في كتابة: “سريّ جدًا أشهر 30 قصة استخباريّة”، يروي المؤلف الضابط الإسرائيليّ المتقاعِد يوسف أرغمان، من أشهر المؤرخين بالكيان في مجال الأمن والجيش قصصًا لم يكُن يُسمَح بنشرها من قبل الرقابة العسكريّة في الدولة العبريّة.
وعلى الرغم من أنّ الكتاب، الذي صدر عن وزارة الأمن الإسرائيليّة، هدفه إضفاء الهالة على الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة وبطولاتها في الحرب الخفيّة ضدّ العرب والفلسطينيين، إلّا أنّ الكتاب يشمل قصةً عن القائد المصريّ الذي أذاق المر لرئيس الوزراء الأسبق، المُجرِم أرئيل شارون، وعلى الرغم من كلّ الوثائق والقصص، التي أوردتها الصحفُ عن شارون، لم يتمكّن الإعلام العبريّ المُتطوِّع عبور هزيمة شارون على يد مناضلٍ مصريٍ كبيرٍ، لم نُفلح بعد في كتابة سيرته وبطولاته، إنه الشهيد البطل مصطفى حافظ.
وبحسب الكتاب، فإنّ الضابط المصريّ هو الوحيدُ، الذي هزم شارون، مصطفى حافظ (الشبح)، لقد كان مصطفى حافظ، الضابط المصريّ، الذي كلّفه الرئيس المصريّ الراحِل، جمال عبد الناصر بقيادة الكفاح الفدائيّ ضدّ إسرائيل في أواسط خمسينيات القرن الماضي، فقام بعمليات فدائيّةٍ جريئةٍ في عمق فلسطين، مع الإشارة إلى أنّ مصطفى حافظ كان شابًا طموحًا، يتميِّز بالشخصية القياديّة، وهو ربّما الوحيد، الذي حصل في الجيش المصريّ على رتبة عميد، وهو في سن الرابعة والثلاثين.
استطاع مصطفى حافظ، أنْ يهزِم شارون هزيمةً ساحقةً، وكان شارون في تلك الفترة قائدًا لكتيبة 101 وهي أقوى كتائب جيش الاحتلال الإسرائيليّ، والتي ركَّزت كلّ جهودها، لهزيمة وحدات المتطوعين الفدائيين في قطاع غزة، ووفقًا للكتاب، أدخل شارون فرقة من الجيش الإسرائيليّ، إلى بيت مصطفى حافظ في غزة لاغتياله، في أوائل عام 1956، ولكنّه لم يكُن في منزله، فقد كان شديد الحذر، فجُنَّ شارون وفرقتُهُ، ونسف غرفته وبوابة المنزل وغادر المكان.
ولم يكتفِ شارون بذلك: فقد قام بإدخال وحدةٍ بحريّةٍ أخرى، ولكنّه فشل في المرة الثانية أيضًا، ممّا جعل بن غوريون وموشيه دايان يوبخان شارون وكتيبته، ونقل ملف الـ”شبح” إلى القسم الخارجيّ للمخابرات الإسرائيلية (الموساد)، وهذا ما دفع الموساد في تلك الفترة إلى تنفيذ خطّةٍ كبرى، وهي اغتياله بطردٍ ناسفٍ في شهر تموز (يوليو) من العام 1956، بعد أنْ أعلنت عن جائزة، قدرها مليون دولار، لمن يُقدِّم معلوماتٍ عن الشبح (مصطفى حافظ) كما يروي المؤرخ العسكريّ الإسرائيليّ في كتابه المذكور، هذا البطل الخالد خلّدته غزةُ، فأسمت مدرسةً وشارعًا باسمه، وللأسف لم تُخلده فلسطين بوثائق تاريخيّةٍ، ومناهج دراسيّةٍ، وأفلام ومسلسلات، تُعزِّز التضامن العربيّ مع قضيتنا، تجعل أبناءنا يعرفون، بأنّ مصطفى حافظ، ليس اسمًا لمُحسنٍ كريمٍ، تَبَرَّعَ لإنشاء المدرسة، وليس اسمًا لشخصيّةٍ ثريَّةٍ، أوْ رئيس حزبٍ سياسيٍّ، سكَنَ في الشارع.
وجاء في الكتاب الإسرائيليّ أنّه في الـ11 من شهر تموز (يوليو) من العام 1956، وبعد فشل محاولات المخابرات الإسرائيليّة باغتياله، جنّد الموساد عميلاً مزدوجًا وأرسل معه طردًا مليئًا بالمتفجرات، بعد الحصول على إذن من رئيس هيئة الأركان العامّة في جيش الاحتلال آنذاك، الجنرال موشي دايان، على الرغم من أنّ رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة في الجيش في تلك الفترة، الجنرال يهوشفاط هركافي، كان يشّك في نجاح المهمة.
وكان الطرد موجهًا إلى قائد شرطة غزة، ولكن، يُضيف المؤلف، أنّه على الرغم من الاحتياطات التي كان يتخذّها الضابط حافظ، قرر فتح الطرد، فانفجر فيه، ممًا أدّى إلى مقتله على الفور، وتقول نجلته ناديا، إنّها كانت في السينما في وسط غزّة، عندما وقع الانفجار، ولكن بسبب شدّته سمعت صوته، ليتبيّن لاحقًا أنّ والدها استشهد.
ويؤكّد المؤلف على أنّ الضابط المصريّ كان مسؤولاً في العام 1953 عن قتل أكثر من 80 إسرائيليًا، إذ أنّه درج على إرسال خلايا فدائيّة إلى داخل العمق الإسرائيليّ لتنفيذ المهمات الصعبة، لافِتًا في الوقت عينه إلى أنّ العمليات التي أشرف عليها الجنرال حافظ تعدّت حدود غزة، وتمكّن من تجنيد الملحق المصريّ في الأردن، صالح مصطفى.
وبعد ذلك، كما جاء في الكتاب، أشارت تقارير المخابرات الإسرائيليّة إلى أنّ الخلايا الفدائيّة الفلسطينيّة، التي أشرف عليها الضابط المصريّ، كانت تتسلل يوميًا إلى داخل حدود الدولة العبريّة، وتقوم بتنفيذ مهمتها، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، في شهر نيسان (أبريل) من العام 1956 تمكّنت 200 خلية فدائيّة من الدخول إلى الأراضي الإسرائيليّة لتنفيذ عملياتٍ فدائيّةٍ خلف خطوط العدوّ.