار جهاد ودعوة وقيادة للأمة، وكان في بيته تسع نسوة يقوم على شؤونهن، وكان يضع الحجر على بطنه من الجوع، وتمرُّ الليالي تلو الليالي لا يوقد في بيت رسول الله نار، إن هو إلا الأسودان – التمر والماء – لقد ولَّى عهد النوم والراحة،
قال تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8].

وكان عليه الصلاة والسلام يحث أصحابه على الهمة العالية والمسابقة إلى الدرجات العالية،
روى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في غزوة بدر، قال: فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لاَ يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ))، فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ))، قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ؟! قَالَ: ((نَعَمْ)). قَالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟!)). قَالَ: لاَ وَاللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِلاَّ رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: ((فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا))، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ.

ومن الأمثلة على الهمة العالية:

ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه – وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء – يعني المشركين – ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أُحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قُتل وقد مَثَّل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته بِبِنَانِه.

قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ إلى آخر الآية [الأحزاب: 23].

وعلو الهمة على قسمين:
الأول: رجل يشعر بأن فيه الكفاية لعظائم الأمور، ويجعل هذه العظائم همته، وهذا ما يسمى (عظيم الهمة، أو عظيم اليقين).

الثاني: رجل فيه الكفاية لعظائم الأمـور، ولكنه يحتقر نفسه فيضع همه في سفاسف الأمور وصغائرها، وهذا ما يسمى صغير الهمة؛


ومن الأمثلة على علو الهمة:

ما قاله مسروق عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: والله ما أُنزلت آية، إلا وأنا أعلم فيم نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني، تبلغه المطايا، لأتيته.

وكان الإمام البخاري يقوم في الليلة الواحدة ما يقارب عشرين مرة، لتدوين حديث أو فكرة.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: رحلت في طلب السُّنَّة إلى الثغور والشامات والسواحل، والمغرب والجزائر، ومكة والمدينة، واليمن، وخراسان وفارس، وقال: حججت خمس حجات: منها ثلاث حجج راجلاً من بغداد إلى مكة.

وقال ابن الجوزي: طاف الإمام أحمد بن حنبل الدنيا مرتين، حتى جمع المسند وفيه ثلاثون ألف حديث، وقال أيضاً: ولو أني قلت: طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعد في الطلب، فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب ولله الحمد[5]. ا هـ.

وقال ابن الجوزي – في ترجمة الطبراني - : هو العلامة سليمان بن أحمد مُسنِد الدنيا، زادت مؤلفاته على خمسة وسبعين مؤلفاً، سئل عن كثرة أحاديثه؟! فقال: كنت أنام على الحصير ثلاثين سنة.

ومن الأمثلة على علو الهمة في وقتنا المعاصر:

ما أخبرني به أحد الإخوة أن هناك أعمى وأصم وأبكم لا تفوته تكبيرة الإحرام، والعجيب أن الذي يقوده إلى المسجد ابنه وهو أصم وأبكم، ومع ذلك: الاثنان عندهما همة عالية للمبادرة إلى بيوت الله، والصلاة مع الجماعة، مع أنهما معذوران شرعاً.

قال ابن القيم رحمه الله وهو يتحدث عن الهمة: فكيف يحسن بذي همة قد أزاح الله عنه علله، وعرفه السعادة والشقاوة أن يرضى بأن يكون حيواناً، وقد أمكنه أن يصير إنساناً، وبأن يكون إنساناً وقد أمكنه أن يكون ملكاً، وبأن يكون ملكاً وقد أمكنه أن يكون ملكاً في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فتقوم الملائكة في خدمته، وتدخل عليهم من كل باب، قال تعالى: ﴿ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24].

