حياة بكتيرية في الأعماق السحيقة للبحر الميت
البحر الميت أخفض بقعة في العالم واشتهر بملوحة مياهه الشديدة وانعدام الحياة فيه أو بالأحرى استحالتها (رويترز)
فكرت المهدي
يعرف البحر الميت بكونه أخفض منطقة على الأرض، وبملوحة مياهه الشديدة، التي تزيد نحو عشر مرات عن ملوحة مياه البحار العادية. أضف إلى ذلك أن البحر الميت الشهير -الذي تحده الأردن وفلسطين المحتلة- ليس في الواقع بحراً على الإطلاق، بل هو بحيرة هائلة محاطة باليابسة، وهي أعمق تجمع مائي في العالم.
الحياة الجوفية المظلمة
الشائع من الحقائق هو انعدام الحياة في البحر الميت، أو بالأحرى استحالتها. كان ذلك حتى 22 مارس/آذار 2019، حين نشر موقع "جيوسسينس وورلد" ورقة بحثية جديدة، صدرت عن جامعة جنيف، كعمل مشترك بين باحثين من سويسرا وفرنسا، وكشفت الورقة وجود نوع من الحياة البكتيرية في أعماق سحيقة من البحر الميت.
وتشير الدراسة الجديدة إلى أن ملوحة البحيرة البالغة 34.2% تشكل واحدة من أكثر النظم البيئية تطرفًا على كوكب الأرض.
ورغم ذلك، فقد وجدت الحياة سبيلاً إليها، حيث يوجد محيط حيوي ضخم، مما يمكن أن نسميه "الحياة الجوفية المظلمة"، وهي مأهولة من قبل بعض الكائنات الحية الأقدم على الكوكب، تلك التي تكيفت بشكل فريد من أجل البقاء على قيد الحياة في ظروف مريرة من انعدام الضوء والأكسجين والملوحة الشديدة.
وتعيش البكتيريا من عتائق الأركيا المحبة للملح، ويرجع ذلك في الغالب إلى انخفاض نفاذية غشاء الأركيا الذي يحول دون إلحاق الضرر بالأغشية البكتيرية.
وتعتبر النفاذية المنخفضة لغشاء تلك البكتيريا ميزة لافتة للنظر، لا سيما في بيئات تتصف بإجهاد أسموزي عالٍ مثل البيئات شديدة الملوحة، ويعرف الضغط الأسموزي بأنه ذلك الضغط الناتج بسبب اختلاف تركيز المحاليل على جانبي الغشاء البلازمي للخلية.
مؤشرات حيوية للدهون
ولاستكشاف إستراتيجيات التمثيل الغذائي الغامضة التي تستخدمها هذه الميكروبات في أعماق المحيط الحيوي السحيقة، قام فريق الدراسة بقيادة "كاميل توماس" عالم الجيولوجيا في جامعة جنيف، بالحفر تحت سطح البحر الميت حتى عمق 243 متراً، وذلك للبحث عن المستحاثات الجزيئية المتموضعة في الرواسب المالحة تحت قاع البحر الميت.
واهتم الفريق بالبحث عن مؤشرات حيوية للدهون، ولهذا فقد تقص وجود آثار لمركبات جزيئية يمكن أن تدلل على كيفية عيش هذه المخلوقات قبل مليون عام. حيث إن الحفاظ على الدهون بحالة جيدة في هذه الأعماق السحيقة يقدم أدلة جيدة على مسارات التمثيل الغذائي التي تسمح لهذا النوع من البكتيريا بالبقاء في المحيط الحيوي العميق.
أسترات الشمع
وأظهر تحليل الفريق لمستخلصات الدهون دليلاً على وجود مركب "أسترات الشمع"، وهو الجزيء المسؤول عن تخزين الطاقة، الذي يمكن أن تنتجه البكتيريا وحقيقيات النوى في ظروف بيئية قاسية. واستناداً إلى الأدلة الكيميائية التي عثر عليها الفريق، فإنه يرجح أن تكون آثار الدهون الموجودة هناك من أصل بكتيري من نوع ما، وأنتجت من خلال إعادة تدوير جزيئات فرعية من الدهون المتحللة من غشاء خلايا الأركيا الميتة.
ويعتقد الباحثون أنه -بالإضافة إلى قدرتها على توفير الطاقة في شكل كربون مؤكسد- تمكنت تلك البكتيريا من تصنيع جزيئات مائية تضمن بقاءها على قيد الحياة وحمايتها من الجفاف عن طريق إعادة تجميع أنواع الدهون الأساسية المتحللة بالمياه، والناتجة عن تحلل الأرومات الأحفورية.
في البيئات شديدة الملوحة يمكن أن يحدث الجفاف بسبب التركيزات العالية من الملح، التي تسبب الإجهاد الأسموزي العالي، والذي يتسبب بدوره في خروج الماء من الخلية.
وفي حين أن هذه الدراسة الجديدة تقدم الكثير من الاحتمالات فإن هذه الآليات المقترحة تقدم القصة الأكثر ترجيحاً حول كيفية وجود الحياة في هذا البحر "الميت".