وهذا الكمال إنما يُنَالُ بالعلم ورعايته والقيام بموجبه, وأعظم النقص نقص القادر على التمام وحسرته على تفويته، فَثَبَتَ أنه لا شيء أقبح بالإنسان من أن يكون غافلاً عن الفضائل الدينية، والعلوم النافعة، والأعمال الصالحة، فمن كان كذلك فهو من الهمج الرعاع الذين يكدرون الماء ويقلون، إن عاش عاش غير حميد، وإن مات مات غير فقيد، وفقدهم راحة للبلاد والعباد، ولا تبكي عليهم السماء، ولا تستوحش لهم الغبراء.

الخلاصة:


أنه ينبغي للمؤمن أن تكون همته عالية، يسعى إلى معالي الأمـور وفيما يصلحه من أمر دينه ودنياه، وأن يبذل في ذلك الغالي والنفيس، وألا يكون ضعيف الهمة يحب الراحة والكسل، فإنه بقدر الكد تكتسب المعالي، ومن طلب العلا سهر الليالي.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/social/0/20945/#ixzz5lwFTafDj

للمزيد من الافاذة باذن الله :

أرجو تقبل مروري

في انتظار المزيد من مواضيعك الجميلة الطيبة الهادفة
تحياتي احترامي وتقديري لشخصكم الكريم الطيب
في امان الله وحفظه
علو الهمة
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً رسول الله.

وبعد:
فإن من الخصال الجميلة، والخلال الحميدة، والأخلاق العالية الرفيعة: الهمة العالية، والناس إنما تعلو أقدارهم، وترتفع منازلهم بحسب علو هممهم وشريف مقاصدهم، قال بعضهم: علو الهمة هو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمـور، ومعنى ذلك: أن المؤمن لا تنتهي إنجازاته في أمور دينه ودنياه، بل كلما انتهى من إنجاز سعى إلى آخر، وهكذا حال صاحب الهمة العالية.

وقد حثَّ سبحانه عباده على علوِّ الهمة، والمسارعة إلى الخيرات، والتنافس في أعالي الدرجات،
قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]،
وقال تعالى: ﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾ [الصافات: 61]،
وقال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].

وبيَّن تعالى فضل المجاهدين أصحاب الهمم العالية، على القاعدين المُؤثِرِين للراحة والدَّعَة،
فقال: ﴿ لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [النساء: 95]،
وقال تعالى : ﴿ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [الحديد: 10].

روى الإمـام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ)).

وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه كما روى الطبراني في الكبير من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما: ((إِنَّ اللهَ تَعَالَى: يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُوِر وَأَشرَافَهَا، وَيَكَرهُ سَفْسَافَهَا))، أي: الحقير الرديء منها.

وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أعلى الناس همة،
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]،
وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يمتثل لهذا التوجيه الرباني الكبير، فيقوم حتى تتفطر قدماه، وفي النهار جهاد ودعوة وقيادة للأمة، وكان في بيته تسع نسوة يقوم على شؤونهن، وكان يضع الحجر على بطنه من الجوع، وتمرُّ الليالي تلو الليالي لا يوقد في بيت رسول الله نار، إن هو إلا الأسودان – التمر والماء – لقد ولَّى عهد النوم والراحة،
قال تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8].

وكان عليه الصلاة والسلام يحث أصحابه على الهمة العالية والمسابقة إلى الدرجات العالية،
روى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في غزوة بدر، قال: فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لاَ يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ))، فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ))، قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ؟! قَالَ: ((نَعَمْ)). قَالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟!)). قَالَ: لاَ وَاللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِلاَّ رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: ((فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا))، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ.

ومن الأمثلة على الهمة العالية:

ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه – وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء – يعني المشركين – ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أُحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قُتل وقد مَثَّل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته بِبِنَانِه.

قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ إلى آخر الآية [الأحزاب: 23].

وعلو الهمة على قسمين:
الأول: رجل يشعر بأن فيه الكفاية لعظائم الأمور، ويجعل هذه العظائم همته، وهذا ما يسمى (عظيم الهمة، أو عظيم اليقين).