المصدر : الجزيرة
فكرت المهدي
يعرف البحر الميت بكونه أخفض منطقة على الأرض، وبملوحة مياهه الشديدة، التي تزيد نحو عشر مرات عن ملوحة مياه البحار العادية. أضف إلى ذلك أن البحر الميت الشهير -الذي تحده الأردن وفلسطين المحتلة- ليس في الواقع بحراً على الإطلاق، بل هو بحيرة هائلة محاطة باليابسة، وهي أعمق تجمع مائي في العالم.
الحياة الجوفية المظلمة
الشائع من الحقائق هو انعدام الحياة في البحر الميت، أو بالأحرى استحالتها. كان ذلك حتى 22 مارس/آذار 2019، حين نشر موقع "جيوسسينس وورلد" ورقة بحثية جديدة، صدرت عن جامعة جنيف، كعمل مشترك بين باحثين من سويسرا وفرنسا، وكشفت الورقة وجود نوع من الحياة البكتيرية في أعماق سحيقة من البحر الميت.
وتشير الدراسة الجديدة إلى أن ملوحة البحيرة البالغة 34.2% تشكل واحدة من أكثر النظم البيئية تطرفًا على كوكب الأرض.
ورغم ذلك، فقد وجدت الحياة سبيلاً إليها، حيث يوجد محيط حيوي ضخم، مما يمكن أن نسميه "الحياة الجوفية المظلمة"، وهي مأهولة من قبل بعض الكائنات الحية الأقدم على الكوكب، تلك التي تكيفت بشكل فريد من أجل البقاء على قيد الحياة في ظروف مريرة من انعدام الضوء والأكسجين والملوحة الشديدة.
وتعيش البكتيريا من عتائق الأركيا المحبة للملح، ويرجع ذلك في الغالب إلى انخفاض نفاذية غشاء الأركيا الذي يحول دون إلحاق الضرر بالأغشية البكتيرية.
وتعتبر النفاذية المنخفضة لغشاء تلك البكتيريا ميزة لافتة للنظر، لا سيما في بيئات تتصف بإجهاد أسموزي عالٍ مثل البيئات شديدة الملوحة، ويعرف الضغط الأسموزي بأنه ذلك الضغط الناتج بسبب اختلاف تركيز المحاليل على جانبي الغشاء البلازمي للخلية.
مؤشرات حيوية للدهون
ولاستكشاف إستراتيجيات التمثيل الغذائي الغامضة التي تستخدمها هذه الميكروبات في أعماق المحيط الحيوي السحيقة، قام فريق الدراسة بقيادة "كاميل توماس" عالم الجيولوجيا في جامعة جنيف، بالحفر تحت سطح البحر الميت حتى عمق 243 متراً، وذلك للبحث عن المستحاثات الجزيئية المتموضعة في الرواسب المالحة تحت قاع البحر الميت.
واهتم الفريق بالبحث عن مؤشرات حيوية للدهون، ولهذا فقد تقص وجود آثار لمركبات جزيئية يمكن أن تدلل على كيفية عيش هذه المخلوقات قبل مليون عام. حيث إن الحفاظ على الدهون بحالة جيدة في هذه الأعماق السحيقة يقدم أدلة جيدة على مسارات التمثيل الغذائي التي تسمح لهذا النوع من البكتيريا بالبقاء في المحيط الحيوي العميق.
أسترات الشمع
وأظهر تحليل الفريق لمستخلصات الدهون دليلاً على وجود مركب "أسترات الشمع"، وهو الجزيء المسؤول عن تخزين الطاقة، الذي يمكن أن تنتجه البكتيريا وحقيقيات النوى في ظروف بيئية قاسية. واستناداً إلى الأدلة الكيميائية التي عثر عليها الفريق، فإنه يرجح أن تكون آثار الدهون الموجودة هناك من أصل بكتيري من نوع ما، وأنتجت من خلال إعادة تدوير جزيئات فرعية من الدهون المتحللة من غشاء خلايا الأركيا الميتة.
ويعتقد الباحثون أنه -بالإضافة إلى قدرتها على توفير الطاقة في شكل كربون مؤكسد- تمكنت تلك البكتيريا من تصنيع جزيئات مائية تضمن بقاءها على قيد الحياة وحمايتها من الجفاف عن طريق إعادة تجميع أنواع الدهون الأساسية المتحللة بالمياه، والناتجة عن تحلل الأرومات الأحفورية.
في البيئات شديدة الملوحة يمكن أن يحدث الجفاف بسبب التركيزات العالية من الملح، التي تسبب الإجهاد الأسموزي العالي، والذي يتسبب بدوره في خروج الماء من الخلية.
وفي حين أن هذه الدراسة الجديدة تقدم الكثير من الاحتمالات فإن هذه الآليات المقترحة تقدم القصة الأكثر ترجيحاً حول كيفية وجود الحياة في هذا البحر "الميت".
المصدر : الجزيرة