الثاني: رجل فيه الكفاية لعظائم الأمـور، ولكنه يحتقر نفسه فيضع همه في سفاسف الأمور وصغائرها، وهذا ما يسمى صغير الهمة؛


ومن الأمثلة على علو الهمة:

ما قاله مسروق عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: والله ما أُنزلت آية، إلا وأنا أعلم فيم نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني، تبلغه المطايا، لأتيته.

وكان الإمام البخاري يقوم في الليلة الواحدة ما يقارب عشرين مرة، لتدوين حديث أو فكرة.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: رحلت في طلب السُّنَّة إلى الثغور والشامات والسواحل، والمغرب والجزائر، ومكة والمدينة، واليمن، وخراسان وفارس، وقال: حججت خمس حجات: منها ثلاث حجج راجلاً من بغداد إلى مكة.

وقال ابن الجوزي: طاف الإمام أحمد بن حنبل الدنيا مرتين، حتى جمع المسند وفيه ثلاثون ألف حديث، وقال أيضاً: ولو أني قلت: طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعد في الطلب، فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب ولله الحمد[5]. ا هـ.

وقال ابن الجوزي – في ترجمة الطبراني - : هو العلامة سليمان بن أحمد مُسنِد الدنيا، زادت مؤلفاته على خمسة وسبعين مؤلفاً، سئل عن كثرة أحاديثه؟! فقال: كنت أنام على الحصير ثلاثين سنة.

ومن الأمثلة على علو الهمة في وقتنا المعاصر:

ما أخبرني به أحد الإخوة أن هناك أعمى وأصم وأبكم لا تفوته تكبيرة الإحرام، والعجيب أن الذي يقوده إلى المسجد ابنه وهو أصم وأبكم، ومع ذلك: الاثنان عندهما همة عالية للمبادرة إلى بيوت الله، والصلاة مع الجماعة، مع أنهما معذوران شرعاً.

قال ابن القيم رحمه الله وهو يتحدث عن الهمة: فكيف يحسن بذي همة قد أزاح الله عنه علله، وعرفه السعادة والشقاوة أن يرضى بأن يكون حيواناً، وقد أمكنه أن يصير إنساناً، وبأن يكون إنساناً وقد أمكنه أن يكون ملكاً، وبأن يكون ملكاً وقد أمكنه أن يكون ملكاً في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فتقوم الملائكة في خدمته، وتدخل عليهم من كل باب، قال تعالى: ﴿ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24].

وهذا الكمال إنما يُنَالُ بالعلم ورعايته والقيام بموجبه, وأعظم النقص نقص القادر على التمام وحسرته على تفويته، فَثَبَتَ أنه لا شيء أقبح بالإنسان من أن يكون غافلاً عن الفضائل الدينية، والعلوم النافعة، والأعمال الصالحة، فمن كان كذلك فهو من الهمج الرعاع الذين يكدرون الماء ويقلون، إن عاش عاش غير حميد، وإن مات مات غير فقيد، وفقدهم راحة للبلاد والعباد، ولا تبكي عليهم السماء، ولا تستوحش لهم الغبراء.

الخلاصة:


أنه ينبغي للمؤمن أن تكون همته عالية، يسعى إلى معالي الأمـور وفيما يصلحه من أمر دينه ودنياه، وأن يبذل في ذلك الغالي والنفيس، وألا يكون ضعيف الهمة يحب الراحة والكسل، فإنه بقدر الكد تكتسب المعالي، ومن طلب العلا سهر الليالي.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/social/0/20945/#ixzz5lwFTafDj

للمزيد من الافاذة باذن الله :

أرجو تقبل مروري

في انتظار المزيد من مواضيعك الجميلة الطيبة الهادفة
تحياتي احترامي وتقديري لشخصكم الكريم الطيب
في امان الله وحفظه
بارك الله فيك وفي من رباك
اجدت في القطف كالعادة
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top